مَسائِلُ عَقَدِيّةٌ (5):
كلّا ليس جميعُ الصحابةِ
عدولاً !؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
من المتّفق عليه لدى الأشاعرة
والماتريدية والحنابلة وأصحاب الحديث؛ أنّ جميع الصحابة عدولٌ بتعديل الله تعالى
إيّاهم.
وحاشا لله تعالى أن يكون
عدّل جميعَ ذلك الجيل، وفي القرآن الكريم آياتٌ كثيرةٌ في ذمّ شرائح منهم.
بيد أنّ بعض أهل الحديث،
الذين نصّوا على اسثناءِ من لم تكن له استقامةٌ بعد انتقال الرسولِ صلّى الله عليه
وآله وسلّم.
قال ابن عبدالبرّ في ترجمة
بسر بن أرطاة القرشيّ من الاستيعاب (1: 159):
قَالَ أبو الحسن عليّ بن
عمر الدّار قطنيّ: «بسر بن أرطاة أبو عَبْدالرحمن: له صحبة، ولم تكن له استقامة
بعد النبيّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وهو الذي قتلَ طفلين لعبيدِالله بن عباس بن
عَبْد المطّلب باليَمن في خلافة معاوية، وهما عَبْد الرحمن وقثم ابنا عبيدالله بن
العباس».
قال السيّد الأمير
الصنعاني رضي الله عنه في توضيح الأفكار (2: 249): «لم أجد هذا في الإصابة للحافظ
ابن حجر، مع توسعّه في النقل، وإنما قال عن الدارقطني أنه قال: لبُسرٍ صحبة فقط!
ولكنّي أظن أنّه حذف قوله «ولم
تكن له استقامة» لكونه يرى أنه لا يخاض فيما شجر بين الصحابة!
إذ إنّه قال في ترجمته: «والفتن
لا ينبغي التشاغلُ بها، وله – ابن
حجر - غلو في الصحبة، حتى قال في مروان، يقال: له رؤية،
فإن ثَبتتْ؛ فلا يُعرّجُ على مَن تَكلَّم فيه» هذا لفظه في مقدمة فتح الباري، وجزم
في التقريب (6567) بأنه «لا تثبت له صحبة».
وفي كلام الحافظ ما يَدلُّ
على أنّه إذا ثبت أنَّ مروانَ صحابيٌّ، ولو بالرؤيةِ؛ فإنّه لا يَقدحُ فيه أيُّ جَرحٍ».
قلت: هذه سبيلٌ مسلوكة لدى
كثيرٍ من متقدّمي أهل السنة ومتأخريهم، فإنهم يحذفون الكلام الذي يغضّ من قدر
الصحابيّ؛ تعظيماً لجناب الصحبة، كما يقولون، ولعلّ أكثرهم ولعاً بذلك البخاريّ.
قال الفقير عداب: القولُ
بعدالة كلّ (مَن رأى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم مسلماً، ومات على ذلك) ظاهراً،
وأنهم جميعاً في الجنة؛كذبٌ على الله تعالى وعلى رسوله وعلى الصحابة!
إذ من المجمع عليه بين
الأمة كلها؛ أنّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، كان يعامل المنافقين من
الصحابةِ معاملة المسلمين، وأحكامه القضائية تجري على الجميع سواء!
وأخبر الله تعالى رسوله
الكريم عن حال أمتّه، وأنّ فيها منافقين، فقال جلّ وعزّ:
وَالسَّابِقُونَ
الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ
بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ (100).
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ
الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ، وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى
النِّفَاقِ!
لَا تَعْلَمُهُمْ، نَحْنُ
نَعْلَمُهُمْ!
سَنُعَذِّبُهُمْ
مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101).
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا
بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا.
عَسَى اللَّهُ أَنْ
يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) [التوبة].
فالمجتمع المسلم في
المدينة النبوية؛ فيه هذا الخليط من البشر، وجميعهم يطلقُ عليهم مصطلح «صحابة»!
والله تعالى يقول لرسوله
صلّى الله عليه وآله وسلّم: (لَا تَعْلَمُهُمْ، نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ)!
فكيف لغير الرسول صلّى
الله عليه وآله وسلّم أن يعرفهم، فلا يروي عنهم بعض ما يزعمون أنهم سمعوه منه؟
وهذا لا يتعارض
مع قوله تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ
اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ
بِسِيمَاهُمْ، وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
أَعْمَالَكُمْ (30) [سورة محمّد].
لا تتعارض هذه
الآية مع سابقتها؛ لأنّ الذين يراجعون رسولَ الله من المنافقين؛ أفرادٌ، وليس
جميعهم.
وعلى التسليم
بالعموم؛ فلا يحقّ لأحدٌ من المسلمين أن يدّعي بأنّ الرسول صلّى الله عليه وآله
وسلّم علّم أصحابَه بأسماء جميع المنافقين، وهم ألوف مؤلّفة!
وقال الله
تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ
اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) [المنافقون].
فالمنافقون
كاذبون، والمنافقون صحابة، فكيف يكون جميع الصحابة عدولاً !؟
أخرج الإمام
مسلم في صفات المنافقين (2779) من حديث عمّار بن ياسر عن حذيفة بن اليمان رضي الله
عنهم قال: قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: (فِي أَصْحَابِي اثْنَا عَشَرَ
مُنَافِقاً، فِيهِمْ ثَمَانِيَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ
الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ.
ثَمَانِيَةٌ
مِنْهُمْ تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ، سِرَاجٌ مِنْ النَّارِ يَظْهَرُ فِي
أَكْتَافِهِمْ حَتَّى يَنْجُمَ مِنْ صُدُورِهِمْ).
من هم هؤلاء
الاثنا عشر صحابياً المنافقين؟ ومن هم أولئك الثمانية الذين لن يدخلوا الجنة
مطلقاً؟
لا أحد يعلم
ذلك سوى حذيفة، الذي أخبره الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بأسماء الصحابة الذين
حاولوا اغتياله، في عَقَبة تبوك!
المنافقون
الأعراب صحابة!
والمنافقون من
أهل المدينة صحابة
والأعراب كفرة
ومنافقون معاً!
قال الله
تعالى: (الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا
حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97).
وَمِنَ الْأَعْرَابِ
مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ
عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98).
وَمِنَ
الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا
يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا
قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (99).
أوضحت هذه
الآية أنّ الأعراب ثلاث طبقات:
الطبقة الأولى:
عامّة الأعراب، الذين يشبهون دوابَّهم من جهة الجهل الشامل.
والطبقة الثانية:
هم مجرموا الأعراب الكبار، الذين يبذلون الغالي والنفيس للإيقاع بالمسلمين، والنيل
منهم.
والطبقة
الثالثة: أولئك الأعراب الواعون المؤمنون الصالحون الصادقون، وهم قلّة من الأعراب،
حسب المبدأ الإلهي العام:
(وَمَا
أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) [يوسف].
(وَإِنْ تُطِعْ
أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [الأنعام].
(وَلَا تَجِدُ
أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) [الأعراف].
الرسول صلّى
الله عليه وآله وسلم ولا الصحابة الصادقون؛ لا يعرفونهم، فكيف عرفتموهم أنتم؟
ولو جعلنا المؤمنين
الصالحين نصفَ الأعراب المنافقين والفاسقين؛ فأين ضيعتم النصف الآخر، وهم ألوف
مؤلّفة ؟ّ!
هؤلاء كانوا
داخل المدينة وخارجها، أفلا يمكن أن يكون بعضُ مَن روى الحديثَ من الأعراب ومجهولي
الصحبة والمجهولين من الصحابة؛ من هؤلاء المنافقين؟
وما دليلكم على
نفي ذلك، سوى التحكّم العقليّ المحض، الذي لا يستند إلى أدنى دليل.
وقد كتبت فصلاً
واسعاً عن عدالة الصحابة في كتابي (الوحدان) فيمكنكم الرجوع إليه، مشكورين، وعلى
البحث عن الحقيقة مأجورين.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق