مسائل حديثية (14):
الحسن البصريّ مدلّس !؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
ذكرت في منشور أمس ما حصل
بيني وبين أحدِ متصوّفة الحمويين، الجهّال بعلم الحديث، جهلاً مطبقاً، من ثورته
على نقلي كلامَ المحدثين: الحسن البصري مدلّس!؟
فكتب أحد الحاقدين على
الفقير عداب منشوراً ينفي فيه عن الحسن البصري التدليس، ويقرّر بأنني اتّهمته
بالتدليس، ووصفني بالكبر!
أمّا التكبّر على أمثالِه
من الحاقدين الواطئين؛ فهو مكرمة ومحمدة، لعنة الله على شرّه وشرور أمثاله من المنحطّين،
الذين لا يستحيون!
وأمّا أنّ الحسن البصريّ
مدلّس، فإليك أقوال العلماء في ذلك.
قال المزيّ في تهذيب
الكمال (6: 97):
رأى علي بْن أَبي طَالِب،
وطلحة بْن عُبَيد اللَّه، وعائشة، ولم يصح له سماع من أحد منهم.
ونقل المزي فيه (6: 121):
وَقَال حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَلِيّ بْن زيد قال: «ربما حدث الحسنُ بالحديث!
فأقول: يا أبا سَعِيد، ممن
سمعت هذا؟
فيقول: لا أدري، غير أني
أخذته من ثقة!
فأقول: أنا حدثتك به» !؟
وفيه أيضاً (6: 122):
وَقَال حمادُ بن سلمة أيضاً: عن حميد الطويل: ذهبت أنا والحسن إلى أبي نَضرة – المنذر بن مالك العبدي البصريّ، فحَدَّثَنَا أن عُمَر
بْن الخطاب كَانَ في مسير له، فأتى عليه علقمة بْن علاثة ليلاً.
ثم ذكر الحديث أبو نضرة
الحديث بطوله.
قال حميد: فكان الْحَسَن
يحدث به بعد ذلك، وما سمعته رواه قبل ذلك، وكان أحسن سياقاً له من أبي نضرة، ولا
يذكر أبا نضرة» يعني يرويه مباشرة عن عمر.
وفيه (6: 125) عن محمد بن
سعد صاحب الطبقات الكبرى:
قَال: قَالُوا: وكان
الْحَسَنُ جامعاً عالماً، رفيعاً، فقيها، ثقة، مأموناً عابداً، ناسكا، كثيرَ
العلم، فصيحاً، جميلاً، وسيماً.
وكان ما أسندَ من حديثه
وروى عمّن سمع منه؛ فحسن حُجّة.
وما أرسل من الحديث؛ فليس
بحجة».
ونقل الذهبيّ في تذكرة
الحفّاظ (1: 57) كلام ابن سعدٍ مقرّاً له، وزاد: «قلت: وهو مُدلّس، فلا يحتج بقوله
«عن» فيمَن لم يُدركْه وقد يُدلّس عَمّن لَقِيَه، ويُسقِطُ مَنْ بَيْنَه وبَينه،
والله أعلم».
وترجمه الذهبي في سير
أعلام النبلاء (4: 563) وقال فيه (4: 572): «وَالحَسَنُ، مَعَ جَلاَلَتِهِ؛ فَهُوَ
مُدَلِّسٌ، وَمَرَاسِيْلُهُ لَيْسَتْ بِذَاكَ، وَلَمْ يَطْلُبِ الحَدِيْثَ فِي
صِبَاهُ، وَكَانَ كَثِيْرَ الجِهَادِ.
وَصَارَ كَاتِباً
لأَمِيْرِ خُرَاسَانَ الرَّبِيْعِ بنِ زِيَادٍ».
وقال أبو زرعة العراقي في
كتاب المدلّسين رقم (9):
«الحسن بن أبي الحسن
البصري، من المشهورين بالتدليس».
وقال برهان الدين الحلبي
في كتابه التبيين لأسماء المدلّسين (12): « الحسن بن أبي الحسن البصري من
المشهورين بالتدليس».
وقال ابن حجر في كتابه عن
المدلّسين (40): « الحسن بن أبي الحسن البصري الامام المشهور من سادات التابعين
رأى عثمان وسمع خطبته ورأى عليا ولم يثبت سماعه منه كان مكثرا من الحديث ويرسل
كثيرا عن كل أحد وصفه بتدليس الاسناد النسائي وغيره».
وقال في تقريب التهذيب،
الذي يعرفه ذاك الوغد بيقين (1227): «الحسن البصريّ: ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان
يرسل كثيراً ويدلّس».
وفي كتاب التدليس
والمدلّسون للشيخ حمّاد الأنصاري (ص: 49): « الحسن بن أبي الحسن البصريّ، الإمام
المشهور, من سادات التابعين, رأى عثمان وسمع خطبتَه, ورأى عليّاً، ولم يثبت سماعه
منه, كان مكثر من الحديث, ويرسل كثيراً عن كل أحد. وصفه بتدليس الإسناد النسائي
وغيره».
ختاماً:
صدق الله تبارك وتعالى، في
أمثال أولئك الأوغاد السفلة، الذين يعرفون يقيناً أنهم يشوّشون على عباد الله
بالباطل، فقد قال:
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي
الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا، أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ
بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ، وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي
فِي الصُّدُورِ (46) [الحجّ].
وقال تبارك وتعالى: (أَرَأَيْتَ
مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ
تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا
كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) [الفرقان].
عن الحسن البصريّ في قوله
تعالى: ((أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ):
قال: كلّما ساقه عقله إلى
شيءٍ؛ ركبه!
رحم الله تعالى الإمامَ
الحسن البصريّ، فقد كان من خيار خلق الله تعالى – ولا نزكّيه - لكنه كان يُرسل عن كلّ أحدٍ، فأتعب المحدّثين
لتمييز صحيح سماعه من خطئه، فما أكثر ما قالوا:
لم يسمع من فلان!
لم يسمع من فلان!
ولم يسمع من فلان!
وقالوا: كان يرسل كثيراً.
وقالوا: كان كثير التدليس!
فلا تلازم بين التقوى
والشجاعة، وبين المعرفة الحديثيّة!
لقد كان الإمام أبو حنيفة
أشجع من مالكٍ ومن الثوريّ ومن شعبة ومن الليث بن سعد، ومن الشافعيّ وأحمد بن
حنبلٍ!
لكنّ هؤلاء جميعاً كانوا
أعلم بالحديث الشريف منه، وأتقن لما يروونه، رحمهم الله تعالى أجمعين!
إنّ كاتب هذا المنشورِ،
يعلم أنّه «وَبْش» يلبّس على القرّاء الكرام، ويعلم أنني لم أتّهم الحسن البصريّ
بالتدليس، وإنما وصفه الأئمة الذين ذكرت أسماءهم بذلك!
لكنّ الإنسان الوطيء
الغثيث، ليس له عملٌ سوى تشويه صورة مَن يخالفونه أو يخالفون شيخَه المتعصّب
الحاقد هو الآخر.
وتلك لعمري سبيلٌ هالكةٌ،
ستوديكم إلى سواء الجحيم!
(لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى
الظَّالِمِينَ) [الأعراف - هود].
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق