الخميس، 28 أكتوبر 2021

 قريبا من السياسة (١7):

هل حرب التحالف الخليجيّ العبريّ على اليمن عبثيّة؟!

 بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

في أوّل سطرٌ أوجّهه إلى رُتوتِ الخليج، وعرافج الوهادِ الجرداء؛ أقول:

حَنشٌ على يمني، وأنتَ نعامةٌ

خرقاء في برلينَ، أو واشنطنَ

يا معشرَ الأعراب، أنتم سُبّة

في نسبةٍ للعربِ، أربابِ القنا

يا أيها المتآمرون بخسّةٍ

ودناءةٍ مرعوبةٍ من أهلنا

الله يحفظُ من شروركم الدنى

شاماً، عراقاً، قيرواناً، يمنا

وليحفظ الحوثيَّ، لا حُبّا به

لكنْ ليجزيَكم مكابدةَ العنا

أيها الرتوت الصِغار !؟

يا مَن تزعمون أنكم العربُ العرباء، أصحاب الخشوم الشمّاء!

ألا تستحيون على وجوهكم الدكناء، وعيونكم العمياء، وقلوبكم العجفاء؛ أن يحزنَ ويتألّم لأهل اليمن، الذي شقي بلؤمكم ونذالتكم ؛ رجلٌ ليس بمسلم، ولا ندري عن نسبه شيئاً؟

إنّ حربكم على اليمن ليست عبثيّة أبداً، مع الاعتذار من الوزير «جورج قرداحي» الذي يمتلك من الغيرة والشهامة والرحمة؛ ما لا يعرفه الأعراب الحفاة العراة العالة البُهمُ رعاء الشاء!

إنّ حروبكم يا رتوتَ الخليج على مصر وتونس والسودان وسوريا ولبنان والعراق واليمن؛ حروب صهيونيّة صليبيّة بامتياز ومجاهرة، يخطّط لها الصهاينة، ويصدر أوامر إشعالها الصهاينة المسيحيون في أمريكا، وأنتم تنفذونها، من دون أيّ مقابلٍ لدى ساداتكم الصهاينة الأوشاب، سوى الحسرة والعذاب المقيم!

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ).

إنّ الذي يستحلُّ قتلَ مسلمٍ واحدٍ بغير وجه حقّ؛ مرتدٌ عن الإسلام، وإن صام وصلّى وزعم أنّه مسلم.

أيها الصهاينة الأعراب!

دمّرتم بلاد العرب، وأفقرتم شعوبها، وجهّلتموهم، وأمرضتموهم، وشرّدتموهم عن ديارهم وأوطانهم، إرضاء لساداتكم الصهاينة النتنى الأوغاد!

وإني أسأل الله تعالى أنْ يذيقكم خزي الدنيا، فتهزمون، وتجرّون أذيالَ النذالة والخيبة في جميع البلدان، التي سعيتم إلى خرابها، وأوّل هذه البلدان التي ستذيقكم الهوان، وتوردكم الوَذَحان؛ هي يمن اليمانِ، أرض الريحان، ومنبت الشجعان.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى اللهُ على سيّدنا محمّد بن عبداللهِ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كل حال.

الاثنين، 25 أكتوبر 2021

 قريبا من السياسة (١6):

حَيّا اللهُ أردوغان!؟

 بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

إنّ الحكم على قائدِ أمّةٍ، ورئيس دولة؛ لا يجوز أن يقوم به مثلي، إلا بعد استكمال المقدمات الضرورية لذلك، وهذا بعيدٍ عن أطُر اهتماماتي.

إنّما كلامي إشادةٌ بموقفٍ شجاعٍ رجوليّ، لو وقف مثلَه عنترةُ العبسيّ، أو الزير سالم التغلبيّ الجاهليّان؛ لأشدتُ وأشاد الرجال الشجعان به، وقالوا: بخ بخ!

هكذا فلتكنْ مواقفُ الرجال أصحاب العزّةِ والكرامةِ!؟

إنّ قرار الرئيس «رجب طيّب أردوغان» بطردِ سفراء عشر دولٍ غربيّة، فيهنّ أمريكا؛ يساوي عُمُراً بأكمله، يعدِل حياةَ أمّةٍ وتاريخَ شعب!

«نحن تركيا ... لسنا دولةَ قبيلة» أعرابٍ بوّالين على أعقابهم، قاتلهم الله أنّى يؤفكون!

حيّا الله تركيّا الإيمانِ والإسلام!

حيّا الله الشعوب التركية المسلمة المؤمنة!

حيّا الله مواقف الرجولة والشرف والكرامة!

حيّا الله عبدَه الراجي عونَه ورشادَه وسداده «رجب طيّب أردوغان»!

هكذا فلتكن القيادة!

هكذا فلتكن الإرادة!

هكذا فلتكن السياسة ... سياسة (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ، وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ!!

وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)

إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ، وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا؛ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) [سورة محمّد].

اللهم إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد بن عبدالله، أفضلُ صلواتك وبركاتك عليه وآله؛ أن تُثبّتَ عبدَك «أردوغان» على الحقّ والصواب، وأن تزيدَه هدى ورشاداً وتقوى، وأن تكون معه في نصرة الإسلام والمسلمين.

(وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ، إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ؛ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ، وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُونَ، وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً).

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى اللهُ على سيّدنا محمّد بن عبداللهِ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كل حال.

الأحد، 24 أكتوبر 2021

 اجتماعيات (36):

لماذا تحبّ العراق، وتحنّ إليه؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).

هتف إليّ يقول: بلغني أنك تنوي السفرَ إلى العراق، أصحيح هذا؟

إذا كان هذا صحيحاً؛ فتذكّر ما ذا فعل بك العراقيون، ولا تنس ما أصاب أسرتك في العراق، و و و !؟

أقول وبالله التوفيق:

ذكرتُ مراراً وتِكراراً بأنني لا أعترف بهذه الحدود الدوليّة كلّها، العراق وحدة جغرافية، والشام وحدة جغرافية، ومصر وحدة جغرافية أيضاً، هذا صحيح!

لكنني أنا حاضرٌ وموجود في كلّ بلدٍ يدين بدين الإسلام، وراسخ في كلّ قُطر فيه واحدٌ من آل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم!

هذا هو المعيار العقَديّ عندي، ولا قيمة لمعيار الأمم المتحدة، ولا الاتحاد الأوربيّ، ولا اتّحاد دول الخليج العِبريّة أبداً، فمعايير هؤلاء جميعاً معايير عبيدٍ أتباع، ونحن آل البيت متبوعون، لا نكون أتباعاً لأحدٍ من البشر على الإطلاقِ، إلّا أن يحيط بنا ظلمُ ظالم، وحقارةُ وغدٍ مجرم.

هذا من حيث الأصل الشرعيّ والعُرف الهاشميّ.

أمّا من حيث الاعتبارات الاجتماعية؛ فأنا عراقيّ الأصل، موصليّ العشيرة، والموصل أحبّ إليّ من موطنِ ولادتي، مدينة حماة الحبيبة أيضاً.

إنّ أعظم جدودي في مدينة حماة؛ الشيخ محمد مهران الأخلاطيّ، والشيخ محمّد الحمش، رضي الله عنهما.

لكنّ في العراق من أجدادي: الإمام عليّ، والإمام الحسين، والإمام زيد، والإمام موسى الكاظم، والإمام محمّد الجواد، والإمام علي الهادي العسكريّ، والإمام أحمد ابن الرفاعي، والإمام عبدالقادر الجيلانيّ، والإمام أبو مسلّم العراقيّ، والسيّد جعفر الزكيّ المصدّق، وعلماء وأولياء وقادة وزعماء، لا يحصون كثرة!

وفي العراق؛ أكبر جمهرةٍ من زملائي الأفاضل، وتلامذتي الأكارم، وأصدقائي النبلاء، الذين كنت وما زلتُ على الوداد والمحبة والصفاء لهم!

فإذا وُجدَتْ حفنةٌ ممّن يقيم في العراق؛ لم يرعوا حرمتي، ولم يعرفوا قدري، وتعمّدوا الإساءةَ إليّ؛ فما من بلدٍ في هذه المعمورةِ، ليس فيه سِباخ!

إنّني لا أحترم النواصبَ أبداً، ولا أحبّهم، وأرتاب في تديّنهم، إذ لا يوجد ناصبيّ بريءٌ من الحقد والضغينة والهوى، فطبعيّ أنْ لا يحبّونني، ولا يرغبون بوجودي بينهم.

عقب ردُّ أطروحتي للدكتوراه ظلماً وعدواناً وسفهاً؛ اتّخذتُ لنفسي ورداً، أدعو عليهم به، عقب كلّ صلاة!

«اللهم مَن أساء إليّ بجهلٍ وسوء تقديرٍ؛ فسامحه وارحمه وبارك له في دنياه وآخرته.

ومن أساء إليّ وأهانني حسداً وحقداً وناصبيّة، أو رضي بذلك؛ فخذ لي حقّي منه، وبلّغه شرَّ ما في الدنيا والآخرة» ظللت أدعو عليهم بهذا الدعاء ثلاثَ سنينَ أو أربعاً.

حتى جاءني في المنام هاتفٌ جَهْوريّ ، يقول لي: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، أَوْ يُعَذِّبَهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) [آل عمران].

وقال لي كلاماً آخر، لا حاجةَ إلى ذكره.

إنني عندما أشتاق إلى العراق؛ أشتاق إلى آل بيت الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وأوليائهم، أحياءً وأمواتاً، وإلى أتباعهم على الحقّ وأحبابهم، ولا أشتاق أبداً إلى تراب العراق، ولا إلى ماء العراق، ولا إلى هواء العراق، ولا حتى إلى بترول العراق المنهوب!؟

فماء الشام وتراب الشام وهواء الشام ومُناخ الشام ورياض الشام وياسمين الشام؛ ألذّ وأطيب وأهنأ من أمثالِه في العراق وجزيرة العرب، من دون اختلاف، فيما أفترض!

 حيّا الله العراق هواءً وماءً وتراباً، وحيّا الله السادةَ آل البيت في العراق، وأحبابَ آل البيت في العراق، وأتباع آل البيت على الحقِّ في العراق.

بهذه المعاني عشت في العراق عراقيّاً، وبهذه المعاني؛ أحبّ العراق، وأشتاق إلى العراق، وأحنّ إلى العراق العظيم!

والله تعالى أعلم.

]رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[.

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلَّم تَسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

الثلاثاء، 19 أكتوبر 2021

 التصوّف العليم (9):

السادة الكسنزان من جديد!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

عقب منشور اجتماعيات (35) الذي تحدّثت فيه عن مشروعية الاحتفال بالمولد النبويّ الشريف، وذكرت جهود شيخي وسيّدي «محمد الكسنزان» رضي الله عنه بهذا الشأن؛ عاتبني بعض الإخوة العراقيين؛ بأنّ الكسنزان كذا، وكذا، وكذا، وكذا!

من جنس التهم الستّ التي نقلها إليّ الدكتور عبدالحكيم السعديّ، من أنّ عداب «رافضيٌّ، زنديق، عميل للماسونية، والموساد، وإيران، والسعودية» وأنّ شيخَكم الحاضر «السيد محمد نهرو» كذا وكذا وكذا !؟ «مما لا يليق سردُه».

أقول وبالله التوفيق:

صحبتُ الشيخ محمد بن عبدالكريم الكسنزان الحسينيّ البرزنجيّ «قدّس الله روحه ونوّر ضريحه» من منتصف عام (1996) حتى الشهر الثامن، من عام (2002م) باستثناء سنةِ (1999- 2000م) عشتها في عمّان، أبحث عن عمل!

في هذه السنوات؛ كنتُ قريباً من الشيخ كأولاده، وربما أسرّ إليّ بأمورٍ، لا يقولها الوالد لأولاده عادة!

وكثيراً ما كنت أخلو بالشيخ، فيحدّثني عن سيرته وسيرة والده الشيخ عبدالكريم الكسنزان رضي الله عنه.

وبعض كان يحدّثني به؛  يقول لي: مجلسنا هذا أمانة يا سيّد!

وبعض الحديث لم يكن يقول لي: المجلس أمانة!

قبيل مغادرتي العراق، في آب (2002م) بأيامٍ، وربما بيوم واحد، لا أضبط؛ حضرت مجلسه المبارك، وتأثّرت كثيراً بالفعاليّات التي أجراها الله تعالى على أيدي دراويش الكسنزان، ثم صعدنا إلى المجلس العامّ، وكان يجلسني بجانبه باستمرار، وبدون استثناء مرةٍ واحدة، طيلة هذه السنين، ولم يكن يسمح لأحدٍ أن يجلس بيني وبينه، حتى لأولاده وخلفائه الكرام، على الإطلاق!

اقتربت منه، وقلت: سيدي سأغادر إلى عمّان، وقد لا أراك بعدها: هل كلّ ما حدّثتني به منفردَين هو أمانة، أو يمكنني أن أحدّث به بعد عمرٍ طويل؟

قال: ما قلت لك: إنّه أمانة، فهو أمانة، وما سوى ذلك؛ فحدّث به متى شئت!

لكنْ نحن سنلتقي، وسنلتقي كثيراً بعد، بقي أمامنا عمر طويل، لا تخف!

أقول:

عشت أيّاماً سوداءَ من الضيق والفقر والحاجة، وتراكم الديون، منذ منتصف عام (1996) وحتى الشهر العاشر من عام (2004م).

لم يُعطِني سماحته ديناراً عراقيّاً واحداً، مع أنني كنت المعلّم والمحاور والخطيب والمفتي العام للطريقة، ولم أطلب منه أنا أيضاً سوى الدعاء!

كنت أقول في نفسيّ: الشيخ أحضرك إلى التكية، وأولاك اهتمامه ورعايته بأمرٍ من أهل الله، كما حدّثني هو، فتكون تصرّفاته تجاهي كلّها موجّهة بأوامر، ولا يحقّ لي أبداً أن أحدّث نفسي بشيء من هذا، فكنت أستغفر الله العظيم، إذا خطر في نفسي مثلُ هذا الخاطر، الصادر عن الضيق الشديد!

بعد العام (2004) أقام سيدنا الشيخ في عمّان، وكنت أزوره، كلما دعاني هو قلبيّاً.

وعَقِب وفائي أكثر من ستّين ألف دولارٍ من ديوني؛ كان معي في عام (2008) أو (2009م) مبلغ (7000) دولار.

حملت منه (5000) دولار، وزرتُ سماحته قبل اجتماع الناس مساءً.

قلت للحارس: بلّغ سماحة الشيخ حصريّاً بأنّ عداب الحمش يرغب بزيارته منفرداً!

بلّغ الحارس مَن هو أعلى منه، وأقربُ إلى الشيخ، فجاء إليّ هذا الأعلى، ولم أره من قبل، وسمتُه مثلُ سَمتِ المخابرات الأردنيّة!

أخبرني بأن الشيخ في راحتِه الآن، وربما كان نائماً، فتفضّل اجلس في غرفة الضيوف، ريثما يؤذّن للمغرب، عندها ينزل الشيخ، فتلتقي معه.

قلت له: إذن أرجع عند صلاة المغرب!

قدّمني سماحته، فصلّيت بالحاضرين، ولم يكن يسمح لمخلوق أن يصلّي به إماماً سوايَ،  إذا كنتُ حاضراً، سواء في العراق أم في الأردن.

عقب الصلاةِ؛ قرأ أحد الحاضرين قليلاً من القرآن العظيم، ثمّ أحضروا الشاي!

اقتربتُ من سيّدي الشيخ، وقلت له: أريدك بمسألة صغيرة، لا تستغرق أكثر من دقيقتين، قال: فهمتُ عليك، لكن أنا أيضاً أريدك بمسألة خاصّة!

ثمّ نادى على أحدهم وقال: الحقنا بالشاي إلى هناك، وأشار إلى الموضع الواسع الذي كنّا نتناول العشاءَ فيه.

جلس على كرسيّه، فحاولت الجلوس مقابله، فقال: لا لا، اجلس قريبا مني يا سيّد، أنت أخي وابن عمي وحبيبي.

فجلستُ حيث أشار إليّ، ثمّ قال لي: أنا أعرف ما تريد أن تقول، لكني أريد أن أقول قبلك، إذا سمحت لي!

أنتَ الآن ياسيّد وضعك الماديّ مريح ولله تعالى الحمد لكنّك لم تنتبه إلى أولادك أبداً، أنت حتى اليوم لم تؤمّن لهم شقّةً صغيرة، يسكنون فيها، لا في الأردنّ، ولا في سوريا.

سجّل لأولادك على شقةٍ بالتقسيط، أو هذا الذي يسمّونة «إيجار ينتهي بتمليك» فهذا خيرٌ مما تريد أن تقوله لي، فنحن ولله الحمد والمنّة عندنا هذا البيتُ وغيره وغيره، وغيره أيضاً!  

ثم قال لي: هل تريد أن تقول شيئاً؟ قلت: لا، حصلتُ على الجواب!

«لكنني لم أعمل بنصيحة سيدي الشيخ، فأنا حتى اليوم لم أملك شقةً ولا سيارةً ولا مالاً، سوى ما خلّفه لنا الوالد من عقار، في سوريا».

ثم صارحته وقلت له: أنا تضايقت من حارسكم هذا، فهو يشبه المخابرات، وحاول أن يجري معي تحقيقاً كتحقيقات المخابرات الأردنية الكريهة، وأنا لا أحتمل مثل هذه المواقف!

قال: هو لا يعرفك، وأنا سأنبّه على الجميع، وأقول لهم: إذا جاء ابن عميّ الدكتور السيّد عداب، في أيّ وقت؛ فخبّروني حتى لو كنت نائماً!

حضرة الشيخ محمد الكسنزان؛ من أنبل الرجال الذين عرفتهم في حياتي، اذهب أخي القارئ إلى كتب معاجم اللغة، واستعْرِض ما فيها من معانٍ لكلمة «النُبلِ» ستجد معانيها الأرقى كلّها مجتمعة لدى سيّدي الشيخ محمد الكسنزان.

في صيف عام (1996) ألزمني بالإشراف العلمي والمشاركة الفاعلة في «دورة الكسنزان العلمية الأولى» وقال لي: أنت ستشرف على هذه الدورةِ غصباً عنك، وليس باختيارك، هكذا جدودك أمروا.

عندما بدأتُ الدورة؛ كان الشيخ محمّد الكسنزان يدخل إلى قاعة الدرس ومعه الشيخ «نهرو» قبلي، ولم يدخل بعدي، ولو مرّةً واحدة.

كنت ألقي الدرس كما أعلم من دين الله عزّ وجلّ، من دون مراعاةِ تقاليد الصوفيّة وإطلاقاتهم.

وعندما تنتهي المحاضرة؛ يقف عند باب القاعة، ينتظرني حتى أخرج قبلَه، لكنني قطعت عليه الطريق، فأقسمت أنني لا أخرج قبله، ولا أمشي أمامه قطّ!

كنت أخطب الجمعة ساعةً أو أكثر من ساعة، والناس معتادون على الخطب القصيرة؛ لم يعاتبني مرّة واحدةً، ولم يطلب مني هو أو الشيخ «نهرو» أنّ أقصّر الخطبة!

كنت أقرّر العقيدةَ التي أعتقد، وإن خالفت ما هو متوارثٌ لدى الأشاعرة والصوفيّة، فلم يعترض عليّ، سوى مرّة واحدةٍ!

بعدما خرجنا من صلاة الجمعة؛ قال لي: الحديث الذي استشهدت به على المنبر، والذي قلتَ: أخرجه مسلم، هل هو صحيح عندك؟ قلت: الأصل أنه صحيح، لأنّ ما في الصحيحين صحيح، إلا ما ظهرت فيه علّة.

قال: ليتك تبحث عن هذه العلّة؛ فإنّ أهل الله يقولون: هذا الحديث غير صحيح.

عندما خرّجتُ الحديثَ؛ تبيّن لي أنّه حديث ضعيف، فيه عدّةُ علل.

لم أقل لسماحة الشيخ شيئاً، حتى جاء يوم الجمعة، فبعد استهلال الخطبةِ، وقبل الشروع بموضوعها، ذكرت للناس ما حدث، وأظهرت لهم علل الحديث، وحكمتُ بضعفه!

ثمّ لم أعد أعتمد على آلاف الأحاديث التي أحفظها، إنما أصبحت أخرّج الأحاديثَ التي أريد الاحتجاج أو الاستشهاد بها بعد ذلك، قدر الطاقة، ولم يعترض عليّ بشيءٍ آخر، قبل ذلك ولا بعده.

إنّ أكبرَ المآخذ التي يأخذها الصوفيّة العراقيّون على السادة الكسنزان «الشيخ محمد وأولاده وأقاربه» - حسب ما سمعت بنفسي - أنهم يعيشون بنعمةٍ ورفاهية وترف ماديّ، وهم قد اعتادوا أنّ شيوخهم فقراء، كثير منهم يعيش على ما يقدّمه إليهم دراويشهم!

كان يسألني كثيرون من تلامذتي وغيرهم: من أين لهم هذه الأموال الطائلة، وليس فيهم واحدٌ يعمل شيئاً، جميعهم طلّابٌ في الجامعات؟!

فكنت أقول لهم: أنا والله لا أعلم، ولا أحبّ أن أعلم، لكنني أذكر لكم قصّة قصيرةً شاهدتها بنفسي!

في عام (1960) أعطاني الطريقَ الشاذليّة شيخي عبدالقادر عيسى قدّس الله سرّه، في منزل شيخي فارس أحمد السالم، وقال لي: تابع مع الشيخ فارس!

فصرت أزور الشيخ فارس، وأحضر في زاويته مجلس الذكر المحدود الخاص، ثم يأخذني معه إلى دار الفقراء «الزاوية الرسمية للطريقة» فأحضر هناك.

مضت سنواتٌ على هذه الحال، إلى أن حصلت خصومة بينه وبين والده.

كان والده من الرجال الشجعان الكرام، لكنه لم يكن يعرف التصوّف، ولا يحبّ الصوفيّةَ ولا المشايخ بوجه عام!

كان الشيخ فارس يتأخر في الزاوية حتى يقرأ حزبه من القرآن العظيم، ويسوق وردَه الصباحيّ من الأذكار والتسبيحات والصلوات والتسليمات على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم.

ففي يوم جمعة مررت به، لنذهب معاً إلى مجلس الصلاة على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في «التكية الهدائيّة» جوار المشفى الوطني الرئيس في مدينة حماة.

فحضر والده يرغي ويزبد، ويصرخ على الشيخ فارس، ويؤنبه لأنه لم يذهب إلى مقالع الحجر ويتفقد «الكسّارة» فاحتدّ الشيخ فارس في حضرة والده، وقال له: يا أبي.. يا أبي.. يا أبي.. اليوم جمعة أصلاً، أنت ناس أنّ اليومَ جمعة، وعندنا مجلس الصلاة على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

قال له والده: وراءك [لا أذكر العدد الذي ذكره] من الأرواح تريد أن تأكل، هل يأتيك مجلس الصلاة على سيدنا النبيّ بمال لإطعامهم؟

أنت دائم الصلاة على الرسول في كل دقيقة، فما حاجتك إلى تضييع وقتك بحضور المجلس؟

الشغل يا فارس الشغل ...إلخ.

قال الشيخ فارس رحمه الله تعالى: الشغل.. الشغل.. الشغل، ما عندك غير الشغل والفلوس!

يا أبي والله لو أردتُ أن أقلب لك جبلَ «زين العابدين» ذهباً؛ لفعلت!

كفى كفى كفى، نحن في نعمة عظيمة، لم نوف الله شكرها!

والله لا أفوّت مجلس الصلاة على الرسول صلى الله عليه وآله وسلمّ، لو تهدّم المقطع، واحترقت الكسارة، وخسرناها كلّها.

ثم شغّل الماتور، وركبت خلفه، وانطلقنا إلى التكية، التي عَمَرَها، وكان يشرف عليها شيخنا الشيخ محمود الشقفة الرفاعي رضي الله عنه.

كان الشيخ فارس غاضباً، وكان يحوقل كثيراً، حتى وصلنا التكية، فلم أسأله عن شيء!

عندما رجعتُ إلى بيتنا؛ قصصت على جدّي ما حصل أمامي، وحكيت له قولَ الشيخ فارس عن قلب جبل زين العابدين ذهباً، وقلت له: كيف يحلف على ذلك، وهل هو يستطيع فعلَ ذلك فعلاً؟!

ضحك جدّي السيد إبراهيم رضي الله عنه وأجابني بسؤال: مَن خلق جبل زين العابدين؟ قلت له: الله تبارك وتعالى.

قال: ومَن أودع ذرّات الذهب ضمن ذرّات التراب؟ قلت: ربّنا الله سبحانه وتعالى!

قال: وهل من فارق بن «كن» التراب، و«كن» الذهب، عند الله تعالى؟

سكتّ ولم أجبْ؛ لأنني لم أفهم بسرعةٍ المقصود.

قال: يا عدَيّب، التراب والذهب والعقيق والماس، كلها عند الله تعالى تراب!

يا ابني (ربّ أشعث أغبر، لا يؤبه له، لو أقسم على الله؛ لأبرّه) هذا حديث عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه.

الله تعالى قادر على كلّ شيءٍ، ولولا أنّ الشيخ فارس رأى إشاراتٍ من عناية الله تعالى؛ ما أقسم على ذلك.

ختاماً: أنا لستُ من المغالين في سيّدي الشيخ «محمد الكسنزان» ولا في أيّ مخلوق، ولا أقول فيه إلّا ما علّمنا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في آحاد المؤمنين.

لا أقول: إنّه قطب الوجود!

لا أقول: إنّه وليّ الله الأعظم!

لا أقول: إنه من الأبدال.

لا أقول: إنّه من الصالحين.

إنّما أقول: (أحسبه من عباد الله الصالحين والله حسيبه ولا أزكّيه على الله تعالى) أخرجه البخاري ومسلم.

لأهل القلوبِ وأهل المقاماتِ؛ أن يقولوا ما يشاؤون، فهم أدرى بأحوالهم، أمّا أنا فرجل من أهل الحديث، أقف حيث أوقفنا رسولنا العظيم صلّى الله عليه وآله وسلّم، فحالي ومقامي الروحي؛ لا يسمحان لي بالتطاول على مقامات أصحاب القلوب.

وإلى منشورٍ آخر عن السادة الكسنزان، إن شاء الله تعالى.

والله تعالى أعلم

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

الأحد، 17 أكتوبر 2021

 اجتماعيات (35):

الاحتفال بذكرى المولد النبويّ؛ سنّة حسنة!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).

إنّ ممّا نصّ عليه ابن رجب الحنبليّ في جامع العلوم والحكم؛ أنّ ما كان عليه السلف من القرون الثلاثة المفضّلة، وإن لم يكن موجوداً على عهد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ فهو مشروعٌ، وليس بدعةَ ضلالة!

ونحن نقول: إنّ أيّ حدَثٍ جديدٍ، ولو في القرن السبعين، لا يدخل تحت ساحة العبادة دخولاً أوّلياً، وكان لا يعارض كتاباً ولا سنةً ولا معلوماً من الدين بالضرورة؛ فهو ليس من بدعة الضلالة في شيءٍ!

وتعيين يومٍ محدّدٍ للذكر، أو تلاوة القرآن، أو إعلان الفرح والبشر بالرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، أو بشيءٍ من تاريخه؛ أجازه جمهور العلماء، ومنعه الحنابلة!

ونحن الصوفيّةَ مع جمهور العلماء، ولسنا مع الحنابلة الظاهريّة، ولا مع الحنبليّة الوهابية السياسية، التي أقامت دولتها على تكفير المسلمين وقتلهم، خصوصاً آلَ بيت الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

والسادةُ الصوفيّة بوجهٍ عامٍ على مذهب إمام الأمة، الذي لا يقاربه أحدٌ من العلماء بعد جيل الصحابة، وإلى عصره البتّةَ، لا من آل البيت، ولا من غيرهم!

نحن الصوفيّة نقتدي بالإمام الشافعيّ في فهمه، فالإمام الشافعيّ أمّة وحدَه ويحتجّ بفهمه اللغويّ، كما يحتجّ بالفبيلة من العرب!

إمامنا الشافعيّ قال لنا: «الْمُحْدَثَاتُ مِنَ الْأُمُورِ ضِرْبَانِ:

- أَحَدُهُمَا: مَا أُحْدِثَ يُخَالِفُ كِتَابًا أَوْ سَنَةً أَوْ أَثَراً أَوْ إِجْمَاعاً!

فَهَذِهِ بِدْعَةُ الضَّلَالَةِ.

وَالثَّانِي: مَا أُحْدِثَ مِنَ الْخَيْرِ، لَا خِلَافَ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَا؛ فَهَذِهِ مُحْدَثَةٌ غَيْرُ مَذْمُومَةٍ!

وَقَدْ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ: «نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ» يَعْنِي أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ لَمْ تَكُنْ, وَإِنْ كَانَتْ «محدثةً» فَلَيْسَ فِيهَا رَدٌّ لِمَا مَضَى» ردّ لما مضى: يعني مخالفةً صريحة.

قال الإمام البيهقيّ في المدخل إلى السنن الكبير (253): أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو «هو محمّد بن موسى بن الفضل بن شاذان النيسابوريّ» قال: حدّثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ «الأصمّ الحافظ»: حدّثنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وساقه، وهذا إسناد صحيح.

وقد كان سيّدي الشهيد مروان حديد t ميّالاً إلى الفكر السلفيّ الذي يعتمد الدليل ولا يقبل بالتقليد الأعمى، يقول لنا مرّات، في كلّ ذكرى للمولد الشريف!

«سبحان الله تعالى، ما أقلّ ما يفهمُ إخواننا السلفيون هؤلاء!

الاحتفال بالمولد النبويّ موسمٌ للدعوة إلى الله تعالى، تأذن فيه الحكومات الظالمة الضالة لك بأن تعرض فكرك، وتعلّم إخوانَك المسلمين، وتعلن البِشر والفرحَ بالرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وتغيظُ أعداء الدين، وتثاب على ذلك كلّه!

قال الله تعالى: (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ.

ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ، وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120).

وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً، وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121) [التوبة].

وقد كان شهر ربيعٍ الأنور في زمانه رضي الله عنه، كلّه موسماً للخطابة والمحاضرات وقصائد الشعر والزيارات والمصالحات بين المتخاصمين!

لقد كان موسماً دعويّاً رائداً رائعاً، على عهده المبارك!

أمّا موسم المولد المنقطع النظير، والذي ما شاهدتُ، ولا حكى لي أحدٌ عن وجود مثله في عصرنا الحاضر؛ فهو موسم المولد الذي كان يقيمه سيّدي وشيخي الشريف محمّد بن عبدالكريم الكسنزان الحسينيّ البَرزَنْجيّ، رحمه الله تعالى، ورضي عنه وأرضاه.

فأنا والله أعتقد عقيدةً جازمةً أنْ لولا رضا الله تعالى بهذا الموسم، ورضا رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ ما تمكّن رجلٌ مهما علا شأنه، وعظمت إمكاناته؛ أن يقيم «مِهرجانَ» كالذي كان يقيمه شيخنا الكسنزان في موسم المولد الشريف!

كان للاحتفال بالمولد النبويّ الشريف، عند الشيخ الكسنزان طعماً وذوقاً فريداً، تحسّ فيه بالفرح والبِشر والسرورِ والعزّة والهيبة والنظام والوقار والكرم، الذي لا يدانيه كرم مخلوق!

عشرات الألوف من الناس يأكلون ويشربون، ويبكون ويفرحون ويتوضّؤون ويصلّون ويستمعون إلى تلاوات القرآن العظيم والمدائح النبوية والمواعظ والقصائد الشعريّة!

يتصدّر ذاك الجمعَ الهائلَ المباركَ شيخُنا السيّد محمد، وجمهرة من السادة آل البيت، وجمع من العلماء والمفكرين والوزراء والنوّاب وقادة الجيوش وشيوخ العشائر، بحبٍّ ورغبةٍ ورضاً وسعادة!

فجزاه الله تعالى عنّا وعن آل بيت الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم جنّات النعيم.

رحمك الله تعالى سيّدي الشيخ محمد الكسنزان!

رفع الله مقامك سيدي الشريف ابن الأشراف!

فلا والله ثم لا والله ثم لا والله؛ ما رأيت ولا قرأتُ عن مثل كرمك وسماحة نفسك وتقديسك للرسول الأعظم وحبّك لآل بيته الطيبين الطاهرين، واحتفائك بهم، في زماننا هذا، لا عند الشيعةِ، ولا عند أهل السنّة أجمعين.

والله تعالى أعلم.

]رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[.

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلَّم تَسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

السبت، 16 أكتوبر 2021

 قريبا من السياسة (16):

(إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)

 بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

حدّثني أحدُ إخواني أمس؛ أنّه سمع صديقاً لي، يحلفُ بأنّ السيّد عداب بنَ محمود الحمش عميل لإيران، وأنّه يتقاضى منها (6 - 7) آلاف دولار، في الشهر الواحد!

ضحكتُ من كلّ قلبي والله! إشفاقاً على ذلك العقل الطفوليّ، الذي قادَ صاحبَه إلى أن يُلغي تاريخاً طوله ستّون عاماً، بمرتّب زهيدٍ سخيف!

ذكّرني هذا بأخي وزميلي الدكتور عبدالحكيم السعديّ الأنباريّ، عندما زارني ومعه أوراقُ أطروحتي للدكتوراه «أقوال الترمذي في نقد الرجال دراسة تطبيقية في كتابه الجامع» قبل سفره إلى خارج العراق بيوم واحد، إذ كان مشرفي على الأطروحة، لمّا رفض غيره الإشراف عليّ؛ لأنني رافضيّ!

سَلّم عليّ وهو يضحك وقال: «آخر ستّ تُهَم عراقيّة للشيخ عداب: رافضيّ، زنديق، عميل لإيران والسعودية والماسونية والموساد».

إنّ المثل العراقيّ «حبّ واحجي، واكره واحجي [اِحْكِ]» متداولٌ كثيراً لدى العراقيين، وهو يعني أنّ كلام العراقيِّ في الغضب والرضا غير مأمون!

فهو إذا أحبَّ؛ غالى في الحبّ، وإذا أبغض؛ غالى في البغض وكفّر وقتل!

الله تبارك وتعالى يقول: (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36) [يونس].

ويقول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا) أخرجه البخاري (6064) ومسلم (2562).

إنّ أولئك العراقيين، الذين اتّهموني بأنني عميل للماسونيّة والموساد وإيران والسعوديّة، زعم دكتور منكم بأنّ النقود كانت تأتيني بالجَواني «أكياس كبيرة» في الوقتِ الذي لم أكنْ أملك ديناراً عراقيّاً واحداً، لا يُساوي بصلة، ولم يكن لي أيّ مصدر دَخْل!

لولا أنّ عمّتي زوجة الشيخ سعيد حوّى رحمة  الله عليهما، كانت ترسل إلينا في كلّ شهرٍ مائة دولار؛ لافتُضح حالنا!

وأنا اليوم مطالبٌ بأن أساعدَ أكثر من (16) أسرة، من أهلنا السوريين، باليسير من ثمن الخبز والماء، ويعلم القريبون مني أنّ هذا فوق طاقتي وطاقةِ أسرتي!

وأحلف بالله الذي لا إله غيره؛ أنني في يوم (1/ 10/ 2021) كنت أملك (100) ليرة تركيّة!

وأنني في ذلك اليوم ذاته مدين بمبلغ (700, 92) ألف دولار!

ولو أنّني شكوتُ هذا المفتري إلى قاضٍ من قضاة الدنيا؛ فهل لديه إثباتٌ بأنني أتقاضى من إيران، أو من الشيعة، أو من السنّة، أو من تركيّا، أو من الشياطين، ليرةً تركيّةً واحدة؟

ولو وقف غداً يوم القيامة بين يدي أحكم الحاكمين وسأله ربنا العظيم: أقرأتَ هذه الآية الكريمة؟

(وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) [الإسراء].

أما علمت أنّه: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112) [النساء] فما هو قائل لله ربّ العالمين.

كتبت منشوراً سابقاً، تحدّيت فيه دول العالم كلّه، إنْ كانت أيّ دولة، أو منظمة، أو مؤسسة، أو جمعيّة، تزعم أنّها قدّمت إليّ مبلغاً من المال، فإنّ شرفَ نظامها تحت حذائي، وأول هذه الدول إيران والحوزة في النجف!

هذا من جهة!

ومن جهة أخرى، حبّذا لو تفضّل هذا المفتري، بأيّ وسيلةٍ لديه، فتحمّل عني مساعدة (16) أسرة سوريّة مُعدِمة!

أو توسّط لدى تركيا، أو إيران، أو السعودية، أو قطر، أو دولة «الأسكيمو» فوفّى عني ديوني هذه، فسأكتب له قصيدة شكر، تزيد على مائة بيت شعريٍّ وبيت!

أين هو نظام إيران؟

أين هي الحوزة العلمية في النجف؟

ألا يزعمون أنّ آل البيت يستحقون الخمس من مال الأمة؟

فليعطونا من هذا الخمس عُشْرَ معشاره؛ لنسدّ به حاجاتِ المعوزين!

صدق الله العظيم، وقد قال: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) [الشعراء].

ويقول: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) [فاطر].

الاختلاف الفكريّ أو السياسيّ، ينبغي أن لا يفرّغ الإنسان من القيم والمروءة، والأخلاقه، خاصّةً من ينتمي إلى أمّة الإسلام، التي من معتقداتها الجازمة (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) [سورة: ق].

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى اللهُ على سيّدنا محمّد بن عبداللهِ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كل حال.

الجمعة، 15 أكتوبر 2021

 مَسائل حديثية (26):

التعصّبُ لكُتبِ الحديث!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

تواصل معي أحدُ المشتغلين بخدمة كتب الحديث النبويّ، وكان يشتمني ويشنّع عليّ على «الفيس بوك» وغيره من وسائل التواصل الاجتماعيّ، وقال لي:

«إذا كانت كتب الحديث لدى جميع فرق المسلمين ظنيّةَ الصدورِ عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، فليتك توضح لنا قيمتها العلمية، وكيفيّة الوصول إلى الدليل الشرعيّ على المسائل الأصولية والفروعيّة...إلخ».

أقول وبالله التوفيق:

سأتحدّث عن كتبِ أهل السنة الحديثيّة كلاماً عامّاً إجماليّاً يسيراً، يفهمه كلّ قارئ!

أمّا الكتب الحديثيّة للسادة الزيديّة والإماميّة والإباضيّة؛ فلا تعنيني في كثيرٍ ولا قليلٍ، مع اعترافي بالجهود المضنية التي قام بها علماء هذه المذاهب، لكنها كلّها،  كما يقولون في المثل:

«كأنّك تضرب في حديد بارد»!

فهي عندي ليست ذاتَ قيمةٍ ثبوتيّة البتّة، لا ظنيّاً ولا توهّماً، فضلاً عن الرجحان والاعتماد!

أمّا كتبُ أهل السنّة؛ فالكلام يجب أن ينحصر على الكتبِ التي اشترط أصحابها الصحّة، وهي صحاح البخاريّ ومسلم وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبّان والحاكم.

وبين هذه الكتب تقاطع كبير، يصل بين الصحيحين إلى (70%) تقريباً.

إنّ مراتب درجة ثبوت الحديث:

(1) الحديث المتواتر: وهو التواتر الاعتباري، الذي يصحّ أو يحسن عن سبعة من الصحابة، قياساً على تواتر القرآن العظيم في الصدر الأوّل، فقد قال الذهبي في مقدمة طبقات القرّاء: إنّ الذين اتّصلت بنا أسانيدهم من الصحابة سبعة، وذكرهم.

أمّا التواتر المفيدُ للعلم اليقينيّ الضروريّ، بمجرّد سماعه، ويستوي فيه العاميّ والعالم، فهذا تخيّلٌ من قائليه، فليس في الأحاديث مثل هذا الثبوت، إلا إذا عددنا المعلومات من الدين بالضرورة من هذا الجنس، وهي في الوقع شيء آخر!؟

ولنقُل تقريباً للفهم: إنّ درجة ثبوت الحديث الذي يرويه سبعة من الصحابة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تبلغ (100%).

(2) الحديث المشهور: الذي تصحّ أو تحسن أسانيده إلى أربعةٍ من الصحابة، ولنفترض أنّ درجة ثبوته تبلغ (90%).

(3) الحديث المستفيض: الذي تصحّ أو تحسن أسانيده إلى ثلاثة من الصحابة، ولنفترض أنّ درجة ثبوته تبلغ (85%).

(4) الحديث العزيز: الذي تصحّ أو تحسن أسانيده إلى اثنين من الصحابة، لا يُعرفان بأخذ أحدهما عن الآخر، ولنفترض أنّ درجة ثبوته تبلغ (80%).

(5) الحديث الغريب: الذي تصحّ أو تحسن أسانيده إلى واحدٍ من الصحابة، فحسب!

وهذا لا يمكن إعطاؤه درجةَ ثبوتٍ واحدة، إنما نعيد عليه ما قدّمناه في الطبقات السابقة.

(أ) الحديث الغريب المتواتر عن صحابيّه، وهو الذي يرويه عن الصحابيّ سبعة من الرواة، وانفترض أنّ درجة ثبوته إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم تبلغ (65%) إذ إنّ الصحابي بشر يخطئ في الفهم، ويخطئ في الحفظ أيضاً، وعدم ورودِ الحديث إلا من جهته وحده؛ مظنّة وهمه أصلاً.

(ب) الحديث الغريب المشهور عن صحابيّه، وهو الذي يرويه عن الصحابيّ أربعة أو خمسة أو ستة من الرواة، ولنفترض أنّ درجة ثبوته (60%).

(ج) الحديث الغريب المستفيض عن صحابيه، وهو الذي يرويه عن الصحابيّ ثلاثةٌ من الرواة، لا أكثر ولا أقلّ، ولنفترض أنّ درجة ثبوته (58%).

(د) الحديث الغريب العزيز عن صحابيه، وهو الذي يرويه عن الصحابيّ راويان فحسب، لا أكثر ولا أقلّ، ولنفترض أنّ درجة ثبوته (56%).

(هـ) الحديث الغريب الفرد عن صحابيه، وهو الذي يرويه عن الصحابيّ راوٍ واحدٌ فحسب، أكثر ولا أقلّ، وهو الفرد المطلق!

وهذا الحديثُ الفردُ المطلق؛ لا يصحّ أن يعطى درجة واحدةً من الثبوت أيضاً!

فهناك الإسناد المتسلسل بالثقات!

وهناك الإسناد المتسلسل بالثقاتِ، إلّا واحداً من الصدوقين.

وهناك الإسناد المتسلسل بالثقاتِ، إلّا واحداً من الصدوقين أصحاب الأوهام.

ثمّ هناك إسناد مسلسل بمن لا يبلغون درجة «ثقة»!

وهناك إسناد فردٌ غريب مطلق في درجة التابعيّ الراوي عن الصحابيّ، لكن يرويه عن التابعيّ عددٌ من الرواة.

وهناك إسناد فردٌ غريب مطلق في درجة التابعيّ الراوي عن الصحابيّ، لكن يرويه عن التابعيّ راويان.

وهناك إسناد فردٌ غريب مطلق في درجة التابعيّ الراوي عن الصحابيّ، لكن لا يرويه عن التابعيّ إلا راوٍ واحد!

وهكذا نزولاً.

فإذا أنت علمتَ أن الأحاديثَ الغريبة التي صححها الحفاظ، وأخرجها صاحبا الصحيحين الأعظمين، تبلغ أكثر من (80%) من مجموع أحاديث الصحيحين؛ فيجب عليك أن تنتبه!

ومما هو معلوم لدى المشتغلين بالحديثِ؛ أنّ التصحيحَ ذاته ظنيٌّ يعتمد على القرائن، وعلى ما يقدح في نفس المحدّث.

ولهذا تجد الحديث الواحد، يصححه خمسة من النقاد، ويضعفه خمسة أو ستة أو ثلاثة، وهو في الصحيحين أو أحدهما.

أحدُ أولادي لا يعجبه مثل هذا الطرح، ويقول لي: أنت بمثل هذا المنشور تطرح المشكلةَ، ولا تعطي الحلَّ!

وأقول: قد لا أعطي الحلَّ حتى يفكّر المتعصّب لأي كتابٍ سوى كتاب الله تعالى؛ أنّه جاهل جهلاً مركّباً!   

فصحيح البخاريّ جهد عظيم يستحق الإعجابَ والتقدير، لكنه لا يستحقّ التعصّب له، ولا اعتمادَ جميع ما فيه من أحاديث.

سواء أجمعوا على صحته أم لم يجمعوا، فدعاوي الإجماع على صحة كتاب بشريّ؛ دعوى فارغة، لا تساوي تحريك اللسان بها.

وكذلك سائر كتب الحديث التي اشترط أصحابها الصحة، أو لم يشترطوا، كلّها جهود كبيرة يستحقون عليها الثناء والتقدير!

أمّا الحلّ لمشكلة ظنيّة الأحاديث المروية (الآحاد) فتتلخّص بالآتي:

أوّلاً: العودةُ إلى القرآن الكريم، وتفهّم كتب آيات الأحكام منه تفهّما صحيحاً.

ثانياً: التفتيش عن مواضع الإجماع بين مذاهب الأمة، فمواضع الإجماع؛ هي السنة النبوية الصحيحة على وجه التقريب.

ثالثاً: استبعادُ الأحاديثِ التي تخالف القرآن العظيم، من دون تكلّف الجمع بينها وبينه؛ لأنّ التنقير الأصوليّ في الدلالات؛ لم يكن يعرفه الصحابة الرواة الأميون بتاتاً!

رابعاً: اعتماد النصوص الحديثيّة المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مما يتفق عليه علماء الطوائف، متى سلم متنه من النكارة.

خامساً: استبعاد الحديث الحسن من أدلّة الحلال والحرام، وقَصْرُه على الترغيب والترهيب.

سادساً: اعتماد العمل المؤسسيّ في دراسة الأحاديث ونقدها والحكم عليها، مثلما هو الواجب في سائر العلوم الدينيّة.

وتبقى للكتب الحديثية هيبتها ومنزلتها، وتوضع في المكتبات العامّة، ولا يسمح بتداولها لغير أهل الاختصاص، فما نراه في المكتبات والمعارض؛ جنون ثقافيّ، وليس علماً أصلاً!

ماذا يفيده العاميّ والمثقف الطبيب والمهندس والضابط والمقاول والعامل من قراءة سنن أبي داود وابن ماجه والنسائيّ مثلاً؟! لا شيءَ أبداً، سوى تشويش دماغه!

إنّما يقدّم إليه كتاب «رياض الصالحين» و«الأذكار» للنوويّ، ويكفيه في أخلاقه وسلوكه إلى الله تعالى ما فيهما.

عرّفني أحد زملائي في مكة المكرمة إلى واحدٍ من قضاتها، وذهبت معه إلى زيارته، وأنا الفقير من النادر أن أزور أحداً !

وجدتُ في بيته مكتبةً تبلغ خمسةَ أضعاف مكتبتي في الحدّ الأدنى، ومن مزاياه الرائعة أنّه يحفظ موضع الكتاب، فإذا سألتَه عنه؛ أرشدك إلى موضعه التقريبيّ فوراً!

لفت نظري كتاب «خطط الشام» للأستاذ محمّد كُرد علي (1372 هـ) فسألته عن موضوع الكتاب، فضحك وقال: أو تظنّ أنني قرأت كلّ هذه المكتبة؟

لا أعرف ما بداخله أصلاً، لكنّ وجوده في المكتبة ينفعك، إذا لم ينفعني!

وبمناسبة وصولنا استطراداً إلى هذه المسألة؛ فأنا ليس مكتباتي في الحجاز والعراق والأردن وتركيا كتابٌ لا أعرف مضمونه أبداً!

لا لأنني قرأت عشرةَ آلاف مجلّد، وربما أكثر!

لا أبداً، فهذا غير صحيح لو ادّعيته، إنّما أشتري الكتاب، وأضعه في طرف الغرفة، أو على الطاولة، ولا أضعه في المكتبة، قبل أن أعطيه ساعةً أو ساعتين من وقتي، وربما أعطيته يوماً كاملاً وفي الموضوعات الجديدة، أقرؤه كلّه، حتى لو أخذ مني يومين أو حتى ثلاثة أيّام.

اِقْرأ مقدّمة الكتاب كاملةً بهدوء ورويّة، ثم اقرأ خاتمته، ثم اقرأ ثبت مباحثه «الفهرست» ثم تخيّر عدّة مسائل، واقرأها باستيعاب وتمامٍ؛ تكن قد تعرفت إلى الكتاب، وتبرأ من تهمة وذمّ (كمثل الحمار يحمل أسفاراً).

والله تعالى أعلم.  

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.  

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.