الأحد، 13 ديسمبر 2020

شعر العام (2020):

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى أوغادِ التطبيع!؟

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ*

رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا، رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

 

قَصيدي إلى الأعرابِ، غير الأعارب!

                                                                 لحكّامِ أعراب الخليجِ السوائبِ!

وَرثتُم عمالاتٍ، طويلٌ تَليدُها

                                                                  وبتُّم جميعاً تَفخرون بعائبِ

تَلوذون بالأوشابِ رُكناً ومَنعةً

                                                                وترجون من صهيونَ حِفظَ الأقاربِ؟

ألا هَل عَسى يأتي الجليلُ بأمره

                                                                وفتحٍ مبينٍ عاجلٍ، غير غائب!

فماذا يقولُ الفاسقون مُلوككم

                                                                    وماذا يَقولُ التابعون لعاتِبِ

فلسطين ليست لليهودِ مَباركاً

                                                               وليست لسكّان البلادِ الرواتِب

ولكنها للهِ أرضُ قداسةٍ

                                                               يُعظمُها الإسلامُ، فوقَ المراتبِ

هي الأرض باركها الجليلُ مُقدِّساً

                                                               وفي قلبها الأقصى عظيمُ المَتاربِ

وإنْ طال يومُ «الفتح» عنها، بِعُهركم

                                                              سيأتي به القهّار رُغمَ الشوائِب!

إليكم، فما قلبي عليكم بعاتبٍ

                                                            فعَهدي بكم أنذالُ هذي المراتبِ

فأنتم وأجدادٌ لئامٌ سبيلُكم

                                                            سلوكُ بني صهيونَ، شَرِّ الثَعالبِ 

ويُفجعُني أنّ الشريفينِ بَينكُم

                                                          حَليفا بني صِهْيون، صِنوَ الأشائبِ

مَتى كان في «آل الرسول» غوائلٌ

                                                        تَكيدُ لأهلِ الحقِّ مثلَ العقاربِ

بَرئتُ إلى الرحمانِ من كلّ مسلمٍ

                                                        يَرى صُلحَ صِهيون حميدَ العواقِبِ

فصبراً بني الإسلامِ، إنّ جهادَكم

                                                         أولئكم الأوغادَ؛ خيرُ المآوُبِ

فَعَيْشاً كريماً يا بَني العُربِ، مُسعداً

                                                          وإلا فَإنّ الموتَ خيرُ النوائب!

سلامٌ على مَروانَ في روضِ نُزلِهِ *

                                                          فقد كانَ أوعَى مِن خطيبٍ وكاتِب!

 

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

والحمد لله على كلّ حال.

_______

* مروان: هو الشهيد مروان بن خالد حديد الحسينيّ الحمويّ، استشهد في سجن النظام المجرم في سوريا، عام (1976) رحمه الله تعالى، ورحم إخوانه وتلامذته الشهداء الأبطال.


الاثنين، 30 نوفمبر 2020

 

قريباً من السياسة ():

إلى النظام الحاكم في إيران!؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا، رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)

 

إنّي ليحزنني أشدّ الحزنِ أن يكون قادة إيران وعلماؤها الكِبار نهبَ سيوف ورماح الصهيونية العالمية، والاستكبار الصليبيّ!

وإنني حزنت كثيراً لاستشهاد العالم «محسن فخري زاده» ورأيتُ قلبي يضطرب، ودموع عينيّ تحرق مآقيها، وتنساب لاذعةً على قسمات شيخوخة وجهي!

عظّم الله أجر أبناء الفقيد وأهله وأسرته وأحبابه، والشعب الإيرانيّ المسلم!

أمّا أنتم يا قيادةَ النظام الحاكم في إيران:

مَثَلُكم مثلُ النظام المجرم المتسلط في سوريا، نسمع منكم جعجعةً، ولا نرى قبضةً من طحين!

تهتكُ دولة الصهاينة حرماتِ أجواء سوريّا وأجواء إيران، وتدمّر من الأهداف ما تشاء أن تدمّره وأنتم تتبجّحون بأنكم ستردّون على إرهابهم الموجع في الزمان والمكان المناسبين!

نحن لا نجهل أنّ الهجوم على دولة بني صهيون؛ هو هجومٌ على العالم الصليبيّ الغربيّ، وأنّه سيستنفر كلّ إمكاناته للدفاع عن ربيبته «عاهرة صهيون»!

هذا مفهوم، ومفهومٌ أيضاً أنّ حكام العرب، وخاصةً حكّام الخليج عملاء أذلاء خانعون خاضعون للأمريكيّ!

لكنّ حكّام الخليج العملاء الجبناء؛ أصدق منكم، وأشجع منكم، إذ يقولون: مصالحهم تقتضي أن يستظلّوا بظلال أمريكا!

أمريكا ربٌّ، وألف جبانٍ

بيننا راكعٌ على قدَميه!

فإذا كنتم ترون أنفسكم ضعفاءَ، وترون الحصار أنهككم، وترون وضع الداخل الإيراني لم يعد يسمح بالحروب والنزاعات؛ فلا تتبجّحوا، ولا تتشدّقوا بما تزعمون أنكم ستفعلونه!

اسكتوا ما دمتم عاجزين، فنحن والله مللنا تهديدكم ووعيدكم وصراخكم، ولم يعد لدينا شعور بأنكم قادرين على إلحاق أيّ أذىً أو ضررٍ بإسرائيل، فضلاً عن ساداتها وموجّهيها.

كلّ الذي تستطيعونه؛ هو تمزيق البلاد العربية، وإفقارها، وقتل شبابها، وضياع نسائها وأطفالها!

وأريد أن أسألكم سؤالاً واحداً فحسب: هل أنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر حقّاً؟

وهل تظنون أنكم ملاقو الله عزّ وجلّ، وأنه سيسألكم عن نصف مليون مسلمٍ سوريّ ساهمتم بقتلهم؟

وهل النظام المجرم العلماني الملحد؛ يمكن أن يقدّمه مسلمٌ على إخوانه المسلمين، حتى لو كانوا يخالفون خرافاته وبدَعَه التي لا تنتهي؟

أوّل ما سمعت باسم السيد الخمينيّ، كنت راكباً سيارتي أمام الحرم الشريف في مكة المكرمة، عام (1979) وكان معي زميل حمويّ فاضل، فرح بظهور الخمينيّ، وقال: الله يكتب لهذه الأمة الخلاص على يد سنيّ، على يد شيعيّ، على يد كائنٍ من كان!

قلت له: سجّل تاريخ اليومِ والساعة على هذا الكتابِ، وكنت قد اشتريت توّاً كتاب تدريب الراوي، فسجّل تاريخ الشهر واليوم والساعة، وقال: وبعدين؟!

قلت له: سترى في المستقبل القريبِ شرورَ هذا الرجلِ، وما سيجلبه على أمة الإسلام من مصائب!

وما هي إلا شهورٌ قليلةٌ، حتى أوقد بحقده حرباً، استمرت ثماني سنين!

ورفض جميع الدعواتِ التي توسّلت إليه لإيقاف الحرب!

ولكنّ الحقدَ أعمى بصرَه، حتى ذهب ضحية حقده أكثر من مليون مسلم إيراني وعراقيّ، أكثر من (70%) منهم من الشيعة المساكين!

ختاماً: أيها القادةُ في النظام الإيرانيّ الحاكم:

والله ستموتون، وتحشرون، وتُسألون عن القتل والدمار، الذي تتسببون به لبلادكم وبلاد العرب المسلمين!

ولن ينفعكم عند الله تعالى أبداً؛ دعواكم الدفاع عن محوَر «المقاومة»!

أيّ مقاومة هذه التي تزعمون، والنظام العلماني الملحد في سوريّا متصالح مع إسرائيل منذ العام (1974) وهو يحمي حدودها، ويتبادل المعلومات الأمنية معها، ولم يحدثْ أن استطاع شابّ مجاهد واحد أن يتخطى حدودها!

عودوا إلى رشدكم، واتّقوا الله ربكم، وتذكّروا وقوفكم بين يدي حكم عدل، سيحاسبكم على كلّ كلمة أو حركة خاطئة قمتم بها!

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) [الزلزلة].

 

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

هذا.. وصلى الله على سيّدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

 

الجمعة، 20 نوفمبر 2020

 

مسائل فكرية

هل أوربا مسيحية؟

كتب يسألني: هل أوربا تدين بالمسيحية حقا؟ وهل يجوز لي الزواج من امرأة أوربية؟

أقول وبالله التوفيق: هذا سؤال كبير، يحتاج إلى صفحات كثيرة أختصرها بكلمات:

من المقطوع به أن جميع أنظمة الحكم في أوربا علمانية، تحل ما حرم الله تعالى، من الربا والزنى والسحاق واللواط، وغير ذلك من المحرمات الكثيرة المتفق على تحريمها في الأديان الربانية، التي يسمونها سماوية. وهذا يعني أن هذه الأنظمة مشركة كافرة باليهودية والمسيحية والإسلام. أما بالنسبة لشعوب أوربا؛ فأنا لا اعرفهم المعرفة الشرعية. ولذلك أقول كلاماً فقهياً عاماً: كل من يجيز الربا، أو الزنى، أو السحاق، أو اللواط، من الشعوب الأوربية؛ فهو كافر مشرك، حتى لو زعم أنه يهودي، أو مسيحي. وحتى لو كان يرتاد الكنيس، أو الكنيسة! رجلاً كان أو امرأة.

فأنت إذا أردت أن تتزوج امرأة أوربية؛ فيجب عليك أن لا تتسرع، فعرفها بالإسلام أولاً، فإذا شرح الله تعالى صدرها للإسلام؛ فالحمد لله على هدايتها، وزواجك منها لا خلاف على صحته عندئذ.

وإذا رفضت الإسلام، وزعمت أنها مسيحية فيجب عليك أن تسألها سؤالين:

الأول: ماذا تعرفين عن المسيحية؟

والثاني: هل تعتقدين بصواب نظام الحكم عندكم، وبقوانينه؟

فإن وافقت على نظامها وقوانينها؛ في مثله! وإذا تبين لك انها لا تعرف عن المسيحية شيئا؛ فيجب أن تعرفها بأن العهد القديم الذي فيه تشريع اليهودية والمسيحية؛ يحرّم على المرأة إظهار شعرها وجهها، وبالتالي، فهي تحرم عليها كشف يديها ورجليها، فضلاً عن صدرها، فما بالك بالبكيني؟ والمسيحية تحرم الزنا واللواط والسحاق والمصافحة والقبلة والصداقة والمبيت مع رجل أجنبي! فإذا رفضت هذا كله، وزعمت أن هذه الأمور من الحرية الشخصية مثلاً؛ فهي مشركة، لا يجوز الزواج منها، حتى تعتنق الإسلام، أو تعتقد بمضامين العقيدة والشريعة اليهودية والمسيحية معاً، عندها تغدو من أهل الكتاب.

بقيت نقطة واحدة، وهي الإحصان، فالله تعالى يقول: (والمحصنات من المؤمنات، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) والمحصنة: هي المرأة الطاهرة العفيفة هنا، أما الكتابية الزانية؛ فلا يجوز نكاحها، حتى لو زعمت أنها تابت، أو وعدت أن تتوب، قال الله تعالى: (الزاني لا ينكح إلا زانية او مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) وتفسير الآية: الزاني المسلم التائب ينكح زانية مسلمة تائبة، والمشرك لا ينكح إلا مشركة، ولا يجوز أن ينكح مسلمة، سواء كانت محصنة أم زانية، والكتابية الزانية: زانية ومشركة معاً؛ فلا يجوز أن ينكحها الإنسان المسلم، أما إذا أسلمت؛ فالإسلام يجبّ ما قبله.

والله تعالى أعلم، والحمد لله على كل حال.

 

مسائل فكريّة

الكتابُ والسنّة بفهم سلفِ الأمة!؟

رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا، رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

وضعَ المسلمون لأنفسهم قواعدَ سخيفةً هزيلةً، ما أنزل الله بها من سلطان! وهي لا تدلُّ على أكثر من الجهلِ والتقليد البغيض؛ منها تعريفُ السلف الصالح، فهل السلف الصالح هم الصحابة؟ بهذا قال الإمام الشافعيّ تطبيقاً عمليّاً، أم أنّ السلف الصالح هم جيل الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلم، من الصحابة رضي الله عنهم، وأبنائهم، وبنيهم؟ بهذا قال كثير من أهل العلم، أم أنّ السلف الصالح هم أجيال القرون الثلاثة؟ بهذا قال بعض أهل العلم، ومنهم الحنابلة، وابن حبّان!

وأنا أسألكم: هل من دليلٍ ملزمٍ بواحدٍ من هذه الفهومِ؟

من السَلَف الذين نقتدي بفهومهم؟

إذا أجمع السلفُ على شيءٍ؛ فلا ارتياب لديّ، في وجوب متابعتهم فيه، لكنْ إذا اختلفوا، فبقولِ أيٍّ منهم نأخذ؟ الشيعة وعلماءُ آل البيتِ من أهل السنة يذهبون إلى قول ابن عبّاس: «إذا جاءنا الثبتُ عن عليٍّ؛ لم نغادر قوله إلى قول غيره. وأهل الشام يقولون: لا يجوز تجاوز المذاهب الأربعة في الفقه! أما في المعتقدات؛ فهم يُخرجون الحنابلةَ من أهل السنة، ويقصرون أهل السنة على الأشعرية والماتريدية، على ما بين الفرقتين من خلاف، وعلى ما بين الأشاعرة أنفسهم من خلاف! ثمّ إنّ علماء الأمة أبا حنيفةَ ومالكاً وأحمدَ؛ لم يؤثرْ عنهم قدرةٌ فائقة في علوم القراءاتِ والتفسير وعلوم العربية، بل ولم يؤثر عن واحدٍ منهم تفسير سورةٍ من السور! فكيف لا يجوز الخروج على أقوالهم في فهم الكتاب والسنة؟ وإذ أنني غير قادرٍ على التطويل؛ فيكفي نقلُ هذه النصوصِ من كتاب واحد:

قال الإمام الشافعيّ في الأم (7: 172) تحت عنوان: «اخْتِلَافُ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا» أَبْوَابُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ: قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ زَاذَانَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ الْغُسْلِ؟ فَقَالَ: اغْتَسَلَ كُلَّ يَوْمٍ، إنْ شِئْت! فَقَالَ: لَا! الْغُسْلُ الَّذِي هُوَ الْغُسْلُ؟ قَالَ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمُ الْفِطْرِ! وَهُمْ – الحنفية - لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ هَذَا وَاجِبًا. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ عَلِيّاً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: فِي التَّيَمُّمِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْكَفَّيْنِ! وهَكَذَا يَقُولُونَ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي السَّوْدَاءِ، عَنْ ابْنِ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَوَضَّأَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فمسحَ ظَهْرَ قَدَمَيْهِ [التصويب من معرفة السنن والآثار (2: 126)] وَقَالَ: لَوْلَا أَنّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَمْسَحُ ظَهْرَ قَدَمَيْهِ؛ لَظَنَنْت أَنَّ بَاطِنَهُمَا أَحَقُّ! أَبُو مُعَاوِيَةَ: عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانِ قَالَ: رَأَيْت عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى النَّعْلَيْنِ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ وَصَلَّى! ابْنُ مَهْدِيٍّ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ؛ أَنَّهُ رَأَى عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَلَ ذَلِكَ. ابْنُ مَهْدِيٍّ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَكْتَلَ بْنِ سُوَيْد بنِ غَفَلَةَ؛ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَلَ ذَلِكَ. مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إسْمَاعِيلَ، عَنْ مَعْقِلٍ الْخَثْعَمِيُّ، أَنَّ عَلِيًّا فَعَلَ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ وَلَا أَحَدٌ نَعْلَمُهُ، يَقُولُ بِهَذَا مِنْ الْمُفْتِينَ! [يريد: من أهل السنة]. خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ: عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الْبَخْترِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ فَتَمُوتُ؟ قَالَ عليٌّ: تُنْزَحُ حَتَّى تَغْلِبَهُمْ! قَالَ الشافعيُّ: وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بِهَذَا! أَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ بِمَا رَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ (إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ؛ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا). وَأَمَّا هُمْ فَيَقُولُونَ: يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ، أَوْ ثَلَاثُونَ دَلْوًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنه كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ؛ قَالَ: (لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، سُبْحَانَك ظَلَمْت نَفْسِي، فَاغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ. وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا، وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ. إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ). وَقَدْ رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِنَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ، إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَبِهَذَا ابْتَدَأَ، يَقُولُ: (وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ) أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ، وَلَا يَقُولُونَ مِنْهُ بِحَرْفٍ! أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ عَنْ وَكِيعٌ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ؛ أنه كَانَ إذَا تَشَهَّدَ قَالَ: (بِسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ). وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بِهَذَا! وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِيهِ كَلَامٌ كَثِيرٌ، هُمْ يَكْرَهُونَهُ.

قال الفقير عداب: من الغريب أنّ أهل السنة لا يروون تشهّد الإمام عليّ هذا، إنما أشار بعضهم إليه إشارة فحسب! كالبيهقيّ في السنن الكبير (2: 204) ومعرفة السنن (3: 59) وقال هنا: «وَالشَّافِعِيُّ ذَكَرَ إِسْنَادَهُ، وَلَمْ يَسُقْ فِي رِوَايَتِنَا هَذِهِ مَتْنَهُ» مع أنهم رووا قريباً من لفظ حديث عليّ عليه السلام؛ عن جابر بن عبدالله، وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن الزبير، قال الفقير عداب: فإذا خالف الحنفية والشافعيّ الإمام عليّاً عليه السلام، بهذه المسائل وعشراتٍ غيرهِا، مما نقله الشافعيّ في الأمّ وغيره، فمن هم أولئك السلفُ الذين يَلزَمنا فهمهُم؟ أفي الصحابة كلهم أفقه من عليٍّ وأفهم؟ أفي الصحابة والتابعين وأتباعهم أفقه من عليٍّ وأفهم؟ فإذا جازَ مخالفةُ أبي حنيفة والشافعيّ للإمام عليٍّ، فمخالفةُ أهل العلم لهما ولغيرهما أيسر وأسهل!

صفوة القول: إنّ العاميّ لا مذهب له، ومذهبه مذهب من يفتيه من أهل العلم. وفهم السلف الصالح – ما لم يجمعوا – ليس ملزماً لأحدٍ، لا في العقائد، ولا في التفسير، ولا في الفقه!

والله تعالى أعلم، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، هذا.. وصلى الله على سيدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً والحمد لله على كلّ حال.

الأربعاء، 21 أكتوبر 2020

 

مِنْ وَحْيِ المَوْلِدِ النبويِّ الشَريفِ (4/ 42 هـ):

بسم الله الرحمن الرحيم

)رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ*

رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا، رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(.

 -1 إذا الإنسانُ في سَفَلٍ وخُسرٍ

وأكثرُهم، فليسوا مؤمنينا

 -2 وليسوا صالحين بكلّ حال!

وأكثرُهم، فليسوا شاكرينا

 -3 ألا يُنبيك هذا أنّ فَهْماً

بئيساً، قد أصاب المسلمينا؟

 -4 ألا يُنبيك ما دوماً نعاني

من العلماء قبلَ الجاهلينا؟

 -5جَعلْنا الدينَ مِن: قُلنا وقالوا

وخيرَ الدين؛ قول الأوّلينا

 -6 فَلِمْ كانوا كذلكَ يا خليلي؟

وقد كانوا جميعاً مخطئينا

 -7 فهذا «حُجّة» الشيبانِ ينبي

خلافَ «مدينةٍ» خُلفاً مبينا

 -8 وهذا «الأمّ» فيه خلاف جمعٍ

من الأعلام، أثبته يقينا

 -9 فَبِمْ نالوا قداستَهم، ونِلنا

صفاتِ الشرّ والسوأى ضغينا؟

 -10 علومُ الأقدمينَ لنا منارٌ

ولكنْ ليس قرآناً مبينا

 -11 فنَقبلُ أو نردّ، كما تجارَوا

متى حُزنا عُلومَ الأكرمينا

 -12 ونرجِع للكتابِ، بفهم حقٍّ

وسنّةُ أحمدٍ كانتْ سفينا

 -13 وآلُ البيت حفّاظٌ هداةٌ

وليسوا – إنْ عدلتَ – مشرّعينا

 -14 لهم من دينهم ورعٌ وتقوى

ونورُ نبوّة أضحى قرينا

 -15رسولَ اللهِ شتّتنا اختلافٌ

ومزّقنا، فصرنا كارهينا

 -16رسولَ الله، فاستغفرْ لقومٍ

تمادَوا في سلوكِ المذنبينا

 -17عليك الله صلّى يا حبيبي

وأملاكٌ، وكنّا تابعينا.

)رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ(.

هذا.. وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

والحمد لله على كلّ حال.

 

اجتماعيات ():

كيف يختلف العقلاء!؟

بسم الله الرحمن الرحيم
)رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(.
قرأتُ أمسِ لأحد الإخوة الحمويين منشوراً، تحدّث فيه عن توبة الدكتور وجيه البارودي، فرأيت من المناسب إعادةَ نشر منشورٍ قديم لي، فيه بعض التوضيح!
في ليلة من ليالي صيف (آب) اللهّاب، سنة (1973) طلبتُ من ابنِ خالنا الوجيه السيّد سليمان الجندليّ؛ أن يتفضّل عليّ بالعشاء معي في مزرعتنا القريبة جدّاً من حيّنا (الفراية) في مدينة حماة، وأن يُحضِرَ معه الطبيب الدكتور هشام عبدالرزاق عدي، والدكتور وجيه البارودي؛ عرفاناً بجهودهما في مساعدتي الطبيّة في مرحلة علاجي، من (الانهيار العصبي) الذي دام أكثر من سنة بعد ذلك!
اعتذر الدكتور وجيه البارودي، بسبب كثرة مواعيده، ووعد إن تسنَّ له الحضورُ أنْ يَحضُر!
ابن خالنا السيّد سليمان، من السادة الجنادلة الحسينية الرفاعية.
والدكتور هشام عبدالرزاق عديّ، من ذريّة عديّ بن مسافر الأمويّ، في أرجح الروايات الواردة في نسب «آل عدي» الحمويين.
والدكتور وجيه البارودي سيّد حسينيّ، من عائلة تعدّ من أضخم وأكبر العائلات الحمويّة المتحضّرة، ومن أكثر عائلات حماة ثقافةً وحضوراً اجتماعياً.
وكثيرٌ من الحمويّين يقولون: إنّ أصولهم نصيريّة، وهذا باطل حتماً!
إنّما أصولهم (مَتاولة) من سهل البقاع في لبنان، والمتاولة: هم الشيعة الجعفرية.
وقد مضى على الجميع قرونٌ في حماة، وغدا الجميع من أهل السنّة والجماعة، ولا علاقة لهم بتلك الأصول!
بل إنّ أكثر أبناء العائلات الحضرية؛ لا يعرفون عن أنسابهم شيئاً، ولو ذكرتَ أمام واحدٍ منهم مثلَ هذا الكلام؛ لغضب أشدّ الغضب، وكأنه يظنّ حمويّته هي النسبَ، وينبغي ألا يُذْكَر مع الحمويّة أي نسب آخر!
حضر السيد سليمان ومعه الدكتور هشام عبدالرزاق في سيارة الأوّل (الشاحنة) والله!
وما هي إلا نصف ساعة، حتى حضر الدكتور وجيه البارودي، ومعه ضيف آخر من لبنان، كأنّ اسمه «حيدر».
تكامل حضورهم في العاشرة والنصفِ ليلاً تقريباً، وكنت حينَها قد بدأت أستطيعُ الوقوف على قدميّ في الصلاة.
توضّأت، وقدّمت الوضوء للحاضرين بإبريق، فتوضّأ الدكتور هشام، والسيد سليمان، وأقمت الصلاة، وطلبتٌ من السيّد سليمان أن يتقدّم إماماً لأنني مريض!
قال الدكتور هشام ضاحكاً: ولماذا لم تَدْعُني إلى الإمامة، أم تعتقد كما يَعتقدُ مشايخكم أننا مشركون كفرة!؟
قلت له: لا والله، إنما خشيتُ أن أحرجَك، فأنا لا أدري عن ثقافتك الدينية شيئاً!
قال: والله لا يصلي بنا أحدٌ غيرك!
قلت: يا دكتور أنا مريض، وأخاف أن أقع؟!
قال: لا تخف! شدّ حيلك عهدي بك بطل، كلمتان ثقيلتان، طرحاك في الأرض؟
تَقدمتُ للصلاة بهم إماماً، فوقف سليمان وهشام والضيف اللبنانيّ، وبقي الدكتور وجيه جالساً، وقال: أنا أصلي بعدين، وقتُ العشاء حتى مطلع الفجر!
حين انتهينا من الصلاة؛ سألني السيد سليمان: هل تجوز صلاة المصلي، وهو مُسبلٌ يديه؟
قلت له: ما سبب هذا السؤال؟
قال: لا!
مجرّد سؤال للفائدة، فأنا رأيت كثيرين في لبنانَ، يُسبلون أيديهم!
قلت لهم: نتحاور على المائدة.
نادت علينا زوجتي الكريمة (أمّ محمود) بطريقتها الخاصّة المتّفق عليها؛ أنّ العَشاء على الخِوان!
كان من قدر الله تعالى أنّ ساقية الماء جارية بغزارة في تلك الليلة، ومن دون تخطيطٍ مني، مثلما كانت الليلة مقمرةً!
كانت المائدة على شفا ساقية الماء، وقد وَضعَتْ أهلي في وسطها بعض الأحجار، فأحدثت صوتَ خريرٍ بديعٍ فعلاً!
غسل الجميع أيديهم من الساقية، وجلسنا على البساط لنأكل على طريقتنا نحن الفلاحين.
قال الدكتور وجيه: ما عندك ثوب زيادة، حتى ألبسه، وأرتاح؟
والله الجوّ شاعري بديع، وبنطالي لن يريحني!
قلت: بلى والله، عندي أثوابٌ لكم جميعاً، إن شئتم!
فلم يقبل ذلك إلا الدكتور وجيه.
في أثناء الطعام؛ أعاد السيد سليمان السؤال عن الإسبال، لكن بالتعبير البلديّ (راخي ايديه).
قلت له: الإسبال والقبض، ووضع اليَدين تحت السرة وفوق السرة، وعلى الصدر وعلى العنقِ؛ كلّها هيئاتٌ فعلية، لم يأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بشيءٍ منها، إنما نَقل عنه بعض الصحابة ما شاهدوه، من هيئة يديه صلى الله عليه وآله وسلم، في الصلاة.
أما عن حكمها الفقهي؛ فهي هيئة، وعندنا نحن الشافعية: لا بأس بالإسبال، إذا لم يَشغلك عن الخشوع.
فكأن الذين قالوا بقبض اليدين؛ أرادوا أن تنقبض اليدان عن الحركة المشغلة، والتَمثلَ بهيئة التواضع والخشوع بين يدي الله تعالى.
وكأن الذين قالوا بالإسبال؛ أرادوا وِقفةَ الأدب مع الله تعالى باستعدادٍ!
ألا ترى أنّ الذي يَقف بين يدي قاضٍ، أو حاكم؛ يقف وِقفةَ الإسبال هذه، ولا يقبض يديه، ولو فعلَ؛ لأنّبه القاضي؟
ولله المثل الأعلى.
التفت الدكتور هشام إلى صديقه سليمان وقال: تحليلٌ لطيف!
انتهينا من تناول الطعام، وغسلنا أيدينا في الساقية الجارية، وعدنا إلى موضعنا الأول، على كَتفِ الساقية، من طرف المنزل الآخر، فوجدنا القهوة العربية والشاي والفاكهة اليسيرة موضوعةً في وسط المجلس.
ولم يكن شيء من الفاكهة مشترىً من السوق، بل كان الخيار والبطيخ الأحمر والأصفر والعجّور كله من المزرعة، ولم يكن على المائدة فاكهة أخرى!
ابتدأ الحديثَ الدكتور وجيه على عادته، بصفته غالباً هو أكبر الحضور سنّاً، وبدالّته ودلاله على الحمويين جميعاً!
التفت إليّ الدكتور وجيه، وقال: كان شيخك فلان يقول: أكرم الحوراني مرتدّ، وزوجته تعيش معه بالحرام، وكل هؤلاء الحوَش المتابعين له؛ كفّار مثله، فماذا تقولُ أنت؟
طبعاً ستتواضع وتقول لي: لا أستطيع مخالفة شيخي، ومَن أنا أمام ذلك الجبل الأشمّ!
السيد سليمان الجندليّ اشتراكي، بل من فرسان الاشتراكيين العرب، الذين لا يَهابون الموتَ، لكنّه لم يَرَ طرحَ هذا الموضوع مناسباً، ونحن مشاربُ شتى، وتجمعنا دعوةٌ بمناسبةِ عيادة مريضٍ، بدأ يتماثل للشفاء!
فالتفت إلى الدكتور وجيه، وقال له: دكتور ممكن نؤجّل الجواب على هذا السؤال المستفزّ، الله يخلّيك؟!
قهقه الدكتور وجيه، وقال: مُستفزّ، وليش مستفزّ؟ خايف يصيبك طراطيش من لسانِ ابن خالك عداب؟!
تدخّلت أنا وقلت: إذا سمحتم لي أحبابي، بصفتي خادمكم في بيتكم وأصغركم سنّاً، سأردّ على سؤال أستاذنا الدكتور وجيه بهدوء!
قال الدكتور هشام بلهفة وتخوّف: إي والله نريد أن نسمع جوابَ الشيخ (عذاب) على هذا السؤال!
فهو حين كان عندنا مريضاً في المشفى الوطني؛ رأيته غايةً في التهذيب والثقة بالنفس، ويجيب على أي سؤال يُطرَح عليه، مهما بدا مُحرِجاً!
قال سليمان: لا بأس، لكن نريد أن نفتح موضوعاتٍ أخرى، أكثر فائدة لنا، ما دمنا في زيارة الشيخ.
التفتُّ إلى الدكتور وجيه وقلتُ له: أنت أكبر من والدي سنّاً، ومن أصحاب الفضل عليّ منذ صغري وحتى اليوم، وأنا أستحيي أن أجرح خاطرك بكلمة، فهل تسمح لي أن أحاورك على الطريقة الحمشيّة؟!
قال: لا لا لا، إلا الطريقة الحمشيّة، الله يخليك، يعني سيجتمع جيران المزرعة كلّهم على صراخنا، وكلّهم حمشية، وبالتالي (رحنا بداهية!!).
ضحكنا جميعاً، وقلت له: عنيت بالطريقة الحمشية الصراحةَ وعدمَ التكلّف!
جميع آل كنعان، ومنهم آل الحمش، وآل الجندلي، بل جميع أهل البلد يحترمونك غاية الاحترام، بمن فيهم آل الحوراني وآل الحريري وآل عديّ، وآل علّوش، وسائر الاشتراكيين العرب، أليس كذلك يا دكتور هشام؟
قال: أكيد أكيد، نحن الحمويين أصلاً أسرة واحدة، كلنا عمّك خالك، وأنت يا دكتور وجيه أخونا الكبير، وشيخ أطباء حماة، وشيخ شعراء حماة أيضاً.
قال الدكتور وجيه: أشكركم كثيراً، نحن كلنا خدّام لأهلنا في هذه المدينة المعطاءة، صرف اللهُ عنها كيد الكائدين.
تابع: تفضل يا شيخ عداب، وليس (عذاب) مثل ما قال الدكتور هشام.
أقول: حتى هذه اللحظة لم أعرف مَن الضيف اللبناني الذي بصحبة الدكتور وجيه، لكن سؤالَ سليمان أوجد لديّ تحفّظاً من إمكانية أن يكون شيعياً.
التفتُّ تجاه الدكتور وجيه، وقلت له: اسمعني جيداً يا دكتور!
أنا أحترم مشايخي الكرام جميعاً، لكنّي بعد دراستي السنوات الثلاث الماضية في كلية الشريعةِ بجامعة دمشق؛ توسّعتْ مداركي، وصرتُ أنظر إلى المواقف السياسية بنظرٍ، أعمق مما كنتُ عليه قبل ذلك.
الدكتور هشام، والسيد سليمان؛ قد صليا معنا الآن العشاء، وجنابك لم تصلّ معنا، وقلت: إنّك ستصلي فيما بعد، وعهدي بك تصلّي، فقد صلّيت معي غير مرّة!
قبل الشروعِ في الصلاةِ؛ أقمتُ أنا، وردّد المصلون ورائي كلمات الإقامة، فدخلنا في الصلاة مسلمين قطعاً، ولم يصدر عن واحد منا بعدَ ذلك أيُّ ناقض من نواقض الإسلام!
وبالتالي، فنحن نشهد بالإسلام للمصلين جميعاً، لكنّ مَن لم يصلّ؛ لا نحكم عليه بحكم ما، حتى نستجلي حقيقةَ معتقده.
هذا بالنسبة لهذين الفاضلين الدكتور هشام والسيد سليمان، أما بخصوص الفكر الاشتراكي؛ فلا يجوز الإجمالُ، ولا بدّ من التفصيل.
- آل كنعان، بجميع عائلاتهم، وآل الجندلي أخوالنا كلهم اشتراكيون، ومن آل الحمش وهبطة ومرعي والعتال وميلص، قطعاً؛ لا يوجد رجل لا يقيم الصلاة، فجميعهم يقيمون الصلاة، وجميعهم يصومون، وجميعهم يحجبون نساءَهم أتمَّ حجاب.
فإشتراكية هؤلاء ما هي؟
هل هي اشتراكية ماركس (لا إله والحياة مادة)؟
هل هي الاشتراكية الفرنسية الطوباوية الخيالية؟
هل هي اشتراكية (ماو) الملحدة الدموية، التي تتبنى سحقَ المخالف؟
أو إنّ اشتراكيةَ هؤلاء؛ هي تعاون وتكاتف ضدّ ظلمِ الإقطاع، بل بَعضِ الإقطاع في الواقع، أولئك الذين صنعوا الأعاجيب من الظلم والقتل وهتك الأعراض؟
وهل السيد أكرم الحوراني ملحدٌ فعلاً، أو هو إنسان عاصر الظلمَ، فرأى من واجبه رفعَه عن شعبه؟
وأنا شخصيّاً لا يعنيني السيد أكرم في كثير ولا قليل – عفواً - لكن ديني يوجب عليّ العدلَ والإنصاف، حتى مع الخصم!
إذا كان الدكتور هشام، وابن خالي سليمان، وآل كنعان، وآل الجندلي، وآل عدي، وآل علوش، وآل حمدون، وغيرهم من (الاشتراكيين العرب) إذا كانوا يرون (نظامَ الإسلام غيرَ صالح للحياة) فيوضّح لهم ماذا يعني هذا الكلام، وتُزال من أمام أعينهم سائرُ الشبهات المضلّلة، ويُعرَض عليهم أيُّ نظام من أنظمة الإسلام يريدون، عرضاً يَقودُ إلى إقامة الحجة عليهم.
فإن أصرّوا على أنّ الإسلام لا يصلح للحياة بعد ذلك؛ فهم بكلّ تأكيد ليسوا من أهل الإسلام!
والذي يقول: الإسلام لا يصلح لحياتنا، لماذا يغضب إذا قيل له: أنت كافر، ولست بمسلم؟
أليس هو رافضاً لما أمر الله تعالى به، ورضيه لعباده؟
ومِن دون هذا الحوار، ومن دون إزالة الشبهات، ومن دون إقامة الحجة؛ فلا يجوز اتّهامُ مسلم يقيمُ الصلاةَ بالفسق، فضلاً عن الكفر؟!
هَمَد الدكتور وجيه، وقال: كلامٌ لا غبار عليه، لكن ما سمعنا من المشايخ مثلَ هذا الكلام، إنما الذي سمعناه التكفير والتضليل وفراق الأزواج!
قلت له: الإسلامُ دينُ الله تعالى، المتمثل في القرآن العظيم، وصحيح السنة النبوية، وإجماع الأئمة فحسب!
أمّا العلماء، وخصوصاً علماءَ بلدنا هذه؛ فهم متأثرون بظروفنا، وبمواقف بعضِ الاشتراكيين السيئة، ومجاهرون بالمعاصي.
قال السيد سليمان: هذا الكلام وافٍ، وأنا وأخي الدكتور هشام عن جميع «الاشتراكيين العرب» نرضى به تماماً.
قال الدكتور هشام: ابنُ خالك هذا خطير يا أبا محمّد!
قال سليمان: كيف؟
قال: لو التقى بالشبابِ الاشتراكيين؛ لحوّلهم جميعاً إلى إخوان مسلمين!
وضحكنا جميعاً.
قال الضيف اللبناني المجهول الهوية لدينا: ما رأي الشيخ الشابِّ بالمتَاولة؟
قلت له: المتاولة مثل الحوارنة، مثل العلاونة، هي صيغة نسبة معروفة عند العرب، يراد منها الجمع والتعظيم.
فالنسبة إلى علوان: علواني، وجمع النسبة المعظم والمكثّر: العلاونة.
والمتاولة جمع مفرده: مُتَولّي، والمتولي: هو الذي يتولى الإمام عليّاً عليه السلام، ويرى وجوبَ ولاية الأئمة الإثني عشر من أهل البيت عليهم السلام وإمامتهم.
ويقال لهم: الإماميّة، ويقال لهم: الجعفرية أيضاً.
وقد التقيتُ اثنين منهم في معسكر كشفيّ في إربد، عام (1969م) وحضرتُ حفلاً لهم في حيّ الأمين بدمشق، في ذكرى الإمام الحسين، وألقيت قصيدةً ارتجاليّة بالمناسبة، وكان معي أخي الحبيب الشيخ حسن بن حسن فرحات الدمشقيّ، وكانوا معنا في غاية اللطف والأدب!
حاولتُ لفلفةَ الموضوع بهذه الكلمات الصادقة، حتى لا أحرجه في بيتي.
قال الدكتور هشام: حدثني أبو محمّد «سليمان» أنّ لديك معرفة جيدة بأنساب أهل حماة، فهل هذا صحيح؟
قلت: وهل يقول أبو محمد غير الصحيح؟
لكنّ الكلام الدقيق أنّ لديّ معرفة لا بأس بها بأنساب (آل البيت) في حماة، فقد كنت أستفسر من جدي رحمه الله عن العائلات الهاشمية، وكانت ذاكرتي جيّدة جدّاً، فحفظت ما حدثني به، وما حدثني به غيره من أهلنا.
لكنْ ليست لي دراساتٌ علمية حتى في نسبِ أهلنا!
قال: نحن آل عدي ما أصولُنا؟
قلت له: أنتم عائلة مثقفة كبيرة، ليس من المعقول أنك لا تعرف أصولَ عائلتك الكريمة!
قال: قال لي واحد من المرضى المسنين في المشفى: أنتم أصولُكم أكراد؟
وقال لي آخر: أنتم أصولُكم يزيدية!
وأهلنا يقولون: نحن من ذريةِ بني أميّة.
والإنسان يحب أن يعرف الحقيقةَ، لكنْ أكراد يزيديّة، هذه ثقيلة شويّة؟
قلت له: الأقوال الثلاثة صحيحة، وغير متضاربة؟!
قال باستغراب: كيف هذا الكلام؟
قلت له: نصف أكراد سوريا؛ هم من أصول عربية، عاشوا في بيئة كرديّة، فصاروا أكرادَ اللغة والثقافة والهوى، لكن أصولهم عربية!
قال الدكتور وجيه: أوضح لنا بالله هذه النقطة، بعض الشيء؟
قلت له: ماذا تقولون عن (آل البرازي)؟
قال: طبعاً أكراد!
قلت لهم: قبل أقلّ من عامين (1971م) استضافني شيخ شيوخ الجزيرة «شوّاخ البورسان أبو أحمد» في «حويجة شوّاخ» من قرية شمس الدين، القريبة من منبج، وأثنى كثيراً على «أصلان آغا» البرازي، وقال: هؤلاء قحطانيون من أعمامنا، وليسوا من الأكراد بحال من الأحوال، والشيخ لا يزال على قيد الحياة، فيسع المهتمّ أنْ يَسأله.
وأصول «البرازية» من «عين العَرب» وليسوا من «عين الأكراد».
قال الدكتور هشام: هذا والله كلام طيّب، فماذا عن آل عدي، هم أيضاً عرب، عاشوا بين الأكراد، فتكرّدوا؟!
قلت له: المسألة تختلف قليلاً!
فعديّ بن مسافر الهكّاري مختلف في نسبه كثيراً:
فمَن نسبه أمويّاً؛ فلأنه رأى في جدوده اسم مروان، وهو لبنانيّ المولد والنشأة.
ومن نسبه كردياً؛ فلأنه قدم وبعضَ أهله، من (بقاع لبنان) إلى جبال الأكراد في شمال العراق وتزهّد هناك، حتى جرت على يديه من الكرامات، ما فاق حدود عقولِ الأكراد، وعاش طيلةَ حياته الطويلةِ بينهم، فاتّخذه جميع الأكراد شيخاً لهم، وقدسوه غايةَ التقديس، وعدّوه منهم، بل جعلوه أميراً عليهم.
وهو لم يخلّف ذريّةً، لكنّ ابن أخيه، واسمه عديّ أيضاً، هو الذي خلّف، وصارت في ذريّته مشيخةُ الطريقة الصوفية العدوية، وزعامةُ الأكراد هناك!
ومع مرور الزمن؛ نطق أولادُه بالكردية، وصارت ثقافتهم كرديّة، فنسبهم الناس أكراداً.
وأما أنّهم يزيديون، فبحكم كونهم أمويين؛ فقد كانوا يتعصبون لبني أمية، وخصوصاً ليزيد بن معاوية.
لكنْ في بدايات القرن السابع الهجري؛ انحرف أحدُ أمرائهم، واخترع لهم ديناً خاصّاً، ووضعَ لهم كتاباً فيه أوراده وأذكاره، ولاحقه أحدُ سلاطين الأيوبيين يُريدُ قتلَه، فهرب إلى شواهقِ الجبال، ومع مرور السنين؛ ساد الجهل بين قومه، فصار عندهم انحرافاتٌ كثيرة، وكان ذرية عديّ هذا؛ هم شيوخ (اليزيدية) منذ ذلك التاريخ، وحتى اليوم.
فالله أعلم بحقيقة نسبكم، من أيّ ذريّة عديّ أنتم، وأنتم أدرى!
لكن نحن نقول: الحمد لله على أُخُوّة الإسلام، فالإسلام هو الذي يجمعنا: الحنفي والشافعي والجعفري والزيديّ «والزيدي غير اليزيدي».
قال السيد سليمان: استفدنا والله في هذه السهرة، لكن ماذا يقول الشيخ في تَسميع سورة الفاتحة؟
فنحن جميعنا نُصلّي، ولا ندري ما إذا كانت صلاتُنا صحيحةً أم لا؟!
فقد قالوا لنا: إذا ترك المصلّي شدّة من الفاتحة في الصلاة؛ بطلَت صلاتُه.
فقرؤوا جميعاً الفاتحة، وصححتُ أنا ما احتاج إلى تصحيحٍ، وكانت قراءة الدكتور هشام أجودَ الجميع، رحمهم الله تعالى، ورحمنا معهم، وشملنا وإياهم بواسع رحمته.
والله تعالى أعلم.
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليماً كثيراً.
)رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ(.
والحمد لله على كلّ حال.