الخميس، 21 سبتمبر 2023

 مَعَ إِطْلالَةِ شَهِرِ المَوْلِدِ النَبَوِيِّ الشَريفِ (4):

هَبْني عَصَيْتُ، وخُضْتُ الآسنَ النَتِنا

والنَفْسُ أمّارةٌ، زانَتْ لي الفِتَنا

وانْدَحْتُ أَخْبِطُ في دَهماءَ مُظلمةٍ

حَتى أَفَقْتُ صَباحاً واهِناً غَبِنا

آناً أُقرّع نَفسي في غِوايَتِها

وحينَ أُغْلَبُ؛ أَبْقى شارِداً شَطِنا

ما حالُ مَنْ هذه الأوصافُ شيمَتُه

إنْ عاشَ، أو ودّعَ الأيّام مُرْتَهنا

إنْ ماتَ في غَيّه؛ فالنارُ موعِدُه

أو آبَ أرشدَ؛ نالَ العَفْوَ والحَسَنا

لُطفٌ مِن اللهِ، لا نُبْلٌ بمنحَرفٍ

واللهُ أرحمُ بالتوّابِ، إنْ رَكَنا     

يا قومِ: هَيّا إلى الرَحْمن في سَرَعٍ

فالعُمْر وَمْضٌ، وهذا الموت قد زَفَنا

توبوا إلى اللهِ، واستَجْدوا مَحبّتَه

فالتائبُ الحقُّ؛ يبقى سادِماً نَدما

إيّاكَ إيّاكَ أنْ تُغْويكَ أُمنيَةٌ

أوْ أنْ تَظنّ حَياةَ السادِرينَ هَنا

إني أتوب، فتوبوا إخوتي فَرَقاً

في كلّ يومٍ، ولا تَسْتَشْعِروا مِنَنا   

هذا رسولُ اللهِ سَيّدُ خَلْقِه

سَبعين تَوْباً بيومٍ واحدٍ لَسَنا

صلّوا عليه كثيراً، دونما مَلَلٍ

فالله صلّى، وأملاكُ السما، وأنا

والحمد لله على كلّ حال.

الأربعاء، 20 سبتمبر 2023

  اجتماعيات (103):

الفشلُ في الزواج !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

زارني أحدُ الإخوةِ الأفاضل، ولَحظَ أنْ ليس في بيتي أحدٌ سوايَ، فسألني: أيّ أمّهاتنا معك اليوم؟

قلت له: أعيش وحدي منذ عشر سنواتٍ تقريباً!

قال: ومَن يقوم على رعايتك وتدبير أمورك؟

قلت: أنا أقوم بذلك كلّه، والحمد لله تعالى، أطبخ وأجلي وأغسل وأرتّب المنزل!

وتأتي ابنتي الصغرى مرّةً أو مرّتين في الأسبوع، وتتطوّع بإكمال ما تجده ناقصاً، على الرغم من أنني أمنعها برفقٍ من القيام بشيءٍ من أمور بيتي!

قال: أنا أعلم أنّك تزوّجت ثلاثَ نسوةٍ، هل هناك غيرهنّ؟

قلت له: قل ما تريد أن تقولَه؟

قال: رجلٌ مثل الشيخ عداب، في كرمه وشجاعته وعلمه وأدبه، لا يستطيع أن يحتفظَ بزوجةٍ تؤنسِه في خريف عمره، ماذا تسمّي هذا؟

قلت له: أكرمني الله تعالى بزوجاتٍ فاضلاتٍ صالحات، يَصعب عليّ أن أفاضلَ بينهنّ، إنما تتميّز إحداهنّ بجانبٍ أو جوانبَ، وتتميّز الأخرى بجوانب أخرى، ويشتركن في الستر والعفاف والقرار في البيت، والمسارعةِ في رضاي!

قال: سبحان الله العظيم!

إذن أين المشكلة؟

قلت له: المشكلةُ لديّ أنا، فأنا تزوّجتُ مرّاتٍ، وأنجبت ثمانيَ بناتٍ، غدونَ أمّهاتٍ، وبعضهنّ جدّات، وكتبت عن المرأة ثلاثةَ كتب، ولا أعرف كيف أتعامل مع المرأة!

المرأة تريد دلالاً، وأنا لا أعرفُ المقصودَ من الدلال الذي تريده المرأة!

المرأة تريد نزهاتٍ ورحلاتٍ وزياراتٍ، وأنا رجلٌ طالب علمٍ، لا أجد لديّ وقتاً لزيارةِ شيخ من شيوخي، أو زميلٍ من زملائي، فضلاً عن النزهاتِ والرحلات!

المرأة تريد أن أجلس معها ساعاتٍ، أسهرُ معها شطر الليلِ، أستمع فيه إلى ثرثرتها، وأشرب معها القهوة، وأتناول المكسّرات، وأستمع إلى نكاتِها، أو أتحدّث لها بنُكاتٍ تضحكها،  وأنا أرى هذا مضيعةً للوقت، وتنزّلاً عن أخلاق الرجال!

المرأة تريد غزلاً ودلعاً، بل تريد تسبيحاً بحمدها، ودوامَ إطراء جمالها وكمالها واعترافاً بفضلها، وأنا لا أحسن هذا كلَّه، ولا أجد له موضعاً في حياتي!

المرأة تتقلّب في المجلس الواحد أربعةَ آلاف مرّة، وتريدك أن تكتشف أنتَ سبب تقلّباتها هذه، وأنْ تعالجها بالفراسةِ، أو الكشف الصوفي، أو الوحي الشيطاني!

وأنا رجلٌ واضحٌ مباشر، أكره الباطنيّةَ والغموض والفوازيرَ والألغاز، ولا أحسنها!

وأخيراً: عندما تغضب المرأة لأيّ سببٍ تافهٍ في نظر الرجلِ، أو في نظري على الأقلّ؛ يبنغي أن يتحمّل الرجل ويصبر ويصمت ويتجاهَل، وأنا لست كذلك!

لم يكن في بيتي تلفاز أبداً، ويبدو أنّ إحدى زوجاتي شاهدت فيلماً عند إحدى صديقاتها، تقول فيه الممثلة الساقطة لزوجها: طلّقني!

رجعَتْ زوجتي إلى البيت غاضبةً، واستقبلتني بوجهٍ ساخط، وعندما سألتها: ما بك؟

قالت: أنا كرهتُ حياتي معك، طلقني!

قلت لها: لن أطلّقك الآن، لكنني أحذّرك من أن تعيدي هذه الكلمة مرّةً أخرى!

والله لو كان لي منك ألفُ ولدٍ؛ سأطلّقك فوراً!

مَضت عدّة أيّامٍ، أو عدّة شهور، ثمّ غارت من ضرّتها، فقالت لي: طلّقني!

فطلّقتها ألفَ تطليقة، ولي منها عشرةُ أولاد، سوى مَن دَرَج!

ندمت وتوسّلت وذهبت تقبّل يديّ وقدميّ لأعيدها!

قلتُ لها: ما الذي دفعك إلى أن تكرّري هذه الكلمة؟

قالت: كنت أريد منك شيئاً من الاهتمام، أريد كلماتٍ لطيفةً، أنت شاعر، وتبخل عليّ بشيءٍ مما تكتبه في شعرك عن المرأة!

قلت لها: (سبقَ السيفُ العَذَلَ) انتهى!  

وجميعُ الطلاقاتِ التي صدرت عني، تجاه زوجاتي الكثيرات؛ كُنّ في لحظات غضب وأنا لا أقصد طلاق واحدةٍ منهنّ، لكنّهن يحتجن تحمّلاً وصبراً ليسا لديّ في حقيقةِ الأمر!

فإن شئت أن تقول: فاشل، أو تقول: أخفقت في زيجاتي كلّها، أو تقول: لا أحسن سياسةَ البيت، قل ما تشاء، فأنا لم أقدّم نفسي يوماً على أنني مَثَلٌ أو قدوة، ولم أزعم أنني على صواب، أو أنني إنسانٌ كامل!

وبمناسبة ذِكر الإخفاق والفشل؛ فلا يجوز أن يوصف رجلٌ مثلي بالفَشَل؛ لأنّ الفشل ضعفٌ مع جبن، وعداب من أشجع الفرسان حتماً!

والفَشَل هو طبيعةُ المرأة، وليس من صفات الرجال!

أمّا الإخفاق؛ فهو يعني عدمَ نجاحِ القَصْدِ أحياناً، وجميع البشر يتعرّضون في حياتهم إليه.

خِتاماً: أنا أنصح إخواني العلماءَ وطلبةَ العلم الشرعيّ جميعاً؛ أن يُعرضوا إعراضاً تامّاً عن مسألة التعدّد، في عصرنا البائس هذا؛ لأنّ قيادةَ مائة رجلٍ؛ أيسر من قيادةِ امرأة واحدة، فإذا تزوّج الرجل عليها؛ انقلبت شيطاناً مريداً، كلّ همّها الانتقام لأنانيتها ونرجسيّتها.

ومِن شدّة ظلمها، وانحراف عقلها؛ تدعو زواج رجُلِها عليها خيانةً!

والله المستعان.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال. 

الثلاثاء، 19 سبتمبر 2023

  مع إطلالةِ شهرِ المولد النبويّ الشريف (3):

علّمتنا يا رسولَ اللهِ أنّ لنا

ربّاً كريماً رحيماً عاليَ الشانِ

ربُّ السماواتِ والأرْضين طائعةً

ربُّ الملائكِ، ربُّ الإنسِ والجانِ

ما في السمواتِ والأرضين قبضتُه

قبضَ اقتدارٍ وتدبيرٍ وإتقانِ

واللهُ وحْدَه مَعبودٌ، يقدّسه

كلُّ الخلائقِ، حاشا أهلَ طغيانِ

عدلٌ عَظيمٌ قَديرٌ مالكٌ ملكٌ

برٌّ رؤوف رحيمٌ خالقٌ بانِ

سبحانَ ربي، تعالى أن يماثلَه

من خلقِه أحدٌ في أيّ عُنوان

ربٌّ له الأمرُ والخلقُ الذي ظهرتْ

آياتُه الغُرّ فينا بعدَ أكوان

مَنّ الكريم علينا رحمةً وهدىً

بالمصطفى عبدِه المحبوبِ، والحاني

الحمدُ للهِ، تلكم نعمةٌ سبقَتْ

كلَّ العطايا بإنعامٍ وإحسانِ

صلّى عليه الله جلّ جلالُه

قبلَ الملائكِ، قبل الإنس والجان.

والحمد لله على كلّ حال.

  مع إطلالةِ شهرِ المولد النبويّ الشريف (2):

يارسولَ اللهِ، يا نورَ العيونْ

يا بَشيرَ الحقّ، يا ماحي الظُنونْ

يا حبيبَ الله من بين الورى

يا نَميرَ الجودِ، كالمُزنَ الهتونْ

أنتَ للدنيا سراجُ الحائرينْ

أنت في الناس إمامُ المؤمنينْ

*****  

يا إمامَ الرسْلِ، يا هادي الأنامْ

يا ضياءَ الحقّ، يا بَدْر الظلامْ

يا رفيع القدرِ، عندَ المرسلينْ

أنتَ نبراسُ الهُداةِ المتّقينْ.

*****

يا سراجاً جاء في الذِكْر الحكيم

وَصفُه فيه نذيرٌ وبشيرْ

شاهِدٌ عَدْلٌ وداعٍ وَمجيرْ

وسراجٌ في دياجيها منير.

ورحيمٌ بالأولى قد آمنوا

ورؤوفٌ بكرام المؤمنين.

صلواتُ اللهِ تَهمي وتقيمْ

فوق روضاتِ رحيمِ العالمين.

صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً

والحمد لله على كلّ حال.

الاثنين، 18 سبتمبر 2023

  مَسائِلُ مِن الفِقْهِ والأُصولِ (14):

الأذانُ جَزْمٌ !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

المؤذّنون من السادةِ الحنفيّة في بلدنا، وفي تركيا؛ يقولون في الأذان والإقامة (اللهُ أكبَرَ اللهُ أكبرْ - اللهُ أكبَرَ اللهُ أكبرْ ) وقد سألت عدداً من المؤذّنين في مدينة حماة، لماذا تنصبون راءَ «أكبرَ» وحقّها الضمّ؛ لأنها خبرٌ؛ قال لي أحدهم، وكان مثّقفاً: جاء عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أنْه قال: (الأذانُ جزمٌ، والإقامةُ جزم) يعني (اللهُ أكبَرْ - اللهُ أكبرْ) فإذا وصلنا التكبيرتين؛ حرّكنا بالفتح لأنه أخفُّ الحركات!

ولم أكن يومها أعرف في علم الحديث شيئاً، كلُّ مَن قال لنا: قال رسول الله؛ خضعنا!

وعندما كَبُرتُ، وغدوتُ أطالع بعضَ مُطوّلات المذهب الحنفيّ، من أمثال المبسوط للسرخسيّ؛ وجدتُه يقول: «وَيَحْذِفُ التَّكْبِيرَ حَذْفاً، وَلَا يُطَوِّلُهُ» لِحَدِيثِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مَوْقُوفاً وَمَرْفُوعاً: «الْأَذَانُ جَزْمٌ، وَالْإِقَامَةُ جَزْمٌ، وَالتَّكْبِيرُ جَزْمٌ» وَلِأَنَّ الْمَدَّ فِي أَوَّلِهِ لَحْنٌ مِنْ حَيْثُ الدِّينُ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَلِبُ اسْتِفْهَاماً، وَفِي آخِرِهِ لَحْنٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ؛ فَإِنَّ «أَفْعَلَ» لَا يَحْتَمِلُ الْمُبَالَغَةَ» فرجعتُ إلى هذا المؤذّن، وكلمته، وقرأتُ عليه ما قاله الإمام السرخسيّ، لكنّه لم يقتنع بكلامي، وظلّ يقول: (اللهُ أكبَرَ اللهُ أكبرْ ) إلى أن توفي، رحمه الله تعالى.

وعندما أقمتُ في تركيّا؛ وجدتُ جميعَ مَن استمعتُ إليه من مؤذّنيهم؛ يقولون: (اللهُ أكبَرَ اللهُ أكبرْ ).

والحقّ أنّ هذا باطلٌ في اللغةِ، وباطلٌ في الفقه:

أمّا في اللغة؛ فإنّ «أكبرُ» خبر لفظ الجلالة «اللهُ» والخبر مرفوع، فمن أراد أن يقتصر على تكبيرةٍ واحدةٍ؛ وَقف بالجزم، لأنّه لا يوقَف في العربية على متحرّك!

وأمّا في الفقه؛ فقد قال برهان الدين بنُ مازهْ الحنفيُّ في المحيط البرهانيّ (1: 368):

«إذا كان المدُّ في أَكْبَرْ «فقال: (أكبار) فإنّ الصلاةَ تَفسدُ، سواء كان في أوّله أو أوسطه أو آخره.

وإذا تَعمّد ذلك في وَسطه (أكبار) يَكْفُر؛ لأنّ (أكبار) اسم الشيطان، وإنْ لم يَتعمّد؛ لا يَكفُر، ويَستغفرُ ويَتوب.

وينبغي أن يقول: (اللهُ) برفع الهاء، ولا يقول (اللهْ) بجزم الهاء.

وفي قوله (أكبرْ) هو بالخيار، إن شاء ذكره بالرفع (أكبرُ) وإن شاء ذكره بالجزم (أكبرْ).

وإنْ كرّر التَكبير مراراً؛ ذكر اللهَ بالرفع (اللهُ) في كل مَرّةٍ وذكر أكبر بالرفع (أكبرُ) وفي المرّةِ الأخيرةِ، هو بالخيار، إنْ شاء ذكرْ بالرفع (أكبرُ) وإنْ شاء ذكره بالجزم (أكبرْ)».

فلا يوجد إذنْ شيٌ اسمه نَصب (أكبرَ) في المذهب الحنفيِّ، وعلى السادةِ الحنفيّة أن يتنبّهوا إلى هذا؛ فهو خطأٌ فاشٍ لدى مؤذّنيهم.

وأمّا ما زعموه حديثاً (الْأَذَانُ جَزْمٌ، وَالْإِقَامَةُ جَزْمٌ، وَالتَّكْبِيرُ جَزْمٌ) فليس هو بحديثٍ أصلاً، لا بهذا اللفظِ، ولا بغيره.

وأحسن ما رُوي في ذلك خبرٌ مقطوع مُعلّقٌ، مرويٌّ بصيغة التمريض!

قال الترمذيّ في جامعه - كتاب الأذان، بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ حَذْفَ السَّلاَمِ سُنَّةٌ (1: 386): «وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «التَّكْبِيرُ جَزْمٌ، وَالسَّلاَمُ جَزْمٌ».

وقال السخاوي في المقاصد الحسنة (345): «حَدِيث (التَّكْبِيرُ جَزْمٌ) لا أَصْلَ لَهُ فِي الْمَرْفُوعِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، حكاه الترمذي في جامعه عنه عقب حديث (حذف السلام سنَّة) فقال ما نصه: ورُوي عن إبراهيم النَخعي أنه قال: «التكبير جزم، والتسليم جزم».

واللهُ تَعالى أَعلمُ

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.

  في سبيل العلم (8):

تَلامِذةُ الشيخ محمّد الحامد !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

سألني أحدُ الإخوةِ الأفاضلِ عن أعلمِ تلامذة شيخنا محمد بن محمود الحامد، رحمه الله تعالى، وأعلى منزلته لديه.

أقول وبالله التوفيق:

جميعُ ما أقولُه في هذا المنشورِ عن شيخنا الحامدِ وتلامذتِه؛ هو رأيي الشخصيّ، بنيته على ملازمتي لشيخنا الحامد من أيلول (1962) حتى وفاتِه في (5/5/ 1969م).

وكان شيخنا توقّف عن التدريس في نهاية شهر شباط (1969م) - فيما أتذكّر - بسببِ استفحال مرضه، الذي توفي في نهايتِه، رضي الله عنه.

الشيخ محمد بن محمود الحامد (1328 - 1389 هـ) الموافق (1910 - 1969م).

بعد حصوله على الثانويّة الشرعيّةِ، من المدرسة الخسروية بحلب؛ درس العلومَ الشرعيّة في جامعةِ الأزهر، وتخرّج فيها عام (1942) يحمل درجة «البكالوريوس» أو الليسانس من كلية الشريعة، والتخصص العالي في القضاء، بما يعادل «الماجستير».

ولا عِلمَ لديّ إنْ كان عَمل في القضاء الشرعيّ، قبل حضوري عليه، لكنّني سمعته غير مرّةً يقول: القاضي على حفرةٍ من حُفَر جهنّم، ولهذا أنا رَفضتُ العملَ في القضاء!

كان شيخنا على جانبٍ عالٍ من الالتزامِ والتقوى، والورعِ غير المفهوم أحياناً!

1- كان يستلم مرتّبه الشهريّ - أو مرتّباته - ثمّ يذهب مباشرة إلى الأخ الفاضل البقّال عبدالمنعم السلقيني، فيعطيَه إيّاها، ويأخذ بدلاً منها نقوداً مما لديه، حصل هذا أمامي مرّاتٍ عديدةً!

وأظنّ أنني سمعته مرّةً يقول: نقود السلقينيّ تَداولَتْها أيدي المسلمين، بينما تلك خرجت الآن من المصرف!

2- وفي إحدى المناسبات؛ أقبل مطران حماة القس «إغناطيوس حريكة» ليصافحه!

فأخرج شيخنا من جيبه منديلاً، وضعه على كفّه، ثمّ صافحه، وأنا حاضر!

سألتُ شيخي غسان عن ذلك؟

قال: للشيخ أحوال خاصّة، وهو يذهب إلى قول الله تعالى: (إنّما المشركون نجس).

ثمّ تبسّم وقال: ولعلّه أراد أيضاً أن يريَه عزّةَ الإسلام!

3- وكان يتوضّأ أحياناً في المسجد مضطراً، فوقفت مرّاتٍ أتفرّج على وضوئه.

كان يغسل وجهه ويديه وقدميه مرّاتٍ تتعذّر على الحصر، ربما ثلاثين، أربعين، أكثر، أقلّ، الله أعلم!

كنت صغيراً جدّاً، فرحت أقلّده في هذا، حتى تشقّقت يداي أخاديدَ، وجرى منها الدم!

رآني يوماً من الأيّام جدّي عليه رحمةُ اللهِ، فضربني بعصا الخيزران، وأنا أتوضّأ!

استغربت ذلك، فتوقّفت عن متابعة الوضوء، وانتظرته حتى ينتهي من ضربي - كما هي العادةُ في بيتنا - توقّف هو عن ضربي، وقال لي: ما هذا الوضوء الذي تقوم به والدم يجري من يديك؟

قلت له: أتوضّأ!؟

قال: هذا ليس وضوءاً، كلّ ما زاد على ثلاثِ مرّاتٍ، فهو إسرافٌ وحرام!

والرسول صلّى الله عليه وسلم يقول: (لا تُسرف، وإنْ كنت على نهر جار)!

[أنا لم أخرّج هذا الحديثَ حتى الآن، وأظنّه ضعيفاً غير صحيح].

قلت له: أنا أتوضّأ كما يتوضّأ شيخنا محمد الحامد، فهل هو لا يعرف ما تقوله لي، سيّدي؟

قال: وما يدريني ما يَفعل شيخُك هذا، ربما يكون مبتلىً بالوسواس!

أمّا عن تلامذة شيخنا الحامد، رحمه الله تعالى؛ فهم ثلاث طبقات:

الطبقةُ الأولى: كان فيها الشيوخ: سعيد حوّى، وعبدالحميد طهماز، ومحمد بشير الشقفة، ومحمد أديب كيلاني، ومروان حديد، وضرباؤهم، رحمهم الله تعالى.

وجميع المذكورين في هذه الطبقة؛ تخصّصوا في العلوم الإسلامية، سوى الشهيد مروان حديد، فقد تخصّص بالهندسة الزراعيّة.

وعندما أراد أن ينتسب إلى جامعة دمشق؛ تحدّث أمامَنا بذلك؛ فاقترحت عليه أن يتخصّص بالشريعة الإسلاميّة، بيد أنّه كان يرى نفسه متخصّصاً بها!

ولهذا اختار دراسةَ الفلسفة؛ ليتعرف كيف يفكّر هؤلاء، وكيف يردّ عليهم، كما قال لنا.

والطبقة الثانية: كان فيها الشيوخ: محمود بن محمد الحامد، وعبدالمنعم نيربيّة النعيميّ، وعبدالحميد الأحدب، وغسّان حمدون، ومحمد بشير سلامة، وسلمان نجّار، وأحمد جوّاد، وغيرهم كثيرون، رحم الله الأحياء منهم والأموات.

وجميع المذكورين في هذه الطبقةِ، درسوا العلوم الإسلاميّة، سوى الأخوَينِ الأخيرين!

فدرس سلمان الطبَّ البشريّ، ودرس أحمد الطبَّ البيطريَّ.

والطبقةُ الثالثة: هي طبقتنا، كان فيها الشيوخ: محمد أمين بن محمد الحامد، وحسن البرازيّ، وطارق عدي، وحاتم الطبشيّ، وعبدالرحمن شيخ النجارين، ومروان حمدون، وعبدالغني زينو، وعهد برازي، وكثيرون جدّاً، منهم الفقير عداب.

ولم يتخصّص بالعلوم الإسلاميّة من المذكورين، سوى حاتم الطبشيّ، ومحمد أمين الحامد، وحسن البرازيّ، والفقير عداب.

وعندما أريدُ أنْ أعيّنَ من أعلمُ تلامذةِ الشيخ الحامد؛ فسآخذ بعين الاعتبار كثرةَ التأليفِ ونوعيّتَه، فمتخصّص لم يؤلّف؛ ليس بعالم عندي!

وأستطيع أن أقول باجتهادي: أعلم تلامذة الشيخ محمّد الحامدِ على الإطلاقِ؛ هو الشيخ سعيد حوّى، وأعلمُ الطبقة الأولى بعده؛ الشيخ عبدالحميد طهماز!

وليس هذا فحسب، بل هو أكثر تلامذته اقتداءً به، واتّباعاً لسلوكه في نظري.

وأعلم الطبقة الثانية شيخي الدكتور غسّان حمدون؛ فهو الوحيدُ الذي وقفت له على مصنّفات علميّة.

وأمّا طبقتنا الثالثةُ؛ فأعلمنا بالقراءات؛ الدكتور حاتم الطبشيّ.

والشيخ محمد أمين الحامد على جانب من الذكاءِ والعِلْم، وله من الكتب رسالةُ «الماجستير» وأطروحة «الدكتوراه» وهي غير مجازةٍ، لكنّ فيها علماً جمّاً، وحدّثني أحدُ الثقاتِ عندي؛ أنّ له كتباً مخطوطةً أخرى!

لكنني لا أعلم له كتاباً مطبوعاً، أو مرفوعاً على الإنترنيت، حتى كتابةِ هذا المنشور، ولست أدري متى سينفع الأمةَ وينشر مكتوباتِه، وقد دخل في السابعة والسبعين من عمره المبارك؟!

ويأتي في آخر تلامذة الشيخ محمّد الحامد؛ الفقير عداب الحمش، وهو الوحيدُ المتخصّص بعلوم الحديث والنقد.

وإذا أردنا أن نصنّف تلامذةَ الشيخ محمد الحامد، وَفقَ كثرةِ المصنّفات، وعدد صفحاتِها؛ فيأتي الشيخ سعيد حوّى في المرتبة الأولى، ويأتي عداب في المرتبة الثانية!

والله تعالى أعلم

رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
هذا.. وصلّى اللهُ على سَيّدنا محمّدِ بن عبدِالله، وعلى آلِه وصحبِه وسلَّمَ تَسْليماً.
والحَمْدُ للهِ عَلى كُلِّ حالٍ.

الأحد، 17 سبتمبر 2023

 قُطوفٌ من الآلام (11):

مُحمّد مهدي الخرسان في ذِمّةِ اللهِ تَعالَى !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ).

(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ؛ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ.

وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ؛ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ).

تلقّيتُ نبأَ وفاةِ شيخي ومجيزي بروايةِ تراثِ الإماميّة «السيّد محمد مهدي بن السيد حسن الخرسان الموسويّ النجفيّ (1347 - 1445 هـ) بحُزنٍ بالغٍ عميق، مغمورٍ بتسليم ورضاً بقضاء الله تعالى وقدره المحتوم!

كانت تربطني بالسيّد مودّةٌ، وكنت أزوره كلّما زُرتُ جدّنا أميرَ المؤمنين عليه السلام.

وكانَ أحبَّ مراجعِ الشيعةِ الإماميّةِ إلى قلبي.

طلبَ نسخةً من أطروحتي للدكتوراه «الوحدان من رواة الصحيحين» فقرأها، وقال لحاملها إليه أخي وزميلي الدكتور عبدالأمير كاظم الميّاحي حيّاه الله تعالى: «السيّد عداب هذا سُنيٌّ وثلاثةُ أرباع، أين التشيّع الذي يرمونه به في رسالته»؟

عندما التقيته؛ تبسمت وقلت له: حيّرتمونا يا أهل العراق!

مشايخ أهل السنّة يقولون: شيعيٌّ رافضيّ!

وأنتم تقولون: سنيّ وثلاثةُ أرباع!

قال: بل أنت سُنيّان واللهِ!

لأنت متشدّد في تطبيق قواعد المحدّثين السنّة، وحريصٌ على تصويب البخاري ومسلم أكثرَ من ابن حجرٍ والنوويّ، فأين هو التشيّع في أطروحتك؟ دُلّني عليه!

أقول لك الحقيقةَ؟

الذين ناقشوك ظلمةٌ، لا يخافون الله تعالى!

رسالتُك هذه ترقى إلى مستوى «فتح الباري» في الدفاع عن البخاريّ، إنْ لم تزدْ عليه!

اللهم إني أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمد نبيّ الرحمةِ؛ أن ترحم عبدَك شيخنا محمد مهدي الخرسان رحمةً واسعةً، وأن تغفر له اجتهادَه، وأن ترفع مقامَه في زمرة العلماء الربانيين العاملين.

وبهذه المناسبةِ الحزينةِ أتقدّم من السادةِ الكرامِ «آل الخرسان» بخالص العزاءِ، وأصدق المواساةِ، سائلاً الرحمن الرحيم أن ينزل عليهم السكينة، ويكسوَهم الصبر الجميل؛ فإنّ فَقْدَ شيخنا الجليلَ مصابٌ جلل (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ، لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، خَالِدِينَ فِيهَا، نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ) وعظّم الله تعالى أجورَكم إخواني.

إنّا لله وإنا إليه راجعون.

ولا حول ولا قوة إلّا بالله العليِّ العظيم.

وحسبنا اللهُ ونعم الوكيل.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.

السبت، 16 سبتمبر 2023

مع إطلالةِ شهرِ المولد النبويّ الشريف (1):

بنفسي أفتدي شهرَ الضياءِ

«ربيعِ الأنورِ» الباهي السناءِ

تَهيمُ بعَودِه ذِكرى حبيبٍ

سَما بالشُكرِ آفاقَ السماءِ

هَداهُ اللهُ مِنْ بينِ البرايا

ليَحمِلَ مِشعَلَ العَدْلِ السَواءِ

تَلا للناس قرآناً مجيداً

أضاءَ نفوسَهم بعدَ الإباءِ

حَباه الله من (خُلُقٍ عَظيمٍ)

وقرّبَه، وأنعم في العطاءِ

سيُعطيك الكريمُ، وسوف تَرضى

وبعضُ رضاكَ تَشفَع في الرِعاءِ

وفي ذِكرى ولادَتِه رسولاً

سنفرَح بالحَبيبِ وبالحِباء

عَليكَ اللهُ صلّى في علاه

وأملاكُ السماء بلا انقضاء!

والحمد لله على كلّ حال.

  المولد النبويّ الشريف (1):

الاحتفال بالمولد النبويّ؛ سُنّةٌ حسنة!

بسم الله الرحمن الرحيم

(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ، حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ، بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).

(وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (*) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).

(إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (*) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا).

(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى).

دعوى الاجتهادِ من أيِّ معاصرٍ؛ دعوى سخيفةٌ خفيفة!

إذ ليس في أهل العلم المعاصرين؛ متحقق بمتطلّبات الاجتهاد!

إنما الناس فريقان:

- الجمهور الأضخم، والسوادُ الأعظم، بنسبة (99999%) هم مُقلّدة تقليداً متكامل الأركان، إنْ قلّدوا المعتمدَ في المذاهب، أم قلّدوا بعض شيوخهم المعاصرين!

وصراخُ بعضهم، وبجاحةُ آخرين؛ لا تؤثّر على هذه الحقيقةِ بشيءٍ!

- يبقى (1....%) متّبعون لأرباب المذاهب، لديهم قُدرةٌ على تمييز الصحيح من الضعيف، والمقبول من المردود، والمعروف من المنكر!

والسادة الصوفيّة بوجهٍ عامٍّ؛ يلجؤون إلى الإمام الشافعيّ، عند المضائق!

أسند البيهقي في مناقب الشافعيّ (2: 49) إلى أبي الوليد بن الجارود قال: «كان يقال: إن محمد بن إدريس الشافعيُّ؛ لغة وحدَه، يُحتجّ به كما يُحتجُّ بالبَطْنِ من العرب».

وقال عبدالله بنُ الإمام أحمدَ رحمه الله تعالى: قلتُ لأبي: يَا أبةِ، أي رجل كَانَ الشافعي فإني سمعتك تكثر من الدعاء له؟

فَقَالَ لي: «يَا بني كَانَ الشافعيُّ كالشَمس للدنيا، وكالعافية للناس فانظر هل لهذين مِن خلفٍ، أو عنهما عِوض» تهذيب الكمال (24: 371).

الإمامُ الشافعيّ هذا؛ يفرّق بين بدعة الضلالة، والبدعةِ الحسنة، وهو أعلم بالمعاني واللغةِ من غيره من الأئمة!

قال الإمام البيهقيّ في معرفة السنن والآثار (4: 408) وفي المدخل إلى معرفة السنن (2: 633) ومناقب الشافعيّ (1: 468): أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ «محمد بن موسى بن الفضل بن شاذان الصيرفيّ» قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأصمّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: «الْمُحْدَثَاتُ مِنَ الْأُمُورِ ضَرْبَانِ:

- أَحَدُهُمَا: ما أُحْدِثَ مُخَالِفاً كِتَاباً أَوْ سُنَّةً أَوْ أَثَراً أَوْ إِجْمَاعاً، فَهَذِهِ الْبِدْعَةُ الضَّلَالَةُ.

وَالثَّانِي: ما أُحْدِثَ مِنَ الْخَيْرِ، لَا خِلَافَ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَا، وَهَذِهِ مُحْدَثَةٌ غَيْرُ مَذْمُومَةٍ».

قال الفقير عداب: هذا إسنادٌ في غاية الصحةِ، جميع رجاله حفّاظ.

وقال البيهقيُّ: «قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ: (نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ).

يَعْنِي: إنَّهَا مُحْدَثَةٌ، لَمْ تَكُنْ، وَإِذْ كَانَتْ؛ فَلَيْسَ فِيهَا رَدٌّ لِمَا مَضَى».

وقال إمام الحنابلة في عصره أحمد بن عبدالحليم ابنِ تيمية الحرّانيّ في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم (2: 126) ما نصّه:

«فتعظيمُ المولد، واتخاذُه موسماً، قد يَفعله بعضُ الناس، ويكون له فيه أجر عظيمٌ؛ لحُسنِ قَصدِه، وتعظيمِه لرسول الله صلى الله عليه وسلم).

ختاماً: نحن - المبتدعينَ - نحتفل بالمولد النبويّ الشريف؛ تعظيماً وحبّاً وتذكيراً بمكارم رسولنا صلّى الله عليه وآله وسلّم، وحثّاً على الاقتداء به في صفاته وكمالاته.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على نبيّنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.

الخميس، 14 سبتمبر 2023

  مَسائل حديثية (57):

صَحيفةُ الإمامِ عليّ عليه السلامُ !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

كتب أحدُ المنكرين للحديث النبويّ منشوراً يوضح فيه أنّ الحديثَ الذي يتضمّن صحيفةَ الإمام عليّ عليه السلام؛ موضوع!

وكان مما قال في منشوره هذا: «إنّ الأخطر في هذا الحديث اتهام دين الله تعالى بالنقص، حتى اضطر الصحابةُ أن يبحثوا عن المفقود ليسألوا عليا كوريث للنبوة بما خص به من الوحي، وهذا التحول الخطير في ابتداع مثل هذه القصة لتدلك على الخبث والدهاء الذي حاول اختراق دين الله تعالى لينقله من مرجعية القرآن المعجز المحفوظ الكامل لا ريب ولا نقص فيه إلى وحي آخر مخبء في بيت ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكأن دين الله تعالى تركة تنقل ويوصى بها للأهل والأقارب».

وقال أيضاً: «في هذا المثال إثبات وضع الحديث من خلال تعارضه مع البديهي لا أكثر، وهو معلوم لدى أهل الحديث أن الحديث يرد إذ خالف البديهيات والمسلمات.

والأمر البديهي هنا : أن نسخة مكتوبة موثقة نشرها الصحابي عليّ، فالأصل أن تنقل لنا كما هي بحرفيتها ودقتها لتكون أقوى وثيقة تضبط في عصر النبوة، فهل فعلا هذا ما حصل»؟!

وختم منشوره البائس هذا بقوله: « يبقى أن نُذكِر هنا أنفسنا والبخاري أيضا بالقاعدة التي ذكرها عن ابن سيرين والتي تنطبق على هذه الحديث لنكارة متنه واضطرابه الشديد وهي «عامة ما يروى عن علي كذب» ولن تجد مثالا تنطبق عليه هذه القاعدة أوضح من هذا لأمة تقرأ وتتدبر وتنقد وتتحرر من سلطان الطائفية والتقليد والتبعية والإجماعات المزعومة»


 

- بابُ كِتابَةِ العِلْمِ

[199] (111) حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ قالَ: أخْبَرَنا وَكيعٌ عَنْ سُفْيانَ، عَنْ مُطَرِّفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أبي جُحَيْفَةَ قالَ: قُلْتُ لِعَليٍّ [بن أبي طالب] ([1]) هَلْ عِنْدَكُمْ كِتابٌ؟ قالَ: لاَ، إلا كِتابُ اللهِ، أوْ فَهْمٌ أُعْطيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أوْ ما في هَذِهِ الصَّحيفَةِ.

قالَ: قُلْتُ: فَما([2]) في هَذِهِ الصَّحيفَةِ؟ قالَ: العَقْلُ، وَفَكاكُ الأسيرِ، وَلاَ([3]) يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكافِرٍ.

وأعاده البخاريّ في الجهاد والسير (3047) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يُونُسَ: ثَنا زُهَيْرٌ: ثَنا مُطَرِّفٌ أَنَّ عَامِراً حَدَّثَهُمْ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ t قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ t: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْوَحْيِ إِلاَّ مَا فِي كِتَابِ اللهِ؟ قَالَ([4]): وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، مَا أَعْلَمُهُ إِلاَّ فَهْمٌ([5]) يُعْطِيهِ اللهُ رَجُلاً فِي الْقُرْآنِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: «الْعَقْلُ وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ»

وأعاده البخاري في الديات (6903) قال: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بنُ الْفَضْلِ: أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ: ثَنا مُطَرِّفٌ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبيَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيّاً t: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مَا([6]) لَيْسَ في الْقُرْآنِ - وَقَالَ مَرَّةً: مَا لَيْسَ عِنْدَ النَّاسِ - ؟ فَقَالَ: «وَالَّذي فَلَقَ الْحَبَّةَ([7]) وَبَرَأَ النَّسَمَةَ! مَا عِنْدَنَا إِلاَّ مَا في الْقُرْآنِ، إِلاَّ فَهْماً يُعْطَى رَجُلٌ في كِتَابِهِ، وَمَا في الصَّحِيفَةِ. قُلْتُ: وَمَا في الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ، وَفِكَاكُ الأَسِيرِ، وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ».

وأعاده البخاريُّ في الديات (6915) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يُونُسَ: ثَنا زُهَيْرٌ: ثَنا مُطَرِّفٌ أَنَّ عَامِراً حَدَّثَهُمْ عَنْ أَبي جُحَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَليٍّ([8]).

حَدَّثَنَا([9]) صَدَقَةُ بنُ الْفَضْلِ: أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ: ثَنا مُطَرِّفٌ: سَمِعْتُ الشَّعْبيَّ يُحَدِّثُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيّاً t: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مَا([10]) لَيْسَ في الْقُرْآنِ؟ - وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ مَرَّةً: مَا لَيْسَ عِنْدَ النَّاسِ - فَقَالَ: وَالَّذي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ! مَا عِنْدَنَا إِلاَّ مَا في الْقُرْآنِ، إِلاَّ فَهْماً يُعْطَى رَجُلٌ في كِتَابِهِ، وَمَا في الصَّحِيفَةِ. قُلْتُ: وَمَا في الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ، وَفِكَاكُ الأَسِيرِ، وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ.

وأعاده البخاري في الحج (1870) ] (1870) حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ: ثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ: ثَنا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ t قَالَ: مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ إِلاَّ كِتَابُ اللهِ، وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَنِ النبيِّ e: (الْمَدِينَةُ حَرَمٌ، مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا، مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً، أَوْ آوَى مُحْدِثاً، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ) وَقَالَ: (ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِماً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ، وَمَنْ تَوَلَّى قَوْماً بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ([11])).

وأعاده البخاري في الجزية (3172) حَدَّثنَي([12]) مُحَمَّدٌ: أنا([13]) وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ فَقَالَ: «مَا عِنْدَنَا كِتَابٌ نَقْرَؤُهُ إِلاَّ كِتَابَُ اللهِ([14]) وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. فَقَالَ: فِيهَا الْجِرَاحَاتُ وَأَسْنَانُ الإِبِلِ، وَالْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً([15]) أَوْ آوَى فِيهَا مُحْدِثاً، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ([16]) مِنْهُ صَرْفٌ، وَلاَ عَدْلٌ، وَمَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِماً فَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ».

وأعاده في الكتاب نفسه (3179) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ: أنا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ t قَالَ: مَا كَتَبنَا عَنِ النَّبِيِّ e إِلاَّ الْقُرْآنَ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ النَّبِيُّ e: (الْمَدِينَةُ حَرَامٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثاً، أَوْ آوَى مُحْدِثاً، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ([17]) وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ عَدْلٌ، وَلاَ صَرْفٌ([18])، وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ. فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِماً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ، وَلاَ عَدْلٌ، وَمَنْ وَالَى قَوْماً بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ، وَلاَ عَدْلٌ).

وأعاده البخاريّ في الفرائض (6755) قال: حَدَّثنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ: ثَنا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ t: مَا عِنْدَنَا كِتَابٌ نَقْرَؤُهُ إِلاَّ كِتَابُ اللهِ، غَيْرَ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. قَالَ: فَأَخْرَجَهَا فَإِذَا فِيهَا أَشْيَاءُ مِنَ الْجِرَاحَاتِ وَأَسْنَانِ الإِبِلِ. قَالَ([19]) وَفِيهَا: الْمَدِينَةُ حَرَامٌ([20]) مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ([21]) فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ. وَمَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ([22]) مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ([23]) وَلاَ عَدْلٌ. وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ؛ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ.

وأعاده البخاريّ في الاعتصام (7300) حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ: ثَنا أَبِي: ثَنا الأَعْمَشُ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ t عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ آجُرٍّ، وَعَلَيْهِ سَيْفٌ فِيهِ صَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا عِنْدَنَا مِنْ كِتَابٍ يُقْرَأُ، إِلاَّ كِتَابَُ([24]) اللهِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. فَنَشَرَهَا، فَإِذَا فِيهَا: أَسْنَانُ الإِبِلِ، وَإِذَا فِيهَا: (الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ عَيْرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً؛ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفاً وَلاَ عَدْلاً) وَإِذَا فِيهِ: (ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِماً؛ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفاً وَلاَ عَدْلاً) وَإِذَا فِيهَا: (مَنْ وَالَى قَوْماً بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ؛ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفاً وَلاَ عَدْلاً ([25]))([26]).

تعيين مدار الحديث:

رَوى البخاريُّ وغيره حديثَ البابِ مختصراً ومطوّلاً:

فرواية أبي جحيفة وهب بن عبدالله السوائي، عن عليّ u عنده وعند غيره مختصرةٌ.

ورواية يزيد بن شريك النخعي، عن عليّ u عنده وعند غيره أتمّ، ولم يخرج البخاري عن عليّ u إلا هاتين الروايتين.

وسأعيّن مدار الحديث لهاتين الروايتين مع غيرهما خارج الصحيح؛ على أنها حديث واحد، هو من مشاهير حديث عليٍّ u فأقول:

مدار حديث عليّ بن أبي طالبٍ u  في الباب عليه، رواه عنه:

(1)  الحارث بن سويد الأعور عند أحمد (1298) قال ابن حجر في التقريب (1026): «ثقة ثبتٌ من الطبقة الثانية».

(2) وطارق بن شهاب عند أحمد (782، 798، 874، 962) قال في التقريب (3000): «قال أبو داود: رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولم يسمع منه» يعني هو ثقة.

(3) وأبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي t عند أحمد (855، 858، 954، 1307) وابن حبان (6604) قال في التقريب (3111): «ولد عام أحد، ورأى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو آخر من مات من الصحابة» يعني هو ثقة!

(4) وقيس بن عُباد الضُبعيّ عند أبي داود (4530) والنسائيّ (4734) قال في التقريب (5582): «ثقة مخضرم من الثانية».

(5) وأبو جحيفة وهب بن عبدالله السوائي عند أحمد (599) والبخاري (111، 3047، 6903، 6915) ومسلم (1370) وبعد (1508) وابن ماجه (2658) والترمذيّ (1412) والنسائي (4744) والبزار (486) قال في التقريب (7479): «صحابي معروف، وصحب عليّا».

(6) ويزيد بن شريك التيميّ عند أحمد (615، 1037) والبخاري (1870، 3172، 3179، 6755، 7300) وابن حبان (3716) وأبي داود (2034) والترمذيّ (2127) قال في التقريب (7729): «ثقة من الثانية، يقال: إنّه أدرك الجاهليّة».

(7) ومالك بن الحارث المشهور بالأشتر النخعيّ، من رواية أبي حسان الأعرج عنه، عند النسائيّ (4746) قال في التقريب (6429): شهد اليرموك وغيرها، ولّاه عليّ مصرَ، وهو مخضرم.

قال عداب: يكفيه أنّ عليّاً عليه السلام جعله من خاصّته.

(8) وأبو حسان الأعرج عند أحمد (959) والنسائيّ (4735، 4745) وروايته عن عليّ u مرسلة، ويظهر أنه سمعه من الأشتر عن عليٍّ u كما تدلّ عليه الرواية السابقة للحديث عند النسائيّ (4746).

قال في التقريب (8046): «صدوقٌ رُمي برأي الخوارج (ت: 130 هـ).

قال الترمذيُّ: «رُوي هذا الحديثُ من غير وجهٍ عن عليّ» وهذا يعني أنّ مدارَ الحديث على الإمامِ عليّ في نظر الترمذيّ، وهو مطابقٌ لما توصّلنا إليه!

فإذا نحن طبّقنا نظريّةَ «المدار» التي لا نعترف بأيّ تخريجٍ للحديثِ سواها؛ فيكون عليّ عليه السلام هو الذي ابتدع هذا الحديثَ واختلقه، ويكون كلُّ واحدٍ من هؤلاء الرواة عنه زادَ عليه، أو نقص منه!

أو أن يكون عليٌّ وضعه ونسبه إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، ورواه هؤلاء الرواة عنه، ثم قام مَن بَعدهم، فتصرّفوا بالحديث زيادةً ونقصاناً!

  لستُ أدري هل لدى الباحث المحترم، سوى هذا الخِيار؟

هذا التخريجُ العلميّ الذي لا أظنّ هذا الباحثَ يَعرفه أبداً، ولو كان يعرفه؛ ما تجرّأ على قوله الذي صدّرتُ به هذا المنشور «في هذا المثال؛ إثباتُ وَضع الحديث من خلال تعارضه مع البديهي لا أكثر» لأنّ واضعَ الحديث ومخترعَه؛ هو الإمام عليّ عليه السلام، ولا يصلح في البحث العلميّ غيرُ ذلك؟!!

ولأنني أرجّح أنّ الباحث لا يعرف التخريجَ على المدار، ولا يفهم لوازمَه؛ فإنني سأخرّج كلّ روايةٍ من هذه الرواياتِ على حدتها، في منشورٍ تالٍ، إن شاء الله تعالى.

إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على نبيّنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.



([1]) سقطت من بعض النسخ.

([2]) في بعض النسخ: وما.

([3]) في بعض النسخ: وأن لا.

([4]) في بعض النسخ: قال: لا.

([5]) في (ت): «فَهْماً».

([6]) في بعض النسخ: مما.

([7]) في (ت): « الْحَبَّ ».

([8]) تراجع في الأَصْل علامة الإلغاء، وفي (ب): (ح) وفي بعض النسخ: حدثنا بسقوط الواو.

([9]) في (ب، ت ): « وَحَدَّثَنَا ».

([10]) في (ت): « مِمَّا ».

([11])  في (ب): «قال أبو عبدالله: عدلٌ: فداءٌ» ثم ضرب عَلَيهِ 

([12]) في بعض النسخ: حدثنا.

([13]) في بعض النسخ: حدثنا.

([14]) في (ب): «كتاب الله تَعالى».

([15]) في بعض النسخ: حَدْثَةً.

([16]) في بعض النسخ: لا يَقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.

([17]) قَولُهُ: « وَالْمَلاَئِكَةِ » لَيْسَ في (ب) في هَذا الموضع.

([18]) في (ب): « صَرْفٌ، وَلاَ عَدْلٌ» بتقديم وتأخير.

([19]) في بعض النسخ: وقال: وفيها.

([20]) في (ت): « حَرَمٌ ».

([21]) في بعض النسخ: إلى كذا.

([22]) في بعض النسخ: لا يَقْبَلُ اللهُ منه.

([23]) في بعض النسخ: صرفاً ولا عدلاً.

([24]) كذا الضبطُ في السلطانية واليونينية.

([25]) [إسناده حسن صحيح، مشهور] من حديث علي بن أبي طالب u: أخرجه أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة (2: (599، 615، 782، 798، 855، 858، 874، 954، 959، 962، 993، 1037، 1298، 1307) ومسلم في كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء e فيها بالبركة (1370) وفي العتق، باب تحريم تولي العتيق غير مواليه، قبل رقم (1509) وفي الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله (1978) وابن الجارود في أبواب الديات (794) وأبو عوانة في العتق والولاء، باب بيان حظر بيع الولاء وهبته... (3907، 3909) وفي الأضاحي، باب بيان وجوب اللعنة على من نسك لغير الله... (6339، 3643) وابن حبان في الحج، باب فضل مكة، ذكر لعن المصطفى e من أحدث في حرمه حدثاً أو أخفر مسلماً ذمته (3716، 3717) وفي التاريخ، باب مرض النبي e (6604) والحاكم في قسم الفيء (2: 141) والدارمي في الديات، باب لا يقتل مسلم بكافر (2356) وابن ماجَهْ في الديات، باب لا يقتل مسلم بكافر (2658) والنسائي في القسامة، باب سقوط القود من المسلم للكافر (4744) والترمذي في أبواب الديات، باب ما جاء لا يقتل مسلم بكافر (1412) وقال: «حديث علي حديث حسن صحيح» وفي أبواب الولاء والهبة، باب ما جاء فيمن تولى غير مواليه، أو ادعى إلى غير أبيه (2127) وقال: «حسن صحيح، وروى بعضهم عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد، عن علي نحوه، وقد روي من غير وجه عن علي، عن النبي e» قلت: رواية الحارث عن عليّ، عند أحمد (1298) وانظر «التحفة» [10311] و«الإتحاف» [14819].

([26]) مكررات الحديث (111):

أخرج البخاري حديث الباب هنا في كتاب العلم (111) من رواية أبي جحيفة عن عليّ وشرحه ابن حجر في الفتح (1: 269- 271) شرحاً موجزاً.

وأعاده البخاري من الرواية ذاتها في الجهاد (3047) وشرحه ابن حجر في الفتح (6: 201) شرحاص موجزاً، وبيّن ما يتصل بترجمة الباب، وقال: «مضى شرحه في كتاب العلم، وسيأتي الكلام على بقية ما فيه، في كتاب الديات، إن شاء الله تعالى».

وأعاده البخاري في الديات (6903) وشرحه ابن حجر في الفتح (12: 307) شرحاً موجزاص، وبيّن ما يتصل بترجمة الباب، وقارن بين متون الحديث في عددٍ من مواضع تكراره.

وأعاده في كتاب الديات أيضاً (6915) وشرحه ابن حجر في الفتح (12: 325- 327) شرحاً مستوفى، وعالج مسألة (عدم قتل المسلم بالكافر) وناقش أدلة الحنفية ومن وافقهم في ذلك، بما يتعين الرجوع إليه.

وأعاده البخاري من رواية يزيد النخعي عن عليّ في الحجّ (1870) بعد حديث أنس (1867، 1868) وحديث أبي هريرة (1869) في الباب، وشرحها ابن حجر في الفتح (4: 106) شرحاً مستوفى، وذكر في أثناء شرحه حديث عليّ u الروايات الأخرى التي حملت متن هذا الحديث في الجملة، مما ستجده في تعيين مدار الحديث.

وأعاده في الجزية (3172) وشرحه ابن حجر في الفتح (6: 329) شرحاً موجزاً، وبيّن ما يتصل بترجمة الباب وقال: «مضى كثير من فوائد هذا الحديث في فضل المدينة، وتأتي بقيته في كتاب الفرائض».

وأعاده في الجزية (3179) ولم يشرحه ابن حجر في الفتح هنا (6: 336) بل قال: «تقدم التنبيه عليه قريباً».

وأعاده في الفرائض (6755) وشرحه ابن حجر في الفتح (12: 51- 53) شرحاً موجزاً، وبيّن ما يتصل بترجمة الباب، وأتى بشواهد لبعض فقرات حديث الباب، وفصّل المسائل الفقهية المستنبطة من الحديث، ثم قال: «تقدم شرحه مستوفى في كتاب الجزية».

وأعاده في الاعتصام (7300) وشرحه ابن حجر في الفتح (13: 341) شرحاً موجزاً، وبيّن ما يتصل بترجمة الباب، وما يخصّ الأحاديث الأخر التي ساقها البخاري في الباب، وقال: «تقدم شرح ذلك في باب حرم المدينة في أواخر كتاب الحج».