الأربعاء، 14 يوليو 2021

 مسائل حديثية (16):

أخطاءُ الإمامِ عَليٍّ عليه السلام (2)!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

الحديث الثاني: (أنفسنا بيد الله تعالى).

أخرج البخاري في كتاب الجمعة (1127) من حديث شعيب بن أبي حمزة الأمويّ عن ابن شهاب الزهريّ، الأمويّ الهوى والخِدمةِ.

وفي كتاب الاعتصام (4724) من حديث إسحاق بن راشد الأمويّ عن الزهريّ

وفي كتاب التوحيد (7465) من حديث محمّد بن أبي عتيقٍ التيميّ البكريّ عن الزهري، عن عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ «السجّاد» أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَام أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً، فَقَالَ: لَهُمْ أَلَا تُصَلُّونَ؟

قَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ!

إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا؛ بَعَثَنَا».

فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا.

ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا).

وأخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين (775) من طريق عُقيلِ بن خالد الأمويِّ عن ابن شهابٍ به مثله.

وأخرجه كثيرون غيرهم، إذ هو ممّا يسعد النواصبَ كثيراً، لأنّ فيه مجهلةً ومنقصةٌ للإمام عليّ عليه السلام.

أقول وبالله التوفيق:

رُوي هذا الحديث موصولاً ومرسلاً، فروي عن عليّ بن الحسين عليه السلام مرسلاً. وروي عن عن عليّ بن الحسين، عن الحسن بن عليّ، وعن عليّ عن الحسين.

وقد أوضح الدارقطنيّ ذلك كلّه في العلل (3: 98) وفي التتبّع (ص: 82) بما يغني عن تكلّف البحث له عن علل، وسنقتصر على المتّصل المرفوع.

مَدار حديث الباب على الزهريّ الناصبيّ شرطيّ أوغادِ بني أميّة، وراه عنه جمع من النواصب الأمويين النواصب!

والزهريّ هذا يجعله المحدّثون حافظ الأمة وإمام المحدّثين، ولا يُعنَون أبداً بكونه مُوظّفاً من موظفي بني أميّة، ولا أنّه أجبن وأوضع من أن يستطيع مخالفتهم!

تَرجمه الذهبي في النبلاء (5: 326) وفخّمه كثيراً، ثمّ أسند إلى قُرَّةَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أنّه قال: لَمْ يَكُنْ لِلزُّهْرِيِّ كِتَابٌ، إِلاَّ كِتَابٌ فِيْهِ نَسَبُ قَوْمِه.

وقد كان الزهريُّ متساهلاً في شأن التحمّل، فقد قال تلميذه عُبَيْدُاللهِ بنُ عُمَرَ العمريّ الثقةُ المُصغّر: دَفَعتُ إِلَى ابْنِ شِهَابٍ كِتَاباً، نَظَرَ فِيْهِ، فَقَالَ: ارْوِهِ عَنِّي.

الزهريّ هذا انفرد بهذا الحديث، وزعَم أنّ سيّدنا عليّاً السجّاد حدّثه بهذا الحديث.

فأين أولادُ السجّاد الأئمّة وتلامذته عن روايِتهم هذا الحديث؟

رَوى عن الإمام السجّادِ أولاده الأئمة: زيد بن عليّ، وولده محمد الباقر، وولده عمر بن علي، وولده عبدالله بن عليّ، وعبدالله بن محمد بن عقيل، والحكم بن عتيبة، وفضيل بن غزوان، وغيرهم كثيرون من الأئمة والثقات، فأين هم عمّا تفرّد به هذا الزهريّ الأعيمش، مستجدي عطاءات الظالمين؟! 

ومن المعلوم أنّ المحدّث المشهور، الذي يُجمع حديثُه، متى تفرّدَ واحدٌ من الرواة عنه بحديثٍ، دون الآخرين؛ يجب التوقّف في قَبولِ حديثِه!

فإذا انضاف إلى هذا؛ بغضُ عليّ، والعداوةُ والمذهب والوظيفة؛ فيترجّح عندنا أنّ هذا الراوي المنفرد المبتدع الناصبَ؛ هو الذي افتراه عمداً، أو وهماً.

قال ابن حجر في هدي الساري (ص: 385): «اعلم أنّه وقع من جماعةٍ الطعنُ جماعةٍ، بسببِ اختلافهم في العقائد، فينبغي التنبّه لذلك، وعدم الاعتداد به».

كان بين أبي عبدالله ابن منده، وبين أبي نعيمٍ الأصهباني ما صنع الحدّاد، تكلّم كلٌّ منهما بالآخر، بسبب أنّ أبا نعيمٍ أشعريّ صوفيّ، وأنّ ابن منده حنبليّ أثريّ.

قال الإمام الذهبيّ في النبلاء (17: 462): «كان أبو عبدالله ابن مندهْ يُقذع المقال في أبي نعيم لمكان الاعتقاد المتنازع فيه بين الحنابلة وأصحاب أبي الحسن «الأشعري» ونال أبو نعيم أيضاً من أبي عبدالله في تاريخه، وقد عُرفَ وَهْنُ كلام الأقران المتنافسين، بعضهم في بعض».

وقال في الميزان (3: 480): «البلاء الذي بين الرجلين؛ هو الاعتقاد».

 فالزهريّ مهما كانت مرتبته من الثقة عند المحدّثين؛ إلّا أنّه بحكم عمله، وضغط الأمويين عليه؛ غير مؤتمن على ما ينفرد به عن أيّ واحدٍ من آل البيت عليهم السلام، وصنيعه في أحاديث آل البيت تدلّ على هذا دلالةً واضحة!

قال الإمام في ابن حبّان في ترجمةِ عمر بن حفص الأيلي، من كتاب المجروحين (1: 258): « وَقَوْلُهُ: (الْمَدِينَة لَا تصلح إِلَى بِي أَوْ بِكَ) بَاطِلٌ!

مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا قَطُّ،  وَلا سَعْدٌ بن أبي وقّاص رَوَاهُ، وَلَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ حَدَّثَ بِهِ، وَلا الزُّهْرِيُّ قَالَهُ،  وَلا مَالِكٌ رَوَاهُ.

وَلَسْتُ أَحْفَظُ لِمَالِكٍ وَلا لِلزُّهْرِيِّ فِيمَا رَوَيَا مِنَ الْحَدِيثِ، شَيْئًا مِنْ مَنَاقِبِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ أَصْلاً».

فالزهريّ وتلميذه مالكٌ؛ لا يرويان في فضائل الإمام عليّ حديثاً واحداً، وهي بالعشرات بين أيديهما، لماذا ؟!

- إمّا بغضاً لعليّ.

- أو خوفاً من بطشِ بني أميّة.

- أو استدراراً للعطايا والهدايا.

وأيّ واحدةٍ من هذه البلايا، منعت الزهريَّ وتلميذه مالكاً من رواية فضائل الإمام؛ فهما غير مصدّقين فيما يرويانه مما يشينه وينسب إليه ما لا يليق!

وابن حجر شارح فتح الباري؛ لم يذكر في شرح كتابي الاعتصام والتوحيد شيئاً!

لكنّه في كتاب التهجّد (4: 1127) جعل في الحديث فضيلةً للإمام عليه السلام، فقال: «وفيه منقبةٌ لعليٍّ حيث لم يكتم ما فيه عليه أدنى غضاضة، فقدّم مصلحة نشر العلم وتبليغه على كتمه».

ختاماً: هذا الحديث من أفراد الزهريّ عن عليّ بن الحسين، وأبناء عليّ بن الحسين متوافرون، وهم علماء، ولم يَرووا هُم ولا بقيةُ تلامذته هذا الحديث عن والدهم وشيخهم السجّاد.
فيبقى إسناد الحديث ضعيفاً لتفرّد الزهريّ به، ولاحتمال وهمه، إذ الرجل ليس له أحاديث مكتوبة، وكان يرفض تكرار الحديث؛ لئلّا يظهر تخالفُه وتناقضه به، وكان يأذن لتلامذته بالرواية عنه، من دون حضورٍ ولا سماعٍ!

ثم لبدعته الناصبية المحبطة، وموقفه السياسيّ من آل البيت!

أمّا متنه؛ فمنكر، لأنّ الإمام عليّاً عليه السلام، كان من العابدين الربّانيين، العالمين بالقَدر، أكثر من جميع الصحابة والتابعين!

وحاشاه أن يستدلّ بهذه الآية الكريمة، دفعاً لغفلته المزعومة عن قيام الليل.

والله تعالى أعلم

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق