الجمعة، 16 يوليو 2021

مَسائل حديثية (18):

أخطاءُ الإمامِ عَليٍّ عليه السلام (4)!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

أخرج البخاريّ في الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة (2732)

حديث عروة بن الزبير عَنِ الْمِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ، في قصة الحديبية.

وهذا حديثٌ باطلٌ عندنا، لا نعتقد بأيّ من الدعاوى التي انفرد بها عروة عن هذين الناصبيين.

لكنْ أخرج البخاريُّ في كتاب الصلح (2702) ومسلم (1783) من حديث

أَبِي إِسْحاقَ السبيعيّ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ، حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.

فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ؛ كَتَبُوا هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ.

فَقَالُوا: لَا نُقِرُّ بِهَا، فَلَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ؛ مَا مَنَعْنَاكَ، لَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللهِ قَالَ: أَنَا رَسُولُ اللهِ، وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ: (امْحُ رَسُولُ اللهِ)!

 قَالَ عَليٌّ: لَا وَاللهِ، لَا أَمْحُوكَ أَبَداً!

فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِتَابَ، فَكَتَبَ «يعني أمر بذلك»: (هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللهِ ) الحديث.

قال المعترضُ الوهّابيّ:  «هل هو عليٌّ -  يُعَلّم النبيَّ، هُو النّبيُّ لا يدري ؟!»

صلّى الله عليه وآله وسلّم!

انظر إلى هذا الاعتراض الجلف الصلف، الوقح، يعترض على الإمامِ عليّ عليه السلام، وكأنّه أحدُ الأعرابِ النَتنى، البوّالين على أعقابهم في صحراء الجزيرة!

حين يقول أعرابيّ مثلك لولده: ياوْليدي .. لا تقل عن والدك: سيّد بني زَحْمانَ، قل: طَقعانُ بنُ خَرعانَ، من دون سيّد!

وحين يقول ولده الأعرابيّ له: «لا حظَّ الله، ما امْسح اسمك يا بوووي، لو أيشٍ يصير، أنت بووووي، وانت شيخنا، وتاج روسنا الأعرابيّة» هل يكون الولدُ ارتكب جريمةَ عقوق الولد لوالده، وخالفَ أمرَه يا ذكيّ؟

إنّ هذا الحديث صحيح، والبراء بن عازب عندنا؛ صحابي جليل، وأبو إسحاق السبيعيّ من أجلّ رواة الحديث وأوثقهم، رضي الله عنهما،إنّما المصيبة في فهم العقل والقلب الناصبيّ.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، عند شرحه هذا الحديثَ نفسه في المغازي (4251) ما نصّه: «كأنّ عليّاً عليه السلام، فهم أنّ الأمر بذلك ليس متحتّماً، فلذلك امتنع من امتثالِه».

وأخرج النسائيّ في الكبرى (8523) من حديثِ علقمة بن قيسٍ عن عليّ عليه السلام قال:

«إِنِّي كُنْتُ كَاتِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَكَتَبْتُ:

«هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو»

فَقَالَ سُهَيْلٌ: «لَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ؛ مَا قَاتَلْنَاهُ، امْحُهَا».

فَقُلْتُ: «هُوَ وَاللهِ رَسُولُ اللهِ، وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُكَ، لَا، وَاللهِ لَا أَمْحوهَا».

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: (أَرِنِي مَكَانَهَا)؟ فَأَرَيْتُهُ فَمَحَاهَا».

هل تدري أيها المعترض الفظّ ما تفعله الروايةُ بالمعنى في كتبِ الحديث والروايات؟

أم تريدني أنّ أعرض لك ما يُذْهِلُك، حتى لا يبقى أحدٌ يثق بشيٍ منها كلّها؟

وطريقُ الجمع بين الروايات في الحادثة الواحدة أن نقول: إنّ عليّاً عليه السلام، كتب محمّد رسول الله، فاعترض سهيل، فغضب عليّ منه، ووبّخه كما تقول رواية علقمةَ عند النسائيّ.

ولأنّ الرسولَ صلّى الله عليه وآله وسلّم أعلم بالمصلحة الشرعية من عليّ ومن غيره، قال له: (امحها) يريد أنّه موافقٌ على تغيير العبارة.

لكن عليّاً تعظيماً للرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، ويقيناً برسالة الرسول، وفي لحظة غضبٍ هاشميّة؛ قال: لا أمحوها، ولم يَقصِدْ مخالفةَ أمر سول الله، كما فهمتَ أيها الأعرابيّ المُشرَب بالنصبِ الوَخْش!

وفي أدبيّاتنا نحن الصوفيّةَ أهلَ الذوقِ والفهم العميق والتجريد؛ ما لا تفهمه أنت ولا سائر أعراب الجزيرة، الذين يندر وجود بليغٍ أو بلاغيّ فيهم!

نحن نتساءل في مثل هذه الحال: «الامتثال خيرٌ من الأدب» أم «الأدب خير من الامتثال»؟

فإذا كان يترتّب على مراعاةِ الأدب تركُ واجبٍ، أو فواتُ مصلحة شرعيّة محتومة؛ فالامتثال أولى!

وإلّا، فالأدب أولى، كما يقول العزّ بن عبد السلام، رحمه الله تعالى، كما في موسوعتك الكويتية (11: 346).

إنّ الاقتصار على الصلوات الإبراهيمية في الصلاة؛ امتثالٌ لظاهرِ المأثور، وإنّ زيادةَ كلمة «سيّدنا» في الصلوات الإبراهيمية بعد التشهّد؛ هو أدب ومستحبٌّ، كما يقول بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ، كَالْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلاَمِ وَالرَّمْلِيِّ وَالْقَلْيُوبِيِّ وَالشَّرْقَاوِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَصْكَفِيِّ وَابْنِ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ» كما في الموسوعة الكويتية أيضاً.

وقياساً على قول هؤلاء العلماء، الذين لا تساوي أنت ولا جميع الوهابيّة الأجلافِ خِنْصِرَ واحدٍ منهم، فيكون الإمام عليّ عليه السلامُ، قد عملَ بالأدب اللائق بمقام الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم لديه، ولم يقصِد مخالفَة أمرَ رسول الله أبداً.

بصفتك واعظاً، ليس لك في علوم الحديث ناقةٌ ولا جمل، فأنت تؤمن بصحّة ما في الصحيحين ولا يؤمن بهذه النظريّة إلا جاهلٌ جهلاً مركّباً هل تعتقد فعلاً أنّ أبا بكر قال لسهيل بن عمرو، في حضرة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: «امصص ببظر اللات»!؟

هل تعتقد فعلاً أنّ عمر تشكّك بنبوّة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم الحديبية، حتى قال له: «ألست تزعم أنك رسول الله»؟

فأين حالُ أبي بكرٍ وعمر في هذه الحادثة من موقف عليّ؟ رضي الله عن ثلاثتهم.

 سلام الله عليك يا أمير المؤمنين، فلا والله لم يكن أحدٌ يفهم رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كما تفهمه.

ولم يكن لأحدٍ من الأدبِ مع الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ بعضُ ما لك!

ولم يكن أحدٌ يفهم عن رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كما تفهم أنت، لا الراشدون، ولا العبادلة، ولا المبشرون بالجنة إنْ صحّ الخبر !! - ولا سواهم!

ناهيك عن نصرةِ الإسلام التي تمّت على يديك في المقام الأوّل، وليس للراشدين ولا للعبادلة ولا للقرّاء رضي الله عنهم وأرضاهم - فيها أدنى نصيب!

ولولا تشتّتُ كلمةِ الأنصارِ، وتسرّعهم إلى السيادة والزعامة، وانفضاضهم مبكّراً عن آل البيت، وإطباق طلقاء قريش على إقصاء بني هاشم؛ لكان لتاريخنا وجهٌ آخر أكثرَ عدلاً وعلماً وسموّاً، وبعداً عن سفك الدماء.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق