مسائل حديثية (14):
إذا هجموا على السنّة؛ فلنسكت !؟
بسم الله
الرحمن الرحيم
(رَبَّنا:
عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا:
لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا:
إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا
وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
من المشاهَدِ في زماننا هذا؛ الهجومُ
الشديد على السنّة النبويّة، ممثّلةً في صحيح الإمام البخاريّ، وصحيح الإمام مسلم،
على وجه الخصوص!
قال لي صاحبي: يتعيّن عليك أن تدافع عن
الصحيحين، مقابلَ هذه الهجمة الشرسة، وإلّا فأنت آثم!
قلت له: كتبت أكثر من عشرين مقالاً في
الدفاع عن الصحيحين، سوى كتابي الوحدان من رواة الصحيحين، والمهملون من شيوخ
البخاري، والمجهولون ومروياتهم في الصحيحين، مما هو مطبوع ومعروف!
قال: هذا لا يكفي، يجب أن تتبّع أولئك
السفلة الذين يطعنون في أيّ حديث في البخاريّ وتردّ عليهم... إلى آخر الحوار
الطويل!
أقول وبالله التوفيق:
من المقطوع به عند أهل الحديثِ؛ أنّ
البخاريّ ومسلمان محدّثان كبيران، كان بين أيديهما عشراتُ الألوف من الروايات
الواردة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم، وعن الصحابة رضوان الله عليهم.
فاجتهدا، وانتخبا من هذه الألوف
الكثيرة أقلَّ من (4000) آلاف حديث!
ومعنى اجتهدا؛ يعني بذلا جهوداً جبّارة
مضنيةَ، في استخلاص هذه الآلافَ القليلة من تراثٍ متلاطِمٍ، غثّه أكثر بكثيرٍ من
سمينه!
ومعنى أنهما اجتهدا أيضاً؛ أنّ غيرهما
من علماء الحديثِ خالفوهما معاً في تصحيح كثيرٍ ممّا صححاه، بل هما أنفسهما، خالف
أحدهما الآخرَ في التصحيح والتضعيف!
ومَن يظنّ أنّ كلّ حديثٍ في صحيح
البخاريّ، أو في صحيح مسلمٍ، أو ممّا اتّفقا عليه؛ وافقهما عليه الأئمة أبو حاتم
وأبو زرعة والنسائيّ والترمذيّ، فضلاً عن الطبقة الأعلى أحمد وابن المديني وابن
معين، ناهيك عن الطبقة الأعلى يحيى بن سعيد القطان وعبدالرحمن بن مهدي وابن
المبارك، مَن ظنّ مثلَ هذا الظنّ؛ فهو جاهلٌ جهلاً ومركّباً، بل مكعّباً !
وإذا كان الأمر كذلك؛ فما الذي يجعل اجتهادَ
الإمام البخاريّ أو اجتهاد الإمام مسلمٍ في التصحيح أو التضعيف؛ أولى من اجتهادِ
غيرهما؟
إنّ جميعَ أئمة الحديث، بدون مثنويّة؛
يصححون الحديثَ أو يضعفونه، بناءً على القرائن والمرجّحات الموجودة لدى الراوي،
وفي المَرويِّ!
«إذ لا سبيلَ إلى إخراجِ ما لا
علّة له – من الحديث! – فإنّ البخاري ومسلماً
رحمهما الله تعالى؛ لم يدّعيا ذلك لأنفسهما.
وقد خرّج – انتقد - جماعةٌ من علماءِ عصرهما ومَنْ بعدَهما عليهما أحاديثَ، قد أخرجاها وهي
معلولة، وقد جهدت في الذب عنهما في «المدخل إلى الصحيح» كما قاله الحافظ أبو
عبدالله الحاكم في خطبة المستدرك (1: 6).
وما دام الأمر كذلك؛ فلا حاجةَ إلى
التعصّبِ لأيّ حديثٍ لدى البخاريّ ومسلمٍ إلّا إذا كان إجماع الأمة قائماً على
دلالته.
بالمقابلِ لا يجوز لكلّ مَن هبّ ودبّ
أن يقبلَ الحديثَ أو يرفضه، بناءً على قَبول عقله له، أو رفضه إيّاه!
وردّاً على سؤالٍ وردني من عددٍ كبيرٍ
من الإخوةِ: لماذا تركتَ تخريج ونقدَ بعضِ أحاديث الصحيحين المشكلة؟
أقول: لأنني واقعٌ بين فريقِ الجهلِ
المركّب، ممن نصّبوا أنفسهم حماة لهذا الدين!
وبين ضلّالٍ – أجل ضلّال – منحوا أنفسَهم صلاحيةَ النظر في قبولِ
الأحاديثِ وردّها، من دون أن يكونوا على درايةٍ بمناهج المحدّثين في تقويم
الأحاديث.
انظر إلى هذا الحديثِ المتّفق عليه بين
البخاريّ ومسلم، من حديث عبدالله بن دينارٍ العدويّ، مولى عبدالله بن عمر بن
الخطّاب، عن سيّده عبدالله بن عمر قال:
(نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ).
أخرجه البخاريّ في العتق (2535) وفي
الفرائض (6756).
هذا الحديث صححه البخاري ومسلم
والترمذي في جامعه (1236) وغيرهم.
بينما ضعّفه الإمام أحمد، وقال: «لم
يتابَع عبدالله بن دينار على حديثه هذا، إنما الصحيح حديثُ نافع عن ابن عمر أنّ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم قال: (الولاءُ لمَنْ أعتق) أخرجه البخاريّ (456)
وأعاده (29) مرّة في صحيحه، وأخرجه مسلم (1504)».
وانظر أدلّة مَن صححه وقرائنهم،
وأدلة من ردّ الحديثَ وقرائنهم، في كتاب أفراد الثقات للدكتور متعب بن خلف السلميّ
(654 - 669).
ختاماً: نحن واقعون بين ضغطِ فريقٍ
جاهلٍ متعالمٍ، وفريق ضالٍّ لم يدخل إلى ساحة السنة من بابها العلميّ الشرعيّ،
ونصّب من نفسه حاكماً على علماء الأمة، من لدن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم،
إلى يوم الناس هذا.
فماذا على مثلي أن يفعل غيرَ السكوت؟!!
(رَبَّنا:
ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ
مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى
الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق