السبت، 30 أبريل 2022

       اجتماعيات (56):

       بسم الله الرحمن الرحيم

       (تَهانينا تَهانينا)

بمناسبةِ قدومِ عيدِ الفطر المبارك!؟

(1) تَهانينا تَهانينا

تَمامُ الصوْم؛ حادينا

(2) بصَوْمِ الشَهر طَهّرَنا

مِن الآثامِ بارينا

(3) هنيئاً للأُولى قاموا

لياليَه مساكينا

(4) لنا مِن صَومِنا بابٌ

هو الريّانُ يكفينا

(5) يبشّرنا ويغنينا

ويُسعدنا ويرضينا

(6) وجاءَ العيدُ بالبشرى

فبشراكم أَمانينا

(7) على رُغمِ الأسى جودوا

بِفرْحٍ غامرٍ حينا

(8) تَناسَوا حُزنَنا يوماً

دَوامُ الحُزْنِ يؤذينا

(9) ويرهقنا ويُتعبنا

ويُشقينا ويُذوينا

(10) وحيناً واصِلوا قوماً ً

بإحسانٍ؛ يُجازينا

(11) صِلوا الأرحامَ من كرمٍ

ولُطفٍ ظاهرٍ، دينا 

(12) ولا تَنْسَوا صِغارَكم

بلهوٍ ليس يُنسينا

(13) تَهادَوا بينكم حَلْوى

وفي الأعيادِ زورونا

(14) وحمدَ الله لا تَنَسوا

على الإيمانِ عشرينا

(15) وخمسينا وسبعينا

بمجلسكم وتسعينا

(16) وصلّوا دائماً أبداً

على المختار هادينا

(17) وآلِ البيت مِنْ حبٍّ

وأصحابٍ مَيامينا

(18) ولاتَنْسَوا خُويدِمَكم

مِن الدعواتِ راضينا

(19) لكم مني تحيّاتي

وحُبٌ فيه يَشْفينا

وكلّ عامٍ وأنتم بخير

وكلّ ساعةٍ وأنتم إلى الله أقرب

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

والحمد لله رب العالمين

الثلاثاء، 26 أبريل 2022

       بَعيداً عن السياسةِ (8):

ما رَأْيُكَ بحِزبِ الله اللبنانيّ؟!

بسم اللهِ الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

ممّا لا يخفى على نبيهٍ؛ أنّ التصنيفَ ثمّ الحكم؛ يجب أن يكون طائفيّاً، وإلّا فأنتَ مُصنَّفٌ في ضُوء حُكمك الأخير!

يُلاحَظُ أنّ لإيرانَ منهجاً ظاهراً في كلّ بلدٍ يكون لها نفوذٌ فيه، حتى لو كان حكّام البلدِ من شيعتها!

ففي لبنان ميليشيا «حزبِ الله» الذي يجاهر ويصرّح بأنّ مرجعيته الفكرية والسياسية إيران!

وفي سوريّا فصائل شتّى ربما هي أكثرُ من عشرين فصيلاً، مورزّعةً على المحافظاتِ السورية، وَفق خطّة إيران المرسومة!

وفي العراق فصائل «الحشد الشعبيّ المقدّس!!» التي تمارس ضغوطها على الجهاتِ المعارضةِ لنفوذ إيران في العراق، وتعطّل انتخابَ رئيس الجمهوريّة ورئيس الوزراء!

وفي اليمن ميليشيا «أنصار الله الحوثيون» يخوضون حرباً مع المعسكر اليمنيّ العربيّ الانتماء، منذ سنواتٍ.

ومنهجُ أهل السنّة في سوريّا؛ لا يختلف عن منهج إيران الطائفيّ أيضاً، فلدينا في سوريا أكثرُ من ثلاثِ مائةِ فصيلٍ، بين سلفيٍّ متشدّدٍ، ومتصوّفٍ، وعلمانيّ.

جميعها تناهض النظامَ الحاكمَ في سوريّا، بدعمٍ وتوجيهٍ من دولٍ عربيّة خليجيّة، تقدّم لهم الماءَ والغذاءَ والدواءَ والسلاح!

غاية ما بين الفريقين في سوريّا؛ أنّ هذه فصائل سنيّة معارضة للنظام، وتلك فصائل شيعيّة موالية لإيران، ومؤيّدة للنظام!

ولكلٍّ من الفريقين - السنيّ والشيعيّ - مشروعُه السياسيّ المرتبط بموجّهين من خارج سوريّا، وكلٌّ من الفريقين يستحلّ دماء الفريق الآخر، سواءٌ صرّحو بتكفيرِ بعضهم، أم لم يصرّحوا، وجميعهم يقتتلون على السلطة والنفوذ والثروات، وجميعهم كاذبون عندما يدخلون الدين في أسباب اقتتالهم!

هذه هي الصورةُ الواضحةُ الظاهرةُ عندي!

أمّا ما يقوله أهل السنّة عن الفصائل الشيعيّة، من أنها عميلةٌ لإيران؛ فصحيح، وهم لا يَرونه عمالةً؛ لأنّ المذهب واحدٌ، والشيعةُ في كلّ مكان؛ هم الشيعة، لا فرق بين شيعيّ سوريٍّ، وشيعيٍّ عراقي.

وما يقوله الشيعةُ عن الفصائل السنيّة، من أنها عميلةٌ للسعودية وتركيا وقطر؛ فصحيح أيضاً، وأهل السنة لا يرونه عمالةً؛ لأنّ المذهب واحدٌ، والسنّة في كلّ مكان؛ هم السنّة، لا فرق بين سنيّ سوريٍّ، وسوريٍّ عراقي.  

أمّا عن عمالة النظام السوريّ لإسرائيل وأمريكا والغرب؛ كما يقول أهل السنّة؛ فكلام مُرسَل، لا يوجد شيءٌ من الشواهد يدلّ عليه.

و أمّا عن عمالة المعارضةِ السوريّة لإسرائيل وأمريكا والغرب؛ كما يقول النظامُ السوريّ والشيعة؛ فقد يكون هذا صحيحاً في بعض الفصائل، وبعض الشخصيّات؛ لأنّ تركيا والسعودية وقطر ضِمنَ المعسكر الغربيّ عامّةً، والأمريكيّ خاصّة!

وأنا شخصيّاً لا أتردد أبداً بأنّ المعارضةَ السوريةَ بجميع أطيافها تتطلّعُ إلى ما تتخذه أمريكا من قراراتٍ بشأن سوريّا، ربما ليس بدافع العمالة، إنما رضوخٌ لإرادةِ القويّ المتحكّم القادر.

ختاماً: أنا تبت عن السياسة توبةً نصوحاً منذ شهر، ولا يعنيني النظام السوريّ، ولا النظام الإيرانيّ، ولا الفصائل السنيّة، ولا الفصائل الشيعيّة، في شيءٍ البتة، وأبرأ إلى الله تعالى مِن سياساتِ الجميع!

وأنا الفقير بعيدٌ عن الجميع، ولا يهمّني أبداً أن ينتصر المعسكرُ الأمريكيّ، أو ينتصر المعسكر الروسيّ، ومن ضمنه إيران.

وأنظمةُ إيران وتركيا والسعودية وقطر وسوريا؛ جميعها أنظمة علمانيّة، تتوجّه سياساتها حسبَ ما تراه السلطة الحاكمة من مصلحةٍ لكلّ بلدٍ، وليس للدين أيّ تدخّلٍ في سياساتها!  

أظنّ هذا كافياً لبيان موقفي من جميع العالَم العربي والإسلامي وغير الإسلاميّ!

وأرجو من الإخوة الكرامِ أن يُعفوني من الأسئلة والمواقف السياسيّة تماماً.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى اللهُ على سيّدنا محمّد بن عبداللهِ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كل حال.

         بَعيداً عن السياسةِ (7):

مِنْ مَظاهرِ النَصبِ المُعاصر!؟

بسم اللهِ الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

كتبَ إليّ أحدُ الإخوة السوريين على الخاصّ، يقول: «أعتذر عن المراسلة لسبب تافه، لكنّ أحدَ أبواق حِزبِ الله عندك في التعليقات!

أعتذر إن تماديت في التعليقات، لكنني لا أستطيع أن أمنع نفسي من إهانته!

أتمنى أن توضح موقفك من حزب الله، كي لا يعودَ أمثالُ هذا الوقح للتمادي والتطبيل لهذه الميليشيا المجرمة»!

ثمّ سألني عمّا إذا كنتُ حذفتُ تعليقاته!؟

كتبت إليه: «لا أعرف عن ماذا تتكلّم أصلاً، متى حصل هذا»؟

فأرسل إليّ رسائلَ يشتمُ فيها أخي الحبيب العالم الفاضل السيّد نذير السيد نور، وهذه واحدة منها:

«لا بأسَ يا مهرّج، تمادى ما أردتَ، لكن لن تَأمَن أن ترى في أهلك ما رأينا من حزب اللات!

وقد ظننتك صوفيا تدرك معنى التصوف، لكنك متملّقٌ رخيص، تشنّع على مخالفك بألفاظ حمقاء، كداعشيّ ومخرّب!

وعليه يا مسكين، ستراني في كلّ مرة أراك تتملّق للعلماء!

لك مني كلّ الإهانات، في كلّ موضوعٍ أراك فيه، ولا كرامة لك عندي، مهرّج أحمق»!؟

أقول وبالله التوفيق:

هل يستطيع أن ينطقَ بمثل هذه الكلماتِ تجاهَ عالمٍ شريفٍ من آل البيت، رجلٌ في قلبه مثقالُ ذرّةٍ من توقيرِ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، أو رجلٌ يعرف آل البيت، وحبَّ آل البيت؟

بعضُ الإخوةِ من آل البيت، يتطاول عليّ أحياناً، فأردّ عليه بكلماتٍ مهذّبةٍ وغالباً ما أسكت، فلا أردّ، خشيةَ أن أُحزِن رجلاً ينتسب إلى الرسولِ صلى الله عليه وآله وسلّم، وربما ظنّ هو ومتابعوه؛ أنّه انتصر عليّ وأسكتني!

أيها الإخوةُ المسلمون:

لا تغفلوا أبداً عن قول الله تبارك وتعالى:

(قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى.

وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً.

إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) [الشورى].

فمن يعمل حسنةً في حقّ أيّ مسلمٍ عامّةً، وفي حقّ آل البيت خاصّة؛ فـ(إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ).

وأخرج الإمام مسلم في فضائل الصحابة (2408) من حديث زيد بن أرقم الصحابيّ، رضي الله عنه قال:

(قَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَوَعَظَ وَذَكَّرَ.

ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ.

وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ:

أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ، فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ.

فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَهْلُ بَيْتِي.

أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي) الحديث.

وأخرج مسلم في الفضائل (2276) من حديثِ وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ).

وأخرج أحمد في مسنده (1677) والترمذيّ في جامعه (3758) من حديث عَبْدِالْمُطَّلِبِ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُغْضَباً وَأَنَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: مَا أَغْضَبَكَ؟!

قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا وَلِقُرَيْشٍ!

إِذَا تَلَاقَوْا بَيْنَهُمْ؛ تَلَاقَوْا بِوُجُوهٍ مُبْشَرَةٍ، وَإِذَا لَقُونَا؛ لَقُونَا بِغَيْرِ ذَلِكَ!

فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ!

ثُمَّ قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الْإِيمَانُ، حَتَّى يُحِبَّكُمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ).

ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ آذَى عَمِّي؛ فَقَدْ آذَانِي، فَإِنَّمَا عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ) قَالَ الترمذيّ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ».

قال الشيخ ابن تيميّة الكُرديُّ الحنبليّ في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم، رحمه الله تعالى (ص: 420):

«إنّ الذي عليه أهل السنة والجماعة؛ اعتقادُ أنّ جنس العرب أفضلُ مِن جنس العجم، عِبرانِيّهم وسِريانيّهم وروميهم وفارسيهم وغيرهم، وأن قريشاً أفضلُ العرب، وأنّ بني هاشم أفضلُ قُريش، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل بني هاشم.

فهو أفضل الخَلْق نَفساً، وأفضلُهم نَسباً.

وليس فضل العرب، ثم قريش، ثم بني هاشم، لمجرد كون النبي صلى الله عليه وسلم منهم، وإن كان هذا من الفضل، بل هم في أنفسهم أفضل»!

وقال الشيخ محمد ناصر الألبانيّ رحمه الله تعالى، في سلسلة الأحاديث الضعيفة (1: 303): «ثبت أنّ الإسلام يَعزّ ويَذلّ بعِزِّ أهله وذُلّهم، سواءٌ كانوا عرباً أو عجما (ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى) فاللهم أعزّ المسلمين، وألهمهم الرجوع إلى كتابك وسنة نبيك، حتى تُعِزَّ بهم الإسلامَ.

بَيدَ أنّ ذلك لا ينافي أن يكون جِنسُ العَرب أفضلُ من جنس سائر الأمم، بل هذا هو الذي أؤمن به وأعتقده وأدين الله به، وإنْ كنت ألبانياً، فإني مسلم ولله الحمد.

ذلك لأنّ ما ذكرته من أفضلية جنس العرب؛ هو الذي عليه أهل السنة والجماعة، ويدل عليه مجموعةٌ من الأحاديث الواردة في هذا الباب منها قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله اصطفى من ولد إبراهيم واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم».

أمّا لماذا هذا الفضل؟

فالجواب:

(ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَ اللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) [الحديد].

(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) [النساء].

ختاماً: اتّقوا الله تعالى في أنفسكم، لا تقودوها إلى سخط الله ومعصيته.

واتّقوا الله فينا، فقد أكلتم حقوقنا منذ (1400) عام، وحتى هذا اليوم!

وقد قتلتم المئاتِ من عظمائنا وعلمائنا، انتصاراً لطواغيتكم السفلةِ المجرمين!

أما آن لكم أن تعقِلوا، أما آن لكم أن تسلموا، أما آن لكم أن تؤمنوا؟

مَنشوري الصوفيّ، يتحدّث عن ضرورة كتمان الكراماتِ، حتى لا يكذّب بها بعض من لم يتعقّلْها.

ماذا كتب السيد نذير، حتى يُكال إليه كلّ هذا السباب، ويتّهم كلّ هذه التهم؟!

ونحن قد نشرنا آل منشور (قريباً من السياسة) وأعلنّا توبتنا عنها وعن أهلها!

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى اللهُ على سيّدنا محمّد بن عبداللهِ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كل حال.

الاثنين، 25 أبريل 2022

 التَصَوُّفُ العَليمُ (16):

كَراماتُ عدابِ الحَمشِ

بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

عددٌ من الإخوةِ الكرام، طلبوا مني أن أحدّثهم عمّا أكرمني الله به، ممّا يكون له أثرٌ في تقويةِ الإيمانِ، ونشاطِ الأبدان، إلى مزيدٍ من الطاعات والعِرفان!

أقول وبالله التوفيق:

أنا لن أحدّثكم عن الكراماتِ التي أكرمني الله تعالى بها، وهي كثيرةٌ جدّاً، من لدن كنتُ صغيراً، وإلى يومنا هذا، والحمد لله ربّ العالمين.

إنّما سأحدّثكم عن السببِ الحقيقيّ، الذي يمنعني من ذِكْر، أو كتابةِ كلِّ أو بعضِ الكراماتِ التي أكرمني الله تعالى بها.

بعد أن أذكّر كلَّ واحدٍ منكم بأنّ جميعَ المؤمنين مُكْرَمون من الله تبارك وتعالى.

وممّا أكرمني الله تعالى به، وهو متحقّق لدى كثيرين منكم: الزوجاتُ والأولاد والأحفاد والأسباط، والجمالُ، والمالُ، والطهارةُ، وشرف النسب، والعلم، وحفظ القرآن العظيم وتلاوته، وعلوم السنّة، والخطابة، والشعر، والتأليف، والفروسيّة!!؟

أليست هذه الأمورُ كلّها كراماتٍ من الله تبارك وتعالى، أم ترونها إهاناتٍ؟

أمّا السببُ الحقيقيّ الذي يمنعني، وربما سيظلّ يمنعني حتى الممات؛ هو القصّة الآتية!

عَقبَ طَردي من السعودية في (27) رمضان، من شهور سنة (1411 هـ) واستقراري في عمّان الأردنّ؛ سكنتُ في حيٍّ يدعى «الجبلَ الأخضر» وكان حقيقةً أخضرَ، فيه فتح الله تعالى عليّ الفتحَ الأكبر!

زارني جدّي السيّد عزّ الدين بن النعيم «أبو حمرة» (ت: 672 هـ) رضي الله عنه، وقال لي: «أنا وليّك في الدنيا والآخرة» أو قال: «أنا وكيلُك في الدنيا والآخرة».

يا ولدي: نحن سنطلعك على عوالم كثيرة، وسيُجري الله تعالى على يديك خيراً كثيراً!

لكنّ لنا عليك شرطاً، يجب أن تلتزم به، ولا تخالفَه أبداً، لكنّه لم يقلْ لي: ومَن يخالف نعاقبه!

كنتُ طالبَ علمٍ جادٍّ، وكنت متميّزاً في كثيرٍ من العلوم والفنون، وكنت كثيرَ صلاةِ النافلة، كثيرَ الصوم، كثيرَ تلاوة القرآن الكريم، لكنني لم أكنْ كثيرَ الأذكارِ والالتزام بأوراد الطريق، وأكثر الأذكار التي كنت أقوم بها؛ هي الاستغفار، والصلاة والسلام على الرسول.

لذلك لم أصدّقْ كثيراً ما رأيتُ، وعددتُه من أحلام اليقظة، أو من حديث النفس!

فحدّثت عدداً من الإخوة بما شاهدتُ، وقلت لهم: أظنّ ذلك من حديث النفس!

زارني جدي «أبو حمرة» رضي الله عنه مرّةً أخرى وقال لي: ما أنت فيه حقيقةُ الحقائق، وليس وهماً، ولا حديثَ نفس، عليك أن تلتزم، ومَنْ لا يلتزم؛ يعاقبْ!

مضت الأيام، وأنا في غاية السعادة والتوفيق، مع الأنبياء وآل البيت والصالحين، ليلَ نهار!

إلى أنْ زارني حضرةُ الشيخ «حاتم كاظم» الرفاعيّ العراقيّ حفظه الله تعالى، في عمّان، ومعه عددٌ من مريديه.

تعرّفتُ إليه، وأحببته، ورحنا نتبادل أطرافَ الحديثِ، ونحن نشرب الشاي.

فيمَ راحَ أحد تلامذته يمدح الشيخ ويطريه، وكان مما قال: «شيخنا كذا، وشيخنا كذا، وشيخنا ينادي على أحدهم أنْ تعالَ، فما هي إلّا مسافةُ الطريق، حتى يحضر المنادَى بين يدي الشيخ!»

أجبته بلهجتنا العاميّة قائلاً: «شو ها الشغلة العظيمة، أبو بلال، تعال فوراً»!

ما هي إلّا دقائق، حتى دخل الأخ الفاضل أبو بلال يضحك ويقول: «شيخي نحن ما خالصين منك بالنهار، كمان بالليل، أيقظتني من نومي والله، ماذا تريد»؟

قلت له: شرّفنا الشيخ حاتم الراوي، وهو يريد أن يتعرّف إليك!

تعرّف إليه، ثم انصرفَ، أو بقي معنا إلى أذان الفجر، لا أدري!

عقبَ انصراف الشيخ من زيارتنا؛ زارني جدّي «أبو حمرة» رضي الله عنه وقال لي: ما الذي دعاك إلى هذا؟ وكلمني كلاماً كثيراً، نسيته، لكنّ مفهومه أنّ إظهارَ الكرامة لا يكونُ إلا لسبب مشروع، وما مِن سبب لما فعلتَ!

كان هذا في أواخر عام (1990) ثم انتقلت إلى العراق في أوائل عام (1992) واستمرّت الأحوال الطيّبة والكشوفات وغيرها، حتى أواخر العام (1995) زارني جدي «أبو حمرة» آخر زيارةٍ، وهدّدني بالعقوبة الشديدة!

وكانت العقوبةُ الشديدةُ فضيحةَ الدكتوراه، التي ضجّ بها العراق وغير العراق، حتى كفّرني بعض العراقيين على المنابر!

وسيّدي وجدي «أبو حمرة» لم أعُدْ أراه، ولم يعد يزرني، ولم يعد يسددني ويرشدني.

أحسّ بوجوده قريباً مني إحساساً روحيّاً، من دون رؤية قلبيّة ولا رائحةٍ زاكية!

فإلى الإخوة الذين طلبوا مني الحديثَ عن الكرامات، أقول: هل مرّ عليكم سالكٌ في طريق التصوّف أغبى مني؟

لما تقدّم أقول صادقاً، والله: أنا غيرُ مأذون لي بأن أتحدّث بشيءٍ ممّا أجراه الله على يديّ، أو أكرمني به، لكنني أخالفُ وأعصي المرّةَ تلوَ الأخرى.

بيدَ أنّني أسأل الله تعالى أن يعينني، فأمسك لساني، وأحفظ غَيبتي، فلا أدع بعض الناس يكذبونني، فيعاقبون أيضاً؛ لأنّ الله تعالى يعلم أنني صادق!

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

الجمعة، 22 أبريل 2022

بَعيداً عن السياسةِ (7):

وِلادَةُ الإمامِ عَليٍّ عَليهِ السلامُ في جوفِ الكعبة!؟

بسم اللهِ الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

يُشاعُ بين عامّة المسلمين، وبعضِ خاصّتهم؛ أنّ الإمامَ عليّاً عليه السلام، وُلد في جوف الكعبة، ويعدّون ذلك إحدى خصائصه!

وأقوى ما يعتمدون عليه في إثبات ذلك؛ ما أخرجه الإمام مسلمٌ في صحيحه (1532) قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَاللهِ بْنَ الْحَارِثِ يُحَدِّثُ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ.

قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ: «وُلِدَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَعَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً».

وما أخرجه الحاكم النيسابوريّ في المستدرك (7: (6155) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ: ثَنَا مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزُبيريّ... فَذَكَرَ نَسَبَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَزَادَ فِيهِ، «وَأُمُّهُ فَاخِتَةُ بِنْتُ زُهَيْرِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَكَانَتْ وَلَدَتْ حَكِيماً فِي الْكَعْبَةِ وَهِيَ حَامِلٌ، فَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ، وَهِيَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، فَوَلَدَتْ فِيها، فَحُمِلَتْ فِي نِطَعٍ، وَغُسِلَ مَا كَانَ تَحْتَهَا مِنَ الثِّيَابِ عِنْدَ حَوْضِ زَمْزَمَ، وَلَمْ يُولَدْ قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ فِي الْكَعْبَةِ أَحَدٌ».

قَالَ الْحَاكِمُ: «وَهِمَ مُصْعَبٌ فِي الْحَرْفِ الْأَخِيرِ، فَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارِ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ، وَلَدَتْ أَمِيرَ المؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ».

قال الفقير عداب: هذه روايات تاريخيّة غيرُ مُسندةٍ، لا تثبت أنّ حكيم بن حزام ولد في جوف الكعبةِ، ولا أنّ عليّاً عليه السلام، ولد في جوفها.

وقول الحاكم: « تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارِ» لا يعني به أبداً مفهوم التواتر عند المحدّثين، ولا عند الأصوليين، وإنما يقصد أنّ الأخبار تواردت بهذا المعنى.

فقد قال في المستدرك (2: 657): « تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ مَخْتُونًا مَسْرُورًا».

وقال فيه أيضاً (3: 116): «تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ أَبَا طَالِبٍ كُنْيَتُهُ اسْمُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ».

وقال فيه أيضاً (4: 57): «تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ اسْمَ أمّ هانئ فَاخِتَةُ».

ويعلم المبتدئ في علوم الحديث أنْ ليس في جميع ما ذُكر روايةٌ متّصلةٌ صحيحةٌ أصلاً، فضلاً عن التواتر الإصطلاحيّ!

وذكر أبو الفرج بن الجوزي في كتابه «مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن» (2: 9) قال: «قد روى أبو حمزة الثمالي عن علي بن الحسين؛ أن فاطمة بنت أسد ضَرَبَهَا الطَّلْقُ وَهِيَ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَيَّامَ الْحَجِّ، فَفُتِحَتْ لَهَا الْكَعْبَةُ، فَوَلَدَتْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طالب رضي الله عنه، إِلا أَنَّ إِسْنَادَ هَذَا الْحَدِيثِ لا يَثْبُتُ.

وقال الإِمام النووي في تهذيب الأسماء واللغات (1: 166)

« قالوا: ولد حكيم فى جوف الكعبة، ولا يُعرف أحد ولد فيها غيره.

وأما ما رُويَ أنّ عليّ بن أبي طالبٍ، رضي الله عنه ولد فيها، فضعيف عند العلماء».

والله تعالى أعلم

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى اللهُ على سيّدنا محمّد بن عبداللهِ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كل حال. 

      بَعيداً عن السياسةِ (6):

وِلايةُ الإمامِ عَليٍّ عَليهِ السلامُ!؟

بسم اللهِ الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

لا يخفى على متابعيّ الأفاضلِ منشوراتي عن الشيعة عامّة، وعن الشيعةِ الإماميّة خاصّةً.

ومن عقائدِ الشيعة الإماميّةِ؛ أنّ الإمامة السياسيّة رُكنٌ من أركان الإيمان، وبعضهم يقول: هي أهمّ هذه الأركان؛ لأنّ بقيّةَ الأركان لا تتحقّق في أرض الواقع، إلّا بوجود الإمامةِ السياسيّة.

ويستدلّ الشيعةُ الإماميّة على مذهبهم بآياتٍ عامّةٍ، يجعلونها خاصّةً بالإمام عليّ عليه السلام.

من مثل قوله تعالى:

(إِنّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) [المائدة].

فذهبوا يقيّدون عمومَ الآيةِ الشريفةِ في المؤمنين، برواياتٍ واهيةٍ أسانيدَ، ومنكرةٍ متوناً، منها:

«كَانَ عَليّ بن أبي طَالب قَائِما يُصَلِّي فَمر سَائل وَهُوَ رَاكِع فَأعْطَاهُ خَاتمه فَنزلت هَذِه الْآيَة (إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله) الْآيَة».

والحقّ عندي أنّ ولايةَ الإمام عليّ ثابتةٌ بالحديث الصحيحِ المتواتر: (مَن كنت مولاه؛ فعليّ مولاه).

فهذا الحديثُ يثبتُ للإمام عليّ عليه السلام الولايةَ في عنق كلّ مسلم.

وفي بعض روايات الحديثِ الصحيحة؛ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم للمسلمين: (ألست أولى بالمسلمين من أنفسهم)؟

قالوا بلى يا رسولَ الله!

قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: (مَن كنت مولاه؛ فعليّ مولاه).

وكلّ ما تعنيه الولايةُ للرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ تعنيه للإمام عليّ عليه السلام، سوى مزيّةِ النبوّة، التي تستثنى بأدلّة كثيرةٍ، منها قول الله تعالى:

(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) [الأحزاب].

وقول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم لِعَلِيٍّ عليه السلام:

(أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي) أخرجه البخاري ومسلم.

فللإمام عليٍّ الولايةُ الروحيّة والعلميّة والسياسيّة، بعد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

بيد أنّ أصحابَ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم الصادقين المتّقين؛ لم يتمكّنوا من إخضاعِ جميعِ المسلمين لولايةِ الإمامِ عليّ عليه السلام، لأسبابٍ كثيرة، منها:

- ضَعفُ بني هاشمٍ وقلّةُ عددهم، وهذا أهمّ سببٍ في نظري؛ لأنّ المجتمع العربيّ في ذلك الزمان، كان مجتمعاً قبليّاً، ينوب فيه سيّد القبيلةِ عن القبيلةِ جميعها، وقيمةُ القبيلة بكثرة عدد فرسانها.

- اختلافُ الأوس والخزرج:

فقد راح الخزرج يدعون المسلمين إلى بيعةِ سعد بن عبادة، وهو مريضٌ، وكان معهم الأوس كارهين بيعتَه؛ لما كان بين القبيلةِ من النفاسةِ على الزعامة من حروب!

فلمّا رأوا أبا بكرٍ وعمر؛ انحازوا إلى الطرفِ المخالفِ للخزرج!

- قوّة قريشٍ الضاربةُ:

فقريشٌ كانت لها السيادةُ الروحيّة على العرب قبل الإسلام، وازدادت سيادتها الروحية والسياسية بعد الإسلام.

وقريشٌ ترفض رفضاً قاطعاً أن يكون لبني هاشمٍ عامّةً سيادةٌ على العرب وعليها!

سواءٌ لما فعله بنو هاشمٍ من قتل سادةِ قريشٍ، ومن جميع عشائرها، أو من النفاسةِ على السيادة والزعامةِ على قريشٍ بني بني هاشمٍ وبقية بطون قريشٍ، وخاصّة بني حرب بن أميّة.

وكان أبو بكر وعمر وأبو عبيدة؛ قرشيي الهوى بدون شكٍّ، وهم يعلمون هوى قريشٍ في الخلافة، فأبعدوها عن بني هاشمٍ بتوافقٍ سلميٍّ اضطراريّ سرّي، حتى لا تتمزّق الأمّة، وتعود إلى الاحتراب!

هذا فهمي لمسألة الخلافة بعد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، فهي ليست مؤامرةً من أبي بكرٍ وعمر وأبي عبيدةَ، وما منزلة هؤلاء الثلاثة وبطونهم مما يسمح لهم بذلك لدى قريش!

يُضافُ إلى هذا؛ أنّ عامّة الصحابةِ لا شأنَ لهم بهذه المسألة من قريبٍ ولا بعيد!

فسعد بن عبادة غادر السقيفةَ مع قومه الخزرج، وأبو بكر وعمر وأبو عبيدة مثّلوا المهاجرين وقريشاً، ووافق الأوسُ على أن يكون أبو بكر هو الخليفة؛ لغلبة قريشٍ، وانتهت المسألةُ بهذه السذاجةِ البدائيّة البدويّة، ولم يعترض عليها سوى بني هاشمٍ وأفرادٍ من أنصارهم، لا يكوّنون ثقلاً مرجّحاً.

وما زالُ مبدأ القوّة الظاهرةِ أو الخفيّةِ؛ هو العاملَ الحاسمَ الأكبرَ في مسألةِ الإمامة عند المسلمين.

أمّا الإمامةُ للحسن والحسين، والأئمة التسعة من ولد الحسين؛ فلم يرد فيها ولو حديثٌ واحدٌ فردٌ مطلق صحيح أو حسن، وجميع الروايات في هذا الاتّجاه؛ مكذوبةٌ باطلة!

وحديث (الأئمة في قريشٍ باطل) وحديث الإثني عشر صحيح الإسناد، لكنّه لا يدلّ من قريبٍ ولا بعيدٍ على أئمة الشيعة الإثني عشر!

وما ورد عن بعض السادةِ الرفاعيّة وغيرهم، من صحّة الاعتقادِ بالأئمة الاثني عشر، اعتماداً على الكشف والإلهامِ؛ فكلام لا يلزم من الأمة أحداً، إذ ليس الكشف معصوماً، وقد يكون حديثَ نفسٍ، أو موافقةَ هوى باطن!

وإمامة المسلمين؛ شورى بين مكوّنات الأمّة كلّها، وليست خاصّةً بقريشٍ ولا ببني هاشم!

بيد أنّ بني هاشمٍ عامّةً، وبني عليّ خاصةًّ؛ أولى بها من جميع المسلمين، إلى قيام الساعة؛ لأنّ دولةِ العرب أنشأها الرسول الهاشميّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأمضى السيوف في إنشائها كانت سيوف بني هاشمٍ، وخاصة سيفَ الإمام عليّ عليه السلام.

ولأنّ بني عليّ من فاطمة عليهم السلام؛ هم أبناء الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولا ريبَ في أنهم ورثوا من صفاته صلّى الله عليه وآله وسلّم ومورّثاتِه، ومن صفات الإمام عليّ عليه السلام ومورّثاته؛ ما لا يشاركهم فيه بشرٌ على وجه الأرض!

فهم بهذا أولى من جميع المسلمين بقيادتهم.

ومعنى أنّهم أولى:

أي: لو وُجد شخصان استحقّا الإمامةَ الاختياريّة الحرّة بالتساوي؛ فيقدّم العلويُّ على غيره لامتيازاته الصفاتية على غيره من المسلمين.

ويجب أن لا يَعجب أحدٌ من المسلمين من هذا الكلام، فهذه ممالك أوربّا المستقرّة، تحكمها عائلاتٌ نبيلةٌ عندهم، لا يجدون في أنفسهم غضاضةً في ذلك.

وهذه الطبقة السياسية في إيران الإماميّة، والعراق الإماميّة؛ يسوّون بين الدكتور السيّد إبراهيم رئيسيّ وبين هاشم رفسنجاني، فهذا رئيس إيران، وذاك أيضاً!

والمسألة نظريةٌ على كل حال، لم تتحقّق على مستوى الأمّة قطّ ، ولن تتحقّق في المستقبل، بعد أنْ جمحت نعرةُ القوميّات العربية والتركية والفارسيّة والهنديّة والكردية والأمازيغيّة، وغيرها!

وجميعُ أحاديث المهدي المستقبليّة؛ واهية وضعيفةٌ، وهي عندي منحولةٌ عن اليهودية والمسيحيّة، والعقيدةُ تحتاجُ إلى أدلّة مشهورةٍ ثابتةٍ، لا إلى رواياتٍ هزيلةٍ، هي أقرب إلى أحلام اليقظة، لدى قومٍ مهزومين مظلومين!

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى اللهُ على سيّدنا محمّد بن عبداللهِ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كل حال.

 التَصَوُّفُ العَليمُ (15):

فَضْلُ الصَلاةِ عَلى الرَسولِ

صلّى الله عليه وآله وسلّم

بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

الأصلُ في الصلاةِ على الرسولِ، صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ قول الله تبارك وتعالى:

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ.

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) [الأحزاب].

وسواءٌ حملنا الأمر في قوله تعالى (صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) على الوجوبِ، أم حملناه على الإرشادِ والنَدب؛ فالصلاةُ على الرسول  صلّى الله عليه وآله وسلّم، ممّا يُحبّه الله تعالى، ويُثيبُ عليه.

وقد جاء في فضلِ الصلاةِ على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ أحاديثُ عديدةٌ، أقتصر على أبرزها، إذ إنني عن استيعابها - في ظروفي الحاضرةِ - ضعيف.

قال الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم:

(إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ؛ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ.

فَإِنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً.

ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ.

فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ؛ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ) أخرجه جمعٌ غفير من المصنّفين، منهم مسلم في كتاب الصلاة (384) والترمذيّ في كتاب المناقب (3614) وقال: «هذا حديثٌ حسنٌ صحيح».

وأخرج في موضع آخر حديثَ أبي هريرة (481) مختصراً، وقال عقبه: «وَفِي الْبَاب عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعَمَّارِ بنِ ياسرٍ، وَأَبِي طَلْحَةَ «» وَأَنَسِ بنِ مالكٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وحديثُ أبي هريرة حسنٌ صحيح» رضي الله عنهم.

وَرُوِي عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: صَلَاةُ الرَّبِّ الرَّحْمَةُ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الِاسْتِغْفَارُ».

قال الفقير عداب: أحاديثُ عبدالرحمن بن عوفٍ، وعامر بن ربيعةَ، وعمّار بن ياسر، وأبي طلحة الأنصاريّ؛ كلّها أحاديث ضعيفة.

ما عدا حديثَ أنس بن مالك؛ فصحيح، وحديثَ أبيّ بن كعبٍ؛ فحسن في بابه.

أمّا حديث أنس بن مالكٍ؛ فلفظه (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحَطَّ عَنْهُ عَشْرَ خَطِيئَاتٍ) أخرجه أحمد في مسنده، والنسائيّ في كتاب السهو من المجتبى (1279) ورُوي من طرقٍ عديدةٍ عن أنسِ بن مالك.

وأمّا حديث أبيّ بن كعبٍ؛ فعنه قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ، قَامَ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ: اذْكُرُوا اللهَ،  اذْكُرُوا اللهَ، جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ.

قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟

فَقَالَ: مَا شِئْتَ!

قُلْتُ؟ الرُّبُعَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ؛ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ.

قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ؛ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ.

قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ؛ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ.

قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

أخرجه جَمعٌ من المصنفين، منهم أحمد في مسنده، والترمذيُّ في صفة القيامةِ من جامعه (2457) وقالَ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ» كذا في المطبوع، وفي تحفة الأشراف (1: 20): «حسن» فحسب.

 قال الفقير عداب: ضَعفُ حديثِ أبيّ بن كعبٍ؛ يسير، إذ قد صحّ إسناده، من حديث عُقَيل بن خالدٍ، عن ابن شهاب عن محمد بن يحيى بن حَبّان مرسلًا.

أخرجه يَعقوبُ بن سفيانَ الفَسويّ في تاريخه (1: 389).

وفي إسناد الحديث المتّصل عبدُالله بن محمد بن عقيل الهاشميّ، اختلف النقّاد فيه، وليس ضعفه كبيراً، فيسعنا الحكم بأنّه حسن لغيره.

وحديثُ أبيٍّ هذا؛ هو عمدةُ المكثرين من الصلاة والسلام على الرسول صلّى اللهُ عليه وآله وسلم.  

أمّا عن صِيَغ الصلاة على الرسول صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم، التي علينا التزامها؛ فما ورد في الكتاب الكريم (صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).

فالذي يقول: صلّى الله عليه؛ لم يلتزم بنصّ الكتاب الكريم.

والذي يقول عليه السلام؛ لم يلتزم بنصّ الكتاب الكريم أيضاً.

والذي يقول: صلّى الله عليه وسلّم؛ فقد التزمَ بنصّ القرآن العظيم، ولا يكون صلّى الصلاة البتراءَ؛ إذ لا يصحّ عن الرسول صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم شيءٌ مزعومٌ في الصلاة البتراء، إنما هي عند الكليني في الكافي، والكتاب كلّه واهٍ، لا يساوي شيئاً.

وأمّا ورد في السنّة النبويّة الصحيحة؛ فهذه أصحّ الصيغِ:

- أخرج مالك في كتاب النداء من الموطأ (397) ومن طريقِه أحمد في مسنده، والبخاريّ في صحيحه (3369) ومسلم في صحيحه (407) من حديثِ أبي حُميدٍ الساعديّ الصحابيّ قال: قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُولُوا:

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ.

وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ).

- وأخرج مالك في كتاب النداء من موطئه (398) وأحمد في مسنده، والبخاري في صحيحه (3370) ومسلم في صحيحه (405) من حديث عبدالرحمن بنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ «الصحابيّ» فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً؟

خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا: قَدْ عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ).

- أمّا حديثُ «وتحنّن على آل محمّد» فهو من المسلسلات المعروفة بحديث المسلسل بـ«عَدّهُنَّ في يدي؛ فأخرجه الإمام البيهقيّ في شعب الإيمان (1485) وابن عساكر في معجم شيوخه (2: 817).

قال البيهقي: أَخْبَرَنَا أَبو عَبْدِاللهِ الْحَافِظُ، وَعَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ قَالَ: عَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَارِمٍ الْحَافِظُ بِالْكُوفَةِ قَالَ: عَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْعِجْلِيُّ، وقَالَ لِي: عَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ حَرْبُ بْنُ الْحَسَنِ الطَّحَّانُ، وَقَالَ لِي: عَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ يَحْيَى بْنُ الْمُسَاوِرِ الْحَنَّاطُ وَقَالَ لِي: عَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ.

وَعَدَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - يعني البيهقيَّ - فِي أَيْدِي مَنْ سَمِعَ مِنْهُ ( ح).

قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَعَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ: أَخْبَرَنَا أَبُو المْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكُوفَةِ، وَعَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ كاسٍ بِالرَّمْلَةِ، وَعَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ: حَدَّثَنَا جَدِّي لِأَبِي سُلَيْمَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْيدٍ الْمُحَارِبِيُّ، وَعَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ الْمِنْقَرِيُّ وَعَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ وَعَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ وَعَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ.

قَالَ لِي: وعَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَقَالَ لِي: عَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ أَبِي عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَقَالَ لِي: عَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ أَبي الْحُسَيْنِ بْنُ عَلِيٍّ، وَقَالَ لِي: عَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ لِي: عَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَقَالَ جِبْرِيلُ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعِزَّةِ:

اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللهُمَّ وَتَرَحَّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا تَرَحَّمْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللهُمَّ وَتَحَنَّنْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا تَحَنَّنْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ؛ كَمَا سَلَّمْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ).

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله: هَكَذَا بْلَغَنَا هَذَا الْحَدِيثُ، وَهُوَ إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ.

وَأَمَّا الْمُبَارَكَةُ؛ فَإِنَّهَا فَضْلُ اللهِ تَعَالَى جَدُّهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ منا هَذَا التَّبْرِيكُ، وَهُوَ أَنْ نقُولَ: اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَأَصْلُ الْبَرَكَةِ الدَّوَامُ، وَتوضَعُ مَوْضِعَ النَّمَاءِ وَالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ تَزَايُدَ الشَّيْءِ؛ مُوجِبٌ دَوَامَهُ.

وَقَدْ توضَعُ أَيْضاً مَوْضِعَ التَّيَمُّنِ، فَيُقَالُ لِلْمَيْمُونٍ: مُبَارَكَ، بِمَعْنَى أَنَّهُ مَحْبُوبٌ وَمَرْغُوبٌ فِيهِ، وَذَلِكَ لَا يُخَالِفُ مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ إِذَا أُرِيدَ بِهَا الدَّوَامُ؛ فَإِنَّمَا يَسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِيمَا يُرَادُ، وَيُرْغَبُ فِي بَقَائِهِ.

فَإِذَا قُلْنَا: اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ؛ فَالْمَعْنَى اللهُمَّ أَدِمْ ذِكْرَ مُحَمَّدٍ وَدَعْوَتَهُ وَشَرِيعَتَهُ، وَكَثِّرْ أَتْبَاعَهُ وَأَشْيَاعَهُ، وَعَرِّفْ أُمَّتَهُ مِنْ يُمْنِهِ وَسَعَادَتِهِ؛ أَنْ تُشَفِّعَهُ فِيهِمْ، وَتُدْخِلَهُمْ جَنَّاتِكَ وَتُحِلَّهَمُ دَارَ رِضْوَانِكَ.

فَيَجْمَعُ التَّبْرِيكُ عَلَيْهِ؛ الدَّوَامَ وَالزِّيَادَةَ وَالسَّعَادَةَ، وَاللهُ أَعْلَمُ».

قال الفقير عداب: وهذا الحديث المسلسلُ أخرجه أيضاً أبو خالدٍ الواسطيّ في مسند الإمامِ زيدِ بن عليّ عليه السلام (ص: 361) والواسطيّ متّهم بالكذب ووَضع الحديث!

- أمّا صيغ الصلاة على رسول الله صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم، التي يتفنّن بها مَن يعلَم ومن لا يعلَم؛ فأنا لا أقولُ: إنها من البِدَعِ المحرّمة، إنما أقول: ينبغي أن نلتزمِ في صيغ الصلاةِ على الرسول صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم بما جاء في الكتاب والسنّة، ولا نبتعد عنهما؛ لأنّ الواردَ فيهما؛ مضمون الأجر والثواب والأثر الروحيّ والقلبيّ؛ لأنها من اختيار الشارع الحكيم.

أمّا الصِيَغِ المخترعة؛ فغيرُ مضمونةِ الأجر والثواب والأثر، من جهة.

ويخشى على مخترعها ومتابعيه؛ من التَقديمِ بين يَدَيِ الله ورسوله، ومن تفضيلِ الصِيغِ التي اخترعوها، على ما ورد في الكتاب والسنّة.

وقد أكثرَ أبو طالبٍ المكيّ من الأدعية المقرونة بصيغٍ عديدةٍ من صيغ الصلاة على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، لكنّه قيّد ذلك كلّه بقوله في القوت (ص: 121):

«كيفما صلّى عليه، بعد أن يأتي بلفظ ذكرِ الصلاة عليه التي رُويتْ التشهّد؛ فهي صلاة».

أمّا مَن اخترع صيغةً يذكر فيها: الصلاة والسلامُ عليك يا أوّلَ خلقِ الله، وخاتمَ رسلِ الله» فهو كاذبٌ آثم في شطر الكلام الأوّل، وحديث النور؛ كذب موضوع!

فليس الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أوّل خلق الله تعالى، إنّما أعلمنا الله أنّ أوّل مخلوق من البشر؛ هو آدم عليه السلام.

وقرأت صيغاً فيها تشبيه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بالكبريت الأحمر، والمسك الأذفر، والياقوت، وهكذا...!!

فهذه صيغٌ - مع افتراض صحة معناها - لا نعلم إن كان فيها أجرٌ أصلاً، ولا نرى فيها بلاغةً ولا مديحاً حقيقيّاً للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وقد ابتَكر شيخنا السيّد محمد بن عبدالكريم الكسنزان، رحمه الله تعالى، صيغةً.

حدّثني أنّ المشايخَ - يريد الأولياء - حفّظوه إيّاها، وهي:

(اللهم صلّ على سيدنا محمّدٍ الوصف والوحي والرسالة والحكمة، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً).

وكلّفني بأن أشرح معناها للناس،  في خطبةِ جمعةٍ، لكنّ الله تعالى فتح عليّ، فخطبت بها أربعَ خطبٍ جمعة!

بيد أنّ مئاتِ الخطب والدروس التي ألقيتها في التكية الكسنزانية؛ ليس لديّ منها شيءٌ، وزعم بعضُ من سألتُهم عنها بأنها تلفت كلُّها، وللأسف!

والشيخ محمد الكسنزان؛ على منهج أبي طالبٍ المكيّ، رحمهما الله تعالى؛ يجوّز أيَّ صيغةٍ من صيغِ الثناء على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، بعدما يأتي المريد بالصيغة الواردة في السنّة.

أمّا أنا فأختار الصيغَ الواردةَ في الكتاب والسنّة باختصارٍ، على النحو الآتي:

(اللهم صلّ على محمّد وآله وسلّم وبارك) أو (اللهم صلّ على محمّد وآله وأزواجه وذريّته وسلّم وبارك) وبذلك أكون جمعت بين ما جاء في القرآن، وأصحّ ما في السنّة.

وأصلّي بها على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأنا مطمئنّ إلى متابعةِ السنّة، ومطمئنٌ إلى الأجر والثواب المنصوص عليه في الأحاديث الصحيحة، ومطمئنٌّ إلى صحّة أثرها على العقل والروح والقلب.

أمّا شرحُ صِيَغ الصلاةِ على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وبيانُ فوائدها الأخرويّة والدنيويّة؛ فسيكونُ في منشورٍ تالٍ، إن قضى الله تعالى ذلك وشاء.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.