الاثنين، 28 فبراير 2022

قريباً من السياسةِ (27):

الشيطانُ الأكبَرُ مَنْ هُوَ؟

بسم اللهِ الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

عَقِبَ المنشور السابقِ؛ تواصَلَ معي أحدُهم، يُرَجّحُ الوقوفَ بجانِبِ أمريكا، ضِدّ روسيا؛ لأنّ روسيا شيوعيّةٌ، بينما أمريكا مسيحيّةٌ، ورئيسُها يذكر اللهَ في خُطبِه، ويقول: «إن شاءَ الله» و «الحمد لله»؟!!

أقول وبالله التوفيق: إنّ الشعوبَ غيرُ المسلمة - مهما كانت انتماءاتُها الدينيّة والفكريّة - ليس لديها حلالٌ ولا حرامٌ!

فالملحد والشيوعيّ والوجوديُّ والعلمانيّ؛ يرتكِب ما يحلو له من الموبقاتِ؛ لأنّه لايعتقد بالأديان، ولا يُقِرُّ بوجود الحاكم الأعظم والمشرّع الأكبر «الله» تبارك وتعالى.

وأتباعُ الديانَة المسيحيّة، بشتّى مذاهبِها؛ يرتكبون ما يحلو لهم من الموبوقاتِ، بدعوى أنّ المسيح المخلّص فَداهم بجسدِه المقدّس، فرفع عنهم عقوبات الجرائم، بمجرّد الإيمان بأنّه المخلّص، وأقصى عقوبةٍ دنيويّةٍ في الديانة المسيحيّةِ؛ هي خَجَلُ الاعترافِ!

فمن زنا من الجنسينِ مثلاً؛ قُصارى ما يُطلَبُ به أن يعترفَ لدى الكاهن بما فعل؛ ليمنحه الكاهن صكَّ براءةٍ وتطهير!

وأتباعُ الديانةِ اليهوديّة، إذا ارتكتبوا الجرائم الفَرديّة فيما بينَهم؛ فلا يُعاقبُهم الله تعالى عليها في الآخرة؛ لأنهم (أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ).

أمّا إذا ارتكبوا جرائمهم تجاهَ غيرِ اليهود؛ فلا يُسأَلون عنها في الدنيا ولا في الآخرة.

(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) [آل عمران]. 

وليس في منطقتنا العربيّة مجوسٌ ولا هندوس ولا بوذيّون، فلسنا في حاجةٍ لبيان مواقِفِهم من الحلال والحرام، في منشور سياسيّ!

قرأتُ منذ دهرٍ؛ أنّ إمامَ إيرانَ روحَ الله الخمينيّ، أطلق على أمريكا لقبَ «الشيطان الأكبر»!

وهذا لقبٌ خاطئٌ من وُجهة النظر الإسلاميّة؛ لأنّ الشياطين الكبارَ «أصحاب النوويّ» جميعُهم من جنود الشيطان الأكبر «إبليس» وهم جميعهم من (شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا).

وليس ذلك فحسب، بل إنّ الشيطان الأكبرَ إبليسَ، أوْكَل بكلّ واحدٍ من الشياطين الكبار، شيطاناً يُناسبه ويُشاكِلُه من الجنّ!

(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ؛ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا، فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) [الزخرف].

ونسب الله تعالى تقييضَ القرينَ إلى نفسه؛ لأنّه ربّ كلّ صنعةٍ وصانعها فحسب!

قال الله تعالى حكايةً عن إبليس:

(إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ.

وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ.

وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121) [النساء].

فالله تبارك وتعالى هو الذي خلقَ الشيطانَ، والشيطان هو الذي يباشر هذه الأعمال بنفسه وبأعوانه من شياطين الإنس والجنَّ!

إنّ إدارة أمريكا البشريّة؛ شيطان!

وإنّ إدارة الصين؛ شيطان!

وإنّ إدارة روسيا؛ شيطان!

وإنّ إدارة كوريا الشماليّة؛ شيطان!

وإنّ إدارة بريطانيا؛ شيطان!

وإنّ إدارة فرنسا؛ شيطان!

وإنّ إدارة ألمانيا؛ شيطان!

وإنّ إدارة الهند؛ شيطان!

وإنّ إدارة باكستان؛ شيطان!

كلّ إدارَةٍ سياسيّة، تمتلك السلاح النوويّ، وتعطي لنفسها الحقَّ في استعمالِه؛ فهي شيطان مَريدٌ، يفعل ما يحلو له، ولا يقوم بما يريد الله تعالى!

وهذا لا يَعني أنّ مَنْ لا يمتلك السلاح النوويّ؛ مَلاكٌ طاهر، أبداً أبداً، قال اللهُ تعالى: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) [القلم].

أجَلْ أيها الإخوة المؤمنون، كلّ إنسانٍ غيرِ مسلمٍ؛ فهو مُجرم، قولاً واحداً!؟

لكن لماذا؟

لأنَّ من خصائصِ الله تعالى؛ الوحدانيّةُ والحاكميّة والتشريع، ومنه الحلال والحرام!

فمن يعطي نفسَه من الحقوق ما اختصَّ الله تعالى به ذاتَه المقدّسة؛ فهو مجرم، لأنه جعل من نفسه ندّاً لله تعالى، يُحلّ ويحرّم، سواء كان فرداً، أم كان مجلسَ النوّاب!

وكُلّ إنسانٍ غيرِ مسلمٍ اليوم؛ هو منافق، لأنّه يلقاك بوجه، ويكون في غيبتك بوجهٍ آخر مغايرٍ!

يُظهر لك البِشرَ والإنسانيّة، فإذا خشي منك أدنى خشيّة؛ هاجَ وماجَ عليكَ، وقتلَ من قومِك ما يشاء أن يقتل، حتى تخضع له وتذلّ!

ليس لأمريكا في الشرق العربيّ والإسلاميّ شِبرٌ من الأرض، لكنّها تزعم أنّ مصالحَها تمتدّ على امتداد هذا العالَم، وحيثما أحسّت باحتمال تهديد مصلحةً لها في أيِّ مكانٍ؛ تغيّر ذلك الوجه الحضاريّ الباسمُ، إلى وجه وحشٍ كاسر، ذي أنيابٍ ومخالبَ قاطعة، وهذا هو النفاق الأكبر، وأمريكا وغيرها في هذه الشيطنة سواء!

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَباللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65).

لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ، إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ؛ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66).

الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ، وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ، نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ، إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67).

وَعَدَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ، وَلَعَنَهُمُ اللهُ، وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) [التوبة].

خِتاماً: يجب على المسلم أن يتولّى ويُحبَّ المسلمين فحسب، دون غيرهم من أهل الأديان، قال الله تعالى:

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ.

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا.

وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ؛ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ.

وَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) [الأنفال].

وقال جلّ اسمه الأعظم:

(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ.

أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ، وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ، أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22) [المجادلة].

وحُبّ المسلمين وموالاتُهم؛ لا يعني ظلمَ الآخرينَ واضطهادَهم واستضعافَهم أبداً أبداً، فهذا ليس من دين الإسلام في شيءٍ!

قال الله تعالى:

(عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الذينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً، وَ اللهُ قَدِيرٌ وَ اللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7).

لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ، وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ؛ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ؛ أَنْ تَوَلّوْهُمْ.

وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ؛ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) [الممتحنة].

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى اللهُ على سيّدنا محمّد بن عبداللهِ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

     والحمد لله على كل حال. 

الجمعة، 25 فبراير 2022

قَريباً من السياسة (26):

أوكرانيا والغَرْبُ!

أوْسَعتُهم شتماً، وفازوا بالإبل!؟

بسم اللهِ الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

أحزنُ على الشعبِ الأوكرانيّ!

وأحزن على الشعب الروسيّ!

شَعبٌ سِلافيٌّ واحدٌ في دَولَتين!؟

أحزن على شعوبِ الأرضِ جميعِها؛ لأنها قِطعانٌ بشريّةٌ، تتحكّم في مصائرِها نُخبةٌ شيطانيّة ذكيّة!

ما أقسى أنْ تتصارعَ الدولُ الكبرى على حطامِ الدنيا، وخَشاشِ الأرض، كما تتخاصَمُ الوحوشُ المفترسةُ على جيفةٍ نتنةٍ، أو فريسةٍ ضعيفة!

إنّ الصين وأمريكا وروسيا وكوريا والاتّحادُ الأوربيّ المُتْرَف، جميعُها تتصارعُ على الكلأ، وتتنافسُ على العلوّ في الأرض، ولم نرَ دولةً منها تُصارعُ غيرَها على المبادئ السامية والقِيَم!

إنّ الإعلامَ الغَربيَّ، ظلّ يحرّض وينفخ ويُطمئِنُ، حتى قام الطاغيةُ «بوتين» بغزو أوكرانيا وتحطيم كيانها، ومَسْحِ كرامتها بالأرض!

لو كانت أمريكا مناهضةً لروسيا مناهضةً حقيقيّة في مَقاصدها، هل كان من المَنطق العسكريّ أو السياسيّ، أو الإنسانيّ؛ أن يصرّح طاغيتها «بايدن» بأنّه لن يرسل جنوداً تقاتلُ الروسَ في أوكرانيا، إذ لا مصلحةَ للشعب الأمريكيّ، في نشوبِ حربٍ مع روسيا؟ لماذا نفختم أوكرانيا، ومنّيتموها، وأغريتموها بالباطل؟

نحن نتألّم لألم الضعفاءِ والمستضعفين، وهذه فطرةٌ إنسانيّة محمودة، وإنّ كنّا لا يعنينا انتصارُ الروسِ على الغرب، أو انتصارُ الغربِ على الروس، في قليلٍ ولا كثير!

إنّ مخاوفَ أمريكا في الستيناتِ، كانت مشروعةً لدى العالم الغربيّ، عندما نصبت روسيا صواريَخها النووية في «كوبا» وقامت الدنيا يومها ولم تقعد، وأنا أتذكّر ذلك جيّداً.

لماذا مخاوفُ روسيا ليست مشروعةً إذن، وأسلحةُ أمريكا الاستراتيجيّة على أبواب بيتها؟

لماذا كان غزو أوكرانيا عداءاً للإنسانيّة، واعتداءاً على حقوق الإنسان، بينما غزو العراق وأفغانستان واليمن وسوريا وليبيا كان انتصاراً للإنساية والحرية وحقوق الإنسان؟

لماذا يرى الغربُ والشرقُ الفتوحاتِ الإسلاميةَ غزواً وحشيّاً همجيّاً، واعتداءاً على الشعوب، بينما يرون قتلَهم الملايين، وتخريبَهم المدن والبلدان والحضاراتِ مدنيّةً وتحضّراً وديمقراطيّة؟

مع أنّ الفتوحاتِ الإسلاميةَ أخرجت الناسَ من ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومن ظلمِ الطغاةِ إلى عدل الإسلامِ، ومن الفَسادِ الأخلاقيّ إلى طهارة وسلامةِ الأعراض والأنساب، ومن النجاسة والقذارةِ إلى النظافة والطهارة وطيب رائحة الإنسان؟

لستُ من السذاجةِ بحيث أناشدُ حكّامنا العربَ بأن لا يثقوا بأمريكا والغرب، ولا يُتابعوهم في قذارتهم الحسيّة والعَقدية والأخلاقيّة؛ لأنهم أتباعٌ عملاءُ صغار، ربما يَستطيبون قذارَة الغَرب، ويستقذرون طهارةَ الإسلام!

إنّما أخاطبَ الوعيَ العربيَّ المسلمَ بأن يصحو من سكرته النتنة، وينتبه من غفلته الساذجة، فليس لدى الشرقِ والغربِ أدنى شيءٍ من سعادةِ العقل والفكر والقلب والروح، يعطينا إيّاه، مقابل استعبادنا وتبعيّتنا له!

إنما حالُنا عبوديّته المقنّعة، مضافاً إليها دفعُ الجزيةِ والإتاوات الدائمة، وخضوع الأذلّاء!

   اللهم انصُر الحقَّ وأهلَه، وأذلَّ الباطلَ وأهله، واجعلنا من الناصرين لحقّ الإسلام، وأمان المسلمين!

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى اللهُ على سيّدنا محمّد بن عبداللهِ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كل حال.

الخميس، 17 فبراير 2022

      مسائل فكريّة (20):

أزمة حقيقيّة في منهج التفكير لدى العرب المعاصرين!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

أثارَتْ وفاةُ الكاتبِ المَقبور «سيّد القِمَنيّ» جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعيّ، وانقسم الناس حِيالَ شخصِه وفِكره وكتبه أقساماً حادّة!

- فمنهم مَن عدّه نبيَّ التنوير العربيّ!

- ومنهم مَن عدّه مجدّداً.

- ومنهم من عدّه مؤمناً مسلماً.

- ومنهم مَن عدّه كافراً مَرتدّاً.

- ومنهم مَن عدّه معتزليّاً كابن الراوندي والجاحظ والمعريّ!؟

- ومنهم من عدَّ كتبَه جيّدةً، لكنّ ظهورَه على وسائل الإعلامِ، كان سوقيّاً تافهاً.

وأنا شخصيّاً لم أقرأ لهذا الرجل صفحةً واحدةً من كتبه، ولا رأيتُها، فلا يَسعني الحكم على كتبه بشيءٍ!

إنّما القاعدةُ الأصوليّة والمنطقيّة «لا اجتهاد في مَورد النصّ» كافيةٌ للحكم عليه بما قاله هو عن نفسه:

هو قال عن نفسه: «أنا ربّ الإسلام والمسلمين، يا أولاد الكلب!».

وهو قال لأحد تلامذته: «لا بدَ حين تحاوِر أحد التقليديين؛ أن لا تواجهه بفكرك، ينبغي أن تُفهمه أوّلاً أنك مسلم مثله، تؤمن بما يؤمن به، ثم تسحبه قليلاً قليلاً إلى فكرك».

وهو جاهر بكلّ صفاقةٍ، فقال: «أقول لكم من الآخر: أنا كافر».

فنحن لا نزيدُ على ما قال شيئاً، ولا نَنقُص منه.

وأنا لم أكتب هذا المنشور بشأن القمنيّ هذا، فهو أهون عند الله تعالى، ثمّ عندي من أن أشغلَ قرّائي بمثله دقيقةً واحدة!

إنّما وجدتُ مَن يعدّه مفكّراً، ووجدت مَن يعدّ الإعلاميّ الجاهلَ «عمرو أديب» مفكّراً، ومن يعدّ الإعلاميّ الضالَّ «إبراهيم عيسى» مفكرّاً، وهكذا!

لا أيها الإخوة الأكارم: هؤلاء كلهم جهّال بالله تعالى وبالرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وبدين الإسلام، وحتى بتاريخه!

- لا يجوز أن يقالَ عن إنسان: إنّه مفكّر، حتى يكون متقناً لمناهج المفسّرين، في فهم وتأويل كتابَ الله عزّ وجلّ!

- لا يجوز أن يقال عن إنسانٍ: إنّه مفكّر، حتى يكون متقناً لمناهج المحدّثين في تقويمهم للمروياتِ في السنّة النبويّة، والسيرة النبويّة.

- لا يجوز أن يقال عن إنسانٍ: إنّه مفكّر، حتى يكون متقناً لمناهج المؤرّخين في تقويمهم للمروياتِ في السنّة النبويّة، والسيرة النبويّة، والتاريخ الإسلاميّ.

- لا يجوز أن يقال عن إنسانٍ: إنّه مفكّر، حتى يكون متقناً لمناهج الأصوليّين في تقويمهم للمروياتِ في العقائدِ والأحكام التفصيليّة.

- لا يجوز أن يقال عن إنسانٍ: إنّه مفكّر، حتى يكون متقناً لمناهج المحدّثين والأصوليّين في عمليّة التعارض والترجيح، بين الروايات الحديثيّة، مع آياتِ القرآن العظيم!

الله تبارك وتعالى يصف الرسولَ صلّى الله عليه وآله وسلّم بقوله:

(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) [القلم].

فأيّ روايةٍ حديثيّة أو تاريخيّة يتّفق العقلاء على أنّها منافيةٌ للخلق العظيم؛ فهي باطلة، في أيّ كتابٍ حديثيٍّ، أو تاريخيّ كانت!

فتناول سيرةِ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم، من دون إتقانٍ للمناهج السابقة؛ ستجعل المُتناوِلَ يخالفُ كتابَ الله تعالى، ويسيءُ إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتماً!

لأنّ أقربَ المؤرّخين الذين تناولوا سيرةَ الرسول؛ هو ابن إسحاق.

فلو جاء امرؤٌ، وبنى مواقِفَه على ما في سيرةِ محمد بن إسحاقَ، من دون معرفةٍ بمنهج ابن إسحاق في سيرته، ومن دون معرفة بمناهج المحدّثين وموقفهم منها، ومن دون معرفة بمناهج المؤرّخين؛ سيقع في تناقضات كثيرةٍ مع القرآن العظيم، ومع صحيح سنّة الرسول وسيرته.

والله تبارك وتعالى يقول لرسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم:

(وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا (48) [الطور].

(فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) [فاطر].

(فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6) [الكهف].

(لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) [الشعراء].

(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) [الضحى].  

ما كان الله تعالى ليقول للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم هذا الكلام؛ لولا استحقاقه له، إذ ليس بين اللهِ وبين خلقِه نسبٌ ولا صهر، إنما هي العبوديّة الحقّة!

قال الله تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) [الحاقّة].

(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) [الزمر].

أقول: كان من منهج المحدّثين والمؤرّخين المتقدّمين؛ جمعُ كلّ مَرويٍّ، حتى لو كان فيه إساءةٌ إلى الله تبارك وتعالى، وإلى رسولِه صلّى الله عليه وآله وسلّم، اعتقاداً منهم بأنّ جمعَ هذا كلَّه؛ سيضع بين أيدي الأجيال اللاحقة حقيقةَ الإسلام، وجميعَ ما كادَه أعداءُ الإسلام والمسلمين لهذا الدين.

وبمعزلٍ عن صوابِ هذا المنهج أو خطئه؛ فهذا هو الحاصل!

ولأنّ هذا هو الحاصل في الواقع ونفس الأمر؛ وُجدت كتبُ الحديث الصحيحة، ووُجدت كتب الموضوعاتِ المكذوبة، ووُجدت كتب الثقات، ووُجدت كتب الضعفاء والمتروكين من رواة الحديث والتاريخ!

خِتاماً: لقد قرأت أكثر من خمسين كتاباً في الطبّ والفسلجة والتشريح وأجهزة الجسم، وقرأت خمسةَ كتب عن التداوي بالأعشاب والعقاقير الطبيّة!

ومع هذا، فإذا عطستُ ثلاثَ مرّاتٍ متواليةً؛ أقصد الطبيب المختصّ؛ لأنني لست متخصّصاً!

فما بال هذا الدين، يتناول عقائدَه وشرائعه أناسٌ لم يُولُوا علومَه أيَّ اهتمام؟

ولولا أنّ التوجّه الرسميَّ في البلاد العربيّة؛ هو تغريبُ المجتمع المسلم، وإبعادُه عن هذا الدين؛ لما تجرّأ هؤلاء السفلة الجهّال وضرباؤهم على تجاوُزهم أصولَ العلوم وآداب الكتابة والخطاب!

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

الثلاثاء، 15 فبراير 2022

 مَسائِلُ مِن الفِقْهِ والأُصولِ (8):

الصلاة على الصحابةِ!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).

علّق السيّد عبدالنصيرِ إدريس، على قولي: «وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً» بقوله: ما الدليل على جواز الصلاة على الصحابة في كلامِك هذا؟

أقول وبالله التوفيق:

الأحكامُ الشرعية المطلوبُ فعلها، هي: الواجبُ والمندوب والجائز.

والصلاةُ على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وآله، هي من السنن والمندوبات بوجهٍ عام!

والصلاةُ على الصحابةِ ليست من جنس المندوبِ عندي، إنما هي من جنس المسكوتِ عليه، وهو الجائز.

ويمكن أن يُستَدَلَّ لجواز الصلاةِ على الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، بقوله تبارك وتعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) [الأحزاب].

وقوله الكريم: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) [التوبة].

ويمكن أن يستأنس للجواز أيضاً، بما أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين (13727) من حديث جابر بن عبدالله الأنصاريّ رضي الله عنهما قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَعِينُهُ فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِي، فَقَالَ: آتِيكُمْ!

قَالَ جابر: فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ لِلْمَرْأَةِ: لَا تُكَلِّمِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَسْأَلِيهِ!

قَالَ جابرٌ: فَأَتَانَا، فَذَبَحْنَا لَهُ دَاجِنًا، كَانَ لَنَا!

فَقَالَ: يَا جَابِرُ، كَأَنَّكُمْ عَرَفْتُمْ حُبَّنَا اللَّحْمَ!

قَالَ جابر: فَلَمَّا خَرَجَ؛ قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: صَلِّ عَلَيَّ وَعَلَى زَوْجِي.

أَوْ قالت: صَلِّ عَلَيْنَا!

فَقَالَ الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ)

قَالَ جابر: فَقُلْتُ لَهَا: أَلَيْسَ قَدْ نَهَيْتُكِ؟

قَالَتْ: تَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْنَا وَلَا يَدْعُو لَنَا»؟ وإسناده حسن.

وأخرج البخاريّ (1498) ومسلمٌ (1078) من حديث عبدالله بن أبي أوفى - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَةٍ؛ قَالَ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ)!

فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ؛ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى).

أقول: يُلاحَظُ أنّ معنى الصلاة على قومٍ؛ هو الدعاء لهم!

فكيف لا يجوز الدعاء لعامّة الصحابة رضوان الله عليهم، وقد دعا لهم الرسول ؟

نحن ليس لدينا مشكلة مع ستّين ألف صحابيٍّ أو أكثر، إنما مشكلتنا مع عددٍ محدودٍ من ذلك الجيل، هم المنافقون والطلقاء والبغاة.

والذين يلبّسون علينا، وينسبون إلينا الطعنَ في الصحابة؛ سفلة حاقدون!

ودعوى أنّ الطعنَ بصحابيٍّ واحدٍ؛ هو طعنٌ بالصحابة جميعهم؛ هي دعوى سخيفةٍ قميئةٍ، كائناً من كان قائلها، إذ ما من عاقلٍ يقول: إنّ المغيرة بن شعبة مثلُ عبدالله بن عمر، مثلاً، فشتّان ما بين صالحٍ ومنافق فاسق!

إنّ الطعنَ بصحابيٍ لم تكن له استقامةٌ بعد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم؛ واجبٌ شرعيٌّ، إذا أردتَ أن تروي من طريقه حديثاً عن الرسول الكريم.

ومثل هذه الدعوى الهزيلة؛ دعوى أن جميع الصحابة عدول!

فلا والله لم يكن بعض الصحابة عند خيارهم عدولاً!

بل كان فيهم العدل الورع التقيّ، وكان فيهم دون ذلك، مثلما كان فيهم المنافقون والبغاة وقطّاع الطريق وقتلة النساء والأطفال!

ولا حولَ ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال».

 اجتماعيات (48):

العَيبُ على الذي لا يَحْشِمُ نَفسَه!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).

كتب أحدهم على الفيس بوك ما نصّه: «مَنْ لَزمَ أبا حنيفةَ؛ فقد اتّبع حمّاداً والنخعيَّ وعلقمَةَ وابن مسعودٍ، عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم» انتهى.

فأحببت توضيحَ الأمرِ من جهةٍ، وتقييدَه من جهةٍ أخرى، ظنّاً منّي بأنني أقدّم فائدة إضافيّة لكاتب هذه الكلماتِ، ثمّ للقارئ من بعده، فكتبتُ: «مَن لزم أيَّ إنسانٍ ممن ذكرتَ؛ فإنما لزمه هو.

فإذا روى من طريق شيخه حديثاً صحيح الإسناد والمتن؛ يكون تبع رسول الله صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم.

وما سوى ذلك؛ فهؤلاء اجتهدوا، فأصابوا وأخطأوا، فنسبتهم إلى لزوم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، من كيسك وأكياس مَن يزعم مثل زعمك هذا!

أبو حنيفة يجيزُ إيجارَ بيتٍ ليُتّخذ خمّارةً، أو دار بغاءٍ، فهل ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، شيءٌ من ذلك؟

اتّقوا الله فيما تقولون، وتعلّموا قبل أن تكتبوا»!؟

فتبيّن أنّ الكاتبَ من الرعاع الجهلة، فعقّب على كلامي بقوله: «مَدد يا سيّدنا أبا حنيفة!».

ثم انهال عليّ الطعنُ والسبّ والشتم، وبعضهم رماني بالطعن على أبي حنيفةَ رحمه الله تعالى.

كان الهدف من المنشور؛ بيانُ أنّ لزوم أيّ مذهبٍ من مذاهب الإسلام؛ ليس لزوماً لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالضرورة؛ لأنّ جميع المذاهب قد اجتهد أصحابها فيما وراء النصوص الشرعيّة، فأصابوا كثيراً، وأخطأوا كثيراً أيضاً.

فلا يجوز أن يعتقد أحدٌ أنّ مَن لزم مذهب أبي حنيفة أو مالكٍ أو الشافعي، وغيرِهم؛ يكون قد لزم السنّة النبويّة تماماً، بل هذا خلافُ ما نصّ عليه الأئمّة جميعهم، رحمهم الله تعالى.

أما تكذيبي فيما نسبته إلى الإمام أبي حنيفة؛ فإليك توثيقه، وإن كان من مشهور مذهبه ولا يحتاجُ إلى توثيق!

قال الإمامُ محمّد بن الحسن في الأصل (4: 17) ما نصّه:

«قال: إذا استأجر الذميّ من المسلم داراً ليسكنها؛ فلا بأس بذلك. فإن شرب فيها الخمرَ، أو عبدَ فيها الصَليبَ، أو أدخل فيها الخنازير لم يلحق المسلمَ مِن ذلك شيءٌ من الإثم؛ لأنه لم يؤاجرها لذلك، والإجارةُ جائزةٌ لازمة له.

وكذلك لو اتخذ فيها بِيعةً أو كنيسةً أو بيتَ نارٍ، بعد أن يكون ذلك بالسواد «سواد الكوفة» فإنّ الإجارة جائزة، ولا يلحق المسلم من ذلك شيء، وكذلك لو باع فيها الخمر، وكذلك هذا في الأمصار».

وقال في الهداية للمرغينانيّ (4: 378): «ومَن أجَر بيتاً لِيُتَّخَذ فيه بيتُ نارٍ أو كنيسةٌ، أو بِيعةٌ أو يُباع فيه الخَمرُ بالسواد؛ فلا بأس به، وهذا عند أبي حنيفة!

وقالا - يعني أبا يوسفَ ومحمّداً - لا ينبغي أن يُكريَه لشيءٍ من ذلك؛ لأنه إعانةٌ على المعصية».

فهذان أكبرُ أصحاب أبي حنيفة خالفاه، ولم يلزما قولَه؛ لأنهما لا يريان لزوم قولِه؛ هو لزوم قول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم!

فما بال رعاع قومي (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ)؟

وانظر هذا الكلام ذاتَه في المصادر الحنفيةِ الآتية:

بداية المبتدي (ص: 224) والاختيار (4: 162) وتبيين الحقائق (6: 29) والعناية بشرح الهداية (10: 59) وملتقى الأبحر (ص: 186) وشرحه (2: 529) والبحر الرائق (8: 230).

أقول: أنا الفقير لا أقول شيئاً لست على يقينٍ منه، وما عليّ إذا لم يفهم البقر؟

حاشاكم روّاد صفحتي الأكارم.

ختاماً: لا يوجد بشرٌ من البشر - سوى النبيين - جميعُ ما يقوله صحيح وحقّ، على الإطلاق، من الصحابة رضي الله عنهم، فمن دونهم.

ولو لم يكن للمذهبيّة من شرٍّ، سوى هذا التعصّب المقيت؛ لكفى بها جهلاً وغوغائيّة!

ولست أدري أيسكتُ أحدنا عن قول الحقّ، حتى لا يشتمه السفلة الرعاع الجهلة؟

]رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[.

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلَّم تَسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

السبت، 12 فبراير 2022

      مَسائل حديثية (27):

حديث رَزيّة الخميسِ!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

قرأت لأحد الإخوةِ الأحبابِ تعليقةً يقول فيها: «ليس كلّ حديثٍ صحيحٍ متواتراً، بالتواتر يشترط معرفةَ جميع الناس، بجميع الطبقات.

وهذا الحديث - رَزيّة الخميس - لا يعرفه أحد في الأجيال السابقة، حتى منتصف القرن الثالث الهجريّ (فلان عن فلان) فإنّ حديثَ رزيّة الخميس حديثُ آحادٍ ضعيفٌ، ولا يمكن أن يكون صحيحاً، فضلاً عن أن يكون متواتراً» انتهى.

أقول وبالله التوفيق:

في هذا الكلام نظر من وجوه شتّى:

الوجه الأوّل: أنّ التواتر نوعٌ، تحته جنسان: التواتر الضروري، والتواتر الاستدلاليّ.

أمّا التواتر الضروريّ: فيحمل الخبرَ الذي إذا سمعه المسلم، عالماً أم عاميّاً؛ أيقن بصحّته، كما قال الأخ الكاتب.

وأمّا التواتر الاستدلاليّ: فهو التواتُر الذي تقتصر معرفته على أهل الاختصاص من العلماء.

الوجه الثاني: لا يُشتَرطُ لقَبولِ الخبر أن يكون متواتراً، لا عند أهل السنّةِ ولا عند الزيدية ولا عند الإماميّة ولا عند الإباضيّة، إنما يَشترطون لقَبول الخبر أن يكون صحيحاً، إذا لم يكن في أمّهات الاعتقادات.

وحديثُ رزيّةِ الخميس خبرٌ تاريخيّ، لا يُشتَرط لقَبوله أكثرَ من كونه صحيحاً؛ لأنه يحمل حدثاً تاريخيّاً صدَر عن بعضِ الصحابةِ مثلُه وأشدّ منه.

الوجه الثالث: هل صحيح أنّ خبر رزيّة الخميس لا يعرفه أحدٌ من الناس، إلا في منتصف القرن الثالث الهجريّ؟

لو سألنا كاتبَ التعليقةِ: عمّن أخذتَ العلمَ؟

سيقولُ عن شيخي أبي الحسن الخوئيّ.

وشيخُك عمّن أخَذَ العلم؟

سيقول عن شيخِه فلان!

وفلانٌ عمّن أخّ العلمَ؟

سيقول عن شيخه فلان!

فهؤلاء الشيوخ الذين يوقن الكاتبُ أنّ أحدهم أخذَ العلم عن الآخر؛ استغرقت حياتُهم قرنين من الزمان تقريباً، ونحن قد لا نعرف هذا الخبرَ إلّا من جهة الكاتب.

فهل نَقبَلُ كلامَه أو نرفضُه؟

الجواب: إذا كان الكاتب عندنا ثقةً صادقاً؛ قبلنا كلامَه، لأننا إذا رفضنا كلامَه؛ كذّبناه، ونحن سبقَ أن أقررنا بأنّه ثقة!

وحديث رزيّة الخميس أخرجه جمعٌ غفير من المحدثين، منهم: عبدالرزاق الصنعاني في مصنّفه (5: 438) والنسائيّ في السنن الكبرى (5: 316) و(7: 63) وأبو عوانة في مستخرجه (12: 589) وابن حبان في صحيحه (14: 562) واللالكائي في اعتقاد أهل السنة (2443) وغيرهم.

لكنني سأحصي عددَ الرواةِ في كلّ طبقةٍ، من ثلاثة مصادر فحسب، تخفيفاً على القارئ الكريم، وتوضيحاً للأخ الكاتب، حتى لا يتسرّع فيضعّف ما لا يروق له بعقله، بعيداً عن القواعد العلميّة للتصحيح والتضعيف، فيأثم!

قال الإمام أحمد (241 هـ) في مسنده (1834): حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بن عيينة (196 هـ ) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ المكي (120 - 130 هـ) سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ (94 هـ) يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (68 هـ): يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ.

وقال الإمام أحمد في مسنده (2544): حَدَّثَنَا حَسَنٌ بن موسى الأشيب (209 هـ) حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بن عبدالرحمن المؤدّب (164 هـ) عَنْ لَيْثِ بن أبي سليم (148 هـ) عَنْ طَاوُسٍ (106 هـ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (68 هـ) أَنَّهُ قَالَ لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وقال الإمام أحمد في مسنده (2835): حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بن حازمٍ (206 هـ) حَدَّثَنَا أَبِي (170 هـ) قَالَ سَمِعْتُ يُونُسَ بن يزيد النجّاد (159 هـ) يُحَدِّثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ (124 هـ) عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (98 هـ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (68 هـ) قَالَ لَمَّا حَضَرَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَفَاةُ.

وقال الإمام أحمد في مسنده (2945): حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بن همام (211 هـ) حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ بن راشد (154 هـ) عَنِ الزُّهْرِيِّ (124 هـ) عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (98 هـ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (68 هـ) قَالَ لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وقال الإمام أحمد في مسنده (3165): حَدَّثَنَا وَكِيعٌ بن الجراح (196 هـ) حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ (159 هـ) عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ (112 هـ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ (94 هـ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (68 هـ) قَالَ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ.

وقال البخاريّ (256 هـ) في صحيحه (114) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الجعفي (237 هـ) قَالَ: حَدَّثَنِي عبدالله بْنُ وَهْبٍ (197 هـ) قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بن يزيد النجّاد (159 هـ) عَنْ ابْنِ شِهَابٍ (124 هـ) عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (98 هـ) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (68 هـ) قَالَ لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ.

وقال البخاريّ في صحيحه (3053) حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بن عُقبة (215 هـ)حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ (196 هـ) عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ (120 - 130 هـ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ (94 هـ)عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (68 هـ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ثُمَّ بَكَى حَتَّى خَضَبَ دَمْعُهُ الْحَصْبَاءَ فَقَالَ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ.

وقال البخاريّ في صحيحه (3168) حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ بن سلّام البيكنديّ (227 هـ): حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ (196 هـ) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ الْأَحْوَلِ  (120 - 130 هـ) سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ (94 هـ)سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ (68 هـ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ.

وقال البخاريّ في صحيحه (4431) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بن سعيد (240 هـ) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بن عيينة (196 هـ)عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ  (120 - 130 هـ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ (94 هـ) قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (68 هـ) يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ.

وقال البخاريّ في صحيحه (5669) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى التميميّ (220 هـ) حَدَّثَنَا هِشَامُ بن يوسف الأبناويّ (197 هـ) عَنْ مَعْمَرٍ بن راشد (154 هـ).

وقال البخاريّ في صحيحه (5669) وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الجعفيّ (229 هـ) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بن همّام (211 هـ): أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ (154 هـ) عَنْ الزُّهْرِيِّ (124 هـ) عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (98 هـ) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (68 هـ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ.

فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ، وَعِنْدَكُمْ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ، فَاخْتَصَمُوا مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ!

فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالِاخْتِلَافَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:قُومُوا!

قَالَ:عُبَيْدُاللهِ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ».

وقال البخاريّ في صحيحه (7366) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى التميميّ (220 هـ) أَخْبَرَنَا هِشَامٌ بن يوسف الأبناويّ (197 هـ) عَنْ مَعْمَر بن راشد (154 هـ) عَنْ الزُّهْرِيِّ (124 هـ) عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (98 هـ) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (68 هـ) قَالَ لَمَّا حُضِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وقال الإمام مسلم في صحيحه (1637) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ (227 هـ) وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (240 هـ) وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ (235 هـ) وَعَمْرٌو بن محمد النَّاقِدُ (232 هـ) - وَاللَّفْظُ لِسَعِيدٍ - قَالُوا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بن عيينة (196 هـ) عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ  (120 - 130 هـ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ (94 هـ) قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (68 هـ): يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ.

قال عداب عفا الله عنه بفضله:

الطبقة الأولى هي طبقة البخاري (256 هـ) ومسلم (261 هـ) من طبقة واحدة، فهما مشتركان في أكثر شيوخهما، وأحمد نفسه من شيوخهما.

وقد رواه مع البخاري ومسلم، ومن طبقتهما:

زكريا بن يحيى، عند النسائيّ في الكبرى (5821).

ومحمد بن عبدالله بن المبارك، عند النسائيّ في الكبرى (5826).

ومحمد بن منصور، عند النسائيّ في الكبرى (5823).

وبكار بن قتيبة البكراوي، عند أبي عوانة في مستخرجه (6198).

ومحمد بن يحيى الذهلي، عند أبي عوانة في مستخرجه (6193).

ويونس بن عبدالأعلى، عند أبي عوانة في مستخرجه (6196).

أما مَن وفياتهم بين (230 - 250 هـ) من طبقة شيوخهم، فهم:

أحمد ابن حنبل (241 هـ).

وأبو بكر بن أبي شيبة (235 هـ).

وعمرو بن محمد الناقد (232 هـ).

وقتيبة بن سعيد (240 هـ)

ويحيى بن سليمان الجعفيّ (237 هـ).

فهؤلاء خمسة من شيوخ البخاري ومسلم يعرفون الحديث، وهم طبقة واحدة!

وأما مَن كانت وفياتهم بين (215 - 230 هـ) فهم:

إبراهيم بن موسى التميميّ (220 هـ).

وسعيد بن منصور (227 هـ).

وعبدالله بن محمد الجعفي (229 هـ).

وقبيصة بن عقبة (215 هـ).

ومحمد بن سلام البيكنديّ (227 هـ).

وهؤلاء خمسة من طبقة كبار شيوخ البخاري ومسلم أيضاً.

فصار لدينا في نصف قرن عشرة شيوخ يعرفون هذا الحديث، وليس كما قال الكاتب، لا يعرفه أحد قبل منتصف القرن الثالث الهجريّ.

فإذا جئنا إلى الطبقة الثالثة، طبقة شيوخ الإمام أحمد، وشيوخ شيوخِ الشيخين؛ وجدنا:

حسن بن موسى الأشيب (209 هـ).

وسفيان بن عيينة (196 هـ).

وعبدالرزاق بن همام (211 هـ).

وعبدالله بن وهب (197 هـ).

وهشام بن يوسف (197 هـ)

ووكيع بن الجراح (196 هـ).

ووهب بن جرير (206 هـ)

فهؤلاء سبعة ثقاتٍ، رووا هذا الحديث وعلموا به في أقلّ من عشرين سنة!

وأمّا الطبقة الرابعة؛ فوجدنا فيها خمسة رواة ثقاتٍ، هم:

جرير بن حازم (170 هـ).

شيبان بن عبدالرحمن (164 هـ).

مالك بن مِغْوَلٍ (159 هـ).

معمر بن راشد (154 هـ).

ويونس بن يزيد (159 هـ).

أمّا الطبقة الخامسة؛ فوجدنا فيها:

 سليمان بن أبي مسلمٍ الأحول (130 هـ).

وليث بن أبي سليم (148 هـ).

ومحمد بن مسلم الزهريّ (124 هـ).

أمّا طبقة الرواة عن ابن عبّاس، وهي الطبقة الأخيرة؛ فوجدنا فيها:

سعيد بن جبير الشهيد (94 هـ).

وطاوس بن كيسان (106 هـ).

وعبيدالله بن عبدالله المسعودي (98 هـ).  

فالحديث مستفيضٌ أو مشهور عن ابن عبّاسٍ، رواه عنه ثلاثة من ثقات أصحابه، ورواه عنهم في حدود هذه الكتب الثلاثة فحسب، ثلاثة أيضاً، ثم اشتُهر أكثر بعد ذلك.

فكيف يمكن لرجل مسلمٍ يخاف الله تعالى، ويعلم أنّه سيحاسب يوم القيامة على كلّ كلمة يقولها؛ أن يقول: هذا حديث ضعيف؛ لأنه لم يوافق هواه؟

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.  

        والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.