الأحد، 4 يوليو 2021

 مَسائل فكرية (14):

الشيخ محمّد حسين يعقوب!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

تواصل معي أحد الإخوةِ، يسألني عن موقفي ممّا جرى من الإذلال والإهانة للشيخ محمّد حسين يعقوب المصريّ، عافاه الله تعالى، وفرّج كربه !

فدار بيننا حوارٌ طويلٌ، أختصر أبرز ما جاء فيه بهذه الكلمات!

أوّلاً: أكثرُ علماءِ الأمّة ومفكريها ودعاتها وخطبائها؛ جبناءُ، عاجزون عن الصدع بالحقّ، يؤثرون السلامةَ، ويخضعون مع القطيعِ، متى كان الراعي شديداً قاسياً، ليس لديه رحمةٌ بهم وبغيرهم من الناس!

ثانياً: علماءُ الأمّة المعاصرون؛ لم يمارسوا الرياضة العنيفةَ، ولا فنونَ الدفاع عن النفس، ولم يخوضوا معارك حربيّةً، كما كان كثيرٌ من علماء الإسلام يفعل!

فهم لهذا يرعبون إذا شاهدوا شخصاً يحمل سكّيناً أو خنجراً، فضلاً عن أن يكون حاملاً سلاحاً ناريّاً، إذ لا يعرفون كيف يدفعون عن أنفسهم خطره!

فمن أين تأتيهم الشجاعةُ يا ترى؟

ثالثاً: في ميراثنا الفقهيّ والثقافيّ تأليهٌ تطبيقيّ للحكام المستبدين الفساق والفجرة!

ولذلك ترى كتبَ الأحكام السلطانية تناقش مسألةَ خلعِ السلطان الجائر عن سدّة الحكم؟

هل يخلع إذا شرب الخمرةَ؟

هل يخلع إذا لاطَ؟

هل يخلع إذا زنى؟

هل يخلع إذا جاهر بمعاشرة الصبيان وتقريبهم؟

هل يخلع إذا قتل أو جلد أو غصب؟!

أسئلةٌ قميئةٌ سخيفةٌ، وكأنه لا يليق بأمة الإسلامِ، إلا هؤلاء السفلة المنحطّون!

وأفضل عالم من علماء أهل السنة في الإجابة على هذه الأسئلة السخيفة؛ هو ابن حزمٍ الأندلسيّ!

والسبب في ذلك أنه ذو شخصية قوية شجاعة، عاشت في عزٍّ وكرامة وشهامة، أهّلتْه لقول الحقّ، والصدع به!

فابن حزمٍ يقول: إذا ضربَ الحاكمُ مسلماً سوطاً واحداً ظلماً، ورفض أن يَقيدَ من نفسه؛ يجب خلعُه والخروج عليه، عند القدرة على ذلك!

رابعاً: العلماءُ الصادعون بالحقّ في تاريخنا الإسلاميّ؛ أندر من الكبريت الأحمر، من عصر الصحابةِ إلى يومنا هذا!

وليتَ واحداً من القرّاء الكرام يسمّي لي عشرة منهم، في أربعة عشر قرناً من الزمان!

في زمن الطاغية الفاجر معاوية بن أبي سفيانَ؛ كان خطباء بني أميّة يلعنون الإمام عليّاً والحسن والحسين، عقبَ خُطبة كلّ جمعة، فمن الذي أنكر من الصحابة والتابعين؟

وهذا إمامُ أهل السنة وفقيههم وزاهدهم عبدالله بن عمر بن الخطّاب، يتنمّر على الإمام عليّ عليه السلام، ويقول له: لا تَجِدْ في نفسك عليَّ يا أبا الحسن، فإنّا لن نطيعَك في قتال البغاة، حتى يجتمع عليك المسلمون!

بينما يرى بيعةَ يزيد بن معاوية المنافقَيْنِ، التي أُخذت بالإكراه بيعةً شرعيّةً، يجب الوفاء بها وطاعة صاحبها، حتى لو كان مثل يزيد الفاسق الماجن القاتل!

أخرج البخاري (7111) ومسلم (1735) من حديث نَافِعٍ مولى عبدالله بن عمر بن الخطّاب  قَالَ: لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ؛ جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ!

وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ غَدْرًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ الْقِتَالُ!

وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ، وَلَا بَايَعَ فِي هَذَا الْأَمْرِ؛ إِلَّا كَانَتْ الْفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ»!

هذا هو منطق أهل السنّة جميعهم، نحن أمّة نتنمّر على مثل الإمام عليٍّ؛ لأننا نوقن بعدله وإنصافه وتسامحه، لكننا نَذلّ ونخضعُ أمام كلبٍ فاجرٍ قاتلٍ مثل يزيد بن معاوية!

وجميع فقه أهل السنة السياسيّ؛ بني على مثل ورع عبدالله بن عمر هذا!

حتى غدت بلاد الإسلام كلّها، في طول تاريخنا الإسلاميّ وعرضه؛ مزارع ومراتع للظالمين السفلة وأشياعهم وأنعامهم!

ويخدعوننا عندما يقولون: حفاظاً على وحدة الكلمة!

أيّ قيمة دينية لوحدة الكلمة، التي تخضع أكابر علماء الأمة وقادتها لسافل فاجر، أو سفيه جاهل، أو عميل صغير؟

أين الحكم الرشيدُ في تاريخنا الإسلاميّ كلّه، وأين الحاكم الراشد، بعد ثلاثين سنة من وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؟

أليس عيباً وعاراً وشناراً على علماء الإسلام وقادة المسلمين؛ أنْ لا يفخروا إلا بثلاثين سنةً من تاريخهم؟

خامساً: إنّ السلفيين جميع السلفيين في العالم، حتى السروريين والجهاديين يرون آل سعودٍ حماةَ التوحيد، ويرونهم ساداتهم، وقد أقنعوا أنفسهم بمتابعتهم، وتلقّوا الرواتب الراتبة الدورية منهم، فهم طوابيرُ كامنةٌ تتلقّى أوامرها من آل سعودٍ، فمتى أمرهم آل سعودٍ بالخضوع خضعوا، ومتى أمروهم بالثورة؛ ثاروا !

ومن لا يؤمن بهذه الحقيقةِ؛ فلن يفهم تصرفات السلفيين في كلّ مكان!

عندما كان الرجل الصالحُ الدكتور «محمد مرسي» حاكماً في مصر؛ كنت تجد ألسنة محمد حسان والحويني ويعقوب وسائر السلفيين أطولَ من ألسنة الثيران عليه!

فلما حصل الانقلاب عليه؛ أيّدوه وظاهروا المجرم الطاغية الانقلابيّ على الحاكم الشرعيّ، لأنّ ساداتهم أمروهم بذلك!

وها هم الآن أذلّ من الدواجن في مصر!

هي هي!

من لدن عبدالله بن عمر، إلى محمد حسين يعقوب، ومحمد حسان، وأبي إسحاق الحوينيّ وغيرهم ومشايخ السعودية والخليج!

أمّا حديثُ حذيفة بن اليمان عند مسلم (1847) وغيره، مرفوعاً: (اسمع للأمير وأطع، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك) وعند أحمد (23429) وغيره، بلفظ (جلد ظهرك وأخذ مالك) فهو حديثٌ رُوي على أشكالٍ وأنحاء!

وليس عند البخاري (3606، 3607، 7084) ذِكرٌ لهاتين الجملتين البتّة، وهذا بحدّ ذاته علّة كبيرة!

ناهيك عن أنّ لفظه عند الإمام أحمد: قالَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: (تَكُونَ إِمَارَةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ وَهُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ)!

قَالَ حذيفة: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟

قَالَ صلّى الله عليه وآله وسلّم: (ثُمَّ تَنْشَأُ دُعَاةُ الضَّلَالَةِ!

فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ يَوْمَئِذٍ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةٌ جَلَدَ ظَهْرَكَ، وَأَخَذَ مَالَكَ فَالْزَمْهُ، وَإِلَّا فَمُتْ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جِذْلِ شَجَرَةٍ).

والسؤال موجّه إلى أولئك العلماء «تَجَوّزاً والله!» الخانعين للطغاة: حكّام العرب اليوم، ينطبق عليهم مصطلح (خليفة) أم مصطلح (دعاة الضلالة)؟

فتنزيل هذا الحديث على حكّامنا الفاسدين؛ من أخطر ما يفعله العلماء الجبناءُ قديماً وحديثاً!

 ومحمّد حسين يعقوب، ومحمّد حسان، وأكثر وعّاظ السلفيين من جملة أتباع عبدالله بن عمر، أمام حاكم مثل يزيدَ!؟

فلا تنتظر من سلفيٍّ على وجه الأرضِ أن يتصرّف خلافَ ما يريده (آل سعود) سواء على المستوى الرسميّ، أم على مستوى الأمراء!

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق