مسائل فكريّة (16):
الفُجور في الخصومة !؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
قال
الحافظ أبو عليّ الجيّاني (ت: 498 هـ) في كتابه تقييد المهمل وتمييز المشكل (1: 36):
أخبرنا أبو سعيدٍ محمّد بن حَسنوية بن إبراهيم الأبيوَرْديّ قال: أنا أبو سعيدٍ محمد
بن عبد الله بن حمدون، قال: سمعت أبا حامدٍ الشرقيَّ يقول: سمعت محمد بن يحيى
يقول: القرآنُ كلامُ الله غير مخلوقٍ من جميع جهاته، وحيث يَتصرّف.
فمن
لَزِمَ؛ استغنى عن اللفظ وغيره، من الكلام في القرآن، ومن زعم أن القرآن مخلوقٌ؛
فقد كفر، وخرج عن الإيمان، وبانت منه امرأته!
يُستتابُ،
فإن تابَ وإلا ضُربَت عنُقه، وجُعل مالُه فيئاً بين المسلمين، ولم يدفن في مقابر
المسلمين.
ومن
وقف وقال: لا أقول «مخلوق» ولا «غير مخلوق» فقد ضاهى
الكفر.
ومن
زَعم أنّ لفظي بالقرآن مخلوقٌ؛ فهذا مبتدعٌ، لا يُجالَس ولا يُكلَّم».
قائل
هذا الكلام يقدّسه ويعظّمه جميعُ أهل السنّة، ويرونه إمامَ علم العلل في عصره!
قال
الذهبي في سير أعلام النبلاء (12: 273) وهو يترجم هذا الصلب القاسي:
«مُحَمَّدُ
بنُ يَحْيَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدِ بنِ فَارِسِ بنِ
ذُؤَيْبٍ، الإِمَامُ العَلّامَةُ الحَافِظُ البَارعُ شَيْخُ الإِسْلامِ، وَعَالِمُ
أَهْلِ المَشْرِقِ، وَإِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ بِخُرَاسَانَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ
الذُّهْلِيُّ مَوْلاَهُمُ،
النَّيْسَابُوْرِيُّ».
ونقل
تعظيمه عن كثيرين، فمما قال:
كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يُثْنِي عَلَيْهِ، وَيَنْشُرُ فَضْلَهُ!
وقال
أبو حاتم الرازيّ: هُوَ إِمَامُ أَهْلِ زَمَانِهِ.
وقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أبي حاتم الرازيّ: هُوَ إِمَامٌ مِنْ
أَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ!
وَقَالَ الخَطِيْبُ البغداديّ الشافعيّ: كَانَ أَحَدَ الأَئِمَّةِ
العَارِفينَ، وَالحُفَّاظِ المُتْقِنِيْنَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى،
وَكَانَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ.
وقال
ابن حجر في التقريب (6387):
ثقة حافظ جليل (ت: 258 هـ).
إمام
المسلمين هذا؛ لا يحتمل عقلُه اجتهاداً مخالفاً، فيجعل قائل ذلك كافراً حلال الدم،
تَبين منه زوجته، ويصادر ماله، ولا يدفن في مقابر المسلمين.
هذه
هي العقليّة السُنيّة، من أوّلها إلى آخرها قائمة على التناقضات التي لا تتناهى!
وغير
أهل السنة – من دون استثناء – دون أهل السنّة في كلّ شيء!
فلماذا
نقبل غلوَّ أحمد ابن حنبل، ومحمد بن يحيى الذهليّ، وكبار هذه المدرسة الغالية ولا
نقبل غلوّ الشيخ ابن باز المفترض، ونصوّره وكأنّه هو مبتكر الغلوّ ومبتدعه؟
أليس
أحمد ابن حنبل إمامَكم، صاحب أكبر قاموسٍ من الألفاظ المكفرة التي تبيح الدماء؟
يستتاب،
فإن تاب وإلا ضربت عنقه!
يستتاب،
فإن تاب، وإلا قتل!
يستتاب،
فإن تاب، وإلا قطع رأسه!
وأنا
أتحدّى جميع علماء أهل السنة والشيعة والإباضيّة أن يأتوني بمسألة تراثيّة، خالف
فيها الشيخ عبدالعزيز بن باز مذاهب أهل السنّة عامّة، والحنابلة خاصّة!
وإذا
كان مذهب الحنابلة مذهباً تكفيريّا «وهذا حقّ» فلماذا لا تتنادوا معاشرَ
أهل السنة إلى إبطالِ عدّه من مذاهب أهل السنة الأربعة، التي تزعمون أنّ الحقّ لا
يتجاوزها؟
وتجاهرون
بالتبرّئ من شذوذاته التي لا تتناهى!
لكنْ
في المقابل: هل الزيديّة أقلّ تشدّداً وتعصّباً من الحنابلة؟
وهل
الإمامية أقلّ تعصّباً وجسارةً وانغلاقاً من الزيدية والحنابة؟
وهل
الحنفيّة أقلّ تفخيماً لأئمتهم واستمساكاً بآرائهم وأقوالهم، وكأنّها هي الدين،
وليس اجتهاداتٍ لأصحابها من غيرهم!
جميع
مذاهب الأمة، وجميع أحزابها السياسية والفكريّة؛ متزمتة إقصائيّة حاقدة.
وما
دام حكّام الأمة على مرّ تاريخها جهلةً فاسدين فاسقين، لا يعنيهم أمر الإسلام، إلا
بقدر ما يحقّق لهم المحافظة على عروشهم؛ فلم يكن أمام العلماء الصادقين الصالحين،
سوى التسكين وأرضوا أنفسهم بمقولة مالك «كلّ يؤخذ من قوله ويردّ، إلا الرسول صلّى
الله عليه وآله وسلّم».
ولعمري
إنّ شيخنا ابن باز؛ أقلّ تعصّباً، وأيسر حواراً، وأكثر نفعاً للمسلمين من هذا
الموتور، الذي اتّهمه باتّهاماتٍ، أكثرها من كيسه المتورّم حقداً، على كلّ من
يخالفه.
رحم
الله تعالى عبده الشيخ عبدالعزيز بن باز، فإني أشهد الله تعالى أنني رأيته في
المنام مرّتين، بعد انتهاء حسابه، وهو مسرور مرتاح.
وممّا
أكرمني الله تعالى به؛ أنّه يريني منازل مشايخي، واحداً إثر الآخر، بعد وفياتهم.
بعضهم
يطول حسابه سنواتٍ، وبعضهم لا يطول حسابه سوى أيّام، وبعضهم لم أعرف مصيره حتى
الآن!
وممن
طال حسابه سنواتٍ؛ الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ محمد الحافظ، والشهيد مروان
حديد، وسيّدي الوالد.
وممن
طال حسابه أقلَّ من يوم واحد؛ الشيخ أحمد الجمّال اليوسف الحمويّ، ولم أكن على
وفاق معه طيلةَ عمره، ولا كان يتقبّلني أبداً!
رحمهم
الله تعالى أجمعين.
(رَبَّنا:
ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ
مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا..
وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق