الثلاثاء، 22 يونيو 2021

 مَسائِلُ مِنْ عُلومِ القرآنِ والتَفسيرِ (5):

نَقلُ القرآنِ العظيمِ، بين التواترِ والآحاد!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

علّق أحدُ الأصدقاء على صفحتي تعليقاً محزناً جدّاً، لدلالته على عدمِ معرفةِ مَن أثاروا لديه ولدى أمثاله هذه الشبهة بأدنى معرفة بالعلم البتة، فكتب يقول:

«لديّ سؤال حول القرآن الكريم:

نحن علمنا من خلالِ أساتذة الحديثِ؛ أنّ الحديثَ الصحيح والقرآن لهما نفس المرتبة!

وكذلك علمنا أنّ من شروط تصحيح الحديث؛ هم الرجال الرواة للحديث.

فإذا كان أحد رجال الحديث مقدوحاً به؛ يضعّف الحديث!

كذلك إذا وُجد مجهول بوسط السلسلة.

وكون حضرتكم من مشايخ علم الحديث النبويّ؛ أوجه إليكم هذه الأسئلة:

(1)  ما الفرق بين سلسلة روايةِ القرآن الكريم، وبين سلسلةِ روايةِ الحديث النبويّ الصحيح؟

(2)  هل يمكن تطبيق شروط الجرح والتعديلِ، على رواة القرآن الكريم، كما في الحديث؟

(3)  إذا كان أحد سلسلةِ رواة الحديث مجهولاً، وكان أحدُ سلسلةِ رواة القرآن الكريم مجهولاً أيضاً، فما العمل، وهل يقدح في رواية القرآن الكريم من شيء؟

(4)  نحن نعلم أنّ رواية القرآن الكريم عندما تصل إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، بعدها تمرّ إلى جبريل، ومن ثمّ تصل إلى الله تعالى!

(5)  ولكنّ جبريلَ لا أحدَ يعرفه من الناس، ولا أحد رآه سوى الرسول!

فهل يعتبر القرآن الكريم خبرَ آحاد، وكيف يتمّ حلّ هذه الإشكاليّة»؟

أقول وبالله التوفيق:

قول الصديق: « نحن علمنا من خلالِ أساتذة الحديثِ؛ أنّ الحديثَ الصحيح والقرآن لهما نفس المرتبة» هذا غير صحيح البتّة!

فلا يوجد عالمٌ واحدٌ من أهل الحديث، يقول بهذا، إنما يقولون: حجيّة السنّة مثل حجيّة القرآن الكريم في التشريع، وبعده في الرتبة!

والروايات الحديثيّة؛ ليست كلّها سنناً، كما يعلم ذلك من له أدنى بصيرة في العلم!

ولمعرفة العموم والخصوص بين هاتين الكلمتين؛ اقرأ بهدوء ودقّة كتاب «تاريخ مصطلح السنة ودلالته» للدكتور محمد خير علي فرَج.

- وقول الصديق: « وكذلك علمنا أنّ من شروط تصحيح الحديث؛ «توثيق» رواة الحديث، فإذا كان أحد رجال الحديث مقدوحاً به؛ يضعّف الحديث، وكذلك إذا وُجد مجهول بوسط السلسلة» صحيح من حيث الجملة.

فلا بدّ لتصحيح الحديث من عدالة الرواة الدينيّة، وقوّة ضبطهم، وخلوّ الحديثِ من الشذوذ والعلة القادحة.

قول الصديق: «ما الفرق بين سلسلة روايةِ القرآن الكريم، وبين سلسلةِ روايةِ الحديث النبويّ الصحيح»؟

الفروق بين تلكما السلسلتين كبيرٌ جدّاً، وأبرزها:

(1)   سلسلة رواة القرآن الكريم تروي نسخة مكتوبةً مجمعاً عليها من جميع علماء الصحابةِ، بمن فيهم سيدهم وإمامهم عليُّ بن أبي طالبٍ عليه السلام.

وقد حكم الإمام عليٌّ الأمّة سوى البغاة الظلمة - خمسَ سنواتٍ، فلو كان يعلم أنّ في القرآن العظيم زيادةَ آيةٍ واحدةٍ أو نقصان آية واحدة، ثمّ لم يصححها؛ لخَرَج من الإسلام، وحاشاه!

أما سلسلة رواة الحديث؛ فتروي في غضون (100) سنة من تاريخ الإسلام رواياتٍ شفويةً ليس لها مستندٌ رسميّ من قبل السلطة الحاكمة، سواء في عصر الراشدين، أم بعده.

(2)   القرآن الكريم كتابٌ يٌتعبّد بتلاوته في الصلاة وخارج الصلاة، وعلى تلاوته وقراءته ثواب عظيم، وهذا أدعى للاهتمام به من جميع المسلمين، بخلاف رواية الحديث التي لا يهتم بها إلا المتخصصون.

(3) القرآن العظيم خطاب إلهيّ عظيم مهيمن، يشعر قارئه حتى من غير المسلمين بهيبته وعظمته وقوة قائله وسلطانه على الأرواح والقلوب، بخلاف الحديث الذي تصرّف الرواة بألفاظه، على قدر ضبطهم وعربيّتهم وفهمهم.

(4) النسخة القرآنية المجمع عليها من الصحابةِ رضي الله عنهم نسخت عنها نسخ كثيرةٌ في غضون القرن الهجريّ الأوّل.

وما وصل من هذه النسخ ولو سورة واحدة مطابق تماماً لما نسخ في القرن الثاني والرابع والسابع والتاسع والحادي عشر والخامس عشر!

سواءٌ ما كان منها في بلاد العرب، أم ما كان في بلاد الترك والعجم وإفريقية والأندلس.

لا تختلف نسخه كلّها في آية واحدةٍ قطعاً.

(5) وهنا يظهر الجواب على قول الصديق: «هل يمكن تطبيق شروط الجرح والتعديلِ، على رواة القرآن الكريم، كما في الحديث»؟

بأنّ بنية نقل القرآن الكريم على النقل الجمعيّ بحفظه في الصدور، ونقله مكتوباً في السطور، من دون اختلاف آية واحدةٍ بين نسخه في العالم، أو بين حفاظه من الآلاف، ثم مئات الآلاف، ثم ملايين المسلمين.

وبعضُ الأوغادِ الذين يروون عن أئمة أهل البيت رواياتٍ سخيفةً هزيلةً تتناسب مع سخفهم وجهلهم وأحقادهم؛ هم مرفوضون منبوذون، حتى من أبناء طائفتهم الغالية!

ثم قال هذا الصديق:

(6)  نحن نعلم أنّ رواية القرآن الكريم عندما تصل إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، بعدها تمرّ إلى جبريل، ومن ثمّ تصل إلى الله تعالى!

(7)  ولكنّ جبريلَ لا أحدَ يعرفه من الناس، ولا أحد رآه سوى الرسول!

فهل يعتبر القرآن الكريم خبرَ آحاد، وكيف يتمّ حلّ هذه الإشكاليّة»؟

أقول: هذا كلامُ إنسانٍ مشكّكٍ، يبتغي طرح الشُبهِ في أذهان عوامّ الناس!

أو إنسانٍ جاهلٍ جهلاً تامّاً بحقيقةِ الرسل واصطفائهم، وصفاتهم العليا.

وخلاصة الجوابِ على هذه الشبهةِ؛ أن أقول:

يقول أهل الكلام: أوّل الواجباتِ؛ معرفة الله تعالى، وأنا أقول: أوّل الواجبات معرفة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم، بالبحث عن دلائل النبوة، وأدلّة صدق الرسلِ الصدقَ التامّ الذي لا يتصوّر معه خلاف ذلك.

والبحث في خصائص النبوّة والأنبياء، وأنهم ليسوا مثلَ بقية البشر، فهم منزّهون عن الكذب والغلط والنسيان والوهم، ومقارفة الذنوب التي تَرين على قلوب بني البشر.

فإذا فُهم أنّ النبيّ إنسانٌ مصطفى، وأنه قمّة الكمال البشريّ، وآمن بصدقه ونبوّته؛ فحينئذٍ يسلّم له بقوله: حدّثني جبريل الملَك عن الله عزّ وجلّ!

وعليه حينئذٍ أن يؤمن بالغيب عن طريق، وأنّ يعلم بأنّ الملائكة والجنّ والآخرة والنعيم والعذاب من عالم الغيب، ولا سبيل إلى معرفته عن طريق الرسل!

أمّا أنّ جبريلَ مجهولٌ لا يعرفه إلا النبيّ وحده؛ فمن يعرفه النبيُّ وحده؛ فهو قمّة المعرفة، وليس مجهولاً؛ إذ الهدف من تعدّد الرائين أو الرواة؛ تحقّقُ معرفة العين والضبط، وهذا حاصل بإخبار الرسول المجتبى والمصطفى والمعصوم والمأمون صلّى الله عليه وآله وسلم.

وأخشى أن يفكّر طارحُ هذه الشبهاتِ بأنّ الله تعالى واحد أحدٌ أيضاً، فيحتاجُ إلى آخرَ و ثالثٍ ورابع أيضاً ليؤكّد كلامه، حتى لا يكون المخبر واحداً، فيصبح خبره من أخبار الآحاد!

ختاماً: صفحتي ليست لطرح مثل هذه الشبهات التي تقسّي القلب، اذهب واطرحْها على علماء الكلام، فربما كانت قلوبهم تحتمل مثل هذه القسوة العجفاء!

وأظنّ أنّ مثير هذه الشبهاتِ على صديقنا؛ ليس في قلبه يقين بالله تعالى وبالرسول؛ وإلا ما طرحَ مثلَ هذه التساؤلات الجاهلة بتاتاً.

فإذا كنتَ أخي السائل، أخي القارئ، ممن يعنيهم ربّهم تعالى ودينهم ورسولهم؛ فاذهب وابحث وتعرّف إليهم حتى تعرفهم، فأنت لا تعرفهم قطعاً!

ومنشورات الفيس بوك؛ لا تتسع مقالاتُها لمجلّداتٍ كتبت في هذه الموضوعات.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

الاثنين، 21 يونيو 2021

 مَسائِلُ مِن الفِقْهِ والأُصولِ (6):

بِطاقةُ الائتمان!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).

كتبت تقول: «أنا راتبي التقاعدي يكفيني ويكفي أولادي للعيش في إحدى الدول الإسلامية أو العربية، بل ويمكنني التوفير والادّخار منه عندئذٍ!

ولكنني وأولادي نعيش في أمريكا وليس لأولادي عملٌ، وراتبي لا يكفينا للعيش فيها، مما يضطر أبنائي لأن يشتروا بالبطاقات الائتمانية، حيث يأخذ البنك منهم فوائدَ ربويّة، باستخدام هذه البطاقات.

وأنا أمّهم، فماذا أفعل، أفتوني مأجورين، بارك الله بكم».

أقول وبالله التوفيق:

كنت أودّ أن يكون جوابي كلمتين وجيزتين: «أنا لست محيطاً بقوانين شركات الائتمان، فاسألي من هو أعلم مني بذلك، من علماء البلد الذي تقيمين فيه».

بيد أني آثرت أن أجيبَ؛ لأنّ السؤالَ ذو فروعٍ متعدّدة، ولأنني لست مقلّداً لأيّ مجلس إفتاء علميّ، ولا أؤمن بالترقيع الفقهيّ السائد في تلك المجامعِ بتاتاً!

أوّلاً: الأصلُ الفقهي لدى فقهاء الإسلام عامّةً؛ أنّ هجرةَ المسلمِ بغرض الإقامة في ديار غير المسلمين، من دون ضرورةٍ؛ لا تجوز شرعاً، لأنّ المقيمَ عندهم مضطر للتعامل بقوانينهم، التي لا تراعي فقه الإسلام في منطلقاتها الحياتيّة بتاتاً.

فإذا كان يمكنُ للإنسان المسلم أن يقيم في بلاد المسلمين آمناً غير مضطهدٍ، مع تأمين كفايتِه المعيشيّة والعلمية والصحيّة؛ فلا يجوز له الهجرةُ للإقامةِ في بلاد غير المسلمين، إذ ليست الرفاهية مطلباً شرعيّاً في الإسلام.

فعلى هذه المرأة وأولادها إذا كانت تستطيع العيشَ في أيّ بلدٍ عربيّ أو إسلاميّ، من دون اضطهادٍ أن تهاجر إلى بلد مسلم؛ لأنّ إقامتها في تلك البلاد من دون اضطرارٍ؛ حرام أصلاً.

ثانياً: بطاقات الائتمان على اختلاف قوانين شركاتها جميعها ربويّة!

وأنا شخصيّاً لا أجوّز التعامل الربويّ في بلاد المسلمين، أو في بلاد غير المسلمين، وقد كتبت ثلاثَ مقالاتٍ طويلةً عام (1978) في مجلّة البلاغ الكويتية، ردّاً على الذين يجوّزون التعامل الربويّ في بلاد غير المسلمين، من أمثال الشيخ القرضاوي، والشيخ عبدالفتّاح أبو غُدّة، والسادةِ الحنفيّةِ عموماً.

وأظهرتُ يومها بأن ليس لهم أدنى دليلٍ شرعيّ، يصلح مخصصاً لآيات تحريم الربا وأحاديثه.

وأن هذا القولَ باطلٌ، جملةً وتفصيلاً.

ختاماً: أنتِ أيتها الأختُ السائلةُ؛ لست مضطرةً إلى العيش في أمريكا، ولو عشتِ في بلادِ الإسلام؛ لكفاك مرتّبك للعيش الكريم لك ولأولادك، فما الذي يسوّغ لك العيش في بلادٍ غريبة غربةً تامةً عن دين الإسلام وأخلاق الإسلام وأمان الإسلام وروحانية الهواء في ديار المسلمين؟

لا شيءَ البتّةَ، سوى قلّة تمسّك أولادك فيما يبدو بدينهم، والرغبة في الحياة على النمط الغربيّ الفاسد.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.

الجمعة، 18 يونيو 2021

(مسائل حديثيّة (13

أجرؤكم على الفُتيا !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

أرسل إليّ أحد الإخوة الأفاضل رابطاً لأنضمّ إلى إحدى المجموعات السنيّة!

وفي واحدٍ من شروط الانضمام؛ أن لا تفتي، وأن تقبل بفتاوى الشيوخ الذين نصّبوهم، أو نصّبوا أنفسهَم مُفتين!

واستدلّوا على حرمةِ التسرّع بالفتوى، بحديثٍ، نسبوه كذباً إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: (أجرؤكم على الفتيا؛ أجرؤكم على النار)!

أقول وبالله التوفيق:

المتفقّه المذهبيّ؛ لا يُدعَى فقيهاً، ولو حفظ الهدايةَ وسبعةً من شروحها، ولا يجوز في الأصل أن يكون مفتياً؛ لأنّه لا يعلم من الفقه غالباً، إلا بعضَ مذهبه، وبالتالي فهو لا يَدري ما إذا كان الحقّ في مذهبه، أم في مذهب غيره.

أمّا الحديث إيّاه؛ فقد أخرجه الإمام الدارميّ في مقدمة سننه (157) قال: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْفُتْيا؛ أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ).

ولم ينسبه ابن حجر في إتحاف المهرة (19: 219) إلي غير الدارمي!

ونسبه ابن بطّة الحنبليّ في كتابه إبطال الحِيَلِ (ص: 62) إلى عمر، فقال: « رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْفُتْيَا أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ» وهذه أطمّ من تلك!

المقصود: لا يوجد هذا الحديثُ في أيٍّ من كتب الحديث المعروفة، في غير مقدمة سنن الدّارميّ، وقد عزاه عددٌ من شرّاح الحديث، فقال: أخرجه الدارميّ مرسلاً!

والمرسلُ في اصطلاح أهل الحديث: هو الحديث الذي سقط من إسناده الصحابيّ!

أمّا هذا الحديث؛ فهو معضل، إذ إنّ عبيدالله بن أبي جعفر الأمويّ (ت:  132- 136 هـ) في مصر.

لم يرو عن أحدٍ من الصحابةِ، رضي الله عنهم، ولم يذكر المزيّ في تهذيبه (19: 18) له أيّ روايةٍ عن واحدٍ من صغار الصحابة، فبينه وبين الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم رجلان، فالحديث ضعيف بالانقطاع «الإعضال».

وأنت أيها المفتي الفقيه «على أساس!» حين تنسب هذا الخبر المعضل إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وتحتجّ به؛ فأنت جاهل بالحديث، ولست بفقيه ولا نيلة على دماغك، بل أنت تكذب على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم جهلاً، وستنسب إليه صلّى الله عليه وآله وسلم أدلّة مذهبك الصحيحة والضعيفة، لأنّ فقهاءك السابقين جهّال في الحديث مثلك!

فمَن أذن لك بالفتوى من شيوخك، من دون شكٍّ؛ هو في مثل جهالتك في الحديث، أو أجهل منك!

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

الخميس، 17 يونيو 2021

 قَريباً مِن السِياسَةِ (9):

التعامُل مع الحكّام الظالمين، كيف يكون!؟
بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).

منذ يومين أرسل إليَّ أحد الإخوة الأكارم مقطعاً يشير إلى اجتماع العلماء من شتى الأقطار ليستنكروا ما يقوم به بعضُ الظالمين من الحكام، من قتلٍ لخيرة شباب البلاد العربية، تحت مسمّى الإرهاب، ثم قال: ما تقولون أنتم في كيفيّة التعامل مع الحاكم القاتل ظلماً؟

أقول وبالله التوفيق:

(1) ابتداءً يجب أن نوقنَ يقيناً بأنْ ليس في حكام العرب حاكم شرعيّ واحدٌ «تجب طاعتُه ويحرم الخروج عليه» لا من جهة استحقاقه المنصب، ولا من جهة مشروعية وصوله إليه.

(2) نحن لا نعترف أبداً بالشرعيّة الدوليّة، ولا نعترف أبداً بمن تعترف به الولايات المتحدة الأمريكية ودولةُ إسرائيل!

فمتى وجدتَ حاكماً ترضى عنه إسرائيلُ وأمريكا والغرب؛ فاعلم أنه واحدٌ من كلابهم، وتستنتج مباشرةً أنه ليس بشرعيّ، وما يصدر عنه من أوامر وتعليمات؛ ليست موجهةً إلينا نحن المسلمين!

(3) نحن لا نعترف بالدولة المدنيّة العلمانية، ولا نعترف للعلمانيين بأيّ حقٍّ في إدارة أصغر مِرفقٍ من مرافق البلاد، فضلاً عن مؤسسات الدولة، التي يرتبط بها مصير كلِّ بلد!

(4) نحن المسلمين لا نعترف بالأمر الواقع، فالحاكم الذي وظفه الغرب، والحاكم الذي جاء بانقلاب، والحاكم الذي جاء بانتخاب الشعب الجاهل، أو الملحد، أو المتفلّت من دينه، جميع هؤلاء غير شرعيين أيضاً.

(5) يقول الإمام ابن حزم في المحلّى ما معناه: متى ارتكب الحاكم الشرعيُّ ظلماً بأنْ ضربَ مسلماً سوطاً ظلماً؛ فيجب عليه أن يُقيدَ من نفسه، فإن لم يفعلُ؛ وجب عزلُه والخروجُ عليه، متى كان المسلمون قادرين على ذلك!

(6) يقول الإمام الجوينيُّ في كتابه السياسيّ الممتاز ما معناه:

إذا خلت البلادُ عن الحاكم الشرعيّ، وقام أحدُ أولئك الظلمةِ بقتلِ أحد المسلمين ظلماً؛ فإنّ لأولياء الدم الحقّ في استيفاءِ القصاص بأنفسهم، ما لم تترتّب على ذلك مفسدةٌ أكبر!

(7) في أواخر أيام الشيخ السباعيّ رحمه الله تعالى، وتحديداً في أوّل تشرين الأوّل، من عام (1964م) قال للشهيد مروان حديد رضي الله عنه؛ فيما حدّثني الشهيد مروان مرّات، قال السباعي: «يا شيخ مروان لا بدّ من طليعةٍ مؤمنة قويّة مقاتلة، تحمي مكتسبات الدعوة، وتدافع عن أفرادها، ضدّ ظلم الظالمين، وكيد المتآمرين».

وكان شيخنا الشهيد مروان يقول لنا:

«ظالم قتل أبي أو أخي، أو ابن عمي، أو أخي في الله تعالى ابن الدعوة أنتظر المحاكم العلمانية الظالمة؛ لتحكم بسجن القاتل المجرم سنةً أو سنواتٍ، ثم يخرجُ يتمشّى أمامي؟

لا والله لن أتركه يمشي على الأرض ساعةً واحدةً من ليلٍ أو نهارٍ، متى تمكّنت منه»!

أخيراً: إذا ثبت ثبوتاً شرعيّاً أنّ أيّ رجلٍ على وجه الأرض، قتلَ مسلماً ملتزماً بدينه ظلماً، من دون أن يرتكب المقتول جرماً يوجب الشرع قتلَه به؛ فلعاقلةِ المقتول أن يقيموا حدّ القصاص على القاتل الظالم، سواءٌ كان حاكماً، أم قائداً، أو زعيمَ عشيرة، أم أيّاً كانت صفتُه!

والعاقلة: قرابةُ الرجل الذين يلزمون بعَقلِ الدم، وهو القرابةُ إلى الجدّ السابع!

ونحن نعلم أنّ القوانين يفصّلها السفلةُ من الحقوقيين على مقاس الحاكم الظالم المجرم !؟

أمّا عن رأيي بهذا المؤتمر؛ فأكثرُ علماءِ الأمة، قديماً وحديثاً؛ جبناءُ رعاديدُ، أقصى ما يصدر عنهم في وجهِ الظالمينَ؛ الكلامُ المُبطّن.

ما أكثر العمائم وحملة الشهادات الشرعية العليا، ولا يحسن أكثرهم أن يضرب بعودِ خَيزيرانَ، أو أن يدفع عن نفسه أذى سفيه أو فاجر!

هؤلاء العلماء؛ يجب أن يؤهّلوا أنفسهم بدوراتٍ تدريبيّة في قتال الشوارع، وفنون الدفاع عن النفس، ثمّ عليهم أن يتعلّموا قيادةَ الدرّاجة الهوائيّة، والدراجة الناريّة، والسيارة، والمصفّحة، والدبابة، والطائرةِ، متى تمكّن الواحد منهم.

وأنا الفقير أحسن جميع ما تقدّم، سوى الدبّابة والطائرة، ولو وجدت الآن فرصة لتعلّم قيادة الطائرةِ الحربيّة؛ فلن أتردّد أبداً!

وعليه أن يتقنَ استعمالَ السلاحِ، كلَّ السلاح، الفرديّ والجماعيّ، على قدر استطاعته القصوى بَدْءاً بالمسدّس والرشاش، مروراً بالقنبلة الدفاعيّة والهجومية، وانتهاء بالدوشكا والرشاش الأمريكيّ (500 مم)!

على العالم المتصدّر أنْ يتأهّل بذلك كلّه، قبل أن يتصدّر للدعوة والفتيا، وإلّا فليلزم حدوده، وليبقَ في زريبتِه، ليقال لمثله: «اربعْ على ظَلعِك، فلست هنالك»!

ثمّ عليهم أن يخصّصوا في كلّ بلدٍ من بلدان العرب المسلمين مجموعاتٍ دفاعيّة متفرّغةٍ، ليس لها عملٌ سوى الدفاع عن الدين والعلماء والدعاة، في وجه أيّ مستبدٍ ظالمٍ، حاكماً كان أم محكوماً.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

السبت، 12 يونيو 2021

مسائل حديثيّة (13):

عِقابُ منتهكِ محارم الله تعالى!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

كتب إليّ أحد الإخوة الأفاضل، يسأل عن صحة حديث ثَوْبان مرفوعاً (إذا خلوا بمحارم الله؛ انتهكوها)؟!

أقول وبالله التوفيق:

بإسنادي إلى الإمام محمد بن يزيد القزوينيّ، المعروف بابن ماجهْ، في كتاب الزهد من سننه، باب ذِكرُ الذنوب (4245) قال رحمه الله تعالى:

حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ الرَّمْلِيُّ: حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ بْنِ خَدِيجٍ الْمَعَافِرِيُّ عَنْ أَرْطَاةَ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْأَلْهَانِيِّ، عَنْ ثَوْبانَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي، يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ؛ بِيضاً فَيَجْعَلُهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً).

قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ؟!

قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ:

(أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا).

هذا الحديث من أفراد ابن ماجه عن الكتب الستة، وعن الثلاثة الأخرى (ما، حم، مي).

وأخرجه الرويّاني في مسنده (651) والطبرانيّ في مسند الشاميين (680) وفي المعجم الصغير (662) وقال: «لَا يُرْوَى عَنْ ثَوْبَانَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ عُقْبَةُ».

وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (4: 246): « هَذَا إِسْنَاد صَحِيحٌ، رِجَاله ثِقَات» وصحّحه الشيخان الألباني وشعيب من المعاصرين.

وعقبة بن علقمة البيروتيّ، ترجمه ابن عساكر في تاريخ دمشق (40: 503) والذهبي في الميزان (3: 87) والمزيّ في تهذيب الكمال (20: 211).

ونقل توثيقه عن ابن خراش والحاكم، وقال ابن معين: لا بأس به.

بينما نقل عن العقيليّ قوله: لا يتابَع على حديثه، وعن ابن عديّ قوله: روى عن الأوزاعيّ ما لم يتابعه عليه أحد، وعن ابن حبّان قوله: «يُعتَبَر بحديثه، من غير رواية ابنه محمد بن عقبة عنه، لأن محمدا كان يدخل عليه الحديث، فيجيب فيه».  

قال عداب: قول العقيليّ وابن عديٍّ وابن حبان؛ يفيد أنّ الرجل مقبولُ الرواية في المتابعاتِ، أمّا إذا انفرد بحديثٍ؛ فحديثه ضعيف.

وبناءً على ما تقدّم، فيحمل توثيق من وثّقه على عدالته الدينيّة وصدقِه، أمّا ضبطُه فيحتاجُ إلى متابِع.

خلاصةُ الحكم على الحديثِ: أنه حديث ضعيف الإسناد، وفي متنه نكارةٌ ظاهرة، فمن انتهك محارم الله تعالى من المؤمنين الذين يقيمون الليل؛ عاقبه الله تبارك وتعالى: السيّئةَ بسيّئةٍ، لكنّه لا يجعل حسناته هباءً منثوراً، إنما ذلك في حقّ الكافر بالله تعالى.

قال الله تبارك وتعالى: (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) [الفرقان].  

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

الاثنين، 7 يونيو 2021

 قَريباً مِن السِياسَةِ (9):

الجِنسيّةُ السوريّةُ وغَيرُها !؟
بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).

سألني أحد الإخوة الأكارمِ، عن سبب عدمِ حصولي على الجنسيّة العراقيّة، مع أنّ حصولها لم يكن يكلّفني أكثر من مهاتفةِ الرئيس صدام حسين، رحمه الله تعالى، أو كتابة سطرٍ إليه؟

أقول وبالله التوفيق:

الإجابةُ على هذا السؤال؛ ستكون في نقاط:

أوّلاً: حصول الإنسان المسلم على جنسيّة أيّ بلد مسلم؛ هو الأمر الطبعيّ، الذي ينبغي أن لا يكون ثمّة خلاف فيه!

وكلّ حاكم أو سلطةٍ أو نظامٍ يمنع المسلم من الحصول على أيّ جنسية إسلامية يرغب بها؛ هو ظلمٌ من الحاكم أو السلطة أو النظام!

ونظام الجنسيّات هذا؛ نظام غربيّ ممزّقٌ مفرّقٌ، ليس منبثقاً من ثقافة المجتمع المسلم، ولا هو من ضرورات اهتماماته.

ثانياً: أنا الفقير مذ كنت شاباً أعتقد أنني أولى بجنسية كلّ دولة مسلمةٍ من حاكمها نفسه!

فأنا رجل هاشميّ حسينيّ، ولولا الإسلامُ الذي أنقذْنا به الكون من الظلمات إلى النور؛ لم تكن هناك دولٌ تجهر بتوحيد الله تعالى، وتنتمي إلى أمة الإسلام!

والله تعالى يقول: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) وقد جعلها فينا آل البيت!

وقال جلّ وعلا: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ونحن أبناؤه، فهل ثمّة من هو أقرب منّا إليه عصبةً ورحِماً؟

ويقول تبارك اسمه: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) ونحن قومه الأدنون!

ولا ريب لدى أيّ مسلمٍ عارف بمبادئ الإسلام أنّ مشروعية أيّ حكام، إنما تُستمدّ من متابعته للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهو ملزم بالوُصاة بنا، وأداء حقوقنا!

ثالثاً: أنا الفقير أعدّ البلدَ المسلمَ الذي أقيم فيه؛ هو وطني، وجنسيته جنسية لي تلقائيّاً رضي سكانه أم لم يرضوا، ورضي حكامه أم لم يرضوا، فلا شأنَ لي بذلك!

فأنا اليوم في تركيا؛ فأنا تركي!

وكنتُ قبل سنواتٍ في الأردنّ؛ فأنا هاشميٌّ أردنيّ، حتى لو لم يرض بذلك الملك عبدالله ذاته، وقبلَ ذلك كنت في العراق!

عندنا كنت في العراق؛ أحببت أن أؤكّد على هذه المسألة!

ففي أوّل مؤتمر شعبيّ بعد سكنايَ العراق، انعقد في يناير 1993م؛ أدرجوا اسمي ضمن الوفد السوريّ إلى المؤتمر، فرفضتُ، وقلت لهم: أنا عراقيّ، فإن رغبتم بحضوري المؤتمر؛ فاجعلوني ضمن الوفد العراقيّ، أو أعتذر.

ثم في جميع الأمور الرسمية، كنت أعامل على أنني عراقيّ!

أمّا عدم حصولي على الجنسيّة العراقيّة؛ فلأنّني لم أجد لذلك حاجةً، فضلاً عن ضرورة، ولأنّ الرئيس صدّام حسين من ذاته؛ لم يمنحني الجنسيّة العراقيّة، مع أنني في الحقيقةِ عراقيّ موصليّ، ولو كان يرى حاجةً إلى ذلك؛ ما قصّر أبداً !

رابعاً: جدّي كنعان آغا بن الحاج محمد الأمين الموصليّ؛ قدم من الموصل إلى حماة مهاجراً، بعمل رسميّ في غالب الظنّ، في بدايات القرن الحادي عشر الهجري (1000 1014 هـ) وتوفي في حماةَ عام (1052 هـ).

وهذا يعني أنّني حمويّ إلى الجدّ الثاني عشر، فهل أتخلى عن حمويّتي لأيّ سبب مُغرٍ كان؟

وفي عشيرتنا، لا نفرّق نحن بين عراقيّ وسوريّ، فالقبائل هي القبائل، والمكارم هي المكارم، والصفات هي الصفات، ونحن نعدّ سوريّا والعراق شيئاً واحداً، وحالةً واحدة!

فأنا سوريٌّ حقيقةً، وعراقيٌّ حقيقةً، وقد خبرت الشعب السوريّ جيّداً، وخبرت الشعبَ العراقيّ  جيّداً، ولا أجد أدنى فارقٍ بين الحمويين والعراقيين على وجه الخصوص!

حتى إنّ أكراد حماةَ؛ هم أكراد العراق، ولا فرق أبداً في شيء!

أنا اليوم في تركيّا، إذا منحني الأتراك الجنسيّة التركية؛ أقبلها لأنها حقّي قبلهم أنفسهم، لكنني لا أطلبها أبداً!

وإذا منحوني هم أو غيرهم جنسيتهم، واشترطوا عليّ إسقاطَ جنسيتي السورية؛ فأرفض رفضاً قاطعاً، لأنّ جنسيتي السورية؛ وجنسيتي العراقية؛ هي الأعلى في هذا الوجود كلّه، ولا تقاس أيّ جنسية في العالم بهذه الجنسية السامية الأرقى!

فامتداد جدودي في هذين البلدين المباركين يزيد على ثمانية قرون!َ

أفأختار لنفسي جنسيةً عمرها خمسين أو مائة، أو مائتي سنة؟

إذا قلت: أنا سوريّ؛ فأنا وجه هذا الوجود الجميل!

وإذا قلت: أنا عراقيّ؛ فأنا هام هذا الوجود العظيم!

وما سوى ذلك؛ فهو حبيب إلى أهله، بارك الله تعالى بهم، ولهم به!

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

الأحد، 6 يونيو 2021

 مَسائل فكرية (13):

عائشة من جديد!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

كتب إليّ أحدُ إخواني الشوام القدامى يقول:

«قرأت لك منشوراتٍ كثيرةً، لم أقرأ فيها أنك تطعن في أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها .

لكنني سمعت عدداً من العلماء يقولون: إنك تطعن في أمّ المؤمنين رضي الله عنها.

فأرجو بيان موقفك من عائشة خاصّةً، دون تشتيت الموضوع في الحديث عن سائر الصحابة»!؟

أقول وبالله التوفيق:

إخواني القدامى الذي عشت وإياهم مرحلة طلب العلم والتربية والتأسيس الفكريّ؛ لهم في نفسي منزلةٌ خاصّة، لا يسعني معها سوى إجابةِ ما يطلبون، وإن كان مكرّراً، أو من الإشاعات الخبيثة المغرضة!

أوّلاً: كلّ من يعتقد بصحة حديث الإفك في صحيحي البخاري ومسلم؛ يلزمه التصديقُ بأنّ آيات صدر سورة النور نزلت في تبرئة أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

وأنا أعتقد بصحة حديثِ الإفك، وأنّه صالح لتفسير المقصودة ممن اتهمن من نساء المؤمنين في ذلك العصر، وأنها عائشة رضي الله عنها.

وبناء على هذا؛ فأنا أفتي بأنّ كلّ من يتّهم عائشة رضي الله عنها بالزنا؛ فهو كافر كفراً ناقلاً عن الملّة، ولا يجوز أن يُعدّ من أمّة الإسلام، للأسباب الآتية:

(1)   لأنّ الذي يتهم عائشة بالزنا؛ مكذّبٌ لكلام الله تبارك وتعالى، الذي يقول:

(إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ!

لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ، وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11).

لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12).

لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ؛ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15).

وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17).

فانظر أخي المؤمن كم مخالفةً للقرآن العظيم، يرتكب ذلك المفتري الكاذب الملعون، بعد هذا البيان القرآني.

فحكمي عليه بالكفر؛ لأنه يكذّب كلام الله تبارك وتعالى، ويخالف أوامره في التعامل مع إشاعاتِ المنافقين والحاقدين.

ثانياً: إنّ الله تبارك وتعالى وصف أزواج الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بأنهنّ أمهات المؤمنين، ووصف «الإيمان» من الأوصاف الجليلة التي يخاطب بها الله تعالى عباده المؤمنين.

فهل يقول الحقّ تعالى: إنّ أزواج الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم أمّهات المؤمنين، وواحدة من أمهاتهم زانيةٌ فاجرة؟

هل يتناسب الوصف بأمّ المؤمنين، بوصفها بما يصفها به الكفار والمنافقون؟

وهل نسي الله تبارك وتعالى حين وصفها بذلك؟

حاشا لله وكلّا (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) [مريم].

ثالثاً: فخّم الله تعالى منزلة أزواج الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وجعلهنّ في صدارة نساء الأمة، في آياتٍ عديدة، منها:

(وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31).

يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32).

وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى.

وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) [الأحزاب].

ومنها قوله تعالى:

(يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) [الأحزاب].

رابعاً: إيذاء الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ كفر!

قال الله تبارك وتعالى:

(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) [التوبة].

وزواج المؤمنين من أزواج الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ محرّم على كلّ مسلم؛ لأنه يؤذي رسول الله، فكيف الزنا ببعضهنّ؟

(وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) [الأحزاب].

لكلّ هذه الأدلة وغيرها؛ لا أرتاب أبداً في كفر من يرمي عائشة بالزنا، عليه لعنة الله وملائكته ورسله والناس أجمعين.

أمّا الاعتراض على تدخّل عائشة بالسياسة، ومحاربتها للإمام الشرعيّ عليٍّ عليه السلام؛ فهو من جملة الأخطاء البشرية.

وأمّا الاعتراض على ما تتضمّنه الروايات التي تنسب إليها العظائم؛ فلا أظنّ شيئاً منه يصحّ عن عائشة رضي الله عنها إنما هو من اختلاق النواصب الأنجاسِ، الذين كانوا يبغضون عائشة، بدعوى أنها كانت تحرّض على قتل عثمان رضي الله تعالى عنه.

وإنّ من أخطر المسائل التي أغفلها علماء الحديث؛ التنقير عن آفات المحدثين والرواة البصريين والشاميين النواصبِ اللئام، الذين نسبوا إلى عائشة وغيرها من الصحابة العظائم!

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

الجمعة، 4 يونيو 2021

 مَسائِلُ عَقَدِيّةٌ (4):

صلاة المسلمين، وصلاة غيرهم!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

كتب إليّ يقول:

استمعتُ إلى مقابلةٍ مع فنّانة سوريّة شابّة، سئلت: «هل تصلّين صلاة المسلمين أنت؟

فقالت: قد لا أفرش السجادةَ يوميّاً، وأصلّي عليها الصلاة التي يصليها أبواي المسلمان، لكنني أصلّي بأيّ طريقةٍ كانت، فقد أجلس أتأمّل أحياناً، وأشعر بصلة قوية بيني وبين الله تعالى، وقد أصلّي أكثر من خمس مرّاتٍ في اليوم.

والإنسان ليس في حاجة إلى واسطة بينه وبين الله تعالى.

فما حكم مثل هذا الكلام»؟

أقول وبالله التوفيق:

في عام (1994) اقترحتُ على مدير تلفزيون بغداد؛ أن يختبر ثقافةَ الفنّانين عنده، على الهواء مباشرة، وكتبت له أسئلة يسيرة جدّاً، أضاف إليها من عنده ومن عند غيره أسئلةً أكثر.

فكان الفنانون والفنانات من أجهل الخلق في الثقافة الإسلامية والثقافة العربية أيضاً

أكثر الفنّانين والفنانات يُحَفّظون اللقطاتِ التي يؤدّونها، ثم يقومون بأدائها على وجهٍ مُتقَنٍ، فيظنّ الناظرُ أو السامعُ أنهم على جانبٍ عالٍ من الاطّلاع والثقافة!

أكثر الفنانين والفنانات حصروا اهتاماماتهم بالجنس ومقدماته وتوابعه، ولذلك تجد كثيراً من الفنانين والفنانات الساقطين، يقولون: الوسط الفني وسط قذر!

ونحن لا نشكّ بأنّ الإعلام العربيّ كلّه إعلام موجّه؛ لعَلْمَنَةِ الأمة، وتقريب أفكارها وسلوكها من أفكار الغرب وسلوكياته العفنة!

لذلك فإنهم يستضيفون الفنانين والفنانات ليوجهوا الأمة، وليعدّلوا العقلَ الجمعيّ لديها، بأسلوب جذّاب ومثير!

الفنانة المقصودة، وأمثالها كثيرات، ربما يتحدّثن بتلقائيّة، وربما يتحدّثن وفقَ خطة مرسومة، من إدارة التلفزيون الخبيثة.

ولاعتقادنا بأنها جاهلة بتعاليم الدين جهلاً مطبقاً، فإننا لا نقول: إنها كافرة بالله تعالى من حيث هو ذاتٌ مقدسة عليا، فهي تؤمن بهذا الإله العظيم، وبينها وبينه تجلياتٌ، كما تدعي.

لكنها كافرة بالإسلام، إذ عَدَلت عن شرع الله تعالى في الصلاة المعلومةِ، إلى صلاةٍ تأمّليةٍ، ليست من أحكام الإسلام في شيء، فجعلت من نفسها شريكاً لله تعالى في التشريع، ومستغنيةً عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، الذي بيّن أحكام الصلاة!

وزعمت أن لا واسطةَ بين العبد وربّه، وذلك ليس من الإسلام في شيء أيضاً!

فالرسلُ صلوات الله وسلامه عليهم؛ هم الواسطة بين الله تبارك وتعالى وبين خلقه.

يبلغون عن الله تعالى رسالتَه إلى خلقه، ويكونون أسوةً في تطبيقها قولاً وفعلاً وهَدياً!

ومن يُنكر هذا، أو لا يرى حاجةً إليهم؛ فهو كافر بالرسلِ أيضاً!

قال الله تعالى:

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) [الروم].

(مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) [الإسراء].

(رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165) [النساء].

(إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) [فاطر].

(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) [النحل].

فكلّ إنسانٍ يرى نفسه غيرَ محتاجٍ إلى الرسلِ في وصوله إلى الله تعالى، وأنه قادر على أن يصلَ إلى الله تعالى بإمكاناته الذاتيّة؛ فهو أضلّ من بهيمةِ الأنعام!

قال الله تعالى:

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ (93) [الأنعام].

(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) [الفرقان].

(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) [الجاثية].

الله تبارك وتعالى يأمرك أن توحّده كما يريد هو منك، لا كما تريد أنت!

الله تبارك وتعالى يأمرك بأن تعبده، كما يريد هو منك، لا كما تريد أنت!

(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) [الأحزاب].

والله تعالى أعلم

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.