الخميس، 29 يوليو 2021

اجتماعيات (٢٢):

القَرْعاءُ تَتباهَى بشعْرِ جارتِها !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).
كان شيخنا يلقب الشافعي الصغير !

كان عمنا يلقب مالكا الأوسط !

وكان جد أبي أمي يلقب أبا حنيفة زمانه!

أيها الكبراء المترعون من عقد النقص حتى التقيؤ !

ليكن شيوخكم ما كانوا !

وليكن أعمامكم وأجدادكم أعظم العظماء!

أنتم من !

من أنتم بين العلماء والمفكرين والدعاة إلى الله تعالى ؟!

أنتم لا شيء أبدا !

أنتم عدم !

ألسنة رعاع، وأدمغة أطفال !

قال أحدهم: كان جدي فلان يلقب بأبي حنيفة زمانه !!

أين تراثه !؟

أين مصنفاته التي تدل على هذه الدعوى!

أين تلامذته العلماء الذين نشروا علومه في الخافقين، كأبي حنيفة !؟

لا شيء أبدا !؟

سوى الدعوى !

لقد عشت في مدينة حماة خمسا وعشرين سنة، منها عشرون في طلب العلوم الشرعية.

ولا يكاد يوجد شيخ في حماة لم أحضر عليه، في السوق والحاضر والحي الغربي!

وقد ذكر ذلك الشيخ أمامي كثيرا.

ذكروه بالفضل والتقوى والصلاح.

لكنني لم أقرأ ولم أسمع من أحد، حتى من شيوخي القريبين من ذاك الشيخ:

الشيخ عارف النوشي.

الشيخ نايف النوشي.

الشيخ محمد الحامد

الشيخ محمد علي المراد.

الشيخ أحمد المراد

الشيخ سعد المراد

الشيخ عبدالودود المراد.

رحمه ورحمهم الله تعالى أجمعين.

لم أسمع من أحد منهم؛ أن هذا الشيخ بهذه المنزلة العلمية الهائلة، ولا ذكر أحد أمامي أنه كان يلقب بأبي حنيفة زمانه.

من الذي لقبه؟

وما مستند هذه الدعوى؟

وما قيمتها؟

وما شواهدها على الأرض؟

لا أظن مدينة حماة في نهايات القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين، كان عدد سكانها يتجاوز عشرين ألف نسمة !

أعني نحن أبناء قرية صغيرة، يعرف بعضنا بعضا، فعلى من تهولون، ولأجل ماذا تخادعون، وليس في مدينة حماة كلها اليوم عالم واحد، لا من ذرية أبي حنيفة زمانه، ولا من غيرهم؟ !

ولنفترض أن جدكم الرجل الصالح هذا؛ كان مجتهدا مطلقا، وليس حافظا لمذهب أبي حنيفة فحسب؟

أليس هذا سبة عليكم، وتهوينا من شأنكم؟

أين مكانكم في دين الله عز وجل؟

أين عطاؤكم العلمي؟

أين مؤلفاتكم؟

أين محاضراتكم؟

أين حتى مشاركاتكم الهزيلة على شبكة التواصل الاجتماعي؟

كان سيدي وجدي الحمش المعمَّر شيخ طريقة صغيرة (الخلوتية) ثم انتقل فتتلمذ على جدكم الكبير الصالح هذا، وغدا نقشبنديّاً.

وإن جدي إبراهيم كان مستمعا عند الشيخ سعيد الجابي، وناصرا له.

وكان والدي كذلك، وكان أميّاً تماماً !؟

أفليق بذاك العالم الكبير، الملقب بأبي حنيفة زمانه؛ أن تكونوا أنتم معشر المنافخة أبناءَه وأحفاده؟

ألا تسيؤون بهذا الإطراء إليه، حتى يقول الناس: لماذا لم يكن أحد من ذرية أبي حنيفة عصره عالما أو مفكرا أو كاتبا!؟

أرجوكم غاية الرجاء أن لا تضللوا الناس بهذا الغرر الرخيص، فهو لن يجلبَ لكم حسنةً واحدةً، ولن يرفع من مقامكم مرقاةً واحدةً، عمّا أنتم عليه!

ليس الفتى من يقول: كان أبي

إن الفتى من يقول: ها أنذا !؟

تعلموا الأمانة والصدق والشجاعة، فإن هذه الخصال أليقُ بأبناء أبي حنيفة عصره؛ أكثر من أبناء الفلاحين والعاملين !؟

والله تعالى أعلم

]رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[.

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلَّم تَسليماً  

والحمد لله على كلّ حال.

الاثنين، 26 يوليو 2021

مَسائِلُ عَقَدِيّةٌ (5):

كلّا ليس جميعُ الصحابةِ عدولاً !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

من المتّفق عليه لدى الأشاعرة والماتريدية والحنابلة وأصحاب الحديث؛ أنّ جميع الصحابة عدولٌ بتعديل الله تعالى إيّاهم.

وحاشا لله تعالى أن يكون عدّل جميعَ ذلك الجيل، وفي القرآن الكريم آياتٌ كثيرةٌ في ذمّ شرائح منهم.

بيد أنّ بعض أهل الحديث، الذين نصّوا على اسثناءِ من لم تكن له استقامةٌ بعد انتقال الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم.

قال ابن عبدالبرّ في ترجمة بسر بن أرطاة القرشيّ من الاستيعاب (1: 159):

قَالَ أبو الحسن عليّ بن عمر الدّار قطنيّ: «بسر بن أرطاة أبو عَبْدالرحمن: له صحبة، ولم تكن له استقامة بعد النبيّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وهو الذي قتلَ طفلين لعبيدِالله بن عباس بن عَبْد المطّلب باليَمن في خلافة معاوية، وهما عَبْد الرحمن وقثم ابنا عبيدالله بن العباس».

قال السيّد الأمير الصنعاني رضي الله عنه في توضيح الأفكار (2: 249): «لم أجد هذا في الإصابة للحافظ ابن حجر، مع توسعّه في النقل، وإنما قال عن الدارقطني أنه قال: لبُسرٍ صحبة فقط!

ولكنّي أظن أنّه حذف قوله «ولم تكن له استقامة» لكونه يرى أنه لا يخاض فيما شجر بين الصحابة!

إذ إنّه قال في ترجمته: «والفتن لا ينبغي التشاغلُ بها، وله ابن حجر - غلو في الصحبة، حتى قال في مروان، يقال: له رؤية، فإن ثَبتتْ؛ فلا يُعرّجُ على مَن تَكلَّم فيه» هذا لفظه في مقدمة فتح الباري، وجزم في التقريب (6567) بأنه «لا تثبت له صحبة».

وفي كلام الحافظ ما يَدلُّ على أنّه إذا ثبت أنَّ مروانَ صحابيٌّ، ولو بالرؤيةِ؛ فإنّه لا يَقدحُ فيه أيُّ جَرحٍ».

قلت: هذه سبيلٌ مسلوكة لدى كثيرٍ من متقدّمي أهل السنة ومتأخريهم، فإنهم يحذفون الكلام الذي يغضّ من قدر الصحابيّ؛ تعظيماً لجناب الصحبة، كما يقولون، ولعلّ أكثرهم ولعاً بذلك البخاريّ.

قال الفقير عداب: القولُ بعدالة كلّ (مَن رأى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم مسلماً، ومات على ذلك) ظاهراً، وأنهم جميعاً في الجنة؛كذبٌ على الله تعالى وعلى رسوله وعلى الصحابة!

إذ من المجمع عليه بين الأمة كلها؛ أنّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، كان يعامل المنافقين من الصحابةِ معاملة المسلمين، وأحكامه القضائية تجري على الجميع سواء!

وأخبر الله تعالى رسوله الكريم عن حال أمتّه، وأنّ فيها منافقين، فقال جلّ وعزّ:

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100).

وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ، وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ!

لَا تَعْلَمُهُمْ، نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ!

سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101).

وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا.

عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) [التوبة].

فالمجتمع المسلم في المدينة النبوية؛ فيه هذا الخليط من البشر، وجميعهم يطلقُ عليهم مصطلح «صحابة»!

والله تعالى يقول لرسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: (لَا تَعْلَمُهُمْ، نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ)!

فكيف لغير الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يعرفهم، فلا يروي عنهم بعض ما يزعمون أنهم سمعوه منه؟

وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ، وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) [سورة محمّد].

لا تتعارض هذه الآية مع سابقتها؛ لأنّ الذين يراجعون رسولَ الله من المنافقين؛ أفرادٌ، وليس جميعهم.

وعلى التسليم بالعموم؛ فلا يحقّ لأحدٌ من المسلمين أن يدّعي بأنّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم علّم أصحابَه بأسماء جميع المنافقين، وهم ألوف مؤلّفة!

وقال الله تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) [المنافقون].

فالمنافقون كاذبون، والمنافقون صحابة، فكيف يكون جميع الصحابة عدولاً !؟

أخرج الإمام مسلم في صفات المنافقين (2779) من حديث عمّار بن ياسر عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهم قال: قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: (فِي أَصْحَابِي اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقاً، فِيهِمْ ثَمَانِيَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ.

ثَمَانِيَةٌ مِنْهُمْ تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ، سِرَاجٌ مِنْ النَّارِ يَظْهَرُ فِي أَكْتَافِهِمْ حَتَّى يَنْجُمَ مِنْ صُدُورِهِمْ).

من هم هؤلاء الاثنا عشر صحابياً المنافقين؟ ومن هم أولئك الثمانية الذين لن يدخلوا الجنة مطلقاً؟

لا أحد يعلم ذلك سوى حذيفة، الذي أخبره الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بأسماء الصحابة الذين حاولوا اغتياله، في عَقَبة تبوك!

المنافقون الأعراب صحابة!

والمنافقون من أهل المدينة صحابة

والأعراب كفرة ومنافقون معاً!

قال الله تعالى: (الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97).

وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98).

وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99).

أوضحت هذه الآية أنّ الأعراب ثلاث طبقات:

الطبقة الأولى: عامّة الأعراب، الذين يشبهون دوابَّهم من جهة الجهل الشامل.

والطبقة الثانية: هم مجرموا الأعراب الكبار، الذين يبذلون الغالي والنفيس للإيقاع بالمسلمين، والنيل منهم.

والطبقة الثالثة: أولئك الأعراب الواعون المؤمنون الصالحون الصادقون، وهم قلّة من الأعراب، حسب المبدأ الإلهي العام:

(وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) [يوسف].

(وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [الأنعام].

(وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) [الأعراف].

الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم ولا الصحابة الصادقون؛ لا يعرفونهم، فكيف عرفتموهم أنتم؟

ولو جعلنا المؤمنين الصالحين نصفَ الأعراب المنافقين والفاسقين؛ فأين ضيعتم النصف الآخر، وهم ألوف مؤلّفة ؟ّ!

هؤلاء كانوا داخل المدينة وخارجها، أفلا يمكن أن يكون بعضُ مَن روى الحديثَ من الأعراب ومجهولي الصحبة والمجهولين من الصحابة؛ من هؤلاء المنافقين؟

وما دليلكم على نفي ذلك، سوى التحكّم العقليّ المحض، الذي لا يستند إلى أدنى دليل.

وقد كتبت فصلاً واسعاً عن عدالة الصحابة في كتابي (الوحدان) فيمكنكم الرجوع إليه، مشكورين، وعلى البحث عن الحقيقة مأجورين.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال. 

 قريبا من السياسة (١١):

الموقف من إيران؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

سألني أحد الإخوة قبل قليل، عن الموقف من جيوش إيران والمليشيات الرافضية، التي تنفذ مخططاتها في سوريا ... إلخ.

أقول وبالله التوفيق:

يعلم قرائي القدماء، أصدقائي على صفحتي التي شطبها الفيسبوك، بعد عشر سنوات من النشاط الثقافي.

هؤلاء جميعا يعلمون أنني لست طائفيا.

ولست خصما سياسيا أو عسكريا لأهل السنة أو الزيدية أو الإمامية أو الإسماعيلية أو الإباضية أو الوهابية.

لكنني أرى أهل السنة أكثر صوابا، من جميع هذه الطوائف والفرق.

وبالتالي، فأنا قطعا لن أكون في خندق غير أهل السنة، في يوم من الأيام.

غاية ما أصبو إليه لدى أهل السنة؛ أمران:

الأمر الأول والأخطر: تنقية الفكر والعلوم السنية من مخلفات الفكر الناصبي.

والأمر الثاني: القضاء التام على التناقضات العلمية بين المذهبين العقديين (الأشاعرة والماتريدية) والمذاهب الفقهية الثلاثة، بعهدة عمل مؤسسي شامل.

أما المذهب الحنبلي؛ فأنا لم أعده مذهبا من مذاهب أهل السنة، في يوم من حياتي.

ولنترك العمومات إلى التخصيص الواضح:

أنا لن اكون، ولا أفتي لأحد أن يكون في جانب النظام الاستبدادي الطائفي في سوريا

ولن أكون في جانب الفصائل الوهابية، أو الفصائل الكردية الملحدة الدموية قولا واحدا.

وأنا أعد وجود جيش النظام الإيراني وذيوله في سوريا، مثل وجود روسيا وأمريكا والاتحاد الأوربي.

فسوريا بلد مسلم عربي، يجب تطهيره وتحريره من جميع أشكال الاستعمار، ولو أدى ذلك إلى قتال وقتل عناصر الجيش الإيراني وذيوله الرافضية.

نحن في سوريا - وأنا منهم - لا نؤمن بالعقائد السياسية للشيعة الإمامية.

فلا نؤمن بالنص، ولا التعيين، ولا العصمة، ولا انحصار الإمامة السياسية في آل البيت ولا البداء، ولا الرجعة، ولا بالمهدي الغائب في سجف الكون.

كما لا نؤمن بتقديس قبور أهل البيت، ولا اعتبار زيارتهم من العبادة والقربى.

ونرفض رفضا قاطعا التصرفات الهمجية المتخلفة: من اللطم والتطبير والنواح ومظاهر الحقد والضغينة، التي صار الرافضة يقيمونها حتى في المسجد الأموي وحوله.

على جميع جيوش النظام الإيراني وذيوله المتخلفة أن يغادروا بلدنا سوريا فورا.

فهم يحتلون بلادنا مثل أمريكا وروسيا وداعش والنصرة وقوات سوريا الملحدة المجرمة.

وكلهم أعداء للمجتمع العربي المسلم السني في سوريا، ومتى استطعنا أن نخرجهم من سوريا؛ فيتوجب علينا فعل ذلك شرعاً.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كل حال.

الأحد، 25 يوليو 2021

             مسائل فكريّة (16):

الفُجور في الخصومة !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

قال الحافظ أبو عليّ الجيّاني (ت: 498 هـ) في كتابه تقييد المهمل وتمييز المشكل (1: 36): أخبرنا أبو سعيدٍ محمّد بن حَسنوية بن إبراهيم الأبيوَرْديّ قال: أنا أبو سعيدٍ محمد بن عبد الله بن حمدون، قال: سمعت أبا حامدٍ الشرقيَّ يقول: سمعت محمد بن يحيى يقول: القرآنُ كلامُ الله غير مخلوقٍ من جميع جهاته، وحيث يَتصرّف.

فمن لَزِمَ؛ استغنى عن اللفظ وغيره، من الكلام في القرآن، ومن زعم أن القرآن مخلوقٌ؛ فقد كفر، وخرج عن الإيمان، وبانت منه امرأته!

يُستتابُ، فإن تابَ وإلا ضُربَت عنُقه، وجُعل مالُه فيئاً بين المسلمين، ولم يدفن في مقابر المسلمين.

ومن وقف وقال: لا أقول «مخلوق» ولا «غير مخلوق» فقد ضاهى الكفر.

ومن زَعم أنّ لفظي بالقرآن مخلوقٌ؛ فهذا مبتدعٌ، لا يُجالَس ولا يُكلَّم».

قائل هذا الكلام يقدّسه ويعظّمه جميعُ أهل السنّة، ويرونه إمامَ علم العلل في عصره!

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (12: 273) وهو يترجم هذا الصلب القاسي:

«مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدِ بنِ فَارِسِ بنِ ذُؤَيْبٍ، الإِمَامُ العَلّامَةُ الحَافِظُ البَارعُ شَيْخُ الإِسْلامِ، وَعَالِمُ أَهْلِ المَشْرِقِ، وَإِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ بِخُرَاسَانَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الذُّهْلِيُّ مَوْلاَهُمُ، النَّيْسَابُوْرِيُّ».

ونقل تعظيمه عن كثيرين، فمما قال:

كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يُثْنِي عَلَيْهِ، وَيَنْشُرُ فَضْلَهُ!

وقال أبو حاتم الرازيّ: هُوَ إِمَامُ أَهْلِ زَمَانِهِ.

وقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أبي حاتم الرازيّ: هُوَ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ!

وَقَالَ الخَطِيْبُ البغداديّ الشافعيّ: كَانَ أَحَدَ الأَئِمَّةِ العَارِفينَ، وَالحُفَّاظِ المُتْقِنِيْنَ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَكَانَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ.

وقال ابن حجر في التقريب (6387): ثقة حافظ جليل (ت: 258 هـ).

إمام المسلمين هذا؛ لا يحتمل عقلُه اجتهاداً مخالفاً، فيجعل قائل ذلك كافراً حلال الدم، تَبين منه زوجته، ويصادر ماله، ولا يدفن في مقابر المسلمين.

هذه هي العقليّة السُنيّة، من أوّلها إلى آخرها قائمة على التناقضات التي لا تتناهى!

وغير أهل السنة من دون استثناء دون أهل السنّة في كلّ شيء!

فلماذا نقبل غلوَّ أحمد ابن حنبل، ومحمد بن يحيى الذهليّ، وكبار هذه المدرسة الغالية ولا نقبل غلوّ الشيخ ابن باز المفترض، ونصوّره وكأنّه هو مبتكر الغلوّ ومبتدعه؟

أليس أحمد ابن حنبل إمامَكم، صاحب أكبر قاموسٍ من الألفاظ المكفرة التي تبيح الدماء؟

يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه!

يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل!

يستتاب، فإن تاب، وإلا قطع رأسه!

وأنا أتحدّى جميع علماء أهل السنة والشيعة والإباضيّة أن يأتوني بمسألة تراثيّة، خالف فيها الشيخ عبدالعزيز بن باز مذاهب أهل السنّة عامّة، والحنابلة خاصّة!

وإذا كان مذهب الحنابلة مذهباً تكفيريّا «وهذا حقّ» فلماذا لا تتنادوا معاشرَ أهل السنة إلى إبطالِ عدّه من مذاهب أهل السنة الأربعة، التي تزعمون أنّ الحقّ لا يتجاوزها؟

وتجاهرون بالتبرّئ من شذوذاته التي لا تتناهى!

لكنْ في المقابل: هل الزيديّة أقلّ تشدّداً وتعصّباً من الحنابلة؟

وهل الإمامية أقلّ تعصّباً وجسارةً وانغلاقاً من الزيدية والحنابة؟

وهل الحنفيّة أقلّ تفخيماً لأئمتهم واستمساكاً بآرائهم وأقوالهم، وكأنّها هي الدين، وليس اجتهاداتٍ لأصحابها من غيرهم!

جميع مذاهب الأمة، وجميع أحزابها السياسية والفكريّة؛ متزمتة إقصائيّة حاقدة.

وما دام حكّام الأمة على مرّ تاريخها جهلةً فاسدين فاسقين، لا يعنيهم أمر الإسلام، إلا بقدر ما يحقّق لهم المحافظة على عروشهم؛ فلم يكن أمام العلماء الصادقين الصالحين، سوى التسكين وأرضوا أنفسهم بمقولة مالك «كلّ يؤخذ من قوله ويردّ، إلا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم».

ولعمري إنّ شيخنا ابن باز؛ أقلّ تعصّباً، وأيسر حواراً، وأكثر نفعاً للمسلمين من هذا الموتور، الذي اتّهمه باتّهاماتٍ، أكثرها من كيسه المتورّم حقداً، على كلّ من يخالفه.

رحم الله تعالى عبده الشيخ عبدالعزيز بن باز، فإني أشهد الله تعالى أنني رأيته في المنام مرّتين، بعد انتهاء حسابه، وهو مسرور مرتاح.

وممّا أكرمني الله تعالى به؛ أنّه يريني منازل مشايخي، واحداً إثر الآخر، بعد وفياتهم.

بعضهم يطول حسابه سنواتٍ، وبعضهم لا يطول حسابه سوى أيّام، وبعضهم لم أعرف مصيره حتى الآن!

وممن طال حسابه سنواتٍ؛ الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ محمد الحافظ، والشهيد مروان حديد، وسيّدي الوالد.

وممن طال حسابه أقلَّ من يوم واحد؛ الشيخ أحمد الجمّال اليوسف الحمويّ، ولم أكن على وفاق معه طيلةَ عمره، ولا كان يتقبّلني أبداً!

رحمهم الله تعالى أجمعين.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

الخميس، 22 يوليو 2021

قَريباً مِن السِياسَةِ (10):

أخطاءُ الإمامِ عَليٍّ عليه السلام (5)!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

يقول المعترض: «عليّ قَتلَ سبعينَ ألفاً من المسلمين!

قتل سبعين ألفاً من المسلمين، من أجل كرسيّ الحكم، في حربه معاوية»!

أقول وبالله التوفيق:

(أ) من المسلّم به لدى علماء المسلمين؛ أنّ الذين قاتلهم الخليفةُ أبو بكر ابن أبي قُحافة أجناسٌ متعدّدة من العرب، وليسوا جميعُهم من المرتدّين!

(1) فهو قاتلَ المرتدّين من بني حنيفة وتغلب، وعنس، ومن تبعهم من العرب.

(2) وهو قاتل مانعي الزكاةِ من الأعراب، الذين تأوّلوا قول الله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ؛ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ، وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) [التوبة].

قال قائلهم لأبي بكر: «كنّا نعطي الزكاة لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ ليطهّرنا ويزكّينا بها، ولأنّ صلاته سكنٌ لنا، فهل صلاتك سكن لنا يا أبا بكر»؟

فكان على أبي بكرٍ أن يرسل إليهم مَن يعلّمهم دلالةَ الآية الصحيحة، بهدوءٍ وسكينة.

كما فعل الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم حين أرسل الإمامَ عليّاً عليه السلام، إلى اليمن، فعادَ منها بإسلام أهلها.

(3) وهو قاتل الذين عَمِلوا بظاهرِ الحديث الصحيح (فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ) أخرجه البخاريّ (1395) ومسلم (19).

احتجّوا على أبي بكرٍ بهذا الحديث، ولكنّ أبا بكرٍ الذي كان حادّ المزاج، ليس لديه صبرٌ على الحوار والمخالفة؛ عدّ هذا منهم ردّةً، أو خروجاً على سلطان الدولة الشرعيّ، وقاتلهم، وقتل منهم عشراتِ الألوف، تحت عنوان الردّة!

أخرج البخاريّ في المغازي (4367) من حديثِ عَبْدِاللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرْ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ.

وَقَالَ عُمَرُ: بَلْ أَمِّرْ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي!

قَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ!

فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ «قوله تعالى»: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) [الحجرات].

هذا يعني أنّ أبا بكرٍ؛ لم يحتمل أن يقترحَ أحدٌ خلاف اقتراحه!

وهذا يفسرّ سرعةَ إقامةِ الحروب التي قادها أبو بكرٍ !

ولم يكتب لنا التاريخ أنّه أرسل إلى هؤلاء الخارجين عن سلطانه من يُحاورهم، ويجيب على تساؤلاتهم، كما فعل الإمام عليّ مع الخارجين عليه، الذين كفروه.

(ب) إذا قيلَ: إنّ عليّاً لم تجتمع عليه الأمّة؛ فإنّ أبا بكرٍ لم تجتمع عليه الأمّة أيضاً!

وفرقٌ كبير جدّاً بين الذين رفضوا خلافة أبي بكرٍ، والذين رفضوا خلافة عليّ، رضي الله عنهما.

إنّ الذين رفضوا خلافة أبي بكرٍ، بنو هاشمٍ سادة المهاجرين، بزعامة الإمام عليّ، والخزرج، سادة الأنصار، بزعامة الصحابيّ الجَوادِ سعد بن عباده.

بينما كان معاوية بن صخر حرباً على الإسلام والمسلمين طيلةَ عشرين عاماً من عُمُرِ الدعوة الإسلامية، ومعه طغام أهل الشام البهائمُ الذين لا يفرّقون بين الناقة والبعير، على حدّ قول سيّدهم الطاغية ابن هند !

فلماذا لا تقولون: إنّ أبا بكر قتل عشرات الألوف من أجل الكرسيّ، وليس هو من بيت السيادة في قريشٍ، لا من قريبٍ، ولا من بعيد ؟!

ومع هذا؛ فأنتم عددتموه خليفة شرعيّاً بمجرّد بيعة عُمرَ له، أو بيعة عُمَرَ وأبي عبيدة!

وعليٌّ عليه السلام يقول: إنّ الذين بايعوني؛ هم الذين بايعوا أبا بكر وعمر.

فإذا انعقدت بيعة أبي بكرٍ باثنين من أهل الحلّ والعقد في الأمّة، أو حتى بواحدٍ، كما يقول بعض فقهاء الحنفيّة؛ فإنّ عليّاً بايعه من أهل الحلّ والعقدِ كثيرون جدّا، من دون شبهة الإكراه الذي اتّخذها بعض الصحابةِ، من أمثال طلحة والزبير وابنه عبداللهِ ذريعةً للخروج على عليّ، ففتحوا على الأمّة فتنة الخروج على الإمام، وسالت الدماء من بعد ذلك أنهارا !؟

(ج) عمر بن الخطّاب عندكم؛ هو ذروة سنام السياسية، وهو اختار عليّاً من ضمن الستّة أصحاب الشورى، فهو إذنْ مؤهّل شرعيٌّ لقيادة الأمة، من قبلِ اختياره خليفةً، ولو اختاره عبدالرحمن بن عوفٍ بدلَ عثمان؛ لكان هو الخليفةَ.

(د) جميع فقهاء الإسلامِ، سوى النواصب القُماء، يرون عليّاً خليفةً شرعيّاً، ويرون معاويةَ وحزبه المنافقَ باغياً على الإمام عليّ، ظالماً له، وأنّ الحقّ مع عليّ في جميع حروبه في حياة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى.

(هـ) أخرج البخاريّ في الصلاة باب التعاون في بناء المساجد (447) وهذا لفظه ومسلم في الفتن (2915) من حديث أبي سعيدٍ الخدريّ عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: (وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ).

واقتصر مسلم على شطر الحديث الأوّل، وفي رواية ثانية عند البخاريّ في الجهاد (2812) لفظها (وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ).

قال ابن حجر في فتح الباري (2: 368) ما نصّه: «رَوَى حَدِيثَ تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةٍ مِنْهُمْ:

أبو قَتَادَةُ «الحارث بن ربعيّ الأنصاريّ» عند مسلم (2915) وَأُمُّ سَلَمَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ (2916) وَأَبُو هُرَيْرَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ (2916) وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ «في الكبرى» (8496) وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، عند الطبراني في المعجم الصغير (516) وَحُذَيْفَةُ بن اليمان عند البزار في مسنده «2948» وَأَبُو أَيُّوبَ الأنصاري عند الطبراني في المعجم الكبير (4030) وَأَبُو رَافِعٍ «أسلم القبطيّ، مولى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم» عند الطبراني في الكبير (945) وَخُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ الأنصاريّ، عند الطبراني في الكبير (3720) وَمُعَاوِيَةُ نفسه، عند الطبراني في الكبير (19: (758) وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عند الطبراني في الكبير (19: (758) وَأَبُو اليَسْرِ كعب بن عمرو الأنصاري، عند الطبراني (19: (382) وَعَمَّارٌ نَفْسُهُ عند أبي يعلى (1614) وَغَالِبُ طُرُقِها صَحِيحَةٌ أَوْ حَسَنَةٌ، وَفِيهِ «الباب» عَنْ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ، يَطُولُ عَدُّهُمْ ) بتصرّف يسير، وتوضيحات مفيدة!؟

وقال في شرح الحديث (447): « فَالْمُرَادُ بِالدُّعَاءِ إِلَى الْجَنَّةِ؛ الدُّعَاءُ إِلَى سَبَبِهَا، وَهُوَ طَاعَةُ الْإِمَامِ، وَكَذَلِكَ كَانَ عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَةِ عَلِيٍّ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْوَاجِبُ الطَّاعَةِ إِذْ ذَاكَ، وَكَانُوا هُمْ يَدْعُونَ إِلَى خِلَافِ ذَلِك».

فعليٌّ إمامٌ واجب الطاعة إذن، وليس مقاتلاً من أجل الكرسيّ !

وقال في شرح الحديث (3611): «وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ) دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ عَلِيّاً وَمَنْ مَعَهُ كَانُوا عَلَى الْحَقِّ، وَأَنَّ مَنْ قَاتَلَهُمْ كَانُوا مُخْطِئِينَ فِي تَأْوِيلِهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ».

قلت: هذا تلطّف من ابن حجر كعادته مع الناصبة، والصواب: أَنَّ مَنْ قَاتَلَهُمْ الإمامً كَانُوا على باطل وضلال!

(و) إذا ثبتَ أنّ عليّاً عليه السلام، ومن معه على الحقّ، وأنّ الذين حاربوه؛ كانوا بغاةً عليه، وكانوا على الباطل؛ فقد قال الله تعالى:

(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا؛ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا.

فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى؛ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، فَإِنْ فَاءَتْ؛ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا؛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) [الحجرات].

فالإمام عليّ عليه السلام قام بالواجب الشرعيّ، فقاتلهم حتى يفيؤوا إلى أمر الله تعالى، سواء قتلَ من البغاة سبعين ألفاً، أم قتل سبعة من الظلمة ! فالنتيجة واحدة!

وقد أخرج جمع من المحدّثين، منهم ابن حِبّان في صحيحه (6937) وابن أبي شيبة في المصنّف (6: 367) وأحمد في مسنده (11258، 11773) والنسائي في الكبرى (8488) وأبو يعلى (1086) والحاكم في المستدرك (4621) جميعهم من حديثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْقَطَعَتْ نَعْلُهُ فَتَخَلَّفَ عَلِيٌّ يَخْصِفُهَا، فَمَشَى قَلِيلًا ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى تَنْزِيلِهِ) فَاسْتَشْرَفَ لَهَا الْقَوْمُ، وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا هُوَ؟ قَالَ: (لَا):

قَالَ عُمَرُ: «أَنَا هُو» قَالَ الرسول: (لَا، وَلَكِنْ خَاصِفُ النَّعْلِ) يَعْنِي عَلِيًّا.

وقال: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» وإسناده صحيح.

فهو إذنْ لم يقاتل من أجل الكرسيّ، إنما قال امتثالاً لأمر الله تعالى، وأمر رسوله صلّى الله عليه وآله وسلم.

ثمّ هل كان معاوية الطليق ابن الطليق، ابن آكلة الأكباد، يقاتل في سبيل الله تعالى مثلاً؟

قال الذهبي في النبلاء (3: 157):

«قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ مُعَاوِيَةُ أَوَّلَ مَنِ اتَّخَذَ الدِّيْوَانَ لِلْخَتْمِ، وَأَمَرَ بِالنَّيْرُوْزِ وَالمَهْرَجَانِ، وَاتَّخَذَ المَقَاصِيْرَ فِي الجَامِعِ، وَأَوَّلَ مَنْ قَتَلَ مُسْلِماً صَبْراً، وَأَوَّلَ مَنْ قَامَ عَلَى رَأْسِهِ حَرَسٌ، وَأَوَّلَ مَنْ قُيِّدَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ الجَنَائِبُ، وَأَوَّلَ مَنِ اتَّخَذَ الخُدَّامَ الخِصْيَانَ فِي الإِسْلاَمِ، وَأَوَّلَ مَنْ بَلَّغَ دَرَجَاتِ المِنْبَرِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِرْقَاةً، وَكَانَ يَقُوْلُ: أَنَا أَوَّلُ المُلُوْكِ.

قال الذهبيّ: قُلْتُ: نَعَم»!

وأخرج البخاريّ في المغازي (4108) من حديث عبدالله بن عمر قال:

«خَطَبَ مُعَاوِيَةُ قَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الْأَمْرِ؛ فَلْيُطْلِعْ لَنَا قَرْنَهُ، فَلَنَحْنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ وَمِنْ أَبِيهِ»

قَالَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ لعبدالله بن عمر: فَهَلَّا أَجَبْتَهُ؟

قَالَ عَبْدُاللَّهِ: فَحَلَلْتُ حُبْوَتِي وَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ: أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكَ مَنْ قَاتَلَكَ وَأَبَاكَ عَلَى الْإِسْلَامِ.

فَخَشِيتُ أَنْ أَقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَمْعِ، وَتَسْفِكُ الدَّمَ، وَيُحْمَلُ عَنِّي غَيْرُ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِي الْجِنَانِ».

هذا هو إذن! «نَحْنُ أَحَقُّ بِهذا الأمر مِنْهُ وَمِنْ أَبِيهِ».

إنّ معاويةَ وأبا معاويةَ وأمّ معاويةَ؛ ظلّوا أعداءً للإسلام إلى عام فتح مكة المكرمة، سنة ثمان من الهجرة (20، 21) من البعثة النبويّة، ثم تظاهروا بالإسلام، ليتملّكوا رقابَ المسلمين، ويعيدوها كسروية قيصريّة؟

وعندما كان عثمان هو الخليفة؛ صار التخطيط لملك بني أميّةَ على المكشوفِ، ولم يَعُدْ باطناً في الخفاء.

وهذا ما كان يرفضه جماهير الصحابةِ، في أواخر عهد عثمان، منهم طلحة والزبير وعائشةَ، والأنصار، وسائر العرب في سائر الأمصار، لما ظهر من ظلم وجور وحيف بني أميّة، الذين سلطهم عثمان على رقاب الناس، بدافع العصبيّة القبليّة وحسب!

(ز) ثمّ إنّ بني أميّةَ، راحوا يُهيّجون العامّةَ طغامَ أهل الشام ضدّ الإمام عليّ، وسنّوا لهم سنّةَ لعنه ولعن ولديه الحسن والحسين وابن عبّاس، وهم يعلمون حقّ العلمِ أنّ عليّاً أبرأ منهم، وأبعد عن التحريض على عثمان من جميع بني أميّة، وغير بني أمية.

قال ياقوت الحمويّ في معجم البلدان (3: 191): « قال أبو الحسن محمّد بن بحر الرُهْنيُّ: وأجلّ من هذا كلّه يريد فضائلَ سجستان - أنّه لُعِن علي بن أبي طالب رضي الله عنه على منابر الشرق والغربِ، ولم يُلْعَن على مِنْبَرها إلّا مَرّةً، وامتنعوا على بني أميّةَ، حتى زادوا في عهدهم: أنْ لا يُلعَنَ على مِنْبَرهم أحدٌ.. !

وأيُّ شرَفٍ أعظمُ من امتناعِهم مِن لَعنِ أخي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، على مِنبرهم، وهو يُلْعَن على مَنابر الحَرمين مَكّة والمدينةِ».

وربما انبرى بعضُ النواصبُ، فقال: يا قوتُ الحمويّ غير ثقة، فنقول: بل هو ثقةٌ على الرغم من أنوفكم!

ومع هذا، سأسوق كلام العالم الصالح التقيّ الحافظ أبي الفرَج ابن رجبٍ الحنبليّ، في كتابه الفرق بين النصيحة والتعيير (ص: 25) قال:

«والثاني: أن يظهر الطعنَ عليه ليتوَصّل بذلك إلى هواه وغرضه الفاسدِ، في قالب النُصح والذَبِّ عن علماء الشرعِ.

وبمثل هذه المكيدةِ؛ كان ظلم بني مروانَ وأتباعهم، يستميلون الناس إليهم، وينفِّرون قلوبهم عن عليِّ بن أبي طالبٍ والحسن والحسين وذريتهم رضي الله عنهم أجمعين.

وأنه لما قُتِل عثمان رضي الله عنه؛ لم ترَ الأمّةُ أحقَّ من عليٍ رضي الله عنه فبايعوه، فتَوصّل مَن توصّل إلى التنفير عنه؛ بأن أظهرَ تعظيمَ قتلِ عثمانِ وقُبحِه، وهو في نفس الأمر كذلك!

ضَمَّ إلى ذلك أن المؤلِّبَ على قتله، والساعي فيه؛ «على حدّ افترائهم» علي رضي الله عنه.

وهذا كان كذباً وبهتاً، وكان علي رضي الله عنه يحلف ويُغلِّظ الحَلِف على نَفيِ ذلك، وهو الصادقُ البارُّ في يمينه رضي الله عنه.

وبادَروا إلى قتاله ديانةً وتقرُّباً، ثم إلى قتال أولاده رضوان الله عليهم.

واجتهد أولئك في إظهار ذلك، وإشاعته على المنابر، في أيام الجُمَع وغيرها من المجامع العظيمة، حتى استقرَّ في قلوب أتباعهم أنّ الأمر على ما قالوه، وأنّ بني مروان أحقُّ بالأمر مِن عَليٍّ وولده؛ لقربهم من عثمان، وأخذهم بثأره.

فتوصلوا بذلك إلى تأليف قلوب الناس عليهم، وقتالهم لعليٍّ وولده من بعده، وثبَتَ بذلك لهم الملكُ، واستوثق لهم الأمر.

وكان بعضهم يقول في الخلوة لمن يثق إليه كلامًا ما معناه:

«لم يكن أحدٌ من الصحابة أكفَّ عن عثمان من علي»!

فيقال له: لِمَ يسبُّونه إذًا؟

فيقول: «إن المُلك لا يقوم، إلا بذلك».

ومراده أنه لولا تنفيرُ قلوب الناس على علي وولده، ونِسبتُهم إلى ظلم عثمانَ؛ لما مالت قلوب الناس إليهم، لما علموه من صفاتهم الجميلة وخصائصهم الجليلة، فكانوا يسرعون إلى متابعتهم ومبايعتهم

فيزول بذلك ملك أمية، وينصرف الناس عن طاعتهم» انتهى المراد من كلام ابن رجب الحنبليّ السنيّ، لا الحنبليّ الناصبيّ.

ختاماً: قال ابن حجر في الفتح (2: 369): «وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ، وَفَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعَلِيٍّ وَلِعَمَّارٍ، وَرَدٌّ عَلَى النَّوَاصِبِ الزَّاعِمِينَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ مُصِيبًا فِي حُرُوبِهِ».

ملحوظة مهمّة: عاتبني بعض الناس، بأنني أبجّل الإمام عليّاً وأهل البيت، بقول: عليه، عليهم السلام، بينما أمرّ على الصحابة، من دون أن أترضّى عليهم؟!

وجوابي أوّلاً: أنّ آل البيت لا يقاس بهم أحد!

والثاني: أنني أترضّى عنهم في ختام  كلّ منشور، وليس مطلوباً مني أكثر من ذلك شرعاً، ولا أدباً.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

الأربعاء، 21 يوليو 2021

قَريباً مِن السِياسَةِ  (10):

أخطاءُ الإمامِ عَليٍّ عليه السلام (5)!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

يقول المعترض: «عليّ قَتلَ سبعينَ ألفاً من المسلمين!

قتل سبعين ألفاً من المسلمين، من أجل كرسيّ الحكم، في حربه معاوية»!

أقول وبالله التوفيق:

(أ) من المسلّم به لدى علماء المسلمين؛ أنّ الذين قاتلهم الخليفةُ أبو بكر ابن أبي قُحافة أجناسٌ متعدّدة من العرب، وليسوا جميعُهم من المرتدّين!

(1) فهو قاتلَ المرتدّين من بني حنيفة وتغلب، وعنس، ومن تبعهم من العرب.

(2) وهو قاتل مانعي الزكاةِ من الأعراب، الذين تأوّلوا قول الله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ؛ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ، وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) [التوبة].

قال قائلهم لأبي بكر: «كنّا نعطي الزكاة لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ ليطهّرنا ويزكّينا بها، ولأنّ صلاته سكنٌ لنا، فهل صلاتك سكن لنا يا أبا بكر»؟

فكان على أبي بكرٍ أن يرسل إليهم مَن يعلّمهم دلالةَ الآية الصحيحة، بهدوءٍ وسكينة.

كما فعل الإمام عليٌّ عليه السلام، حين أرسله الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى اليمن، فعادَ بإسلام أهلها.

(3) وهو قاتل الذين عَمِلوا بظاهرِ الحديث الصحيح (فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ) أخرجه البخاريّ (1395) ومسلم (19).

احتجّوا على أبي بكرٍ بهذا الحديث، ولكنّ أبا بكرٍ الذي كان حادّ المزاج، ليس لديه صبرٌ على الحوار والمخالفة؛ عدّ هذا منهم ردّةً، أو خروجاً على سلطان الدولة الشرعيّ، وقاتلهم، وقتل منهم عشراتِ الألوف،

أخرج البخاريّ في المغازي (4367) من حديثِ عَبْدِاللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرْ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ.

وَقَالَ عُمَرُ: بَلْ أَمِّرْ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي!

قَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ!

فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ «قوله تعالى»: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) [الحجرات].

فلماذا لا تقول: إنّ أبا بكر قتل عشرات الألوف من أجل الكرسيّ، وليس هو من بيت السيادة في قريشٍ، لا من قريبٍ، ولا من بعيد ؟!

(ب) إذا قيلَ: إنّ عليّاً لم تجتمع عليه الأمّة؛ فإنّ أبا بكرٍ لم تجتمع عليه الأمّة، فبنو هاشمٍ جميعاً أصحاب السيادة في قريش لم يكونوا راضين به، وقسم من الخزرج مع سعد بن عبادة؛ لم يكونوا راضين به، وقبائل العرب التي لم تَرضَ بخلافته، ولم تعطه الزكاة لذلك، فهي لم تكن راضيةً بخلافته!

ومع هذا؛ فأنتم عددتموه خليفة شرعيّاً بمجرّد بيعة عمر له، أو بيعة عمر وأبي عبيدة!

وعليٌّ عليه السلام يقول: إنّ الذين بايعوني؛ هم الذين بايعوا أبا بكر وعمر.

فإذا انعقدت بيعة أبي بكرٍ باثنين من أهل الحلّ والعقد في الأمّة، أو حتى بواحدٍ، كما يقول بعض فقهاء الحنفيّة؛ فإنّ عليّاً بايعه من أهل الحلّ والعقدِ كثيرون جدّا، من دون شبهة الإكراه الذي اتّخذها بعض الصحابة ذريعةً.

(ج) عمر بن الخطّاب عندكم؛ هو ذروة سنام السياسية، وهو اختار عليّاً من ضمن الستّة أصحاب الشورى، فهو إذنْ مؤهّل شرعيٌّ لقيادة الأمة، من قبلِ اختياره خليفةً، ولو اختاره عبدالرحمن بن عوفٍ بدلَ عثمان؛ لكان هو الخليفةَ.

(د) جميع فقهاء الإسلامِ، سوى النواصب القُماء، يرون عليّاً خليفةً شرعيّاً، ويرون معاويةَ وحزبه المنافقَ باغياً على الإمام عليّ، ظالماً له، وأنّ الحقّ مع عليّ في جميع حروبه في حياة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى.

(هـ) أخرج البخاريّ في الصلاة باب التعاون في بناء المساجد (447) وهذا لفظه ومسلم في الفتن (2915) من حديث أبي سعيدٍ الخدريّ عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: (وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ).

واقتصر مسلم على شطر الحديث الأوّل، وفي رواية ثانية عند البخاريّ في الجهاد (2812) لفظها (وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ).

قال ابن حجر في فتح الباري (2: 368) ما نصّه: «رَوَى حَدِيثَ تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةٍ مِنْهُمْ:

أبو قَتَادَةُ «الحارث بن ربعيّ الأنصاريّ» عند مسلم (2915) وَأُمُّ سَلَمَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ (2916) وَأَبُو هُرَيْرَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ (2916) وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ «في الكبرى» (8496) وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، عند الطبراني في المعجم الصغير (516) وَحُذَيْفَةُ بن اليمان عند البزار في مسنده «2948» وَأَبُو أَيُّوبَ الأنصاري عند الطبراني في المعجم الكبير (4030) وَأَبُو رَافِعٍ «أسلم القبطيّ، مولى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم» عند الطبراني في الكبير (945) وَخُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ الأنصاريّ، عند الطبراني في الكبير (3720) وَمُعَاوِيَةُ نفسه، عند الطبراني في الكبير (19: (758) وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عند الطبراني في الكبير (19: (758) وَأَبُو اليَسْرِ كعب بن عمرو الأنصاري، عند الطبراني (19: (382) وَعَمَّارٌ نَفْسُهُ عند أبي يعلى (1614) وَغَالِبُ طُرُقِها صَحِيحَةٌ أَوْ حَسَنَةٌ.

وَفِيهِ عَنْ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ يَطُولُ عَدُّهُمْ !؟

وقال في شرح الحديث (447): « فَالْمُرَادُ بِالدُّعَاءِ إِلَى الْجَنَّةِ الدُّعَاءُ إِلَى سَبَبِهَا، وَهُوَ طَاعَةُ الْإِمَامِ، وَكَذَلِكَ كَانَ عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَةِ عَلِيٍّ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْوَاجِبُ الطَّاعَةِ إِذْ ذَاكَ، وَكَانُوا هُمْ يَدْعُونَ إِلَى خِلَافِ ذَلِك» فعليٌّ إمامٌ واجب الطاعة إذن!

وقال في شرح الحديث (3611): «وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ؛ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ عَلِيّاً وَمَنْ مَعَهُ كَانُوا عَلَى الْحَقِّ، وَأَنَّ مَنْ قَاتَلَهُمْ كَانُوا مُخْطِئِينَ فِي تَأْوِيلِهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ» قلت: هذا تلطّف من ابن حجر مع الناصبة، والصواب: وَأَنَّ مَنْ قَاتَلَهُمْ الإمامً كَانُوا على باطل!

(و) إذا ثبتَ أنّ عليّاً عليه السلام ومن معه على الحقّ، وأنّ الذين حاربوه كانوا بغاةً عليه، وكانوا على الباطل؛ فقد قال الله تعالى:

(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا؛ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا.

فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى؛ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، فَإِنْ فَاءَتْ؛ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا؛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) [الحجرات].

فالإمام عليّ عليه السلام قام بالواجب الشرعيّ، فقاتلهم حتى يفيؤوا إلى أمر الله تعالى، سواء قتلَ من البغاة سبعين ألفاً، أم قتل سبعة أفراد، فالنتيجة واحدة!

وقد أخرج جمع من المحدّثين، منهم ابن حِبّان في صحيحه (6937) وابن أبي شيبة في المصنّف (6: 367) وأحمد في مسنده (11258، 11773) والنسائي في الكبرى (8488) وأبو يعلى (1086) والحاكم في المستدرك (4621) جميعهم من حديثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْقَطَعَتْ نَعْلُهُ فَتَخَلَّفَ عَلِيٌّ يَخْصِفُهَا، فَمَشَى قَلِيلًا ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى تَنْزِيلِهِ) فَاسْتَشْرَفَ لَهَا الْقَوْمُ، وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا هُوَ؟ قَالَ: (لَا):

قَالَ عُمَرُ: «أَنَا هُو» قَالَ الرسول: (لَا، وَلَكِنْ خَاصِفُ النَّعْلِ) يَعْنِي عَلِيًّا، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» وإسناده صحيح.

فهو إذنْ لم يقاتل من أجل الكرسيّ، إنما قال امتثالاً لأمر الله تعالى، وأمر رسوله صلّى الله عليه وآله وسلم.

ثمّ هل كان معاوية الطليق، يقاتل في سبيل الله تعالى مثلاً؟

قال الذهبي في النبلاء (3: 157):

قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ مُعَاوِيَةُ أَوَّلَ مَنِ اتَّخَذَ الدِّيْوَانَ لِلْخَتْمِ، وَأَمَرَ بِالنَّيْرُوْزِ وَالمَهْرَجَانِ، وَاتَّخَذَ المَقَاصِيْرَ فِي الجَامِعِ، وَأَوَّلَ مَنْ قَتَلَ مُسْلِماً صَبْراً، وَأَوَّلَ مَنْ قَامَ عَلَى رَأْسِهِ حَرَسٌ، وَأَوَّلَ مَنْ قُيِّدَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ الجَنَائِبُ، وَأَوَّلَ مَنِ اتَّخَذَ الخُدَّامَ الخِصْيَانَ فِي الإِسْلاَمِ، وَأَوَّلَ مَنْ بَلَّغَ دَرَجَاتِ المِنْبَرِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِرْقَاةً، وَكَانَ يَقُوْلُ: أَنَا أَوَّلُ المُلُوْكِ.

قال الذهبيّ: قُلْتُ: نَعَم»!

وأخرج البخاريّ في المغازي (4108) من حديث عبدالله بن عمر قال:

«خَطَبَ مُعَاوِيَةُ قَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الْأَمْرِ؛ فَلْيُطْلِعْ لَنَا قَرْنَهُ، فَلَنَحْنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ وَمِنْ أَبِيهِ»

قَالَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ لعبدالله بن عمر: فَهَلَّا أَجَبْتَهُ؟

قَالَ عَبْدُاللَّهِ: فَحَلَلْتُ حُبْوَتِي وَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ: أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكَ مَنْ قَاتَلَكَ وَأَبَاكَ عَلَى الْإِسْلَامِ.

فَخَشِيتُ أَنْ أَقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَمْعِ، وَتَسْفِكُ الدَّمَ، وَيُحْمَلُ عَنِّي غَيْرُ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِي الْجِنَانِ».

هذا هو إذن! «نَحْنُ أَحَقُّ بِهذا الأمر مِنْهُ وَمِنْ أَبِيهِ».

إنّ معاويةَ وأبا معاويةَ وأمّ معاويةَ؛ ظلّوا أعداءً للإسلام إلى عام فتح مكة المكرمة، سنة ثمان من الهجرة (20، 21) من البعثة النبويّة، ثم تظاهروا بالإسلام، ليتملّكوا رقابَ المسلمين، ويعيدوها كسروية قيصريّة؟

وعندما كان عثمان هو الخليفة؛ صار التخطيط لملك بني أميّةَ على المكشوفِ، ولم يكن باطناً في الخفاء.

هذا ما كان يرفضه جماهير الصحابة في أواخر عهد عثمان، منهم طلحة والزبير وعائشةَ، والأنصار، وسائر العرب في سائر الأمصار، لما ظهر من ظلم وجور وحيف بني أميّة، الذين سلطهم عثمان على رقاب الناس، بدافع العصبيّة القبليّة وحسب!

(ز) ثمّ إنّ بني أميّةَ، راحوا يُهيّجون العامّةَ طغامَ أهل الشام ضدّ الإمام عليّ، وسنّوا لهم سنّةَ لعنه ولعن ولديه الحسن والحسين وابن عبّاس، وهم يعلمون حقّ العلمِ أنّ عليّاً أبرأ منهم، وأبعد عن التحريض على عثمان من جميع بني أميّة.

قال ياقوت الحمويّ في معجم البلدان (3: 191): « قال أبو الحسن محمّد بن بحر الرُهْنيُّ: وأجلّ من هذا كلّه يريد فضائلَ سجستان - أنّه لُعِن علي بن أبي طالب رضي الله عنه على منابر الشرق والغربِ، ولم يُلْعَن على مِنْبَرها إلّا مَرّةً، وامتنعوا على بني أميّةَ، حتى زادوا في عهدهم أنْ لا يُلعَنَ على مِنْبَرهم أحدٌ...وأيُّ شرَفٍ أعظمُ من امتناعِهم مِن لَعنِ أخي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، على مِنبرهم وهو يُلْعَن على مَنابر الحَرمين مَكّة والمدينةِ».

وربما انبرى بعضُ النواصبُ، فقال: يا قوتُ الحمويّ غير ثقة، فنقول: بل هو ثقةٌ على الرغم من أنوفكم!

ومع هذا، سأسوق كلام العالم الصالح التقيّ الحافظ أبي الفرَج بن رجبٍ الحنبليّ في كتابه الفرق بين النصيحة والتعيير (ص: 25) قال:

«والثاني: أن يظهر الطعنَ عليه ليتوَصّل بذلك إلى هواه وغرضه الفاسدِ، في قالب النُصح والذَبِّ عن علماء الشرعِ.

وبمثل هذه المكيدةِ؛ كان ظلم بني مروانَ وأتباعهم، يستميلون الناس إليهم، وينفِّرون قلوبهم عن عليِّ بن أبي طالبٍ والحسن والحسين وذريتهم رضي الله عنهم أجمعين.

وأنه لما قُتِل عثمان رضي الله عنه لم ترَ الأمّةُ أحقَّ من عليٍ رضي الله عنه فبايعوه فتَوصّل مَن توصّل إلى التنفير عنه، بأن أظهرَ تعظيمَ قتلِ عثمانِ وقُبحِه، وهو في نفس الأمر كذلك!

ضَمَّ إلى ذلك أن المؤلِّبَ على قتله، والساعي فيه علي رضي الله عنه.

وهذا كان كذباً وبهتاً، وكان علي رضي الله عنه يحلف ويُغلِّظ الحَلِف على نَفيِ ذلك، وهو الصادقُ البارُّ في يمينه رضي الله عنه.

وبادروا إلى قتاله ديانةً وتقرُّباً، ثم إلى قتال أولاده رضوان الله عليهم، واجتهد أولئك في إظهار ذلك، وإشاعته على المنابر، في أيام الجُمَع وغيرها من المجامع العظيمة، حتى استقرَّ في قلوب أتباعهم أنّ الأمر على ما قالوه، وأنّ بني مروان أحقُّ بالأمر مِن عَليٍّ وولده؛ لقربهم من عثمان، وأخذهم بثأره.

فتوصلوا بذلك إلى تأليف قلوب الناس عليهم، وقتالهم لعليٍّ وولده من بعده، وثبَتَ بذلك لهم الملكُ، واستوثق لهم الأمر.

وكان بعضهم يقول في الخلوة لمن يثق إليه كلامًا ما معناه:

«لم يكن أحدٌ من الصحابة أكفأ عن عثمان من علي»!

فيقال له: لِمَ يسبُّونه إذًا؟

فيقول: «إن المُلك لا يقوم، إلا بذلك».

ومراده أنه لولا تنفيرُ قلوب الناس على علي وولده، ونِسبتُهم إلى ظلم عثمانَ؛ لما مالت قلوب الناس إليهم، لما علموه من صفاتهم الجميلة وخصائصهم الجليلة، فكانوا يسرعون إلى متابعتهم ومبايعتهم

فيزول بذلك ملك أمية، وينصرف الناس عن طاعتهم» انتهى المراد من كلام ابن رجب الحنبليّ السنيّ، لا الحنبليّ الناصبيّ.

 ختاماً: قال ابن حجر في الفتح (2: 369): «وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ، وَفَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعَلِيٍّ وَلِعَمَّارٍ، وَرَدٌّ عَلَى النَّوَاصِبِ الزَّاعِمِينَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ مُصِيبًا فِي حُرُوبِهِ».

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.