الأربعاء، 30 نوفمبر 2022

      أفرادُ الإمامِ البخاريّ من أحاديث أبي هريرة (6):

اعتِذارُ أبي هريرة لكثرةِ حديثِه!؟

بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

بإسنادي إلى الإمام البخاريّ في كتاب المناقب، باب مناقب جعفر بن أبي طالب (3708) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ: ثَنا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيمَ بنِ دِينَارٍ أَبو عَبْدِاللهِ الْجُهَنِيُّ([1]) عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛  أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُولُونَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ!؟

وَإِنِّي كُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ e بِشِبَعِ([2]) بَطْنِي، حَتَّى([3]) لاَ آكُلُ الْخَميرَ، وَلاَ أَلْبَسُ الْحَبيرَ([4]) وَلاَ يَخْدُمُنِي فُلاَنٌ وَلاَ فُلاَنَةُ، وَكُنْتُ أُلْصِقُ بَطْنِي بِالحَصْبَاءِ مِنَ الْجُوعِ.

وَإِنْ كُنْتُ لأَسْتَقْرِئُ الرَّجُلَ الآيَةَ هِيَ مَعِي، كَيْ يَنْقَلِبَ بِي فَيُطْعِمَنِي، وَكَانَ أَخْيَرَ النَّاسِ لِلْمَساكينِ([5]) جَعْفَرُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، كَانَ يَنْقَلِبُ بِنَا، فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إِلَيْنَا الْعُكَّةَ، الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، فَنَشُقُّ هَا([6]) فَنَلْعَقُ مَا فِيهَا.

وأعاده البخاريّ في كتاب الأطعمة، باب الحلواء والعَسَل (5432) قال: حدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ شَيْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَني ابْنُ أَبي الْفُدَيْكِ عَنِ ابْنِ أَبي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُريِّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كُنْتُ أَلْزَمُ النَّبيَّ e لِشِبَعِ بَطْني حِينَ لاَ آكُلُ الْخَميرَ، وَلاَ أَلْبَسُ الْحَريرَ، وَلاَ يَخْدُمُني فُلاَنٌ وَلاَ فُلاَنَةُ، وَأُلْصِقُ بَطْني بِالْحَصْبَاءِ، وَأَسْتَقْرِئُ الرَّجُلَ الآيَةَ، وَهْيَ مَعي كَيْ يَنْقَلِبَ بي فَيُطْعِمَني، وَخَيْرُ النَّاسِ لِلْمَسَاكِينِ؛ جَعْفَرُ بنُ أَبي طَالِبٍ، يَنْقَلِبُ بِنَا فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ في بَيْتِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إِلَيْنَا الْعُكَّةَ، لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، فَنَشْتَقُّهَا([7]) فَنَلْعَقُ مَا فِيهَا»([8]).

مدار حديثِ الباب على محمد بن عبدالرحمن بن أبي ذئبٍ، رواه عنه:

عبدالعزيز بن محمد الدراورديّ، عند أبي نعيم في الحلية (1: 117، 379).

ومحمد بن إبراهيم بن دينار الجهنيّ، عند البخاريّ (3708).

ومحمد بن إسماعيل بن أبي فُدَيكٍ، عند البخاريّ (5432) وابن سعدٍ في الطبقات (2: 363) وهذا إسنادٌ حسن غريبٌ، كما تقدّم.

ولاعتذار أبي هريرة عن كثرة حديثه؛ روايات عديدة، عند البخاري (118) ومسلم (2492) وغيرهما، لكننا بصددر تخريج ما انفرد به البخاريّ عن بقية التسعة.

قال الفقير عداب: مهما صحّتْ مِن آثارٍ، يعتذر فيها أبو هريرة عن كثرة أحاديثه؛ فلا بدّ من تقريرِ أنّ أبا هريرة مدلّسٌ كسائر صغار الصحابة رضي الله عنهم.

في ترجمةِ أبي هريرة من النبلاء (2: 608) قال الذهبيّ: «قَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُدَلِّسُ!

قُلْتُ: تَدْلِيْسُ الصَّحَابَةِ كَثِيْرٌ، وَلاَ عَيْبَ فِيْهِ، فَإِنَّ تَدْلِيْسَهُمْ عَنْ صَاحِبٍ أَكْبَرَ مِنْهُمْ، وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُوْلٌ» انتهى كلام الذهبيّ.

بيانُ ذلك أنّ أبا هريرة أسلم في المدّة التي قلّ فيها حديثُ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم كثيراً، بعد نزول قول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ).

أخرج البخاري في العلم (63) ومسلم في الإيمان (12) واللفظ له، من حديث أنس بن مالكٍ قال: « نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ».

ولا يُتصوّر أن يأتي في كلّ يوم وفدٌ من الأعراب يسألون الرسولَ وهو يجيبهم!

سلّمنا بذلك، فيكون ما حدّث به الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم، في السنوات الثلاثِ، التي قضاها أبو هريرة مع رسولِ الله؛ ألفَ حديثٍ، في الحدِّ الأقصى!

ولا ريبَ عندي في أنّ أبا هريرة لا يكذب على الرسول، ولا على غيره من الصحابة، لكنّ صيغَ السماع في أحاديثه متعددة، وعدد أحاديثها قليل، وما سوى ذلك؛ فجميعه بصيغِ تدليسٍ تحتمل السماع أو توهمه.

لذلك كلّه، لا بدّ من دراسة الأحاديثِ التي ينفرد بها أبو هريرة دراسةً ناقدةً، انتصاراً للسنة النبويّة، وليس معاداةً لأبي هريرة، ولا تقليلاً من شأنه.

يضاف إلى هذا، أو هذا يُضافُ إليه؛ أنّ مسألةَ التفرّد من المسائل الشائكة في علم علل الحديث، وأكثرها يَتعلّق بالرواةِ عن أبي هريرة، ولا صلةَ له بها!

صورةُ المسألة؛ ما نقل الذهبي في النبلاء (2: 586) عن البخاريّ أنّ الذين رووا عن أبي هريرة ثمان مائة راوٍ، أو أكثر!

فأن يأتي راوٍ واحدٍ فينفرد بحديثٍ أو أحاديثَ عن أبي هريرة، دونهم؛ هذه مشكلةٌ كبيرةٌ عندي، ومع أنّ المحدّثين في التنظير قالوا: إنْ كان المنفرد عن شيخِه بحديثٍ أو أحاديثَ صدوقاً أو دون الصدوق؛ فحديثه منكر، وإن كان ثقةً؛ فحديثه شاذٌّ!

فهل نجرؤ على تطبيق هذه القاعدةِ على ما ينفرد به كلّ راوٍ عن أبي هريرة؟

إنّ البخاريَّ أخرج (75) روايةً من رواياتِ سعيدٍ المقبريّ عن أبي هريرة، أكثرها مما انفرد به، وأخرج مسلم له (20) حديثاً، فهل نردّ هذه الأحاديث كلّها، لتفرّد سعيدٍ، دونَ ثمانِ مائة راوٍ، نقلوا رواياتٍ عن أبي هريرة؟

هذا ما أكرّره دائماً: إنّ مفاريد أبي هريرة، ومفاريدَ الرواةِ عنه؛ تحتاج إلى دراسةٍ جادّةٍ جريئةٍ، تطبّق قواعد النقّاد الكبار، من أمثال شعبةَ ويحيى القطان وعلي ابن المدينيّ، ولا تحيد عنها؛ لإرضاء هذه الجهةِ أو تلك!

 واللهُ تَعالى أعلَمُ. 

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.



([1]) في بعض النسخ: الجُهَنِيِّ.

([2]) في بعض النسخ: ليشبع.

([3]) في بعض النسخ: حين.

([4]) في بعض النسخ: الحرير.

([5]) في السلطانية: «للمسكين».

([6]) في (ب): «فَيَشُقُّهَا».

([7]) في بعض النسخ: فَنَسْتَفُّها، وفي بعضها: فَنَشْتَفُّها.

([8]) من حديث محمد بن عبدالرحمن بن أبي ذئبٍ عن سعيد المقبريّ، عن أبي هريرة موقوفاً؛ أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (2: 363) مختصراً، وأبو طاهر المخلّص في فوائده (51) وأبو نعيم في الحلية (1: 117، 379) في كلّ موضع شطراً.

 وأخرجه الترمذيّ في مناقب جعفر بن أبي طالب (3766) من حديث إبراهيم بن الفضل المخزومي عن سعيدٍ المقبريّ، بشطر الثناء على جعفر، بيد أنّ هذه الطريق لا يُفْرَح بها؛ لأنّ إبراهيم بن الفضل هذا متروك، قاله ابن حجر في التقريب (228).

انظر الجمع بين الصحيحين (3: (2532) التحفة [9: 13021، 13022] والإتحاف [14: 18581].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق