الجمعة، 18 نوفمبر 2022

      بَعيداً عن السياسةِ (34):

مِن صفاتِ الإخوانِ المسلمين النادرة!؟

بسم اللهِ الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

بينما كنتُ أمرّ على بعض صفحاتِ الإنترنيت؛ وقفتُ على صفحةِ إنسانٍ، أحسنُ أحوالِه أنّه جاهل بالإخوان المسلمين جهلاً مطبقاً، إذ وصف الإخوان المسلمين بالمصلحيّة والنفعيّة وانعدام الدين لديهم، وأنهم لا يقصدون وجه الله تعالى، حتى عندما يعملون الخير!

أقول وبالله التوفيق:

عَلّمنا أهلُنا رحمهم الله ورضي عنهم؛ أنَّ أيسرَ معاني شرفِ الخصومةِ، أن لا تشمتَ بخصمك في لحظاتِ ضعفه، وأن لا تتطاولَ عليه في لحظات انهزامه!

في عام (1971م) حاول أحد الشبابِ البعثيين المتغطرسينَ الاعتداءَ على حرمة بيتٍ من بيوتِ أقاربي، في حيّ «الجراجمة» فخرق حائطَ بيتهم، وجعل فيه نافذة على مستوى السطح، لترى غرفتُه النورَ، ويدخلها الهواءُ، كما زعم!

وبهذا يكشف حريمَ البيتِ تماماً، كلما صعدن إلى سطح المنزل لنشر الغسيل، أو قضاء أيّ حاجةٍ منزليّة أخرى!

تضاربَ مع رجالِ ذلك البيت من أقاربي، هو ومعه عدد من السفهاء الأوباش من أمثاله، وضربوا ابن خالتي عدداً من السكاكين في رأسه وصدره ويديه!

علمتُ بذلك؛ فذهبت إليهم عقب صلاة العصر، وطرقت باب منزلهم، فخرج أشرسهم وأوقحهم، فضربته ضرباً مبرحاً، بقصدِ قَتْلِه فعلاً، لكنّ الله سلّم، وله الحمد والمنّة!

كان من نتيجةِ هذه الخصومة؛ أن حملوني وإياه إلى سجن المشفى، وأخبرني الطبيب الذي عالجه أنّ كلتا يديه مكسورتان ورجلُه أيضاً، وفي رأسه جروح رضّية عديدة!

بعدما صحا الرجل من المخدّر؛ وجدني أمامه، فرُعب وظنّ أنّ إدارة المشفى وضعتني معه لأكمل عليه وأقتله!

صار الرجل يصرخ وينادي على السجّان: أخرجوني من هنا، الآن يقتلني!

صرتُ أنا أضحك، وقلت له: أنا سأقتلك فعلاً، لكن ليس الآن، إنما بعد أن تتعافى، فأنت الآن عاجزٌ، وليس من أخلاق آل البيت وشهامتهم أن يُجهزوا على رجل فاقدِ الأهليّة، محطّم الأطراف!

بعد قليلٍ أحضروا لنا طعامَ العَشاء، قبيل أذان المغرب، فقرّبتُ إليه الطعامَ، وأطعمتُه حصّته وحصّتي، وقلت له: لا تخف يا فلان، أنا سأنتظر عليك سنةً، حتى تعود عظامك المكسورة سليمةً، فإن تبتَ وغدوت إنساناً مؤدّباً شريفاً، لا تسعى إلى انتهاك خصوصيات الآخرين، مُستقوياً بأنك بعثيّ؛ سامحتك وتركت حسابك على الله تعالى، وإن عدتَ إلى وساختك وقذارتك؛ ذبحتك هذه المرّة كالخروف!

كنت أحاورُه، وأطعمه في آن واحد، حين فُتح علينا باب غرفة السجن، فوجدني الشيخ مروان حديد رحمه الله تعالى أطعم خصمي الذي حطّمته قبل قليل!

عانقني الشيخ مروان، وعيناه تَدمعان، وقال: (الله أعلم حيث يجعل رسالته)...

في عام (1972) زارني الحاج أكرم الحدّاد، رحمه الله تعالى، وتعرّف إليّ، وغدونا أصدقاء.

قال لي: يا شيخ عداب: أريدك أن تساعدني في كلّ يوم جمعة، بتوزيعِ بعض المساعداتِ لبعض العائلات الفقيرة، فأنا أتعب وحدي، ولك أجر عظيم بذلك.

جلستُ معه للمرة الأولى، فأطلعني على أسماء العائلات التي يساعدها في كلّ أسبوعٍ، فذُهلتُ من عدد العائلاتِ، ومن كثرة المواد التموينية التي يقدّمها إليهم في هذا الأسبوع!

قلت له: لماذا لا تجعل المساعدة شهريةً، وتريح نفسك من تكرار العناء، في هذا البرد القارس؟

قال: لا يا شيخ عداب لا!

الناسُ لا يحسنون إدارة أمور المعيشة، فلو أعطيناهم هذه المؤن مضاعفةً، مرّة في كلّ شهر؛ تصرّفوا بها في أسبوع، وظلّوا جائعين بقية الشهر!

كان لدى ابن عمّتي «بدر» عربة نقل تدعى في مدينة حماة (طرطورة) وتدعى في مدينة أخرى (طرزينة).

أخبرتُه بحاجتنا إليها في سبيل الله تعالى، من دون مقابلٍ مالي، فذهب معي إلى المحطة، وملأها بنزين، ثم أعدتُه إلى قرب منزله، وتابعت طريقي إلى الحاج أكرم!

ذهبنا إلى سوق الخضار والفاكهة، وإلى القصّاب الذي يعطّل يومَ الجمعة، لكنّه فتح محلّه ليعطينا اللحم المجهز من يوم الخميس، وذهبنا إلى دكان أخينا نجيب شاكر!

المهم حملت «الطرطورة» أكثر من طاقتها بكثير، لكنّ الله تعالى يسّر الأمور.

ذهبت وإياه نوزّع المساعداتِ، وليس لي فضل بليرة سورية واحدة، إذ كان لي نفقاتي الخاصّة في اتّجاهٍ آخر.

انتهينا من توزيع المساعدات، في حدود الساعة الحادية عشرة صباحاً، فانطلقتُ أنا إلى زاويةِ الشيخ مروان رضي الله عنه، وشغّلت المدفأة، حتى إذا شعرت بشيءٍ من الدفءِ؛ فاضت عيناي بالدموع، ورحت أرتجف من ألم البرد، ثمّ هدأت ونمت، ولم أستيقظ إلى صلاة الجمعة!

عقب عودة الشهيد مروان من صلاة الجمعة؛ أيقظني، وسألني عن سبب هذا البرد الشديد، فأخبرته بما يصنعه الحاج أكرم الحداد في كل يوم جمعة!

سُرّ الشيخ مروان كثيراً، ودعا له أكثرَ، وتحسّر أنّه لا يستطيع المساهمةَ بشيءٍ من المساعدات.

ما الذي يبغيه الحاج أكرم الحدّاد من مساعدة أولئك الفقراء، الذين لا هم في العير، ولا في النفير؟ (أرامل، أيتام، عجائز، مرضى) ما الذي نرتجيه من وراء مساعدةِ هؤلاء، سوى وجه الله تعالى، وما الذي يستطيع هؤلاء العجزة أن يقدّموه لنا؟

الإخوان المسلمون مساكين واللهِ، حقّاً هم مثل الثوم، مأكولٌ مذموم!   

الإخوان المسلمون بشرٌ من البشر، لهم أخطاؤهم ولا بدّ؛ لأنّ الذي يعمل؛ يخطئ، والذي لا يصدر عنه خطأٌ؛ هو ذاك الجالس في بيته يراقبُ ويَتفلسفُ!

ختاماً: أرجو من الذين يهاجمون الإخوانَ المسلمين؛ أن يتذكّروا بأنّ الإخون مسلمون مؤمنون يتطهّرون ويصلون ويزكون ويتصدقون ويدعون إلى الله تعالى، ويساعدون الفقراء والمساكين، ولا يخاصمهم إلّا الحكوماتُ المأجورةُ العميلةُ، التي تحرص على أن تظلّ في السلطة إلى آخر الدهر، تظلم المسلمين وتذلّهم وتنهب خيراتهم؛ لأنّ أولئك العملاء يرون الإخوان خطراً على عروشهم المتهاوية، التي يحول دون انهيارها حكومة العالم الخفيّة، التي لم يدرك الإخوان بعد تأثيرها السياسيّ!

وربما أدركوا؛ أنّ الدول الاستعماريّة لن تسمح لهم بأن يقيموا دولة الإسلام، وينشروا العدلَ والإخاء بينهم، لكنهم يقومون بواجب الدعوة؛ لأنّ الأمور بيد الله تعالى، وليست بيد حكومة العالم الخفيّة، ولا بأيدي الحكّام الظلمةِ المتسلّطين!

والله تعالى أعلم

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى اللهُ على سيّدنا محمّد بن عبداللهِ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كل حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق