مَسائلُ حديثيّةٌ (69):
القدَر عند الإمام عليّ!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
أرسل إليّ أحد الإخوة الأحبّةِ
النصّ الآتي:
قال الإمام أبو عبدالله
ابن بَطّة في الإبانة (4: 141) [1584]: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
الْقَاسِمِ بْنِ بَشَّارٍ النَّحْوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ بْنُ يَزِيدَ الْهَمْدَانِيُّ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ
قَالَ: أَخْبَرَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَامَةُ الْكِنْدِيُّ
قَالَ:
قَالَ شَيْخٌ لِعَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنَ الشَّامِ:
أَخْبِرْنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مَسِيرِنَا إِلَى الشَّامِ،
أَبِقَضَاءٍ مِنَ اللهِ وَقَدَرٍ، أَمْ غَيْرِهِمَا؟
قَالَ عَلِيٌّ رَحِمَهُ
اللهُ: وَالَّذِي خَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، مَا عَلَوْتُمْ
تَلَّةَ، وَلَا هَبَطْتُمْ وَادِيًا إِلَّا بِقَضَاءٍ مِنَ اللهِ وَقَدَرِهِ.
قَالَ الشَّيْخُ: عِنْدَ
اللهِ أَحْتَسِبُ عَنَائِي، وَإِلَيْهِ أَشْكُو خَيْبَةَ رَجَائِي، مَا أَجِدُ لِي
مِنَ الْأَجْرِ شَيْئًا؟
قَالَ الإمامُ عليٌّ:
بَلَى، قَدْ أَعْظَمَ اللهُ لَكُمُ الْأَجْرَ عَلَى مَسِيرِكُمْ، وَأَنْتُمْ
سَائِرُونَ، وَعَلَى مَقَامِكُمْ وَأَنْتُمْ مُقِيمُونَ، وَمَا وَضَعْتُمْ
قَدَماً، وَلَا رَفَعْتُمْ أُخْرَى؛ إِلَّا وَقَدْ كَتَبَ اللهُ لَكُمْ أَجْرًا
عَظِيماً.
قَالَ الشَّيْخُ: كَيْفَ
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ سَاقَانَا، وَعَنْهُمَا
وَرَدْنَا وَصَدَرْنَا؟ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَيُّهَا الشَّيْخُ،
لَعَلَّكَ ظَنَنْتَهُ قَضَاءً جَبْراً، وَقَدَراً قَسْراً؟
لَوْ كَانَ ذَلِكَ
كَذَلِكَ؛ لَبَطَلَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ، وَبَطَلَ
الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، وَلَمْ يَكُنِ الْمُحْسِنُ أَوْلَى بِمَثُوبَةِ
الْإِحْسَانِ مِنَ الْمُسِيءِ، وَلَا الْمُسِيءُ أَوْلَى بِعُقُوبَةِ الْإِسَاءَةِ
مِنَ الْمُحْسِنِ.
قَالَ الشَّيْخُ: فَمَا
الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: الْعِلْمُ السَّابِقُ فِي اللَّوْحِ
الْمَحْفُوظِ وَالرَّقِّ الْمَنْشورِ بِكُلِّ مَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ،
وَبِتَوْفِيقِ اللهِ وَمَعُونَتِهِ لِمَنِ اجْتَبَاهُ بِوَلَايَتِهِ وَطَاعَتِهِ
وَبِخُذْلَانِ اللهِ وَتَخْلِيَتِهِ لِمَنْ أَرَادَ لَهُ وَأَحَبَّ شَقَاءَهُ
بِمَعْصِيَتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ.
فَلَا تَحْسَبَنَّ غَيْرَ
ذَلِكَ، فَتُوَافِقَ مَقَالَةَ الشَّيْطَانِ وَعَبْدَةَ الْأَوْثَانِ
وَقَدَرِيَّةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَمَجُوسَهَا.
ثُمَّ إِنَّ اللهَ عَزَّ
وَجَلَّ أَمَرَ تَخْيِيراً، وَنَهَى تَحْذِيراً، وَلَمْ يُطَعْ غَالِباً، وَلَمْ
يُعْصَ مَغْلُوباً، وَلَمْ يَكُ فِي الْخَلْقِ شَيْءٌ حَدَثَ فِي عِلْمِهِ.
فَمَنْ أَحْسَنَ؛
فَبِتَوْفِيقِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، وَمَنْ أَسَاءَ؛ فَبِخُذْلَانِ اللهِ،
وَإِسَاءَتِهِ هو هَلَكَ.
لَا الَّذِي أَحْسَنَ؛
اسْتَغْنَى عَنْ تَوْفِيقِ اللهِ، وَلَا الَّذِي أَسَاءَ عَلَيْهِ، وَلَا
اسْتَبَدَّ بِشَيْءٍ؛ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ قُدْرَتِهِ.
ثُمَّ لَمْ يُرْسِلِ الرُّسُلَ بَاطِلاً، وَلَمْ
يُرِ الْآيَاتِ وَالْعَزَائِمَ عَبَثًا (ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَوَيْلٌ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) [سورة ص: 27].
قال الفقير عداب: لم أجد
أثرَ الإمام عليّ عليه السلام، في أيّ كتاب من كتب الرواية المسندة، سوى كتاب
الإبانة لابن بطّة.
وإسناد هذا الأثر عن
الإمام عليّ؛ ضعيفٌ، فيه سلامةُ الكِنْدي، ترجمه البخاري في تاريخه الكبير (4:
195) وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (4: 300) وابن حبّان في الثقات (4: 343) ولم
يذكروا فيه جرحاً ولا تعديلاً، ولم يروِ عنه سوى نوحِ بن قيسٍ الطاحيّ، فهو مجهول!
قال ابن أبي حاتم: حديثه
عن عليّ مرسل، وكذلك قال العلائيّ في جامع التحصيل (ص: 193).
وساقَ السيوطيُّ أثر
الإمام عليّ هذا، في جمع الجوامع (18: 350) من طريق مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَا
الغَلَابِى، ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ بَكَّارٍ، ثَنَا أَبُو بَكرٍ الْهُذَلِىُّ،
عَنْ عكْرِمَةَ قَالَ لَمَّا قَدم عَليٌّ مِنْ صَفَّين قَامَ إِلَيْه شَيْخٌ مِن
أَصْحَابِهِ» وساق كلام الإمام.
وهذا إسنادٌ واهٍ، محمد بن
زكريا الغلابي؛ يضع الحديث، انظر ترجمته في الضعفاء والمتروكين للدارقطنيّ (483).
وشيخه العباس بن بكار،
ترجمه ابن حبان في المجروحين (2: 190) وقال: «لا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ بِحَال».
وأورده أبو الحسين العمرانيّ
الشافعيّ (ت: 558 هـ) في كتابه الانتصار في الردّ على المعتزلة (2: 502) من دون
إسنادٍ، بل قال: «استدلّ القَدَريُّ بخبرٍ لا يُعرَف سندُه، عن عليِّ بن أبي طالب
رضي الله عنه يَظنُّ أنّه حُجّةٌ له، وهو حُجّة لنا».
وقد أورده الكلينيّ في
أصول الكافي، باب الجبر والقدر (1: 230) قال:
عليُّ بن محمد عن سهل بن
زياد وإسحاق بن محمد وغيرهِما رفعوه، قال «الراوي»: كان أمير المؤمنين عليه السلام
جالسا بالكوفة بعد منصرفه».
وهذا إسنادٌ معلّق تالف،
يضاف إلى هذا أنّه منقطع، فسهل بن زياد وإسحاق بن محمد؛ لم يدركا زمان الإمام عليه
السلام!
وفوق هذا!
ترجم السيّد الخوئيّ سهل
بن زيادٍ هذا، ونقل تضعيفه عن عدد من الأئمة، مثل النجاشيّ وابن الغضائريّ، ثم
قال: وكيف كان؛ فسهل هذا ضعيفٌ جزماً» انظر المعين (ص: 187).
وترجم السيد الخوئيّ إسحاق
بن محمّد النخعيّ - كما في المعين (ص: 71) وقال:
قال النجاشيّ والعلامة
الحلي: معدن التخليط، وقال ابن الغضائيّ: كذّاب وضّاع فاسد المذهب!
فإسناد الأثر المرويّ عن
الإمام عليّ في كتب أهل السنّة، وفي كتب الشيعة على حدٍّ سواء؛ واهٍ، لا يثبت به
حقّ، ولا يبطل به باطل!
وأورد طرفاً من هذا الأثر؛
ابنُ أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (3: 228) قال:
«وَ مِنْ كَلاَمِهِ عليه
السلام لِلسَّائِلِ اَلشَّامِيِّ، لَمَّا سَأَلَهُ: أَ كَانَ مَسِيرُنَا إِلَى
اَلشَّامِ بِقَضَاءٍ مِنَ اَللَّهِ وَقَدَرٍ، بَعْدَ كَلاَمٍ طَوِيلٍ هَذَا
مُخْتَارُهُ» وساق ما اختاره من كلام الإمام، ثم قال:
« قد ذكر شيخنا أبو الحسين
رحمه الله هذا الخبرَ في كتابِ «الغرر» و رواه عن الأصبغ بن نباتةَ قال: قام شيخٌ
إلى عليٍّ عليه السلام».
والأصبغ بن نباته: ترجمه
النسائيّ في ضعفائه (64) وقال: متروك الحديثِ!
فما دام الأثرُ غيرَ ثابتِ
النسبةِ إلى الإمام؛ فلا حاجة بنا إلى شرحه وتفسيره!
وفي المنشور (16) من مسائل
عقديّة؛ لخّصت مسألة القدر في سطور، يمكن الرجوع إليه على الفيس بوك والمدونة!
والله تعالى أعلم.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق