الأحد، 13 نوفمبر 2022

         أفرادُ الإمامِ البخاريّ من أحاديث أبي هريرة (4):

مَصيرُ الشَمسِ والقَمَرِ يومَ القِيامةِ!؟

بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

بإسنادي إلى الإمام البخاريّ في بَدْءِ الخَلْقِ، باب صفةِ الشمس والقمر (3200) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ «هو ابن مُسرهَدٍ»: ثَنا عَبْدُالْعَزِيزِ بنُ الْمُخْتَارِ: ثَنا عَبْدُاللهِ «بنُ فيروزَ» الداناجُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،  عَنِ النَّبِيِّ صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم قَالَ: (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ؛ مُكَوَّرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)([1]).

مدار حديث أبي هريرةَ في الباب على عبدالعزيز بن المختار، رواه عنه:

إبراهيم بن الحجّاج، عند تمّامٍ في فوائده (1534)

ومُسَدّدُ بن مسرهد، عند البخاري (3200) والبغوي في شرح السنة (4307).

ومعلّى بن أسدٍ العَميّ، عند الطحاوي في مشكل الآثار (83) وابن بطة في الإبانة الكبرى (70) وأبي العبّاس الأصمّ في جزئه (364).

ويونس بن محمد البغداديّ المؤدِّبُ، عند ابن أبي شيبة، كما في فتح الباري (9: 556) وصالحِ بن أحمد في مسائله لأبيه (615) والبزار في مسنده (8696) والخطابي في شرح البخاريّ (699) والبيهقيّ في البعث والنشور (322).

وعبدالعزيز بن المختار الدبّاغ البصريّ؛ ترجمه الذهبيّ في الميزان (2: 634) وقال: «ثقة حجة، وما عرفتُ سببَ قول ابن معين، فيما سمعه أحمد بن زهير يقول: ليس بشيءٍ».

وترجمه المزيّ في تهذيبه (18: 195) ونقل توثيقه عن يحيى بن معين، وعن أبي زرعة والنسائيّ: ليس به بأس، وعن أبي حاتم الرازيّ: صالح الحديث، مستوي الحديثِ، ثقة، وعن ابن حبّان أنه ترجمه في الثقات، وقال: يخطئ».

 وترجمه ابن حجر في التقريب (4120) وقال: ثقة.

وأخرج له البخاريّ في صحيحه (9) أحاديثَ، لكنه لم يخرّج له بهذا الإسنادِ «عن عبدالله الداناج، عن أبي سلمةَ، عن أبي هريرة، سوى هذا الحديثِ الواحد!

أمّا مسلم؛ فقد أخرج لعبدالعزيز أحد عشر حديثاً، وأخرج حديثين من طريق عبدالعزيز عن عبدالله الداناج (721، 1707) ولم يخرّج حديث أبي هريرة في الباب، كما لم يخرّجه ابن حبّان، الذي وَصف عبدَالعزيز بأنّه يخطئ!

خلاصة الحكم على حديثِ الباب: إسناد حديثِ الباب؛ فردٌ مطلق في أربع طبقاتٍ من الرواة، لم يروه عن الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، من طريقٍ مقبولٍ، سوى أبي هريرة، ولا عنه غير أبي سلمة بن عبدالرحمن، ولا عن أبي سلمة، سوى عبدالله الداناج، تفرّد به عنه عبدالعزيز بن المختار، وهذا الحديثُ ضعيفٌ، وهو من أخطائه، إذْ وُصف الرجل بالخطأ، وأعرضَ عن حديثِه هذا جميع أصحاب الصحاح، سوى البخاريّ، ومن عادته التساهُلُ في أحاديث التفسير والفضائل والرقاق، خاصّةً أنّ في بابه غيرُ حديثٍ ضعيفٍ آخر، كما سيأتي قريباً.

قال الخطّابي في شرح البخاريّ (2: 1476): «وقد سألوا «أبا سلمةَ» فقالوا: ما ذَنب الشمس والقمر يُعذّبان؟

والجواب: «أنه ليس كونهما في النارِ؛ عقوبةً لهما، ولكنه تعيير وتبكيت لعبَدَتِهما الذين عَبدوهما في الدنيا، ليَعلموا أنّ عبادتهم إياهما كانت باطلاً».

وقال نحو ذلك وأتمّ منه الطحاويُّ في مشكل الآثار (1: 170).

شواهد حديث الباب:

أخرج أبو داود الطيالسيّ (2217) وأبو يعلى الموصليّ في مسنده (4116) والطحاوي في مشكل الآثار (184) وأورده الهيثميّ في مجمع الزوائد (10: 715) من حديث أنس بن مالك قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ثَوْرَانِ عَقِيرَانِ فِي النَّارِ» وفي إسناده دُرُسْت بن زيادٍ، وهو ضعيف، قاله ابن حجر في التقريب (1825) ويزيد بن أبان الرقاشيّ، ترجمه ابن حجر في التقريب (7683) وقال: زاهدٌ ضعيف!

 وأخرج ابن أبي حاتم في تفسير (10: 19157) من حديث مجالد بن سعيد عن شيخٍ مِن بَجيلة، عن  ابن عَبَّاسٍ، في تفسير قوله تعالى: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) قَالَ: «يُكَوِّرُ اللهُ الشمس والقمر والنجوم يوم الْقِيَامَةِ فِي الْبَحْرِ، وَيَبْعَثُ اللهُ رِيحًا دَبُورًا فَتُضْرِمُهَا نَارًا» وفي إسناده مجالدُ بن سعيد: ضعيف، وراوٍ مبهم «شيخ من بجيلة» وأورده البغويّ في تفسيره (8: 346) عن ابن عباسٍ، من دون إسنادٍ.

وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره (9: (17394) من حديث مجالد بن سعيدٍ عن الشعبيّ؛ أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ): «جهنم: هي هذا البحر الأخضر، تنتثر الكواكب فيه، وتكوّر فيه الشمس والقمر، ثم يوقد، فيكونُ هو جَهنّم» ومجالد بن سعيدٍ: ضعيف.

وأخرج الطبريّ في تاريخه (1: 65) من حديث عكرمة مولى ابن عبّاس قال: بَيْنَا ابْنِ عَبَّاسٍ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسٌ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يا بن عَبَّاسٍ، سَمِعْتُ الْعَجَبَ مِنْ كَعْبٍ الْحَبْرِ يَذْكُرُ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ قَالَ: وَكَانَ مُتَّكِئًا فَاحْتَفَزَ ثُمَّ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ يُجَاءُ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَأَنَّهُمَا ثَوْرَانِ عَقِيرَانِ، فَيُقْذَفَانِ فِي جَهَنَّمَ؟

قَالَ عِكْرِمَةُ: فَطَارَتْ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ شِقَّةٌ، وَوَقَعَتْ أُخْرَى، غَضَباً، ثُمَّ قَالَ:

كَذَبَ كَعْبٌ! كَذَبَ كَعْبٌ! كَذَبَ كَعْبٌ! ثَلاثَ مَرَّاتٍ، بَلْ هَذِهِ يَهُودِيَّةٌ، يُرِيدُ إِدْخَالَهَا فِي الإِسْلامِ، اللهُ أَجَلُّ وَأَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُعَذِّبَ عَلَى طَاعَتِهِ» في حديثٍ طويلٍ جدّاً.

عقبَ تخريجه هذا الحديثَ المفرطَ في الطولِ وحديثاً تالفاً قبلَه، قال الإمام الطبريُّ في تاريخه (1: 78): «ولو صحّ سندُ أحدِ الخبرين اللذين ذكرتهما؛ لقلنا به، ولكنّ في أسانيدهما نظراً، فلم نَستَجِزْ قطعَ القول بتصحيح ما فيهما من الخبر، عن سبب اختلاف حال الشمس والقمر».

قال عداب: كأنّي بأبي جعفرٍ الطبريّ تَهيّب أن يسوقَ حديثَ البخاريّ، ثمّ يضعّفه، فساق هذا الحديث الذي يحتوي على جملة (يُجَاءُ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا ثَوْرَانِ عَقِيرَانِ، فَيُقْذَفَانِ فِي جَهَنَّمَ) وهي تشبه حديثَ الباب الذي اختصره البخاريّ (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ مُكَوَّرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وجوّد البزّار إيراده، كما قال ابن كثيرٍ في تفسيره (8: 329) ولفظه عنده: (إن الشمس والقمر ثوران في النار يوم القيامة) قال:

«هذا حديث ضعيف؛ لأنّ يزيد الرقاشيّ ضعيف».

أقول: في إسناد الحديث: خلفُ بن واصل، ترجمه ابن حجر في اللسان (2969) وقال: يروي عن أبي نُعيم عُمرَ بنِ صُبْحٍ، بحديث جابلق وجابرص «وعظمهما، لعله هو وضعه، رواه ابن جرير في تاريخه، عَن مُحَمد بن منصور عنه».

 وترجم ابن حجر عمرَ بن صُبحٍ أبا نُعيم الخراسانيّ، في التقريب (4922) وقال: «متروك، كذّبه الإمام إسحاق بن راهويه».

ختاماً: الله تعالى يقول في كتابه الكريم: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ (48) [إبراهيم].

ويقول عزّ من قائل: (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى (الرعد: 2) و(فاطر: 13) و(والزمر: 5).

فتبديل السموات - وهي أعالي الكون - يعني تبديل كلّ شيءٍ فيها، وتحتها من الشمس والقمر والنجوم، وفي الجنة لا يوجد شمسٌ أصلاً، قال تعالى: (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) [الإنسان].

فتبدّل الكواكب والنجوم بانطفاء نورها، وعودتها صخوراً ناريّةً ملتهبةً، أو باردة مظلمة؛ لا يضرّها بعد ذلك أن تكون حجارةً ضخمةً في جهنّم، يعذّب اللهُ بها الكافرين!

فتكون مثل قول الله تعالى: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ).

أو قوله تعالى: (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (البقرة:24) و(التحريم: 6) أعدّت لتعذيب الكافرين، وليس لعذابها هي!

واللهُ تَعالى أعلَمُ. 

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.



([1]) من حديثِ عبدالعزيز بن المختار الدبّاغ البصريّ عن عبدالله الداناج، به مرفوعاً؛ انفرد به البخاري عن بقيّة التسعة، وأخرجه صالح بن أحمد في مسائله لأبيه (2: (615) والبزّار في مسنده (15: (8696) وقال: «هَذَا الْحَدِيثُ لاَ نعلمُهُ يُرْوَى عَن أَبِي هُرَيرةَ، إلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، ولاَ نَعلم رَوى عَبد الله الداناج عن أبي سَلَمَة، إلاَّ هذا الحديث» وأخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار، باب بيان مشكل ما رُوي عن رسول الله e من قوله: إن الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة (183) والخطابي في شرح البخاري (2: 1475) وأبو العبّاس الأصمّ في جزئه (364) ومن طريقه أخرجه البيهقيّ في البعث والنشور (322) وابن الجوزيّ في مشيخته (ص: 167) وعبدُالغني المقدسيّ في ذكر النار (76، 77) وأخرجه ابن بطّة في الإبانة الكبرى (70) وتمام الرازي في فوائده (1534) وأخرجه البغويّ في شرح السنة (15: (4307) من طريق البخاريّ عن مُسدّد، به، وأورده ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (1: 101) وابن كثيرٍ في تفسيره (4: 611) والسيوطي في الدر المنثور (8: 427) وانظر التحفة [10: 14967].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق