الثلاثاء، 8 نوفمبر 2022

                                                                            إعادة مع التنقيح!!

أفرادُ الإمامِ البخاريّ من أحاديث أبي هريرة (1):

وعاءُ علمِ أبي هريرة الذي أخفاه!؟

بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

طلبَ مني عددٌ من الإخوةِ أن أخرّج لهم عدداً من الأحاديث التي انفرد بها البخاري عن بقيّة الكتب التسعة، وعددها (205) أحاديث، بغيةَ معرفة متابعي البخاريّ على روايتها، في غير الكتب التسعة، من جهة، وحتى يعرفوا قيمتها العلمية، من جهة أخرى.

وبعد نشري تخريجٍ مطوّلٍ لحديثين من أحاديث أبي هريرة؛ كتب إليّ أحدُ الإخوة يقول: «اختلفَ الناس، ولا يزالوان مختلفين في شخصيّة أبي هريرة، وفي علمه، وفي كثرة رواياته عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، مع أنّ المدّة التي قضاها مع الرسول؛ يسيرة جدّاً، قياساً بالخلفاء الراشدين الأربعة، وغيرهم.

فنرجو أن تبيّن لنا موقفَك الخاصّ من أبي هريرة، فنحن نحسبك منصفاً لمن تحبُّ ولمن لا تحبّ، وشكراً لكم...».

أقول وبالله التوفيق: عددُ رواياتِ أبي هريرة في الصحيحين (2048) روايةً، وأنا وتلامذتي في العمل حقّقنا وخرّجنا الصحيحين كاملين تخريجَ توثيق وعزو، منذ سنوات!

لكنّ التخريج النقديَّ خاصٌّ بالفقير عداب، لا يشاركُه فيه غيرُه!

والتخريج النقديّ صعبٌ للغاية، من العسير أن ينجر الباحثُ حديثاً واحداً في اليوم خاصّةً مَن كان في مثلِ سنّي ووضعي الصحيّ.

فمتى أكملتُ تخريج (2048) روايةً لأبي هريرةَ، تخريجاً نقديّاً؛ فيمكنني أن أعطي حكماً علميّاً صواباً أو قريبا منه، في شخصيّة أبي هريرة وعلمه، وما أظنّ المتبقّي من العمر يكفي لهذا الكمّ الكبير من رواياتِ أبي هريرة الحديثيّة.

ثمّ رأيتُ أن أخرّج هنا أحاديثَ أبي هريرة من صِنفِ «أفراد البخاريّ» وعددها اثنا عشر حديثاً من دون تكرار (120، 442، 2325، 3200، 3350، 3708، 4485، 5414، 6103، 6502، 6586، 6587).

لعلّ في قراءة تخريجها تباعاً، برَويّةٍ بالغةٍ؛ ما يكشف أمامك أخي القارئ وَمْضاً مضيئاً من أبي هريرة وحديثِه الكثير!

(1) بإسنادي إلى الإمام البخاري في كتاب العلم، باب حفظ العلم (120) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنا إسْماعيلُ قالَ: حَدَّثَني أخي عَنِ ابنِ أبي ذِئْبٍ، عَنْ سَعيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: حَفِظْتُ مِنْ([1]) رَسولِ اللهِ e وِعاءَيْنِ:

فَأمّا أحَدُهُما؛ فَبَثَثْتُهُ، وَأمّا الآخَرُ؛ فَلَوْ بَثَثْتُهُ، قُطِعَ هَذا البُلْعومُ([2]) ([3]).

أقول وبالله التوفيق: مدار حديث أبي هريرة على محمد بن عبدالرحمن بن المغيرةِ القرشيّ، المعروف بابن أبي ذئبٍ، رواه عنه:

- بُهلول بن مورّق، عند البزّار في مسنده (8517) إلّا أنّ فيه «جرابين» بدل وعائين!

- وعبدالحميد بن عبدالله ابن أبي أويسٍ؛ عند البخاريّ (120).

- ومحمد بن إسماعيل ابن أبي فُديكٍ، عند ابن سعدٍ في الطبقات الكبرى (2: 276) وابن عديّ في مقدمة الكامل (1: 94) والبيهقيّ في المدخل إلى علم السنن (425) وابن عبدالبرّ في جامع بيان العلم (1910) والمهرواني في فوائده (20).

قال عداب: ابن أبي ذئبٍ؛ إمام حجّةٌ، لا يُسأل عن مثله!

أمّا سعيد بن أبي سعيد - كيسان - المقبريّ؛ ففي حديثه علّتان:

الأولى: أنه اختلط قبل موته بأربع سنين!

والثانية: أنه اختلطت عليه أحاديثُه عن أبي هريرة، وأحاديثُه عن أبيه، عن أبي هريرة!

وجوابي على العلتين معاً؛ أنّ ابن أبي ذئبٍ من كبار أصحابِ سعيدٍ، وهو ممّن يميّز رواياتِ سعيدٍ!

روى عن سعيدٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة، كما عند البخاري (1088، 1309، 1235، 1903، 2566).

وروى عن سعيدٍ، عن أبي هريرة، كما عند البخاري (119، 120، 176، 795، 1223).

فيكون الحكمُ على هذا الحديث؛ أنّه حديثٌ حسنٌ، فردٌ مطلقٌ غريبٌ، لم يروه بهذا من طريق مقبولٍ عن أبي هريرة، سوى سعيدٍ المقبريّ، تفرّد به عنه ابن أبي ذئبٍ!

وقد رُوي معنى هذا الحديث عن أبي هريرة، من وجوه أخرى!

فكأنّ أبا هريرة كان يحدّثُ به كلَّ مرّةٍ بما يخطر على باله؛ لأنّه كلامه.

أخرج الإمام أحمد في مسنده (10959، 10964) قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بن برقان عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، قَالَ: قِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: أَكْثَرْتَ أَكْثَرْتَ!؟

قَالَ: فَلَوْ حَدَّثْتُكُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَرَمَيْتُمُونِي بِالْقَشْعِ، وَلَمَا نَاظَرْتُمُونِي.

وأخرجه ابن سعد في الطبقات (4: 247) من حديث كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، به مثله.

وأخرج ابن سعد في الطبقات (4: 331) من حديث محمد بن إسماعيل بن أبى فديك وإسماعيل بن عبد الله ابن أبي أويس وخالد بن مخلد البجلي، ثلاثتِهم عن محمد بن هلال، عن أبيه، عن أبي هريرة أنه كان يقول: لو أنبأتكم ما أعلم، لرماني الناس بالخَزَف، وقالوا: أبو هريرة مجنون».

وهلال بن أبي هلال؛ لم يرو عنه سوى ولده محمّد؛ فهو مجهول الحال، في أحسن أحواله!

وأخرج الطبراني في الأوسط (1397) من حديثِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ: حدّثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «فِي كِيسِي هَذَا حَدِيثٌ، لَوْ حَدَّثْتُكُمُوهُ؛ لَرَجَمْتُمُونِي»  ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَا أَبْلُغَنَّ رَأْسَ السِّتِّينَ».

قَالُوا: وَمَا رَأْسُ السِّتِّينَ؟ قَالَ: «إِمَارَةُ الصِّبْيَانِ، وَبَيْعُ الْحُكْمِ، وَكَثْرَةُ الشُّرَطِ، وَالشَّهَادَةُ بِالْمَعْرِفَةِ، وَيَتَّخِذُونَ الْأَمَانَةَ غَنِيمَةً، وَالصَّدَقَةَ مَغْرَمًا، وَنَشْوٌ يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ».

قَالَ حَمَّادٌ: «وَأَظُنُّهُ قَالَ: وَالتَّهَاوُنُ بِالدَّمِ».

قال الطبراني: «لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ إِلَّا حَمَّادٌ، تَفَرَّدَ بِهِ: رَوْحُ بن عُبادة».

وفي إسنادِ الحديثِ عليُّ بن زيدِ بن جُدعان: ضعّفه أكثرُ النقّاد، بيد أنّ الإمامَ مسلماً أخرج له حديثاً واحداً مقروناً (1789) كأنّه ليُشير إلى قَبول رواياته في المتابعات!

وصحّح له الترمذيُّ أحاديثَ كثيرةً، منها (109، 545، 1146، 2191، 2330).

مما يعني أنّ ضعفه يسير، ينجبر بالمتابعة الآتية، فيكون حديثه حسناً .

أخرج الإمام أحمد في مسنده (8320، 8654، 9782) من حديثِ كامل بن العلاء السعديّ عن مينا أبي صالح عن أبي هريرة قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ رَأْسِ السَّبْعِينَ، وَمن إِمَارَةِ الصِّبْيَانِ).

وفي إسنادِه أبو صالح مِينا، ترجمه ابن حجر في تقريبه (8175) وقال: ليّن الحديث.

فلعلّ الروايةَ هي (إمارةً الستين) فوهم أبو صالح، فجعلها سبعين!

لأنّ عليّ بن زيدٍ أقوى منه بكثير، كما أسلفت!

وأخرج الحاكم في المستدرك (3: 583)  من حديث أَبي رَبِيعَةَ فَهْدِ بْنِ عَوْفٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ عَنْ عَبْدالله بْنِ فَيْرُوزٍ الدَّانَاجُ، قَالَ: أَنْبَأَنِي أَبُو رَافِعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَقُولُ: «حَفِظْتُ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ مَا حَدَّثْتُكُمْ بِهَا، وَلَوْ حَدَّثْتُكُمْ بِحَدِيثٍ مِنْها؛ لَرَجَمْتُمُونِي بِالْأَحْجَارِ». قال الحاكم: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ».

قال عداب: ترجمه الذهبي في ميزان الاعتدال (2: 366) ونقل أنّ ابن المدينيّ كذّبه، وأنّ مسلماً تركه، واتّهمه أبو زُرعة بسرقة حيثين، فحديثه واهٍ!

وأخرج أبو نعيم في الحلية (1: 381) قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِاللهِ: حدّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حدّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرّوميُّ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَةَ جُرْبٍ، فَأَخْرَجَتْ مِنْهَا جِرَابَيْنِ، وَلَوْ أَخْرَجْتُ الثَّالِثَ لَرَجَمْتُمُونِي بِالْحِجَارَةِ».

وأخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه (1572) من حديث عُبَيْداللهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَر بْنُ عَبْدِاللهِ الرُّومِيّ، مثلَه.

وأخرجه الرامهرمزيّ في المحدّث الفاصل (ص: 556) من حديث عَبْدَانَ قال:حدّثنا ضاهرُ بْنُ نُوحٍ: حدّثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِاللهِ الْبَصْرِيُّ، به مثله.

وعمر بن عبدالله الروميّ؛ قال فيه ابن حبّان في المجروحين (2: 94): « يقلب الْأَخْبَار وَيَأْتِي عَن الثِّقَات بِمَا لَيْسَ من أَحَادِيثهم لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِهِ بِحَال».

فتعقّبه الدارقطنيّ في تعليقاته على المجروحين (ص: 179) بقوله:

«قَول أبي حَاتِم بن حبّان هَا هُنَا: عمر بْن عَبْداللهِ الرُّومِي، إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّد بْن عَبْداللهِ بن عمر الرُّومِي، الَّذِي روى عَنهُ أَبُو مُسلم، ونظراؤه.

وَأَبوهُ عمر بْن عَبْداللهِ: ثِقَة، حدث عَنهُ قُتَيْبَة بْن سعيد، والأكابر. يحدث عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة.

وَأَبُو عَبْداللهِ الرُّومِيُّ؛ حدث عَنهُ حَمَّاد بْن زيد، وَهُوَ ثِقَة».

قال الفقير عداب:

لا يبلغ عُمر بن عبدالله وأبوه أن يكونا ثقتين أبداً؛ لأمور كثيرة:

أوّلاً: ليس لهما في الكتب التسعة أيُّ حديث، فلو كانا من الثقات؛ لأخرج عنهما واحدٌ من أصحاب الكتب التسعة، خاصّة وأنهما من طبقة الرواة المتقدّمين!

ثانيا: لهما سوى الحديثِ المتقدّم، ما أخرج البخاري لعمر بن عبدالله عن أبيه حديثاً في الأدب المفرد (633)

وأخرج الطبراني لعمر بن عبدالله عن ابن عون حديثاً في المعجم الكبير (13: 309) فهل يعطى مثلُ هذين درجةَ ثقة!

ثمّ إنّ عبدالله الروميّ هذا؛ خالف سعيداً المقبريّ عن أبي هريرة!

فسعيد يقول: هما وعاءان، أو جرابان!

والروميّ هذا جعلها خمسةَ أجربة، فلو كان هو ثقةً فعلاً؛ لكان حديثُه شاذّاً!

وأخرج ابن سعد في الطبقات (2: 278) و(4: 247) ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1: 486) وابن أبي خيثمة في التاريخ (1: 437) والبيهقيّ في المدخل إلى السنن (1: 205) والخطيب في الفقيه والمتفقه (2: 415) جميعهم من طريق سليمان بن حرب عن أبي هلال محمد بن سليم الراسبي، عن الحسن قال: قال أبو هريرة: لو حدثتكم كل ما في كيسي؛ لرميتموني بالبَعَر.

قال الحسن: صدق، والله لو حدّثهم أنّ بيت الله يهدم أو يحرق ما صدقه الناس».

قال الفقير عداب: الحسن البصري لم يدرك أبا هريرة، ولا هو قال: سمعت، وهو من كبار المدلّسين.

وفي إسناده أبو هلال الراسبيّ، ترجمه الذهبيّ في تاريخه (4: 565) وقال: « وَثَّقَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحِلُّهُ الصِّدْقُ.

وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابٌ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ.

وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ» فالحديث ضعيف.

ومن الواضح أنّ حديثَ الوعائين، الذي هو من أفراد البخاري، وهذه الأحاديث الضعيفة - إن صحّتْ، أو صحّ بعضها- سبب ورودها عن أبي هريرة؛ أنّ عدداً من الصحابة كانوا يعيبون عليه كثرةَ روايته عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهو لم يصحبه إلا مدّةً يسيرةً، قياساً بإخوانه السابقين من الصحابةِ.

يضاف إلى هذا أنّه كان أميّاً لا يقرأ ولا يكتب، ولو كان بمثل هذا الذكاء النادر؛ لتعلّم القراءة والكتابة!

وهناك أحاديثُ في الصحيحين وغيرهما، يوضح فيها أبو هريرة عذرَه بكثرة حديثه!

لا مجال لذكرها هنا؛ لأننا في معرض دراسة الأحاديث التي انفرد بها الإمام البخاريّ عن الكتب التسعة!

وإذْ إننا حسّنّا حديث الوعاءين، وحديث (إمارةِ الستّين) فلا بدّ من توجيهه وجهةً أخرى، سوى وجهة الإكثار، حيث إنّ أبا هريرةَ عاصرَ زمانَ فتنة توطيدِ ملك بني أميّة، الذين لم يكن فيهم أحدٌ يخاف الله تعالى، ولديهم الاستعدادُ النفسيّ لقتلِ أيّ كائنٍ من أجل الملك.

فكان أبو هريرة يخافُ على نفسه، من بطشهم من جهة، ويخاف على المسلمين لو ثاروا عليهم من جهة أخرى، وما وقعةُ الحرّة - بعد أبي هريرة - عنّا ببعيدة!

يوضح ذلك ما أخرجه البخاريّ (3605) وهذا لفظه، ومسلم (2917) من حديث أبي هريرة نفسه قال: سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقُ يَقُولُ: (هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ) فَقَالَ مَرْوَانُ: غِلْمَةٌ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «إِنْ شِئْتَ أَنْ أُسَمِّيَهُمْ، بَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ»!

واللهُ تَعالى أعلَمُ. 

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.



([1]) في بعض النسخ: عن.

([2])  في (ك): « قالَ أبو عَبد الله: البلعوم: مجرى الطعام».

([3]) من حديث محمد بن عبدالرحمن بن المغيرة، المعروف بابن أبي ذئبٍ عن سعيدٍ المقبريّ، عن أبي هريرة قولَه؛ انفرد به البخاريّ عن بقيّة التسعة، وأخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (2: 362) و(4: 331) وابن عديّ في مقدمة الكامل (1: 94) والبيهقيّ في المدخل إلى علم السنن (425) وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1910) والمهرواني في فوائده (20) وانظر تحفة الأشراف (9: ( 13023).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق