السبت، 5 نوفمبر 2022

   أفرادُ الإمامِ البخاريّ (11):

التوسُّلُ بالعبّاسِ بن عبدالمطّلب!؟

بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

بإسنادي إلى الإمامِ البخاريّ في الجمعةِ، بابُ سؤالِ الناسِ الإمامَ الاستسقاءَ إذا قَحَطوا (1010) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنا الْحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ «الزعفرانيُّ» قالَ: ثَنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِاللهِ الأَنْصارِيُّ([1]) قالَ: حَدَّثَنِي([2]) أَبي عَبْدُاللهِ بنُ الْمُثَنَّى عَنْ ثُمامَةَ بنِ عَبْدِاللهِ بنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بن مالكٍ [ك: 138] أَنَّ عُمَرَ بنَ الْخَطّابِ رضي الله عنه، كانَ إِذا قَحَطُوا؛ اسْتَسْقَى بِالْعَبّاسِ بنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ «رضي الله عنه» فَقالَ: «اللَّهُمَّ إِنّا كُنّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنا فَتَسْقِيَنا، وَإِنّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنا فاسْقِنا» قالَ: فَيُسْقَوْنَ([3]).

- وأَعادَهُ البخاري في المناقب، باب ذكر العبّاس بن عبدالمطّلب (3710) قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، به مثلَه.

مدار حديثِ الباب على محمد بن عبدالله الأنصاريّ، رواه عنه:

إبراهيم بن عبدالله أبو مسلم الكَشيّ، عند الطبراني في المعجم الكبير (84).

الحسن بن محمد الزعفرانيّ، عند البخاري (1010، 3710)

سليمان بن داود أبو الربيع الحارثيّ، عند ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (351)

محمد بن أبي بكر أبو موسى المديني، عند ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (351)

يعقوب بن سفيان، أبو يوسف الفارسيّ، عنده في المعرفة والتاريخ (1: 504) وعند أبي عوانة (2573) وغيرهم.

وثمامةُ بن عبدالله بن أنس بن مالكٍ، راوي الحديثَ عن جدّه أنسٍ؛ ترجمه العجلي في الثقات (188) وقال: بصريّ تابعيّ ثقة.

وترجمه ابن حبّان في الثقات (1988) ساكتاً، لكنه اعتمده، فأخرج له في صحيحه أحاديثَ، منها (1414، 2861، 3266، 3754، 4508).

وترجمه ابن شاهين في ثقاته (153) ونقل عن أحمد ابن حنبلٍ قوله فيه: ثقة.

وترجمه الدارقطنيّ في كتابه أسماء التابعين، ممّن صحت روايته عن الثقات (153).

وترجمه المزيّ في تهذيبه (4: 406) ونقل عن أحمد والنسائيّ: ثقة، ونقلَ ما يفيد غفلةً لديه.

وترجمه ابن عديٍّ في ضعفائه (323) ونقل عن ابن معين أنه سئل عن حديثٍ تفرّد به ثمامة، فقال يحيى «لا يصحّ، ليس بشئ» وروى له عدداً من الأحاديث، وختم ترجمته بقوله: «لثمامةَ عَن أَنَسٍ أحاديثُ، وأرجو أَنَّهُ لا بأس به، وأحاديثُه قريبٌ من غيره، وَهو صَالِح فيما يرويه عَن أَنَس عندي».

وترجمه ابن حجر في تقريبه (853) وقال: صدوق.

قال الفقير عداب: روى البخاري من طريق ثمامةَ عن أنس (30) روايةً، منها (94، 95، 1448، 1450، 1453).

وقد أخرج له الترمذيّ ثمانية أحاديث، صحّحها كلَّها ما عدا حديثاً واحداً (473) أخرجه ثم قال: « حديث أنسٍ غريب، لا نعرفه إلّا من هذا الوجه» وإذا أطلق الترمذيّ كلمة غريبٍ مفردةً؛ فهو يعني أنّ الحديث ضعيف!

وليس ضعفُ الحديث عنده من قِبَل ثمامة طبعاً، إنما هو من قِبَل الراوي عنه موسى بن فلان بن أنس، ترجمه ابن حجر في التقريب (7027) وقال: مجهول.

وهذا يعني أنّ الترمذيَّ اعتمد ثمامةَ وصحّح حديثه، كما صنع شيخُه البخاريّ.

بينما لم يخرّج له مسلم سوى حديثٍ واحدٍ في الأشربة (2028) أنّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم (كان يتنفّسُ في الإناء ثلاثاً).

وقد ظهر من تخريج الحديث السابق (10) أنّ البخاريَّ أخرج لفليحِ بن سليمان الضعيف (53) رواية، اعتمد عليه في كثيرٍ منها، بينما لم يعتمده مسلمٌ ولو في روايةٍ واحدة!

وقد خرّج البخاريّ لثمامةَ الضعيفٍ ثلاثين حديثاً، بدعوى الانتقاء الهزيلة، بينما لم يخرّج له مسلم، سوى هذا الحديث الواحد!

ثمّ يقولون لك: إنّ صحيح البخاريّ أصحّ من صحيح مسلم!

الحكم على حديثِ أنسٍ في الباب:

حاول ابن حجرٍ في تطبيقاته العملية في التخريج أنّ يقول: كلّ راوٍ اختلف فيه النقّاد بين موثّق ومضعّف؛ فحديثه حسن!

ومع أنّ هذه القاعدة لا يوجَد علميّاً ما يثبتها، لأنّ الحافظين الذهبيّ وابن حجر قرّرا أنّ الراويَ الصدوقَ إذا تفرّد بأصلٍ؛ كان حديثُه هذا منكراً!

فحديثُ أنس في التوسّل بالعبّاس رضي الله عنه؛ ضعيفٌ عندي، وحسن حسب قاعدة ابن حجر.

والحديث الحسن - كما ذكرت مراراً - لا يثبت به حلالٌ ولا حرام، إنما يثبت به المندوب والمكروه.

والذين يذهبون إلى التوسّل بالصالحين من السادةِ الصوفيّة وغيرهم؛ لا يقولون بأنّ التوسلَ بالصالحين واجبٌ، إنما يقولون هو جائز، وليس بمكروهٍ، فضلاً عن أن يكون محرّماً.

وليس في هذا الاعتقاد أيّ ضيرٍ ولا ضررٍ على العقيدةِ أبداً.

واللهُ تَعالى أعلَمُ. 

ملحوظة: أرجو من الإخوة الأحبّة أن يدعوا للفقير عداب بالعافية والشفاء، وبحسن الختام، مع الشكر الجزيل.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.


([1]) في بعض النسخ: حدثنا الأنصاريُّ.

([2]) في (ك): «قالَ: نا أبي».

([3]) من حديث محمد بن عبدالله الأنصاريّ عن أبيه، به موقوفاً على عمر بن الخطابِ؛ انفرد به البخاريّ عن بقية التسعة، وهو في جزء محمد بن عبدالله الأنصاريّ (61) وأخرجه ابن سعد في الطبقات (4: 21) ويعقوب بن سفيان الفسويّ في المعرفة والتاريخ (1: 504) وابن أبي عاصم في الآحادِ والمثاني (351) وأبو عوانة في مستخرجه على صحيح مسلم (2573) وابن خزيمة في كتاب الصلاة، باب استحباب الاستسقاء ببعض قرابة النبي e (1421) ولفظه: (وإنا نستسقيك اليوم بعم نبيك) وأبو عوانة في كتاب الاستسقاء، زيادات في الاستسقاء، ما لم يخرجه مسلم رحمه الله في كتابه (2029) وابن حبان في كتاب الصلاة، باب صلاة الاستسقاء (2861) واللالكائيّ في كرامات الأولياء (87) والبيهقيّ في السنن الكبير (7: (6501) والبغويّ في شرح السنة (1165). انظر التحفة: [8: 10411] والإتحاف [12: 15184] وللحديث شاهدٌ مرسلٌ، من حديث عبدالرحمن بن عبدالله العمريّ عن نافع، أخرجه البلاذريّ في أنساب الأشراف (4: 7) والآجريّ في الشريعة (1744) وفي إسناده عبدالرحمن العمريّ هذا، ترجمه ابن حجر في التقريب (3922)  وقال: متروك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق