الأحد، 13 نوفمبر 2022

       أفرادُ الإمامِ البخاريّ من أحاديث أبي هريرة (3):

إيثارُ الأنصارِ إخوانَهم المهاجرين، رضي الله عنهم وأرضاهم.

بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

بإسنادي إلى الإمامِ البخاريّ في المزارعةِ، بابٌ: إذا قال: اكفني مؤونة النخل وغيره، وتَشرَكني في الثمر (2325) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنا الْحَكَمُ بنُ نَافِعٍ: أَنا شُعَيْبٌ: ثَنا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَتِ الأَنْصَارُ لِلنَّبيِّ e: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ؟([1]).

قَالَ: (لاَ) فَقَالُوا: تَكْفُونَا الْمَئُونَةَ([2]) وَنَشْرَكَكُم([3]) فِي الثَّمَرَةِ؛ قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا.

وأعاده البخاريّ في الشروط، باب الشروط في المعاملة (2719) قال: حَدَّثَنا أَبُو الْيَمَانِ «الحَكَمُ بنُ نافعٍ»: أَنا شُعَيْبٌ: ثَنا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

قَالَتِ الأَنْصَارُ لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّمَ: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ؟

قَالَ: (لاَ) فَقَالَ([4]): تَكْفُونَا([5]) الْمَئُونَةَ وَنُشْرِكُكُمْ فِي الثَّمَرَةِ. قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا.

وأعاده البخاريُّ في المناقبِ، باب إخاء النبيّ بين المهاجرين والأنصار (3782) قال: (3782) حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بنُ مُحَمَّدٍ أَبُو هَمَّامٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بنَ عَبْدِالرَّحْمَنِ: ثَنا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَتِ الأَنْصَارُ: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ النَّخْلَ.

قَالَ: (لاَ) قَالَ: يَكْفُونَا([6]) الْمَئُونَةَ وَيُشْرِكُونَا([7]) فِي التَّمْر؟ قالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا([8]).

مَدارُ حديثِ أبي هريرةَ في البابِ على أبي الزنادِ عبدالله بن ذكوان القرشيّ، رواه عنه:

شعيبُ بن أبي حمزة الأمويّ، عند البخاري (2325، 2719) وعنده في الأدب المفرد (561) والنسائيّ في الكبرى (11749) والبغويّ في شرح السنة (2157).

والمغيرةُ بن عبدالرحمن القرشيّ الحزاميّ، عند البخاريّ في الصحيح (3782).

والمغيرة بن عبدالرحمن هذا؛ أخرج له البخاريّ في صحيحه إحدى عشرةَ روايةً، واختلف فيه النقّاد بين موثّق ومضعّف، وقال ابن حجر في التقريب (6845): «ثقةٌ له غرائب».

قال عداب: وهذا الحديثُ ليس من غرائبه، فقد تابعه عليه متابعةً تامّةً شعيبُ بن أبي حمزة.

وأبو الزناد عبدالله بن ذكوان، والأعرج عبدالرحمن بن هرمز؛ ثقتان حجّتان.

خلاصة الحكم على الحديث: إسناده فردٌ مطلقٌ حسن غريب، لم يروه عن أبي هريرة سوى الأعرج، تفرّد به أبو الزناد.

ولحديثِ أبي هريرة شاهد من حديث أنس بن مالكٍ، أخرجه البخاري في كتاب الهبة، باب فضلِ المنيحةِ (2630) ولفظه أوضح من لفظ حديث أبي هريرة بروايتيه عنده، فيه: (لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ مِنْ مَكَّةَ، وَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شيءٌ، وَكَانَتِ الأَنْصَارُ أَهْلَ الأَرْضِ وَالْعَقَارِ، فَقَاسَمَهُمُ الأَنْصَارُ عَلَى أَنْ يُعْطُوهُمْ ثِمَارَ أَمْوَالِهِمْ كُلَّ عَامٍ، وَيَكْفُوهُمُ الْعَمَلَ وَالْمَؤنَةَ) قاسموهم: أن يكون لأصحاب الأرض النصف، وللعاملين النصف

ويلاحَظُ أنّ حديثَ الحكم بن نافع في الموضع الأوّل، يختلفُ قليلاً عن الموضعِ الثاني، مع أنّ الراوي  عن الحكم في الموضعين هو البخاريّ.

وقد رأيتُ كثيرين من العلماء يقولون: هذا تصرّف من البخاريّ؛ لأنه كان يكتب أحياناً من حفظه!

وهذا في الحقيقة لا دليل عليه، إنما كانت بين يديه مصادرُه ، لكنه كان أحياناً يريد أن يختصرَ الحديثَ، أو يوضحَه؛ فلا يتأتّى له.

بيد أنّ اختلاف النُسَخِ - كما هو واضح في الهوامش - يوجب علينا تنزيهَ البخاريّ عن غموضِ بعض عباراتِ حديثِ الباب، وإلصاقَ ذلك برواة هذه النُسَخِ، فهم جميعُهم دون البخاريّ علماً وفهماً.

وبكلّ اعتبار، فمتن أثر أنسٍ قد شرح الغامضَ في متن حديثِ أبي هريرة.

واللهُ تَعالَى أعلمُ.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

      والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.


([1]) في بعض النسخ: النخلَ.

([2]) كُتبت «المُؤنة» في الأَصْل وب، فتراجع.

([3]) كذا في الأَصْل لم يضبط غَيْر الياء، و في (ب): «وَنَشْرَكُكُم» و في (ت): « وَنُشْرِكَكُمْ » وفي اليونينية: ونَشرَكْكُم.

([4]) في (ك): «فقالوا».

([5]) في (ك): «تكفوننا» وفي هامش «ك» كالأصل، وكتب فوقها «أصل» ولم يكتب عليه صحّ.

([6]) في الأَصْل بالياء والتاء في أوله، و في بعض النسخ: يكفوننا المؤنة ويُشركوننا.

([7]) في (ت): «وَتُشْرِكُونَا».

([8]) من حديث أبي الزنادِ عن الأعرج به؛  أخرجه البخاريّ في الأدب المفرد (561) والنسائي في الكبرى، كتاب المناقب، باب مناقب المهاجرين والأنصار (10: (11749) والبغويّ في شرح السنة (2157) وفي تفسيره (8: 77) وانظر الجمع بين الصحيحين (3: (2547) والتحفة [10: 13738، 10: 13889].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق