الجمعة، 2 ديسمبر 2022

  مَسائِلُ عَقَدِيّةٌ (17):

المَلاحدةُ أحبابُه!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

بينا أنا أقلّب صفحات اليوتيوب، أبحث عن شيءٍ مفيدٍ، أتسلّى به؛ ظهر أمامي مقطع «فيديو» يقول فيه صاحبه، وهو من أشهر دعاة هذا العصرّ «المُسخَّم»: «الملحد أخي، الملاحدة أحبابي، أنا لا أكره الملحد، أنا أكره الإلحاد، أنا أحبّ جميع الناس».

أقول وبالله التوفيق:

سَرَتْ إلى المجتمع الإسلاميّ كلّه فكرةُ أنّ «العقل» أحدُ مصادر التشريع، فيما لا نصّ فيه عن الشارع الحكيم!

وقد استهوت هذه الفكرةُ كثيراً من الشباب الطامح إلى الشهرةِ، والطامح إلى التغيير، والطامح إلى ذوبانِ المسلمينَ في المجتمعاتِ الملحدة التي هاجروا إليها، نتيجةَ ظلمِ حكّامهم، أو رغبةً في حياةٍ دنيويّةٍ أفضل!

ولو رُحنا نسلّم لأنصار العقل هؤلاء، بأنّ العقل مصدر من مصادر التشريع، فيما سكت عنه الشارع الحكيم!

لكن هل يجوز أن يصادمَ العقلُ نصوصاً قرآنيةً قطعيّة الثبوت، محكمةً، أو ظاهرةَ الدلالة في أضيق الأحوال؟

وقبل عرضِ الآيات القرآنيّة الصريحةِ في الولاء والبراء؛ أنقل إليكم - إخواني القرّاء - معنى الإلحاد.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات (ص: 737) ما نصّه:

«يقولون: أَلْحَدَ فلانٌ: مالَ عن الحقّ!

والْإِلْحَادُ ضربان: إلحادٌ إلى الشّركِ باللهِ، وإلحادٌ إلى الشّركِ بالأسبابِ.

فالأوّل: يُنافي الإيمانَ ويُبطِلُه.

والثاني: يُوهن عُراه ولا يُبطله.

ومِن هذا النَحوِ قولُه تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ؛ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) [الحج: 25] وقولُه تعالى: (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) [الأعراف: 180].

والْإِلْحَادُ في أسمائه؛ على وجهين:

أحدهُما: أنْ يُوصفَ اللهُ تعالى، بما لا يَصحُّ وَصفُه به.

والثاني: أنْ تُتَأوّل أوصافُه على ما لا يَليق به».

والإلحادُ الذي كان يتكلّم عنه هذا الداعية المشهور؛ هو إنكارُ وجودِ الله تعالى!

وإنكار وجودِ الله تعالى؛ أقبحُ وأشدّ كفراً من الشركِ الأكبرِ، الذي هو اعتقادُ وجودِ شريكٍ لله تعالى في هذا الوجود!

بعد هذه المقدّمة؛ نذهب معاً إلى تدبّر الآياتِ القرآنية الكريمة، التي تنهانا عن محبّة غَيْرِ المؤمنين، والمحبّة والمودّة والولاية شيٌ، والعدل والبرّ والإحسان شيء آخر!

قال الله تعالى:

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ،  وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا؛ أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ (72) الآية.

وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) [الأنفال].

فالمؤمنون حزبٌ واحدٌ، وغير المؤمنين حزبٌ آخر، ليس بينهم وبين المؤمنين ولاية!

فإن ابتعد المؤمنون عن هذا المبدأ القرآني؛ (تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ).

وقال الله تعالى:

(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ، إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) [التوبة].

ولا يخفى أنّ جملة (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) وما بعدها من المعطوفات؛ في محلّ نصبٍ على الحال!

فمسوّغ الولاية بين المؤمنين؛ أنهم (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) إلى قوله تعالى (وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ).

فهل الكفّار عامّةً والملاحدة خاصّةً لديهم ما يسوّغ للمؤمنين موالاتهم ومودّتهم!؟

وقال الله جلّ وعلا:

(الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ؛ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ، وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ، نَسُوا اللهَ، فَنَسِيَهُمْ، إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67).

وَعَدَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ، خَالِدِينَ فِيهَا، هِيَ حَسْبُهُمْ، وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ، وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) [التوبة].

المؤمنون (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ).

وغير المؤمنين (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ).

أجل غير المؤمنين يطالبون دائماً بما يدعونه الحريّاتِ، حريّة الزنا واللواط والسحاق والتعري والاختلاط، وغير ذلك من المنكراتِ التي تتعذّر على الحصر!

أفيكون هناك ولاءٌ وحبٌّ ووِدادٌ مع أولئك المجرمين؟

وقال الحكيم العليم:

(لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ، وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3).

قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ، إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ: إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ، كَفَرْنَا بِكُمْ، وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً.

حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ (4) [الممتحنة].

والسؤال الموجّه إلى هذا الداعيةِ: كيف ينسجم حبّك للملاحدة الذين ينكرون وجود الله تعالى، مع قوله تعالى (وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً)؟

وقال الصبور الشكور:

(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؛ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ!؟

أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ، وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ، وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، خَالِدِينَ فِيهَا، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَرَضُوا عَنْهُ.

أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ، أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ ؛ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22) [المجادلة].

وقال الجبّار القهّار:

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ، وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ.

وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1).

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13). [الممتحنة].

وقال ربّ العالمين:

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ، وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) [المائدة].

(هَاأَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ.

وَإِذَا لَقُوكُمْ؛ قَالُوا آمَنَّا، وَإِذَا خَلَوْا؛ عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ!

قُلْ: مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ؛ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) [آل عمران].

نظرةٌ فاحصةٌ لما يفعله الأوربيون بالمسلمين المهاجرين!

نظرةٌ إلى ما يفعله البوذيون بالمسلمين في ميانمار!

نظرةٌ إلى ما تفعله الصين بمسلمي تركستان الشرقية!

نظرةٌ إلى ما تفعله الهند بمائتي مليون مسلم يعيشون فيها!

لا بدّ أن ترتدَّ تلك النظرة إلى الداعيةِ الإسلاميّ الدكتور عدنان إبراهيم، حاملةً إليه قول الله تعالى (هَاأَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ)!؟

ولا أريد أن أسردَ الأحاديثَ الواردةَ في الحبّ في الله تعالى، ففي هذه الآيات الكريمات كفايةٌ عن أيّ قولٍ آخر!

ختاماً: إنّ من بدهياتِ الدين الإسلاميّ؛ أن يكون هوى الإنسان تابعاً لمراد الله تعالى، وهَديِ رسوله محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم.

والله تعالى يقول: (قُلْ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ، فَإِنْ تَوَلَّوْا؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32) [آل عمران].

أفتحبّ من لا يحبّهم الله تعالى، يا أخي عدنان إبراهيم؟

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق