الجمعة، 4 نوفمبر 2022

  أفرادُ الإمامِ البخاريّ (10):

مُغايرةُ طريقِ الذهابِ، عن طريق العودةِ يومَ العيدِ

بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

بإسنادي إلى الإمام البخاريّ في كتابِ الجُمُعَةِ، باب مَن خالفَ الطريقَ، إذا رجع يومَ العيدِ (986) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنا  مُحَمَّدُ «بنُ سلامٍ» قالَ: أَنا([1]) أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بنُ واضِحٍ عَنْ فُلَيْحِ بنِ سُلَيْمانَ، عَنْ سَعِيدِ بنِ الْحارِثِ، عَنْ جابِر بن عَبداللهِ رضي الله عنهما قالَ: «كانَ النَّبيُّ e إِذا كانَ يَوْمُ عيدٍ؛ خالَفَ الطَّرِيقَ»([2]).

تابَعَهُ يُونُسُ بنُ مُحَمَّدٍ عَنْ فُلَيْحٍ([3]) وَحَدِيثُ جابِرٍ أَصَحُّ.

مَدارُ حديثِ جابرٍ في الباب، على فُليحِ بن سليمان الخُزاعي، رواه عنه:

- الهَيثمُ بن جَميل البغداديّ، عند أبي مسعود الدمشقيّ في الأطراف، كما في فتح الباري (4: 73).

- ويحيى بن واضح أبو تُمَيلةَ الأنصاريّ، عند البخاريّ (986).

- ويونس بن محمد المؤدِّبُ، عند البخاري (986) والترمذي (541) وعند الإسماعيليّ وأبي نُعيمٍ، في مستخرجيهما على صحيح البخاريّ، كما في فتح الباري (4: 72).

وفُليحُ بن سليمان الخزاعيّّ هذا: ترجمه البخاري في التاريخ  الكبير (7: 133) ولم يذكره بجرح أو تعديل.

وترجمه أبو زرعة في ضعفائه (2: 366) وقال: ضعيف، وسئل عنه في موضع آخر من ضعفائه (2: 425) فقال: «واهي الحديث، هو وابنه محمد بن فليح، جميعاً واهيان»!

وترجمه ابن أبي خيثمة في تاريخه (2: 349) ونقل عن ابن معين قوله فيه: حديثه ليس بالجائز، ومرّةً: ضعيف، وثالثة: ليس حديثه بشيءٍ !

وقال النسائيّ في ضعفائه (486): ليس بالقويّ.

وترجمه العقيليّ في الضعفاء (3: 466) ونقل تضعيف يحيى إيّاه.

وترجمه ابن عديٍّ في ضعفائه (7: 144) ونقل عن ابن معينٍ قولَه: ضعيف، لا يحتجّ بحديثه.

وختم ترجمته بقوله: «وقد اعتمده البُخارِيّ فِي صحيحه، وروى عنه الكثيرَ، وَهو عندي لا بأس به» ومصطلح لا بأس به عند ابن عديّ يعني أنّ حديثَه يقبَل إذا توبع عليه.

وترجمه ابن الجوزي في ضعفائه (3159) وقال: «قَالَ يحيى بن معين: لَيْسَ بِثِقَة، وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لَيْسَ بِذَاكَ الْقوي».

وترجمه المزيّ في تهذيبه (23: 321) ونقل عن النسائيّ قوله في فليح: ضعيف، ومرّةً: ليس بالقويّ.

وترجمه ابن حجر في التهذيب (8: 303) ونقل ما تقدّمَ من الكلام في تضعيفه.

وترجمه في التقريب (5443) وقال: «صدوقٌ كثير الخطأ».

قال الفقير عداب: لم أقف على أحدٍ من الحفّاظ وثّق فُليحاً هذا، ومع هذا فقد أخرج له البخاري (53) رواية، منها (59، 158، 361، 419، 466).

وأخرج الترمذيّ لفليحٍ (8) أحاديثَ، صحّح خمسةً منها، وحسّن أحدها (541) وجوّد أحدها (2037) وضعّف حديثاً آخر (1838) بشيخِ فُليحٍ، وليس به.

وهذا يعني أنّ الترمذيّ اعتمد فليحاً، كما اعتمده شيخه البخاريّ، لكنْ بعددٍ أقلّ من الرواياتِ، بكثير!

وأخرج له مسلم (5) روايات (240، 839، 891، 2382، 2770) جميعها في المتابعات.

وهذا يعني أنّ الإمام مسلماً لم يخرّج لفليح شيئاً، لم يتابَع عليه، وهذه درجة فُليحٍ عند التحقيق.

وأحاديثُ فليحٍ عند الإمام البخاريّ، تستحقّ رسالةَ ماجستير، تَدرُس هذه الأحاديثَ باستقراء، وتوضح لنا منهج البخاريّ في التخريج عن راوٍ لم يوثّقه من الحفّاظ أحد!

خلاصة الحكم على حديث الباب:

مدار حديثِ جابرٍ في الباب، على فليح بن سليمان، ومدار حديث أبي هريرة في الباب عليه أيضاً، فيكون الحديثان من الفرد المطلق في ثلاثِ طبقاتٍ، وهما حديثان ضعيفان، وفي الباب حديثُ ابن عمر، وحديث أبي سعيدٍ الخدريّ، هما ضعيفان أيضاً!

وعلى مذهبِ الذين يصحّحون الحديثَ الضعيفَ بالحديثِ الآخر الضعيف؛ يكون حديثُ الباب عندهم حسناً لغيره!

وفي هذه الحال؛ لهؤلاء أن يستنبطوا بعض الحِكَم مِن مغايرةِ طريق الذهاب إلى صلاة العيد، عن طريق العودة منها.

واللهُ تَعالى أعلَمُ. 

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.


([1])  في (ب): «ثنا».

([2]) من حديثِ فُليح بن سليمان عن سعيد بن الحارث، عن جابرٍ قولَه؛ انفردَ به البخاريُّ عن بقيّة التسعة، وعلّقه الترمذيّ في جامعه، عقبَ هريرة أبي هريرة (541) وأخرجه البيهقي في السنن الصغير (703) وفي السنن الكبير، في كتاب صلاة العيدين، باب الإتيان من طريق غير الطريق التي غدا منها (6: (6318) والبغويّ في شرح السنّة (4: (1108) وابن عبدالهادي في الاختلاف بين رواة البخاريّ (16) ويراجَع، فكلامه مهمّ جدّاً.

وقد بحثَ المسألة الحافظُ في مقدمة الفتح (1: 352) وعند شرح الحديث (4: 69 - 73) وانظر التحفة [2: 2254] و[9: 12937] والإتحاف [8: 9547].

([3]) في نسخة موسوعة صخر (986): ««تَابَعَهُ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ فُلَيْحٍ، وقال محمّد بن الصلت: «عن فُليحٍ، عن سعيد بن الحارث، عن أبي هريرة، وحديث جابرٍ أصحّ» وهو المعتمد!

فقد أخرج هذا المتنَ الإمامُ أحمدُ في مسنده (8454) قال: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا خَرَجَ إِلَى الْعِيدَيْنِ؛ رَجَعَ فِي غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ) وأخرجه ابن حبّان في صحيحه (2815) والترمذيّ في الجامع (541) من طريق محمّد بن الصلتِ عن فُليح بن سليمانَ، عن سعيد بن الحارث، عن أبي هريرة، نحوَه، ثم قال: «حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَى أَبُو تُمَيْلَةَ وَيُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ كَأَنَّهُ أَصَحُّ».

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق