الأربعاء، 29 مارس 2023

  قَريباً مِن السياسةِ (2):

هَل الشيعةُ عُمَلاءُ !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

في حوارٍ مع أحدِ الإخوةِ من أهل السنّة؛ قال لي: هناك معادلةٌ عدابيّةٌ لم أستطع فهمها، حبّذا لو تشرحها لي باختصار!

قلت له: هاتِ هذه المعادلةَ لنرى مكامنَ الصعوبةِ فيها!

قال صاحبي: أنت لا تثق بكتب الشيعة الروائيّة كلّها، صحيح؟

- صحيح تماماً!

قال: ومع هذا تثني على كتاب النهاية للطوسي، وشرائع الإسلام للحلّي، صحيح؟

- صحيح، وأستغرب ممن يكتب هذا الفقهَ العالي، كيف يعتقد بخرافاتٍ الرافضة!

قال: وتدعو الله تعالى أن لا ينتشرَ المذهبَ الرافضيّ، وأن لا يُمكّن لساسةِ الرافضة من رقاب الشيعةِ، ومن رقابنا على السواء، صحيح؟

- صحيح؛ لأنّ عشرين سنةً من حكم الرافضة في العراق؛ أبرزت أنّ أهم مقاصد عوامّ الرافضة؛ الزياراتُ والنوح والبكاء واللطم والتطبير، ومن هذا شأنه ليس مؤهّلاً لبناء وطنٍ ولا لتنمية أمّة!

وأنّ مقاصدَ ساستهم منحصرةٌ باختلاس أموال الأمة «المجهولة المالك» وفي سبيل هذا؛ يوالون مَن شئتَ، ويعادون من شئت!

قال: وتحبّ عامّة الشيعةِ مثلما تحبّ عامّة أهل السنّة، ولا تحبّ علماء السنة والشيعة على حدٍّ سواء، صحيح؟

- لا ليس صحيحاً أبداً.

أحبّ عامّة أهل السنّة، حتى لو ترضّوا عن معاوية وعمرِو بن العاص وبقية النواصب والطلقاء، عليهم غضبُ الله وسخطه؛ لأنّ الامّة يقصدون تعظيم الصحابة!

لكنني لا أحبّ الرافضيَّ العاميَّ الذي يشتم أصحاب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، هكذا بإطلاق!

ولو شتمَ أو لعن البغاةَ والمحاربين والطلقاءَ جملةً وتفصيلاً؛ لا أجد في نفسي أيَّ حرجٍ تجاهَه.

أمّا علماءُ الشيعةِ؛ فأحبّ منهم العقلاءَ المهذّبين الذين يسعون إلى التعايش بين المسلمين، والذين يحرّمون بغضَ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالجملة، وأبغِضُ كلَّ مرجعٍ يفتي الساسةَ بحيازة مال الأمة، بدعوى أنّه «مجهول المال» بعد تطييبه لهم، بأخذ حصّته منه!

وأمّا علماء أهل السنّة؛ فلا أحبّ منهم من يترضى عن حزبِ البغاة المحاربين.

ولو ترحّم أحدٌ منهم أو ترضّى على أهل السبق والتضحية والجهاد، مثل العشرة المبشرين عندهم بالجنة؛ فلا أجد ذلك منكراً، إذ ليس من شرط الوليّ أن لا يخطئ!

قال: هل تعتقدُ أنّ الشيعةَ عملاء؟

- واقعنا المعاصر؛ يختلف عن ماضينا السياسيّ، يوم كانت دولةُ أهل السنة تملأ الدنيا، وكانت دولة الشيعة في حدود إيران الصفويّة.

فكان السنيّ الذي يتجسس  لحساب الدولة الصفويّة؛ يُعدُّ لدى شيوخ الدولة العثمانية مرتدّاً كافراً، يُقتَل من دون تردّد، وكذلك الشيعيّ الذي يتجسس لحساب الدولة العثمانية؛ يقتله الرافضة!

يختلف الأمر اليومَ في ظلّ مفهوم الدولة القوميّة، أو الدولة الوطنيّة، أو الدولة القانونيّة!

فدولة قطر، ودولة البحرين، ودولة الكويت، ودولة الإمارات، كلّ دولة منها لا يصل عدد سكانها إلى مليون نسمة، ومع هذا فهي في الاعتبار مثلَ دولة مصر أو سوريا أو العراق أو الجزائر، وربما تحاولُ بعضُ هذه المشيخاتِ أن تسودَ على تلك الدول الكبيرة، بسبب مال الأمّة الذي سلّطهم المستعمر عليه!

وهذه الدويلات؛ توجِب على رعيّتها حصرَ ولائهم بها، وتحرّم أن يكون الولاء لأيّ أحدٍ سواها.

وأنا أرى من الطبيعيّ جدّاً؛ أن يوالي السنيّ السوريّ أو المصريّ أو الأردنيّ السعوديّةَ مثلاً،  وأن يوالي الشيعيّ إيران؛ لأنّ الولاء في الإسلام للدين وعلى الدين، وليس على أيّ شيءٍ آخر!

لكنّ الأنظمة الحاكمةَ ترفض هذا رفضاً تامّاً، وتجرّمه، وتعاقبُ عليه.  

فعلى كلّ مسلمٍ سنيّاً كان أم شيعيّاً؛ أن يراعي الدساتيرَ والقوانين والتشريعاتِ المعمولَ بها في بلده، ولا يُعرّض نفسَه لأخطارٍ هو في غنىً عنها.

عندما كنتُ في العراق، كان للمعارضةِ السوريّة إذاعةٌ أو قناةٌ أخباريّة، نسيت!

دعاني المشرف عليها إلى لقاءٍ مسجّلٍ، فرفضتُ، ودعاني إلى إلقاء محاضرةٍ فرفضت!

قلت له: عقيدتي ومبدئي: أنني عندما أكون في الحجاز؛ فأنا حجازيّ، وعندما أكون في العراق؛ فأنا عراقيّ، وعندما أعود إلى سوريّا؛ أكون سوريّاً، وإذا فكّرتُ أن أكون معارضاً؛ فمن الداخل، وليس من بلاد خصومِ البلد الذي ينسبونني إليه!

وعُرِضَ عليَّ في بلدٍ آخرَ تشكيلُ حِزبٍ سياسيّ؛ فرفضتُ أيضاً، بدعوى أنني لا أفهم في السياسة!

وأنا منذ عام (2015) أقيم باستمرارٍ في تركيّا، لم أخرج منها منذ ذلك التاريخ، وحتى هذه الساعة، فأنا اليوم تركيٌّ، ومن المُحالِ أن أقومَ بأيّ عملٍ عِدائيٍّ تُجاهَ أيِّ جانبٍ من جوانب الحياة الدينية والاجتماعية والسياسيّة في تركيّا، مع انتقاداتي الكثيرة في هذا الجوانب.  

فالقول بأنّ الشيعةَ عملاءُ؛ مثل القول: إنّ أهل السنّة عملاء، ولا فرق!

قال صاحبي: لكنّ شيعةَ العراق تآمروا مع أمريكا ومع إيران، وتركوهما تتحكّمان بمصير العراق، وكنوزه ومائه وهوائه؟

- ما تحسبونه أنتم نقداً للشيعةِ بطاعة مراجعهم؛ هو مزيّةٌ لهم عند التحقيق؛ لأنّ أيَّ دولةٍ تريد أن تتفاهم مع قادة الدولة السياسيين؛ ترجع إلى المرجع الدينيّ، أو عددٍ يسير من المراجع الدينيّة، فتتفاهم معهم، وتنتهي المشكلة!

أمّا التفاهم على أيّ أمرٍ مع أهل السنّة؛ فليس مردّه إلى المرجع الدينيّ، وليس إلى أكبر شخصيّة سياسية، إنما مرجعه إلى مَن يَمتلك المالَ والسلا حَ، حتى لو كان أرعنَ!

كان لي زميلٌ شيعيٌّ فاضل  فقيه ومفكّر وكاتب، قلت له مرّة: أنت حاصل على درجة الدكتوراه في الفقه، ولديك من الكتب والأبحاث أكثرُ ممّا لدى مراجع التقليد، وأنت في نظري أفقه من مراجعكم العشرة، فهل ما زلت تقلّدُ بعضَهم؟

قال لي: نحن حملة الدكتوراه محترمون من المجتمع، لكن يجب أن نكون مقلدين للمراجع العليا، وإلّا حصل لنا شرٌّ ممّا حصل لك!

أمّا تفاهم المراجعِ مع النظامِ السياسيّ في إيران؛ لا يحتاج إلى كبير جهد؛ لأنّ أكثرَ مراجع العراق من أصول إيرانية أصلاً، وإيران تستطيع اعتقالهم وقتلهم متى شاءت!

وأمّا تفاهمهم مع أمريكا وبريطانيا؛ فهو لا يختلف عن تفاهم دولِ الخليج مع أمريكا والغرب، مع فارق واحدٍ، هو أنّ الغربَ يدفع للمرجع مئاتِ الملايين من الدولاراتِ حتى يتمّ الاتّفاق معه؛ فيمَ تدفع دول الخليج إلى أمريكا ما يفرضه الأمريكيّ، من دون نقاش!

قال صاحبي: هذا إقرارٌ منك بأنّ مراجع الشيعة عملاء، ويقبضون مقابلَ عمالتِهم؟

- بعض معارفي من الشيعة في العراق؛ يعلمون صلتي بالرئيس صدّام حسين، ومع ذلك لم يخافوا أن يقولوا لي: يا شيخ عداب، لستَ ممّن يلفّ ويدور، ألستم أهل السنّة تكفّروننا؟!

- بلى والله، بل أنتم عند أهل السنّة شرّ من اليهود والنصارى، لكنّ السياسةَ تتبطّن النفاقَ والكذب!

قال صاحبي الشيعي: لا بأس فنحن واللهِ نكفر بدينٍ يجعل أبا بكر وعمر وعثمان أفضل من الإمام عليّ، ونكفر بدين يترضّى عن البغاة والمحاربين «قطّاع الطرق».

نحن كفّار بدينكم هذا بالتأكيد، وما دمنا كذلك؛ فنحن سنتّفق مع أمريكا الكافرة على إسقاط نظامكم السنيّ البعثيّ، الذي تصفه أنتَ بذي التوجّه الإسلاميّ الجديد!

التقيتُه بعد عدّةِ أيّام في النجفِ، فرحّب بي وجلسنا نتبادل أطرافَ الحديث في صحن المشهد العلويّ الشريف، فقلت له ضاحكاً: أتذكر عندما قلت لي: إنكم معاشرَ الرافضة ستتآمرون مع أمريكا على إسقاط النظام؟

قال: نعم أتذكّر!

قلت له: ألم تخشَ أن أبلّغ الرئيس صدّام بهذا الكلام، فيعتقلك، وربما قطع لسانك؟!

قال: أمّا أوّلاً، فأنا على يقينٍ تامٍّ أنّك لا تفعل ذلك، ومن المحال أن تكون سبباً في قتل مسلم لمجرّد أنّه صرّح بوجهةِ نظره!

وأمّا ثانياً: فأنت لو أوصلت الكلامَ، واعتقلني أو قتلني صدّام حسين؛ فسيكون ذلك شرارةَ ثورةٍ يستغلّها الغرب الذي يتربّص به لإسقاطه!

فقلت له: أنا واللهِ أوصلتُ مضمونَ الكلام إلى وزير الأوقاف، لكن بصيغةٍ دبلوماسيّة، قلت له: يا معالي الوزير، خطباؤنا الذين يكفّرون الشيعة في كلّ خطبهم وعلى مدى سنواتٍ ماضية، ألا يعطي الشيعةَ مسوّغاً للتآمر مع أمريكا ضدّ الدولة؟

قال: لم أفهم كيف؟

قلت له: أمريكا والغرب كفّار عندنا وعند الشيعة، صحيح؟ قال: تابع رجاءً!

قلت له: الشيعيّ الذي يعتقد أنّ السنيَّ يراه كافراً مثل اليهود والنصارى، بل شرّاً منهم، ألا يمكن أن يفكّر بالتآمر فعلاً مع أمريكا ضدّ من يرونه كافراً؟

قال: الشيعة لا يفعلون ذلك أبداً؛ لأنهم وطنيّون!

قلت: سبحان الله العظيم، هم وطنيّون يحبّون العراق، وأنتم تكفّرونهم ليكفروا بهذه الوطنية التي لن تكون أعزَّ عليهم من دينهم الذي أخرجتموهم منه؟!

قال الوزير: ما سمعت أحداً من الخطباء، ولا بلّغني أحدٌ بأنّ واحداً من الخطباء كفّر الشيعة!؟

قلت: هل من فارق لديك بين أن يقول لك أحدهم: عداب كافر، وأن يقول: الذي يقول إنّ في الصحيحين أحاديثَ ضعيفةً كافر؟

قال: لا فرق!

قلت له: هل من فرق بين قول خطبائكم جميعاً:

- أولئك الكفرة المجرمون، الذين يتّهمون أمّ المؤمنين المبرّأة من فوق سبع سموات بالفاحشة!

- أولئك الذين يطعنون بصحابة رسول الله، صلّى الله عليه وآله وسلم.

- أولئك الذين يقولون بتحريف القرآن الكريم.

وبين قولك: الشيعةُ كفّار؟

هل خطباؤكم يوجهون الكلامَ إلى سكّان المريخ، أو هم يتّهمون الشيعة بهذا؟

قال: ماذا تريد من هذا الكلام؟

قلت: أريد أن يَصدر منك توجيه إلزاميّ للخطباء بأن يكفّوا عن هذا التعريض والتحريض الذي سيدمّر البلد!

وأرجو أن توصلَ كلامي هذا إلى السيّد الرئيس، وإذا لم توصله؛ فسأوصله أنا، وأقول له: إنني كلّمتك بهذا الموضوع خمسَ مرّاتٍ، وأنت لا تلتفت إلى كلامي!؟

ختاماً: الشيعةُ في العالم (200) مليون نسمة تقديراً، لو كان السيّد خامنئيّ أكثرَ علماً وفهماً وذكاءً؛ كانت قيادةُ هؤلاء جميعهم أسهلَ من قيادةِ عشيرةٍ من أهل السنّة!

الشيعة جنود فدائيّون:

لا يسألون أخاهم حين يندبهم == في النائبات على ما قال برهاناً

أمّا قياداتهم السياسيّة؛ فقياداتٌ جائعةٌ، لم تشبع بعد، وهم الذين استعانوا بالأمريكان وقالوا لهم: تعالوا احتلّونا، وبعض مراجعهم قال لشيعته ومقلّديه: «عاملوا الأمريكان كضيوف»!

والله تعالى أعلم

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق