الاثنين، 27 مارس 2023

       مَسائِلُ حديثيّةٌ (19):

انتقاء البخاريّ من أحاديثِ الضعفاء!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).

استمعتُ إلى محاضرةٍ بعنوان «منهجيّة التصحيح، وعبثيّة التعامل مع صحيح البخاريّ» للأستاذ الدكتور بشّار عوّاد معروف البغداديّ، عافاه الله تعالى، وأصلح شأنه.

الدكتور بشّار شأنه شأن العراقيين الذين عرفتهم أجمعين، إذا أنكروا شيئاً؛ شنّعوا عليه وسفّهوه، وإذا خالفهم أحدٌ؛ صغّروه وحقّروه، هكذا هي طبيعة الإنسان العراقيّ، فلا نتوقّف عندها طويلاً!؟

كانت المحاضرة تدور على مسألة (انتقاء الإمام البخاريّ من أحاديث الضعفاء) وساق الدكتور بشّار أمثلةً كثيرةً، استدلّ بها على صحّة مقولةِ (انتقاء البخاريّ) ومناطُ جميعها على وُجود المتابعِ أو الشاهد الثقة.

وهذا لا يخالفُ في صحّته عندئذٍ أحدٌ، لا من المتقدّمين، ولا من المتأخّرين، فتأكيد الدكتور بشّار على الانتقاء في هذه الحال؛ تحصيلُ حاصل، ليس فيه جديد!

إنّما الشأنُ في مسألة «تَفرّد» الراوي الضعيفِ، أو المتكلَّم في حفظه مطلقاً، أو في حديث بعض شيوخه، هل تخريج البخاريّ له من أفراده؛ انتقاءٌ، وما دليل الانتقاء حينئذٍ؟

البخاريّ أخرج عن رواةٍ ثقاتٍ.

وأخرج عن رواةٍ وُصفوا بالصدق.

وأخرج عن رواةٍ وحدانٍ ومساتير ومجاهيل.

وأخرج عن رواةٍ  يُقبلون عند المتابعةِ في حدودها الدنيا «حسن لغيره».

فهو إذا أخرج عن الثقاتِ بشروط الحديثِ الصحيح المعروفة؛ قلنا: الحديث صحيح.

وهو إذا أخرج عمّن دون ذلك؛ وتوبع على حديثه؛ قلنا: صحيح لغيره، أو حسن لغيره، بحسبِ درجة الراوي المتابَع والمتابِع!

لكنّ البخاريّ أخرج لرواةٍ تكلّم فيهم العلماء، ولم يتابعهم على أسانيدِ أحاديثِهم، أو على متونها أحدٌ، فهل نقول في هذا الحال: انتقى البخاريُّ من أحاديث الضعفاء والمتكلَّم فيهم ما عرفَ صحّته، وكيف عرف صحّته، وما دليلنا على صحة دعوى الانتقاء هذه، وليس بين أيدنا متابِعٌ ولا شاهد؟

هذه المسألةُ؛ هي التي أنفي أنا أنّ البخاريّ انتقى فيها، إذ هي دعوى مجرّدةً عن الدليل!

- ومعلوم لمن قرأ «فتح الباري» للحافظ ابن حجر فحَسْب؛ أنّ من منهج الإمامِ البخاري؛ الاعتمادَ على القرائن، والاعتمادُ على القرائن؛ ترجيح، والترجيح بالقرائن ظنّ، فقول الدكتور بشّار: جميع هذه الأحاديث صحيحة ثابتة عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، سواء كانت في الأحكام، أم في التفسير، أم في الترغيب والترغيب؛  ليس له أدنى قيمة علميّة، بل هو كلامٌ مرسلٌ، وستأتي الأدلّة على ذلك!

أخرج الإمام الترمذيّ في كتاب الطهارة، باب الاستنجاء بحجرين (17) قال: حَدَّثَنَا هَنَّادٌ وَقُتَيْبَةُ، قَالاَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ «بن عبدالله بن مسعود» عَنْ عَبْدِ اللهِ «بن مسعود» قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ، فَقَالَ: (الْتَمِسْ لِي ثَلاَثَةَ أَحْجَارٍ) قَالَ: فَأَتَيْتُهُ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ، وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ، وَقَالَ: (إِنَّهَا رِكْسٌ).

وَهَكَذَا رَوَى قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ هَذَا الْحَدِيثَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، نَحْوَ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ.

وَرَوَى مَعْمَرٌ وَعَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ.

وَرَوَى زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ.

وَرَوَى زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ.

وَهَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اضْطِرَابٌ.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، هَلْ تَذْكُرُ مِنْ عَبْدِ اللهِ شَيْئًا؟ قَالَ: لا !

سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «الدارميّ»: أَيُّ الرِّوَايَاتِ فِي هَذَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَصَحُّ؟

فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ!

وَسَأَلْتُ مُحَمَّداً «البخاريَّ» عَنْ هَذَا؟ فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ!

وَكَأَنَّهُ رَأَى حَدِيثَ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَشْبَهَ، وَوَضَعَهُ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ «كتابِ الوضوء، باب لا يستنجى بروث» (156).

وَأَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا عِنْدِي حَدِيثُ إِسْرَائِيلَ وَقَيْسٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ «بن عبدالله بن مسعود» عَنْ عَبْدِ اللهِ «بن مسعودٍ».

لأَنَّ إِسْرَائِيلَ أَثْبَتُ وَأَحْفَظُ لِحَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ مِنْ هَؤُلاَءِ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ» انتهى كلام الترمذيّ.

واضحٌ أنّ الترمذيَّ حاور شيخَه البخاريَّ بهذا الحديثِ؛ فتوقّف البخاريُّ فيه، ثمّ رجّح إحدى طرقه، وأودعها في صحيحه.

بينما رجّحَ تلميذُه الترمذيّ الطريقَ المنقطعة «رواية أبي عبيدة بن عبدالله بن مسعودٍ عن أبيه» الذي اعترف بأنّه لم يسمع من أبيه شيئاً!

فيكون الحديثُ في نظر الترمذيّ ضعيفاً، بينما هو فيما رجّحه البخاريُّ؛ صحيح، أو مقبول!

فهل يُقال عن مثل هذا الحديث: إنّه صحيح ثابت عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، حتى لو رجّحنا رواية زهير، كما فعل ابن حجر في مقدمة الفتح (ص: 349)؟

وقد نصّ ابن حجر في مواضعَ من فتح الباري؛ على أنّ البخاريَّ يعتمد على القرائنِ في ترجيح إحدى الرواياتِ على الأخرى، والترجيح في مواطن الخلاف اجتهاد، ونتيجة الاجتهاد ظنيّة، فلا يصحّ أن يقال - والحال هذه - هذا صحيح ثابت!

وإليك بعض الأمثلة:

قال ابن حجر في مقدمة فتح الباري (ص: 364): «بَيّن البُخَارِيّ الْخلاف فِيهِ، وَقد قدمْنا أَنه فِي مثل هَذَا؛ يعْتَمد عَن الْقَرَائِن، وَالله الْمُوفق».

وقال ابن حجر في مقدمة فتح الباري (ص: 368): «مُقْتَضى ذَلِك؛ تصويبُ صَنِيع البُخَارِيّ.

وَتبين بِهَذَا وَأَمْثَاله؛ أَن الِاخْتِلَاف عِنْد النقاد لَا يضرُّ، إِذا قَامَت الْقَرَائِن على تَرْجِيح إِحْدَى الرِّوَايَاتِ، أَو أمكن الْجمع على قواعدهم، وَالله أعلم».

وقال ابن حجر في فتح الباري (1: 306): «قَوْلُهُ: فَلَا تَسْأَلْ عَنْهُ غَيْرَهُ» أَيْ: لِقُوَّةِ الْوُثُوقِ بِنَقْلِهِ.

فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصِّفَاتِ الْمُوجِبَةَ لِلتَّرْجِيحِ، إِذَا اجْتَمَعَتْ فِي الرَّاوِي؛ كَانَتْ مِنْ جُمْلَةِ الْقَرَائِنِ الَّتِي إِذَا حَفَّتْ خَبَرَ الْوَاحِدِ؛ قَامَتْ مَقَامَ الْأَشْخَاصِ الْمُتَعَدِّدَةِ».

أنا أضرب أمثله، ولا أقرّ هذا الكلام، إذ كلّ ترجيحٍ ظنّ، قد يكون مرجوحاً!

وقال ابن حجر في مقدمة فتح الباري (ص: 435): «فُلَيح بن سُلَيْمَان الْخُزَاعِيّ أَو الْأَسْلَمِيّ أَبُو يحيى الْمدنِيّ، وَيُقَال: كَانَ اسْمه عبد الْملك وفُليحٌ لقب.

مَشْهُور من طبقَة مَالكٍ، احْتج بِهِ البُخَارِيّ وَأَصْحَاب السّنَن.

وروى لَهُ مُسلم حَدِيثا وَاحِدا،ً وَهُوَ حَدِيث الْإِفْك (2770)».

قال عداب: في كلام الحافظ نظر، فقد أخرج مسلم لفُليحٍ أربعةَ أحاديث أخرى، سوى حديث الإفك (240، 839، 891، 2382).

تابع ابن حجر يقول: «وَضَعّفه يحيى بنُ معِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ السَّاجِي: هُوَ من أهل الصدْق، وَكَانَ يهم!

وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مُخْتَلَف فِيهِ، وَلَا بَأْس بِهِ.

وَقَالَ ابن عديٍّ: لَهُ أَحَادِيث صَالِحَة مُسْتَقِيمَة وغرائب، وَهُوَ عِنْدِي لَا بَأْس بِهِ.

قلت «ابن حجر»: لم يَعْتَمد عَلَيْهِ البُخَارِيّ اعْتِمَاده على مَالك وابن عُيَيْنَة وأضرابهما، وَإِنَّمَا أخرج لَهُ أَحَادِيث أَكْثَرهَا فِي المناقبِ، وَبَعضهَا فِي الرقَاق».

قال الفقير عداب: أخرج البخاريّ لفُليحٍ هذا (53) روايةً، أوّلها (59، 158، 361، 419، 466) وآخرها (6692، 7280، 7423، 7466، 7519).

قال ابن حجر في الفتح (1: 142) عند شرحه حديث فليحٍ الأوّل عند البخاري (59): «هُوَ صَدُوقٌ، تَكَلَّمَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ فِي حِفْظِهِ، وَلَمْ يُخَرِّجِ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِهِ فِي الْأَحْكَامِ، إِلَّا مَا تُوبِعَ عَلَيْهِ، وَأَخْرَجَ لَهُ فِي الْمَوَاعِظِ وَالْآدَابِ وَمَا شَاكَلَهَا طَائِفَةً مِنْ أَفْرَادِهِ، وَهَذَا مِنْهَا».

فهل ما يتفرّد به فليحٌ يسمّى صحيحاً، أو يدعى شاذّاً، أو منكراً؟

وهل كلام الحافظ: لم يخرّج له البخاريّ في الأحكام إلّا ما توبع عليه؛ يعني أنّ البخاريّ يَتساهَل في أبواب المواعظ والآداب والرقاق، وليس هو كلاماً فارغاً، كما قال الدكتور بشّار في محاضرته؟

قال ابن حجر في ترجمةِ شريك بن عبدالله بن أبي نمر، وهو راوٍ اختلف فيه النقّاد، قريباً من فُليحٍ، في الفتح (13: 485): «قَالَ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ طَاهِرٍ: تَعْلِيلُ الحَدِيث بتفَرُّدِ شريكٍ وَدَعوى ابن حَزْمٍ أَنَّ الْآفَةَ مِنْهُ؛ شَيْءٍ لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ، فَإِنَّ شَرِيكاً قَبِلَهُ أَئِمَّةُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَوَثَّقُوهُ، وَرَوَوْا عَنْهُ وَأَدْخَلُوا حَدِيثَهُ فِي تَصَانِيفِهِمْ، وَاحْتَجُّوا بِهِ.

وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ وَعُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ وَعَبَّاسٌ الدَّوْرِيُّ عَنْ يَحْيَى بن معِينٍ قال: «لَا بَأْس بِهِ».

وَقَالَ ابنُ عَدِيٍّ: مَشْهُورٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، حَدَّثَ عَنْهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنَ الثِّقَاتِ، وَحَدِيثُهُ إِذَا رَوَى عَنْهُ ثِقَةٌ؛ لَا بَأْسَ بِهِ.

إِلَّا أَنْ يَرويَ عَنهُ ضَعِيف!

قَالَ ابنُ طَاهِرٍ: وَحَدِيثُهُ هَذَا رَوَاهُ عَنْهُ ثِقَةٌ، وَهُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ.

قَالَ: وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ تَفَرُّدِهِ بقوله «قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ» لَا يَقْتَضِي طَرْحَ حَدِيثِهِ، فَوَهْمُ الثِّقَةِ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْحَدِيثِ لَا يُسْقِطُ جَمِيعَ الْحَدِيثِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْوَهْمُ لَا يَسْتَلْزِمُ ارْتِكَابَ مَحْذُورٍ وَلَوْ تُرِكَ حَدِيثُ مَنْ وَهِمَ فِي تَارِيخٍ؛ لَتُرِكَ حَدِيثُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ.

وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ «بَعْدَ أَنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ» فَقَالَ:« قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ» انْتَهَى.

وَقَدْ سَبَقَ إِلَى التَّنْبِيهِ عَلَى مَا فِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ مِنَ الْمُخَالَفَةِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (162) فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ سَاقَ سَنَدَهُ وَبَعْضَ الْمَتْنِ: «فَقَدَّمَ وَأَخَّرَ، وَزَادَ وَنَقَصَ».

وَسَبَقَ ابنَ حَزْمٍ أَيْضاً إِلَى الْكَلَامِ فِي شَرِيكٍ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ كَمَا قَدَّمْتُهُ.

وَقَالَ فِيهِ النَّسَائِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْجَارُودِ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَكَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ!

نَعَمْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو دَاوُدَ: «ثِقَةٌ».

فَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَإِذَا تَفَرَّدَ؛ عُدَّ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ شَاذّاً، وَكَذَا مُنْكَراً عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ: الْمُنْكَرُ وَالشَّاذُّ شَيْءٌ وَاحِدٌ.

وَالْأَوْلَى الْتِزَامُ وُرُودِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي خَالَفَ فِيهَا غَيْرَهُ، وَالْجَوَابُ عَنْها، إِمَّا بِدَفْعِ تَفَرُّدِهِ، وَإِمَّا بِتَأْوِيلِهِ عَلَى وِفَاقِ الْجَمَاعَةِ!

وَمَجْمُوعُ مَا خَالَفَتْ فِيهِ رِوَايَةُ شَرِيكٍ غَيْرَهُ مِنَ الْمَشْهُورِينَ؛ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ بَلْ تَزِيدُ عَلَى ذَلِك».

فإذا كان ما ينفرد به شريكٌ وأمثالُه يُعَدُّ شاذّاً أو منكراً، فكيف إذا خالف؟

وقد خالف في حديث واحدٍ بأكثرَ من عشرة مواضع!

فالقول بأنّ ما ينفرد به أمثالُ شريكٍ صحيحٌ كلّه؛ قولٌ باطلٌ وحرام والله!

بل إنّ ما ينفرد به هذا وأمثاله شاذٌّ ومنكر، ويكون البخاريُّ إنما أخرجه للتنبيه إلى علله.

واللهُ تَعالى أعْلمُ.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق