الأحد، 12 مارس 2023

  مَسائلُ حديثيّةٌ  (15):

 قِعْدةُ المَغضوبِ عليهم!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

سألني أحد الإخوة الأفاضل عن حديثِ الشريدِ بن سُويدٍ في قعدة المغضوب عليهم، أصحيح هو، وما حكم هذه الجلسة؟

أقول وبالله التوفيق:

بإسنادي إلى الإمام أحمد في مسنده الكبير، باب حديثِ الشريد بن سُويدٍ الثقفيّ (19454) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ «البغداديّ القطّان»: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ «بن أبي إسحاق السبيعيّ»: أَخْبَرَنَا «عبدالملك بن عبدالعزيز»ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ «الطائفيّ» عَنْ عَمْرِو بْنِ شَرِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ «الثقفيّ» قَالَ: مَرَّ بِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا جَالِسٌ هَكَذَا، وَقَدْ وَضَعْتُ يَدِيَ الْيُسْرَى خَلْفَ ظَهْرِي، وَاتَّكَأْتُ عَلَى أَلْيَةِ يَدِي، فَقَالَ: (أَتَقْعُدُ قِعْدَةَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)؟

وأخرجه أبو داود في الأدب (4848) وابن حِبّان في صحيحه (5674) والطبراني في المعجم الكبير (7: (7242) والحاكم في المستدرك (7703) وقال: « هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» وغيرهم.

قال الفقير عداب:

مدار حديثِ الشريدِ بن سويدٍ الثقفيّ على عيسى بن يونسٍ السبيعيّ، رواه عنه:

عبدالوهّاب الثقفيّ، عند البيهقيّ في السنن الكبير (5920).

وعليّ بن بحرٍ القطّان، عند أبي داود (4848).

وعمرو بن خالدٍ الحرّاني، عند الطبرانيّ في المعجم الكبير (7242) والحاكم في المستدرك (7703).

والمغيرة بن عبدالرحمن الحرّاني، عند ابن حبّان (5674) وغيرهم.

والشريد بن عمرو له صحبة، وقد روى عنه عددٍ من التابعين، فهو معروف العين.

نقل مغلطاي في إكماله (6: 244) عن ابن السَكن قوله: روى نحواً من خمسة أحاديثَ.

قال عداب: له في الكتب الستّة أكثرُ من خمسة عشر حديثاً. 

وابنه عمرو بن الشريد: ترجمه المزيّ في تهذيبه (22: 63) وقال: ذكره ابن حبان في الثقات، ووثقه العجليّ.

وإبراهيم بن ميسرة: ترجمه الذهبيّ في النبلاء (6: 124) وذكر أنه كان فقيهاً، يحدّث كما سمع، ولا يحدّث على المعنى.

وعبدالملك ابن جريج محدّث كبير، لكنْ ترجمه المصنفون في التدليس، منهم ابن حجر في كتابه طبقات المدلسين (83) وقال: «فقيه الحجاز، مشهور بالعلم والثَبَت، كثير الحديث، وصفه النسائي وغيره بالتدليس.

قال الدارقطنيُّ: شرّ التَدليس؛ تَدليس ابن جريج؛ فإنه قبيح التدليس، لا يُدلّس إلا فيما سمعه من مجروح».

وترجمه ابن حبّان في الثقات (7: 93) وفي المشاهير (ص: 230) وقال: كان يدلّس.

وقال في صدر كتابه الصحيح (1: 161): «وأما المدلسون الذين هم ثقات وعدول؛ فإنّا لا نحتج بأخبارهم، إلا ما بينوا السماع فيما رووا، مثل الثوري والأعمش وأبي إسحاق وأضرابهم من الأئمة المتقنين وأهل الورع في الدينِ؛ لأنّا متى قبلنا خبرَ مُدلّسٍ لم يُبيّن السماعَ فيه - وإن كان ثقةً - لزمنا قَبولُ المقاطيعِ والمراسيلِ كلِّها لأنه لا يُدرَى لعلّ هذا المدلسَّ دَلّس هذا الخبرَ عن ضعيفٍ يَهي الخبرُ بذكره».

وهذا الحديثِ ممّا دلّسه ابن جريج، ولم يتابعه عليه أحدٌ، ومن عادته أنّه يدلّس عن المجروحين، كما قال الدارقطنيّ.

وفي الباب حديث عبدالله بن عمر، الذي أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب كراهية الاعتماد على اليد في الصلاة (994) قال: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ زَيْدِ ابنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ: حَدَّثَنَا أَبِي ( ح).

وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، وَهَذَا لَفْظُهُ.

جَمِيعًا - يعني زَيْدَ بْنَ أَبِي الزَّرْقَاءِ،  وعَبدَاللهِ بْنَ وَهْبٍ - عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَتَّكِئُ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى، وَهُوَ قَاعِدٌ فِي الصَّلَاةِ، سَاقِطًا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ، فَقَالَ لَهُ «ابن عمر: لَا تَجْلِسْ هَكَذَا، فَإِنَّ هَكَذَا يَجْلِسُ الَّذِينَ يُعَذَّبُونَ».

ويحتاجُ هو الآخر إلى منشورٍ خاصٍّ به؛ لبيان علل إسناده ومتنه، ومواضع مخالفته لحديث الشريد هذا.

ختاماً: تقدّم مراراً أنني لا أصحح الحديثَ الضعيف بالحديث الضعيف، إنما أحكم على كلّ حديثٍ بما يستحقّه من تقويم.

وبناء على ذلك؛ فإنّ حديث الشريد بن سويدٍ الثقفيّ ضعيف بعلّتين:

الأولى: تدليس ابن جريجٍ وقد تفرّد بالحديث، والحديث المدَلَّس من الأحاديثِ الضعيفة.

والثانية: التفرّد المطلق من الطبقات العليا إلى الطبقات الدنيا، فهو حديث بمتنه هذا

قال الشريد: «وَقَدْ وَضَعْتُ يَدِيَ الْيُسْرَى خَلْفَ ظَهْرِي، وَاتَّكَأْتُ عَلَى أَلْيَةِ يَدِي»

وهذا يفيد أنّه خارجَ الصلاة!

 فَقَالَ له الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: (أَتَقْعُدُ قِعْدَةَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)؟)

تفرّد به الشريد بن سويدٍ عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وليس هو من علماء الصحابة، ثمّ تفرّد به عنه ولده عَمرو، ولم يروه عن عمرٍو سوى إبراهيم بن ميسرة، ولا عنه سوى ابن جريج، تفرّد به عنه عيسى بنُ يونس السبيعيّ.

وقد نصّ نقّاد الحديث على أنّ التفرّد إنما يُقبَل من الحفّاظِ في طبقاتِ الحديثِ العليا، ولم يكن الشريدُ ولا ابنه، ولا إبراهيم بن ميسرة من الحفّاظ!

واللهُ تَعالى أعْلمُ.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق