السبت، 22 أكتوبر 2022

      بَعيداً عن السياسةِ (29):

بينِ الانتسابِ إلى الإسلام والالتزام به!؟

بسم اللهِ الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

بأيّ سببٍ كانت وفاة المرأة الإيرانيّة في إحدى دوائر الأمن، ولأيّ سببٍ كانت مظاهراتُ الناس في شوارع طهران، إلّا أنّ هذا الحدثَ قادني لأكتب هذا المنشور!

أقول وبالله التوفيق:

منذ بدأتُ الكتابةَ على «الفيس بوك» وحتى الأمسِ القريب، وأنا أكتب وأقول:

الشعوب المسلمة ليست شعوباً إسلاميّة!

الشعوب المسلمة ليست شعوباً مؤمنة!

الشعوب المسلمة ليست شعوباً محسنة!

الشعوب المسلمةُ في جاهليّةٍ حانقةٍ خانقة!

هي من النواحي الاجتماعيّةِ؛ شرٌّ من الجاهليّة الأولى!

انتساب الشعوب المسلمة إلى الإسلام؛ أقلُّ قوّةً واعتزازاً من انتساب أحدهم إلى قبيلته، إلى عشيرته، إلى أسرته!

بُعث الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في المجتمع العربيّ الأعرابيّ، الذي يعبد أكثره الأصنام والأوثان.

وبقي في مكة المكرمة ما يقرب من ثلاثةَ عشر عاماً، يطوف حول الكعبة، ويصلّي إليها، وهي محاطة بهذه الأصنام!

وكان لإماء مكّة راياتٌ حُمرٌ، كنايةً عن مواخير العهر والفجور، وكان علية القوم يرتادونها، من دون حياء، وربما كانوا يكرعون الخمور أمام الكعبة!

لم يكسر الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم لهم صنماً، ولم يهشم لهم وثناً، ولم يطمس لهم صورة!

لم يذهب إلى البغايا، فيأمرهنّ بالتوبة والعفاف والإقلاع عن الفجور، كما لم يهددهنّ أو يسجنهنّ، أو يجلدهنّ!  

والذين يقولون: إنّ الإسلام يؤخذ من حيث انتهى تكوينه بقول الله تعالى:

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3) [المائدة] يغيب عنهم أنّ جهلَ المسلمين وتجهيلَهم المتعمّد المقصود؛ جعلهم يقعون في كثير مما يعدّه علماءُ العقائدِ من المكفّرات!

إنّ الشعوبَ الإسلاميّةَ كلّها لا تريد من الإسلام أكثرَ من العبادات، باستثناءِ أبناء الإسلامِ الحركيّ، فهؤلاء وحدهم، وربما كان معهم قلّة قليلةٌ من الشعوب؛ يريدون الإسلامَ كلّه في نظمه العقدية والفكرية والفقهية والتشريعية والمالية والسياسية والعسكرية والجنائية!

إنّ الإسلام بصورته المتكاملةِ عظيمٌ جليل دقيقٌ شامل، لا يقوى على الالتزام به كلّه إلّا كبارُ النفوس، عظماءُ الإيمان، الذين لامست بشاشتُه قلوبهم وسكنت في مشاعرهم ووجهت تطلّعاتهم!

إذا كان حكّام العرب عن بكرةِ أبيهم، من هذه الشعوب الجاهلة بالإسلام، وكان من شروط اعتلائهم السلطة؛ أن يحاولوا تقريبَ ثقافة المجتمعاتِ الإسلامية وعاداتها من ثقافة الغرب السائب وتقاليده وعاداته؛ فمن أين ستعرف الشعوب الإسلاميةُ دينها ورسولها وربها وكيف ستتّقي نار جهنّم بالتزامها وطاعتها؟

إنّ على جميعِ العلماءِ والمفكرين والأدباءِ السياسيين؛ أن يُعلنوا هجرهم التامّ للسياسة، وأن يعدّوا مجتمعاتهم جاهليّةً، وأن يبدؤوا مع هذه المجتمعات من الخطوة الأولى!

جميعهم يسألون شعوبهم هذه الأسئلة:

- مَن أنتَ؟

- لماذا أنت؟

- من أين جئتَ؟

- مَن أوجدك؟

- لماذا أوجدك؟

- إلى أين المصير؟

يعلّمون شعوبهم أجوبةَ هذه الأسئلة بطُرقٍ شتّى، تتناسب مع قدرات أفراد تلك الشعوب، وطاقاتهم الثقافية.

وعليهم أن لا يملّوا ولا يسأموا ولا ييأسوا ولا يقنطوا!

عليهم أن يتذكّروا دائماً أنّ نوحاً عليه السلام، بقي يدعو قومه (950) سنةً قبل الطوفان، وما آمن معه إلّا قليل!

عليهم أن يتذكّروا أنّ طبيعةَ الإنسانِ الركونُ إلى المألوفِ، واستنكار الجديدِ، إلّأ جديداً محفوفاً بلذّات الدنيا وشهواتها!

عليهم أن يتذكّروا أنّ الرسولَ محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم، ظلّ يدعو قومه في مكة ثلاثةَ عشر عاماً، فلم يؤمن معه من أهلها، إلّا دون (100) رجل!

وكانت قبيلة قريش تقرب من عشرة آلافِ إنسان!

إنّ المبادئ الدعويَّةَ التي أدار عليها الشيخ حسن البنا دعوته؛ تبدأ من القاعدةِ، صعوداً إلى القمة!

بناء الفردِ المسلم.

بناء البيت المسلم.

بناء الحيّ المسلم.

بناء القرية المسلمة.

بناء المدينة المسلمة.

بناء المجتمع المسلم.

إقامة الدولة المسلمة!

ومذ تغيَّر هذا المنهاج، ومنذ دخلت السياسةُ على خطّ دعوة الإخوان المسلمين، ومنذ شكّلوا التنظيمَ السريَّ المسلّح؛ انحرف حملة الدعوةُ عن منهاجها، وازداد أعداؤها، واختلف أبناؤها، وضاعت مكتساباتها!

عندما التقيت الرئيس صدّام حسين، رحمه الله تعالى؛ قلت له:

يا سيادةَ الرئيس: إنّ جماعةَ الإخوان المسلمين؛ أشرفُ وأنظف حركةٍ إسلامية وغير إسلامية على وجه الأرض!

نحن لا نخون، ولا نغدر، ولا نبصق في الإناء الذي شربنا منه!

لكنني يا سيادةَ الرئيس، لا أخاطبك باسم الإخوانِ المسلمين، فأنا لست منتظماً في جماعة الإخوان منذ سنين طويلة!

إنني أخاطبك بصفتي الشخصيّة، فأنا لا أمثّل حتى أولادي!

إنّني يُهمّني كثيراً وكثيراً أن يستقرّ العراق، ويتقدّم العراق، بدوام ملكك وسلطانُك، لكنْ على صراطِ الله القويم، وليس على أهواء الرجال ومشتهياتهم!

أنا ليس لديّ أيّ طموحٍ سياسيّ، بل أنا لا أصلح لأن أكون قائداً سياسيّاً، ولا حتّى قائداً عسكريّا، فأنا حادّ المزاج جدّاً، وشجاعٌ جدّاً، وصبري قليل!

ومَن كانت هذه صفاتُه؛ فيجب عليه وجوباً شرعيّاً أن يبتعد عن السياسة، وأن يُلزمَ نفسه القيامَ بما يتناسب مع شخصيّته!

إنّ الشعب العراقيّ بعيدٌ عن اللهِ، بعيدٌ عن الدينِ، قريبٍ من الأعرابيّة، قريبٌ جدّاً من الجاهليّة!

وإنني أرغب بأن أتعاونَ معك شخصيّاً على تبيلغ هذا الشعب دينَه القويم الصحيح، بعيداً عن الطائفيّة والمذهبيّة!

وإنّ من أوائل الخطواتِ في هذا الاتّجاه؛ هي أسلمة حزبَ البعث الحاكم!

هذا ما قلته للرئيس، وكنت صادقاً غايةَ الصدق فيما قلته، وفيما تلا ذلك من خطوات!

ولكنّ ثمّة عوارضَ كثيرةً حالت دون تحقيقِ طموحي، منها أنّ معارضيَّ وخصومي كانوا هم الإسلاميين أنفسهم!

كانوا يريدون الحكمَ والسلطةَ، حتى لو تعاملوا مع أمريكا، وقد تعاملوا مع أمريكا فعلاً!

فكنتُ أنا بمشروعي عثرةً في طريقهم الوسخ، الذي أفرز العملية السياسيّة القذرةَ في العراق اليوم!

إنّ الشعوبَ المسلمةَ؛ لا تريد الإسلام الذي يريده الله تعالى منها!

إنها تريد إسلاماً على هواها، والتزاماً على هواها، وما على الله تعالى إلّا أن يقبل ذلك منها!

والله تعالى أعلم

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى اللهُ على سيّدنا محمّد بن عبداللهِ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كل حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق