الأربعاء، 5 أكتوبر 2022

  اجْتِماعِيّاتٌ (120):

فقه الاحتفال بالمولد النبويّ الشريف (3) !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).

في هذا المنشور؛ سنبيّن موقعَ المولد النبويّ من الأحكام التكليفيّة الخمسة:

( الواجب والمندوب، والحرام والمكروه، والمباح).

وإنّ ممّا أحبّ تذكير قرّائي به - وهو مما لم ينتبه إليه الأصوليون مطلقاً في حدود علمي؛ أنّ الإمام ابن حبّان قسم كتابه الأنواع والتقاسيم على خمسة أقسام:

القسم الأول: الأوامر، وكانت أنواعها (110) أنواع، ولا يوجد في كتب الأصول، من أنواع الأوامر؛ ما يصل إلى عشرين نوعاً!

القسم الثاني: النواهي، وكانت أنواعها (110) أنواع.

القسم الثالث: الأخبار، وكانت أنواعها (80) نوعاً.

القسم الرابع: الإباحات، وكانت أنواعها (50) نوعاً.

القسم الخامس: أفعال الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكانت أنواعها (50) نوعاً أيضاً.

ومع تنويعه الإباحاتِ إلى خمسين نوعاً، إلّا أنّه لم يتطرّق إلى الإباحاتِ الناتجة عن سكوت الشارع الحكيم؛ لأنّ إطارَ عمله ضمن دائرة الواردِ، وليس فيما لم يرد!

والأصل الذي اعتمده الأصوليون والفقهاء في حكم ما سكتَ عنه الشارع الحكيم؛ هو ما وَردَ من حديثِ أبي ثعلبةَ الخُشنيِّ عن الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ فَرَائِضَ.. فَلَا تُضَيِّعُوهَا.

وَحَرَّمَ حُرُمَاتٍ.. فَلَا تَنْتَهِكُوهَا.

وَحَّدَ حُدُودًا.. فَلَا تَعْتَدُوهَا.

وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ.. مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ.

فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا» أخرجه جمع من المحدثين، من حديث أبي ثعلبة الخشنيّ مرفوعاً وموقوفاً ومقطوعاً على مكحول.

وقد استوعب ابن رجبٍ الحنبليُّ تخريجَ هذا الحديثِ، في كتابه جامع العلوم والحكم، عند كلامه على الحديث (30) (ص: 817) وانظر علل الدارقطنيّ (6: 324) فقد رجّح أنّه مرسلٌ مرفوع، وكذلك فعل ابن عساكر في معجمه (2: 965) فقال: «حديثٌ غريبُ، ومكحولٌ لم يسمع من أبي ثعلبة».

وقد جاء نحوٌ من هذا الحديثِ، من رواية أبي الدرداء، وسلمانَ عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم مرفوعاً، وفي أسانيد الثلاثةِ الأحاديثِ ضعفاً.

وقد أخرج أبو داود في سننه (3800) عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال:

(بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْزَلَ كِتَابَهُ، وَأَحَلَّ حَلَالَهُ، وَحَرَّمَ حَرَامَهُ.

فَمَا أَحَلَّ؛ فَهُوَ حَلَالٌ، وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ؛ فَهُوَ عَفْوٌ) وأخرجه الطحاويّ في مشكل الآثار (2: 228) و (8: 450) والحاكم في المستدرك (2: 347) وقال: « «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَةِ» وأخرجه في موضع آخر (4: 128) وقال: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» وهو كما قال، لكنه موقوف.

قلت: بمعزلٍ عن صحّة الحديثِ عن أبي ثعلبة وابن عباس وأبي الدرداء؛ فإنّ القسمة العقليّة للأحكام من حيث الواقع؛ هي هذه.

قال ابن رجبٍ الحنبليّ في جامع العلوم والحكم (ص: 635): «قوله في الأشياء التي سكت عنها: «رحمة من غير نسيان» يعني: إن الله تعالى، إنما سكت عن ذكرها، رحمةً بعباده ورفقاً!

- حيث لم يحرمها عليهم، حتى يعاقبهم على فعلها!!

- ولم يوجبها عليهم حتى يعاقبهم على تركها!!

- بل جعلها عفواً: فإن فعلوها؛ فلا حرج، وإن تركوها؛ فكذلك».

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:

الْمُحْدَثَاتُ مِنَ الْأُمُورِ ضِرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا أُحْدِثَ يُخَالِفُ كِتَابًا أَوْ سَنَةً أَوْ أَثَرًا أَوْ إِجْمَاعًا.

فَهَذِهِ بِدْعَةُ الضَّلَالَةِ.

وَالثَّانِيةُ: مَا أُحْدِثَ مِنَ الْخَيْر،ِ لَا خِلَافَ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَا.

فَهَذِهِ مُحْدَثَةٌ غَيْرُ مَذْمُومَةٍ.

وَقَدْ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ: «نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ»

يَعْنِي: إِنَّهَا مُحْدَثَةٌ لَمْ تَكُنْ.

وَإِنْ كَانَتْ؛ فَلَيْسَ فِيهَا رَدٌّ لِمَا مَضَى، على لسان رسول الله من الدين».

أخرجه البيهقيّ في المدخل إلى السنن الكبير (ص: 207) بإسنادٍ صحيح.

أقول: إنّ الناظرَ في كتب الحنابلة؛ يجد لديهم اختلافاً كثيراً في مفهوم البدعة.

ويجد أنّ البدعةَ عندهم؛ كلّ ما أحدث بعد القرون المفضّلة الثلاثة!

وهذا تحكّم لا معنى له البتّة!

وقد عالجت هذه المسألةَ في الفصل الأول من كتابي (الرواة المسكوت عليهم) فانظره.

ولننتقل من التنظير إلى التطبيق، ولنتساءلْ: ما الذي يجري في المولد النبويّ؟

- قراءةُ آياتٍ كريمةٍ من القرآن الكريم.

- قراءةُ موجزٍ لسيرة الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم.

- قصائد وأناشيد في مدح الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

- مجلسُ ذكرٍ لله تبارك وتعالى.

- تقديم الطعامِ والشراب والحلويات والسكاكر، احتفاءاً وفرحاً بالرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

      أيّ شيءٍ من هذه الأعمال، يقود إلى الضلال؟

ختاماً: أكرّر ما قلته من قبلُ: إنّ الغوغاءَ والجبناءَ من العلماءِ وطلبةِ العلم؛ على دين ملوكهم على طولِ الخطّ، ولا يجرؤ أحدٌ منهم على مخالفةِ السلطان الحاكم!

وبين أيديكم الآن حدثان قريبان:

- الأوّل: وفاة ملكة بريطانيا «اليزابيث»!

- والثاني: وفاة الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي!

جميع أنظمة الخليج العربي، وسائر الدول العربيّة تقريباً؛ أرسلت وفوداً لتحضر جنازةَ ملكة بريطانيا، وجميعهم أرسلوا برقيّات عزاء!

حتى مشيخة الأزهر الشريف أرسلت برقيّةَ عزاء!

هل سمعتم أولئك الوهّابيةَ الأتباع الأزلام، اعترضوا على حكوماتهم بشيءٍ؟

هل سمعتم أيّ عالم من علماء دول الخليج المرموقين، عزّى بوفاة الشيخ القرضاوي، رحمه الله تعالى.

إنّ رجالَ الوهّابيةِ القاحلةِ في كلّ مكانٍ؛ هم أزلام لآل سعود!

- منهم من هو على المذهب الوهّابي الرسميّ!

- ومنهم من هو تابعٌ لبعض أمراء آل سعود الوهابيين.

ولا تظنّوا أنّ غوغاء الوهّابية لا يعلمون ذلك!؟

بلى إنهم يعلمون ذلك، وقد قال لي بعضهم: أيُّ إشكالٍ في أن نتلقّى دعماً وأموالاً من آل سعود؟

المملكة العربية السعودية دولتنا، ومن حقّها علينا أن نفتديها بأرواحنا، ومن حقّنا عليهم أن يساعدوننا، فلا نعيش الفقر والحاجة! 

فافرحوا بذكرى مولد حبيب ربّ العالمين، وحبيب المؤمنين المتّقين، وحبيبِ عالم الغيب، من مؤمني الجنّ، وملائكة الرحمن أجمعين!

إخواني: استيقظت عقب عصر هذا اليوم الأربعاء وقد تلوت في منامي قول الله تعالى:

(وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ، فَيَقُولَ: رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ، فَأَصَّدَّقَ، وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10).

وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً، إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا، وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) [المنافقون].

لكنني في المنام قرأتها (والله عليم بما تعملون) وتشككت!؟

وهذا هو الإنذار الثاني، بقرب الوفاةِ، فلا تنسوني من صالح دعواتكم بحسن الختام.

جزاكم الله عني خير الجزاء.

والله حسبنا ونعم الوكيل.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ(.

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلَّم تَسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق