السبت، 7 مايو 2022

       بَعيداً عن السياسةِ (9):

هَلْ أنتَ مع مِحوَر المقاومةِ؟!

بسم اللهِ الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

في جلسةٍ خاصّةٍ سألني أحد الإخوة الضيوف: يا شيخ عداب، أنت رجل شجاع، تقول ما تعتقد، من دون خوفٍ ولا حسابٍ لأحد، فهل أنت تؤيّد محوَرَ المقاومة؟

أقول وبالله التوفيق:

سيكون جوابي مختصراً جدّاً، ومن دون عرضِ أدلّة على ما أقول غالباً!

أوّلاً: أنا لا أرى أيَّ مشروعيّةٍ إسلاميّةٍ لأيّ نظامٍ علمانيّ يحكم البلادَ العربيّةَ.

وتعريف النظامِ العلمانيّ؛ هو النظام الذي يرأسه حاكم تغلّب على السلطةِ تغلّباً سلميّاً، أم تغلّباً عسكريّاً، وهو لا يمتلك صفات الحاكم الشرعيّ، إنما أعدّ تلك الأنظمةَ أنظمةً اضطراريّة!

فخلافةُ أبي بكر وعمر وعثمان؛ سلطاتٌ مدنيّة علمانيّة قبليّة، إذ ليس واحدٌ من هؤلاءِ الثلاثة، كان عالماً، أو كان قائداً عسكريّاً، أو كان من بيت سيادةٍ ورئاسةٍ، تؤهّله لقيادة الأمَة أو القُطر، بما يتناسب مع دينِ الأمّةِ وقيمها الإسلاميّة التي أراد الله تعالى لها أن تلتزم بها.

وسياسةُ معاويةَ ومن جاءَ بعده؛ ليست شيئاً سوى امتدادٍ لسياسةِ هؤلاء الثلاثةِ الخلفاء، بخلافٍ واحدٍ؛ هو أنّ الثلاثةَ الخلفاء رضي الله عنهم، كانوا أصحاب تديّنٍ في أنفسهم، بينما كان معاويةُ منافقاً بعيداً عن الدين.

وخلافةُ الإمام عليّ؛ هي خلافةٌ دينيّة منقوصةٌ؛ لأنها خَلَفتْ حكوماتٍ علمانيةً بَعُدت بالناس عن قيم الدين، لعدمِ الكفاءةِ، وليس بقصد الإساءة.

خلافة الإمام عليّ دينيّة؛ لأنّ الإمام عليّاً عالم، بل أكبر عالم في الأمة، وهو أعظم وأكبر قائدٍ عسكريّ، وهو الذي حمى الله تعالى به الإسلامَ في جميع المعارك التي خاضها ضدّ المشركين، بينما لم يكن الخلفاء قبلَه علماء ولا فرساناً، ولم يقتلوا دجاجة!

والإمامُ هو من بيت السيادةِ في قريشٍ، التي لا تعرف العربُ السيادةَ عليهم إلّا لها، كما هو تعبير أبي بكر.

إلى جانب صفاتِ اللطف والحكمة والرحمة ولين الجانب، الذي لا يمتلك أحدٌ ممن سبقه شيئاً منها، أو ربما هي ضعيفةٌ جدّاً لديه.

وبفقهه وعلمه وأناتِه؛ هو الذي أسّس فقه الخلاف والاختلاف في النزاعاتِ والصراعات بين المسلمين!

فأبو بكر قاتل المرتدين، ومانعي الزكاة، ومانعي أداء الزكاة إلى المدينة، ورافضي خلافته القرشيّة، على حدّ سواء، ولم يصغِ إلى رأيِ أحد!

بينما لم يبدأ الإمام عليّ قتالَ أصحاب الجمل، حتى حاورهم، وبيّن لهم خطأهم، وكاشف الزبيرَ بأنه ظالم له!

ولم يقاتل نواصبَ الشامِ وطلقاءَها وبغاتِها، حتى بيّن لهم ما يوجبه الله تعالى عليهم.

وحين تدانى الجيشان؛ منع الطغاة البغاة جيشَ الإمام من ارتيادِ الماء وقاتلوهم عليه، فلما انتصر جيش الإمام على الطغاة في مسألة الماء؛ لم يمنعهم الإمام من ارتياده والشرب منه؛ لأنه عاملهم على أنهم مسلمون رَعاع، أتباع كلّ ناعق!

وحتى أهل النهروان الذين كفّروه؛ لم يسارع إلى قتالهم، بل قال لهم: لا نمنعكم من الصلاة في مساجدنا، ولا نقاتلكم حتى تقوموا بما يوجب علينا قتالكم!

هذا هو القائد السياسيّ والعسكريّ الإسلاميّ المجتهد.

ثانياً: إذا غدا هذا واضحاً؛ فليس بعد خلافة الإمام عليّ، ومدّة الإمام الحسن عليهما السلام؛ دولة إسلاميّةٌ، إنما هناك دولٌ مسلمةٌ، يحكمها متغلبون طغاة، لا يطبقون من حدود الله تعالى، سوى حدِّ الخروج على ظلمهم، ويشمل ذلك جميع الممالك والكيانات السياسيّة التي قامت في الوطن العربيّ، من بحرِ العربِ، إلى المحيط الأطلسيّ، منذ ذلك التاريخ، وإلى هذا اليوم!

ومنذ القرن الأوّل قامتْ أنظمة عديدةٌ، كانت تخضع للسلطة المركزية خضوعاً صوريّاً في حقيقة الأمر!

لا تختلف حكوماتُ أهل السنّة، ولا حكوماتُ الشيعةِ، ولا حكومات الخوارج في هذا الأمر.

ثالثاً: إذا كنتَ تراني - أخي القارئ - لا أتعصّب لخلافة أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا عليّ رضي الله عنهم؛ فلا تستغربْ أبداً إذا قلت لك: لا فرق عندي البتّة بين الخلافة العبّاسية في بغداد، والخلافة الفاطمية في إفريقيّة، والخلافة الأمويّة في الأندلس!

جميعها حكومات استبداديّة قبليّة مذهبيّة علمانية ظالمةٌ  همّها الأوّل والأخير؛ هو الحفاظ على السلطان!

وكم أزهقت هذه الأنظمة المجرمة من أرواح المسلمين السنة والنواصب والشيعة والرافضة والخوارج، من دون وجه حقٍّ أبدا؟!

والمذاهب السنيّة الأربعةُ؛ هي مذاهب سياسيّة، نصرها الطغاةُ، وجعلوها دينَ الأمم التي تخضع لسطانهم، وكذلك هي بقيّة المذاهب، تبنّاها الطغاة الظلمة ليسوسوا بها المجتمعات التي يحكمونها، وليس حبّاً بالدين، أو تمسّكاً حقيقيّاً به!

رابعاً: الأنظمة والحكوماتُ العربيّة المعاصرة؛ جميعها حكومات علمانيّة مدنيّة، تعتمد التغلّب في الوصول إلى السلطة، إنما تستخدم الدين لإخضاع رعاياها وحسب، لا فرق في ذلك بين الأنظمة الملكيّة والرئاسيّة والسلطنة والإمارة.

وبالتالي لا فرق عندي بين النظام السوريّ والنظام السعوديّ وأيّ نظام آخر!

جميعُها أنظمة غير شرعيّة، وجميعها، يجب استبدالُها بأنظمة شرعيّة تعتمد الشورى في العمليّة السياسيّة برمّتها، ويكون قادتها علماءَ شرعيين، مزوّدين بمهاراتٍ إضافيّة تُعدّ معياراً للحاكم الشرعيّ الرشيد!

خامساً: أنا الفقير لا أؤمن بشيءٍ اسمه «الوطن» و«الوطنيّة» سوى الوطنِ الإسلامي الكبير، فإن أقمتُ في سوريا؛ فأنا سوريّ، وإن أقمتُ في الحجاز؛ فأنا حجازيّ، على الرغم من أنوف من يأبى ذلك، وهكذا!

وأيما ذكر اسمُ الله في بلدٍ

عددتُ ذلك من أمّاتِ أوطاني.

فأنا وكلّ واحدٍ منكم - معاشر القراء - يعود نسبه إلى قبيلةٍ من القبائل العربيّة؛ لا تخلق جذورها في الموطن الحاليّ الذي تقيم فيه!

فقبيلةُ النعيم موجودة في الحجاز والخليج والشام ومصر، ولا فضل على فروع العشيرة الخليجيّة على فروع القبيلةِ في بلاد الشام ومصر، وهكذا!

فلو اختصمت الأنظمة الطاغية المجرمة في سوريا والعراق مثلاً، هل أصطفّ مع السوريين ضدّ العراقيين، أو ضدّ الحجازيين، أو ضدّ المصريين، وأهلي وعشيرتي حملتَ في تلك البلادِ أسماءَ وألقاباً متعددةً، لا نعرفها أصلاً، وهي تقيم في تلك البلاد العربية المسلمة؟

سادساً: لم تكن سوريا التي أنتمي إليها منذ (400) سنة دولةً إسلاميّةً قطّ، إنما كانت من لدن معاوية الطليق، وحتى بشار الأسد دولةً مدنيّة علمانيّة قوميّة!

وما دامت دولةً علمانيّة لا تطبّق شريعةَ الإسلامِ، إنما تحتكم إلى القانون الفرنسيّ من عام (1920) وحتى هذا اليوم!

فأيّ فرق لديَّ أنا بين أن يحكمني علمانيّ وُلدَ في بيئةٍ سنيّة، وعلمانيٍّ ولد في بيئةٍ علويّةٍ، وعلمانيٍّ ولد في بيئة دُرزيّة؟!

لا فرق لديّ أبداً، فليس أديب الشيشكليّ في شيءٍ أفضل من حسني الزعيم، وليس شكري القوتلي في شيءٍ أفضل من حافظ الأسد!

الكلّ علمانيّ، والكلّ لا يخاف الله تعالى، ولا ينتظر مصيرَه الأخرويّ!

وربما على العكس، فإنّ حافظ الأسد أنقذ طائفته «النصيريّة» العلويّة من الإلحاد والباطنيّة والجهل الأسودِ المتراكب، إلى المذهب الشيعيّ الجعفريّ المسلم!

وحين لم يكن في جبال العلويين كلّها حتى عام (1973) مصلّى أو مسجدٌ أو جامع واحد؛ تمتلئ مدنُ وبلدات وقرى الجبل اليومَ بالمساجد ومقرئي القرآن الكريم.

العقدةُ الوحيدةُ التي جعلت الأكثريّةَ السوريّة تثور على السلطة في سوريا؛ هي الطائفيّة البغيضة، والعزَة بالإثم، والكبرياء الإقطاعيّ الوسخ!

أدركتُ الزمان الذي كان فيه الإنسانُ العلويّ إذا نزلَ إلى مدينةِ حماة، وعرف بعضُ الحمويّون أنّه علويّ؛ عاملوه بمنتهى الخساسة والنذالة، من ضربٍ وبصاق ولعن وسبٍّ وإهانة، وتخريب ما معه من أشياءَ يريد أن يبيعها!

نعم كان يفعل ذلك سفهاءُ الحمويين وسفلتهم، وليس جميع الحمويّين، لكنني شهِدتُ أكثرَ من عَشرِ حوادثَ من هذا النوعِ؛ لم يقم واحدٌ من الحمويين بنصرةِ هذا المظلوم العلويّ على الإطلاق!

وعلمتُ بحادثة أخسّ من هذه الحادثةِ، وحضرت مشهدها الأخير، وخلاصتها أنّ أحد أثرياء حماة في أوّلِ حيّ الشريعة، استخدم شابّةً من جبل العلويين، لحاجة أهلها إلى مرتّبها، فزنى بها أولادُ صاحب البيت، ومنهم اثنان من زملائنا في الصفّ السادس الإبتدائيّ، وقراباتُهم، وبعضُ جيرانهم، حتى حملت البنت وظهر حملها!

ثمّ ههنا أقول ما شاهدته بعينيّ (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ): خرجنا بعد الظهر من مدرسة «توفيق الشيشكليّ» في حيّ الشريعةِ، وفي أثناء الطريق سمعنا صراخاً ونشيجَ رجلٍ يبكي!

وَقفنا أمام المنزل الذي كان الحدثُ أمامَه، ووالدُ الفتاة ممسكاً بيدها، وهما يبكيان!

قال والد الفتاة للآغا الملعون: هكذا تفعلون ببنتي يا آغا، أما تعهدت لي بأنّها ستكون مثلَ بنتك؟

ألستم مسلمين أنتم، ألستم تخافون الله تعالى، ماذا أصنع الآن أمام أهلي وأهل قريتي يا ظلمة؟!

صرخَ به الآغا الحقير، ورمى له خمسين ليرةً سوريّة، وكان مما قال: «خذ هذه خمسون ليرة، دبّر وضعَ بنتك بها، وانقلع، أنا ماذا أفعل لك، إذا كانت بنتك قحبة»!

وحدثني زميلي (م ب) قال: كنّا أمس في قريتنا في «الغاب» - وسمّاها لي ونسيت اسمها - ليتك كنت معنا، كنّا نتدرب على الرماية بالمسدس!

أوقَفْنا الفلاحَ النصيريّ، ووضعنا على رأسه تفّاحة، ورحنا نصوّب على التفّاحة!

اقشعرّ بدني والله الشاهد، وقلت له: كيف تفعلون هذا، وأنتم تتدربون، أما خشيتم أن تقتلوا الرجل!؟

قال: لَهْ «مَهْ» ياشيخ عداب، تعدّ هذا رجلاً، هذا نصيريّ كافر، ديته ديةُ كلب!

وحدّثني الطبيب الدكتور السيّد «م ع» في مكة المكرمة قال: حدثني عميّ فلانٌ - وسمّاه لي - قال: «إنّ لي في جبل العلويين خمسةٌ وثلاثون ولداً» يعني من الزنا!

سابعاً: أدرك العلويّون - أو وُجّهوا لا فرقَ عندي - بأنّ الذلَّ والفقر والجهل الذي هم فيه؛ لن يرفعه عنهم سوى القوّة!

فانخرطوا في زمان الاحتلال الفرنسيّ بأعدادٍ كبيرةٍ بالنسبةِ إلى عددهم، وصار منهم ضبّاطاً كباراً، لم يستغن عنهم الجيشُ السوريّ العلمانيّ، بعد الاستقلال الصوريّ!

بينما كان كثيرٌ من القادرين مالياً من أهل السنة يدفعون «بدل الخدمة» ويحتلفون بتسريح ولدهم من الجيش!

وقد دَفعَ عمّي السيّد محمد حمشو، لولده السيّد حمدو بن السيّد حمشو بن السيّد حمدو بن الشيخ الشريف محمّد الحمش «بدلَ الخدمةِ» ثمّ ظلّ الطبلُ يضرب في حيّنا سبعةَ أيّام، ذبح عمّي للأضياف حينها أكثر من خمسين خروفاً تقديراً، ابتهاجاً بهذا الفوز العظيم!

ثامناً: ما بين عام (1920) وعام (1960) صار لدى العلويين قوّة عسكريّة لا يستهان بها، فانقلبوا على السلطة العلمانية السنية القائمة، وغدا عَبيدُ الأمسِ سادةَ اليوم!

لكنّهم كانوا موتورينَ حاقدين ملاحدةً في الأغلب؛ فراحوا يجاهرون بكفرهم وإلحادهم وشتمهم للدين، فجنّ جنون أهل السنّة، وأخذتهم العاطفةُ الدينيّة والنخوة، فثاروا ثوراتٍ متعددة على العلويين، ثوراتٍ إقطاعيّةً بغطاءٍ دينيّ!

النظامُ السوريّ العلويُّ العلمانيّ، أرادَ أن يحكم سوريّا بقبضةٍ من حديدٍ، وأراد أن تكون سوريّا دولةً غربيّة الأخلاقِ والسلوكِ ملحدةً، وأشاع وأعان على الفجور وسوء الأخلاق، وانتشر الفساد والمحسوبيّة والرشوة في زمان هذا النظام، ولم يُحسن احتواءَ أهل السنّةِ، ولو بالأمور الشكليّة اليسيرة، وكأنّه أراد الانتقام لذلك الماضي البغيض!

هذه هي الحال، فأين أنا من هذا الواقع؟!

تاسعاً: الشعب السوريّ جميعه علمانيّ، حتى الذين يقيمون الصلاةَ، فالذي يعني المتدينين من الإسلام السماح لهم بأداء العبادات، والحفاظَ على الأخلاق، ولا يريدون شيئاً من الإسلام وراء هذا؛ لأنّهم لم يروا في تاريخهم الطويلِ من الإسلامِ أكثر من هذا!

يُستنى من ذلك ثُلّة صغيرة جدّاً، لا يزيد عددها على عشرةِ آلاف نسمةٍ في سوريّا كلّها، هذه الثلّة هي جماعةُ «الإخوان المسلمون».

كانت هذه الجماعةُ منذ نشأتها في الأربعيناتِ، وحتى يومنا هذا؛ تعوّل للوصولِ إلى السلطة على «الديمقراطيّة» وشهادتي بالله العظيم أنني منذ انتسبتُ إلى الإخوان، عام (1963) وإلى أن غادرت سوريّا عام (1975) لم يكن واحدٌ من قادةِ الإخوان يحبّذُ امتلاكَ أفرادِ الإخوان المسلمين السلاحَ الفرديّ، إنّما كان بعضُ الشباب يمتلك السلاح الفرديّ، من دون علم قادة الإخوان، ومن دون إذنهم أيضاً!

عندما عاد الشريفُ الشهيد مروان حديد رحمه الله تعالى، من مصر، في بداية عام (1964) عاينَ ما يسعى إليه إليه النظام من إفساد المجتمع السوريّ، فراح يدعو النظامَ إلى تغيير منهجه، ويذكره بأنّ هذا البلد مسلم، ولن يتخلّى عن دينه أبداً، ولم يكن يمتلك الشهيد مروان حتى السلاحَ الفرديّ، ولجأ إلى مسجد السلطان، وجعل من مئذنته إذاعةً له.

وحين أراد النظامُ هدمَ جامعِ السلطان على رؤوس المعتصمين في المسجد؛ لم يكن لدى الشهيد مروان سوى سيفٍ قصير في حدود (70 سم).

وعند أذان فجر اليوم الذي هَدم فيه النظام الطاغي جامع السلطان؛ لم أشاهد لدى الإخوة المعتصمين، سوى ثلاثِ بنادق، وأربعةَ مسدساتٍ!

فهل يصدّق عاقلٌ أنّ هذا القدرَ الضئيلَ من السلاح؛ يقاوم جيشاً قوامُه ربع مليون جنديٍّ!

لكنّ النظام الموتور الحاقد، الذي أراد تحويلَ الناس عن دينهم حقيقةً إلى العلمانية البحتة؛ استغلّ اعتصام الشهيد مروان في المسجد؛ لينتقم من أهل حماة الذين كانوا يذلّون النصيريين - كما ذكرت من قبل - ويريد أن يثأرَ لكرامة العلويين التي كانت مهدورةً مباحة، فاصطنع هذه المعركة التي كرّست أحقادَ الحمويين، وزادت من تديّنهم وبغضهم للنظام العلمانيّ الفاشيّ، بكل ما تعنيه هذه الكلمة!

واستمرّ صراعُ أهل حماةَ خاصّةً مع النظام، حتى عام (1975) عندما اعتقل النظامُ الشهيد مروان من بيته في دمشق، وعذّبوه في معتقله أشدَّ أنواع التعذيب الوحشيّ، الذي كانت تتسرّب معلوماتٌ عنه، ممّا دفع بعضَ تلامذة الشهيد مروان إلى التسلّح والتدرّب على السلاح!

وفوجئ تلامذة الشهيد مروان بمقتلِه في السجن، في صيفِ عام (1976) رحمه الله تعالى، ورضي عنه؛ فقرّروا الانتقام من النظام!

عندما بلغني أنهم يُعدّون لعمليّة انتقاميّة؛ أرسلتُ إليهم رسالةً، طالبتهم فيها بعدمِ القيامِ بأيّ عمليّةٍ انتقاميّة؛ لأنّه لا يجوزُ فتح معركةٍ عسكريّةٍ مع نظامٍ دمويٍّ، وأنتم لا تمتلكون حتى ثمنَ طعامِكم!

لكنّ الجواب الذي جاءني منهم: «الجواب ما ستسمعه قريباً».

 عاشراً: مسألة الأرض المقدّسةِ، وأقصاها المبارك؛ تُهِمُّ كلَّ مسلمٍ على وجه الأرض!

ونظام سوريا، ونظامُ إيران، وحركة حزب الله، وحركة حماس، وحركة الجهاد؛ تقدّم أنفسها على أنّها محورُ المقاومة!

ومن الثابتِ والواضحِ أنّ سوريّا كانت مقرّاً لحركةِ حماس الإسلاميّة، وأنّ إيران تمدّ حركتي حماس والجهاد بالمال والسلاح والإعلام، بينما تعتقلُ بعض الدول العربيّة عدداً من قادةِ حماس والجهاد الإسلاميّ، وبعضها تصنّفهما منظّمتين إرهابيتين، ولو استطاعت هذه الأنظمة العميلةِ منعَ الماء والهواء عنهما؛ لفعلت!

فأنا في مسألة الأرض المقدّسةِ مع جميعِ مَن يمدّها بالمال والسلاح، كائناً من كان!

أمّا في المواقف الأخرى التي تخرجُ عن الدين قِيدَ أنملة؛ فأنا لستُ مع أحدٍ، فستُ مع النظامِ الإيرانيّ، ولستُ مع فصائلِه الرافضيّة في سوريّا والعراق، ولستُ مع حزب الله البنانيّ، ولست مع النظام السوريّ بالتأكيد!

بيد أنني كنتُ وما زلتُ أرفض رفضاً قاطعاً؛ أن أنضمَّ إلى أيّ حزبٍ أو حركة تعادي سوريا، مستعينةً بأيّ نظام آخر، حتى لو كان مثلَ نظام الخلافةِ الراشدة!

والله تعالى أعلم

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى اللهُ على سيّدنا محمّد بن عبداللهِ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كل حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق