الثلاثاء، 31 مايو 2022

       مَسائلُ حَديثيّةٌ (37):

التَخْفيفُ عَن أبي طالب (6)!؟

هذا منشور نسيت نشره قبل منشور أمس (38) وها هو بين أيديكم وأعتذر إليكم!

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

خرّجت في المنشور (31) حديثَ أبي لهبٍ، وفي المنشور (32) حديث العباس بن عبدالمطّلب، رضي الله عنهما، وفي المنشور (33) حديثَ أبي سعيدٍ الخدريّ في الصحيحين، وفي المنشور (34) حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما في صحيح مسلم، وفي المنشور (35) حديثَ أبي سعيدٍ الخدريّ خارج الصحيحين، والذي ليس فيه تسميةُ أبي طالبٍ ولا غيره، وفي المنشور (36) خرجت حديث النعمان بن بشير الأنصاريّ، وسأخرج في هذا المنشور (37) حديثَ أبي هريرة، من شواهد حديثِ أبي سعيدٍ  في هذا الباب.

أقول وبالله التوفيق:

بإسنادي إلى الإمام أحمد في مسنده الكبير (9660) قال رحمه الله تعالى:

حَدَّثَنَا يَحْيَى «بن سعيدٍ القطّان» عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي «يحدّث» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً؛ رَجُلٌ يُجْعَلُ لَهُ نَعْلَانِ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ).

وأخرجه جمعٌ من المحدّثين من طرقٍ عن مُحَمّدِ بن عجلان، عن أبيه، به مثلَه ونحوَه.

منهم أبو محمد الدارميّ في سننه (2890) والبزار في مسنده المعلل (8363) وسكت عليه، وأخرجه أبو العباس السراج في مسنده (2648، 2649) وصحّحه ابن حبّان (7472) والحاكم في المستدرك (8729) وقال: « هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَلَهُ شَوَاهِدُ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ»!

قال الفقير عداب:

لم يخرّج البخاريّ ومسلمٌ لمحمّد بن عجلانَ عن أبيه، عن أبي هريرةَ أيَّ حديثٍ، وهذا يعني أنّه ليس على شرطهما في الصحة!

بينما أخرج له ابن الجارود وابنُ خزيمة وابن حبّان والحاكم أحاديثَ، وفي السنن والمسانيد والمعاجم والمصنّفات عشراتُ الأحاديث.

ممّا يعني أنّ هذا الإسنادَ - وإن لم يكن على شرط البخاريّ ومسلم، إلّا أنّه - إسنادٌ متداول، كنسخةٍ يرويها محمد بن عجلان عن أبيه، عن أبي هريرة، ورواها عنه المحدّثون، منهم: مالك بن أنس، والسفيانان، وهشام بن حسّان، وغيرهم.

ترجم العقيلي محمدَ بن عجلانَ في ضعفائه (4: 118) ونقل عن يحيى القطّان قوله: مضطربٌ في حديثه عن نافع!

ونقل في الموضع نفسه أنه قيل لمالك بن أنس: إِنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُحَدِّثُونَ!

فَقَالَ مَنْ هُمْ؟ فَقِيلَ لَهُ: مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ!

فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ ابْنُ عَجْلَانَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا.

وترجمه الذهبيّ في المغني (5816) وقال: «مُحَمَّد بن عجلَان إِمَام مَشْهُورٌ وَثَّقَهُ أَحْمد وَابْن معِين، وروى عَنهُ شُعْبَة وَمَالك وَيحيى الْقطَّان، وَغَيره أقوى مِنْهُ!

وَقلّمَا روى عَنهُ الثَّلَاثَة المذكورون.

قَالَ الْحَاكِم: أخرج لَهُ مُسلم فِي كِتَابه ثَلَاثَة عشرَ حَدِيثاً، كُلّها فِي الشواهدِ وَقد تَكَلّم الْمُتَأَخّرُونَ من أَئِمَّتنا فِي سوء حفظه.

ونقل ما تقدّم من كلام يحيى القطان ومالك، وختم ترجمته بقوله:

«قلت: وَذكره البُخَارِيّ فِي كتاب الضُّعَفَاء لَهُ، وَهُوَ حسن الحَدِيث» انتهى ما في المغني.

قال الفقير عداب: ليس في ضعفاء البخاري ترجمةٌ لمحمّد بن عجلان، إنما الترجمة لولده عبدالله بن محمد بن عجلان (191) وقال: لا يتابَع في حديثه.

وقول الحاكم:  أخرج لَهُ مُسلم فِي كِتَابه ثَلَاثَة عشرَ حَدِيثاً، كُلّها فِي الشواهدِ؛ صحيحٌ، وهذه أرقامها في صحيح مسلم (29، 443، 543، 579، 595، 985، 1399، 1563، 1599، 1605، 1720، 1840، 1885، 2336، 2498).

ومنها حديثان مكرّران.

ومحمّد بن عجلان: وثّقه أبو زرعة، كما في أسئلة البرذعيّ له (637).

وقال ابن حجر في التقريب (6136) وقال: «صدوقٌ إلّا أنه اختلطت عليه أحاديثُ أبي هريرة»!

قال عداب: الصدوقُ إذا تفرّد بحديثٍ؛ كان حديثُه منكراً!

قال الذهبيّ في الميزان (3: 140): «إنّ تفرُّدَ الثِقةِ المُتْقِن؛ يُعَدُّ صَحيحاً غريباً، وإنّ تَفرّد الصَدوقِ ومَنْ دونَه؛ يُعَدُّ مُنكَراً» ولا ريبَ في أنّ محمد بن عجلان ليس من المتقنين.

ومن المناسبِ أن أُشيرَ هنا إلى أنّ مصطلح «صدوق» كتبتُ فيه بحثاً مطوّلاً، في رسالتي عن «الإمام ابن حبّان» ومع هذا أقول: إنّه مصطلح زئبقيّ، لا تستطيع أن تبني عليه شيئاً؛ لأنّ كلّ إمامٍ من أئمة النقدِ يطلقه باعتبار، ولأنّ إطلاق المتقدمين مختلفٌ عن إطلاق المتأخرين!

وسأفرد له منشوراً خاصّاً به، وربما احتجنا إلى أكثرَ من منشور!

أمّا والده عَجلان؛ فهو من صغار التابعين، وقد أكثر عن أبي هريرة كما تقدّم.

ترجمه المزي في تهذيب الكمال (19: 516) ونقل عن النسائيّ قوله: لا بأس به!

وترجمه ابن أبي خيثمة في تاريخه (1: 461) وقال: «كَانَ ابنُه يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ لَهُ فَضْلٌ».

وقال عبدُالله بن أحمد ابن حنبل: قال أبي: قال ابن عيينة في محمّد بن عجلان وأبيه عجلان: رَجلان صالحان يُستسقى بهما» كما في موسوعة أقوال الأمام أحمد (3: 293).

قال الفقير عداب: عجلان رجلٌ صالح، لزمَ أبا هريرةَ - فيما يبدو - وكتب عنه نسخة كبيرةً، رواها عنه ابنه محمّد بن عجلان.

وقد رمز المزيّ في ترجمته (خت م 4) وقد وجدت حديثَه في صحيح مسلم، من رواية بكير ابن الأشجّ عنه (1662) فيكون روى عن الرجلِ ثقتان، ولم يُجرَج!

فمثل هذا نقبلُ حديثَه بدرجة «حسن» ما لم يخالف، فإذا خالف؛ فحديثه منكر!

ختاماً: علّة حديثِ الباب في محمّد بن عجلان، الذي تفرّد بهذا الحديث، وهو صدوق، ويمكننا أن نجعلَ حديثَه حسناً بغيره، على مذهب الذين يقوّون بمثل ذلك!

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.  

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق