الاثنين، 2 مايو 2022

   مَسائِلُ عَقَدِيّةٌ (10):

مَقولَةُ «لو اعتقدتَ بوثنٍ؛ نفعك»!

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

كتبَ إليّ أحدُ الإخوةِ يقول: «ما صحّةُ هذه المَقولةِ: (لو اعتقدتَ بوثنٍ - أو بصنمٍ؛ لنفعك) وإذا كان جوابُك ببطلانها، فما تفسيرك لعبادةِ أقوامٍ للحجارةـ وأقوامٍ لبعض مظاهر الطبيعة، وأقوام للبقرةِ، وأقوامٍ لأشياءَ أقلَّ قدراً مما ذكرتُ، وشكراً»!؟

أقول وبالله التوفيق:

سيكون جوابي على هذه الرسالة؛ بنقاطٍ محدّدةٍ، غير مطوّلة؛ لأنني متعبٌ، وجواب مثلِ هذه الرسالةِ لا يؤخّر!

أوّلاً: يقول الله تبارك وتعالى:

(أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) [البلد].

(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) [الإنسان].

هاتان الآيتان تدلّان على أنّ الإنسانَ قابلٌ للهدايةِ وقابل للضلالِ!

(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) [فصّلت].

ثانياً: يقول الله تبارك وتعالى:

(حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) [الأعراف].

(وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) [الأحزاب].

هاتان الآيتان تؤكّدان أنّ هناك أئمّة مُضِلُّون، وأتباعٌ مُضَلَّلون!

ثالثاً: يقول الله تبارك وتعالى:

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170) [البقرة].

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104) [المائدة].

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) [لقمان].

(وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55) [الكهف].

هذه الآياتُ وسبعُ آياتٍ نحوُها؛ تؤكّد أنّ أكثرَ ضلالِ الناسِ، بسبب متابعتهم آباءَهم ومحيطَهم، من دون نظرٍ ولا تدبّر.

رابعاً: يقول الله تبارك وتعالى:

(قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) [الشعراء].

(أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) [الأعراف].

(إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) [الأعراف].

هذه الآياتُ الكريمة تدلُّ على أنّ كلَّ ما يُعبَد من دون الله تعالى؛ لا يملك النفعَ لنفسِه أو دفعَ الضرِّ عنها، فضلاً عن أن ينفع غيرَه أو يضرّه!

وهذا يعني أنّك لو اعتقدت بوثن أو صنمٍ؛ لا ينفعك؛ لأنّ فاقدَ الشيء؛ لا يعطيه!

والوَثَنُ: واحدُ الأوثان، وهو ما صُنع من الحجارة!

والصنَم: واحدُ الأصنام، وهو المعبودُ المصنوع من الفضة أو النحاس أو الخشب، أو أيّ معدنٍ آخر!

لكن!؟

الذين وجدوا آباءَهم وأقوامَهم على اعتقادٍ ما، أو كوّنوا لأنفسهم عقيدةً ما؛ قد يشعرون بطمأنينةٍ وسكينةٍ ذاتيّةٍ آنية، عندما يمارسون طقوسهم وشعائرهم، بسببِ الاعتيادِ، وبسبب الإيهامِ والإيحاء النفسيّ.

بيد أنّ هذه الطمأنينةَ ليس باعثَها ذاك الوثنُ الذي اعتقد به ذلك الإنسان الضالّ، إنّما باعثُها النفسُ ذاتها!

والنفعُ الدنيويُّ المؤقّت؛ ليس هو المهمَّ في حقيقةِ الأمرِ، إنما المهمّ هو النجاةُ يومَ الحساب!

(يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) [غافر].

(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13) [الروم].

(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا: مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) [يونس].

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق