السبت، 14 مايو 2022

  مَسائلُ حَديثيّةٌ (31):

التَخْفيفُ عَن أبي لهب!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

بإسنادي إلى الإمام البخاري في كتاب النكاح (5101) قال رحمه الله تعالى:

حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكِ فَقُلْتُ نَعَمْ لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ ذَلِكِ لَا يَحِلُّ لِي قُلْتُ فَإِنَّا نُحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ قُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي إِنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ).

قَالَ عُرْوَةُ: «وثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ، كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَها، فَأَرْضَعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ؛ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟

قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ، غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ، بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ!

هذه طريق شُعيبِ بن أبي حمزة عن الزهريّ.

وقد أخرج عبدالرزاق الصنعاني في مصنّفه (7: 477) قصّة التخفيف هذه، من طريق معمر عن الزهريّ، وفيها توضيح مفيد قال عروة:«فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ رَآهُ بَعْضُ أَهْلِهِ فِي النَّوْمِ، فَقَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ أَوْ قَالَ: «وَجَدْتَ»؟

قَالَ أَبُو لَهَبٍ: «لَمْ أَلْقَ» أَوْ «لَمْ أَجِدْ بَعْدَكُمْ رَخَاءً» أَوْ قَالَ: «رَاحَةً غَيْرَ أَنِّي سَقَيْتُ فِي هَذِهِ مِنِّي لِعِتْقِي ثُوَيْبَةَ» وَأَشَارَ إِلَى النَّقْرَةِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ وَالَّتِي تَلِيها».

ومن طريق شعيبٍ عن الزهريّ؛ أخرجه البيهقيّ في البعث والنشور (16، 576) وفي السنن الكبير (14: 260) وفي شعب الإيمان (1: 443) من طريق شعيب عن الزهريّ، وفيه قصة التخفيف!

أعاد البخاري الحديث في النكاح أيضاً (5106) من طريق سفيانَ بن عيينةَ عن هشامِ بن عروة، عن أبيه عُروة، وليس فيه قصة التخفيف!

وأعاده البخاري في النكاح (5107) من طريق عُقيل بن خالد عن ابن شهابٍ، عن عروة، وليس فيه قصة التخفيف.

وأعاده البخاري في كتاب النفقات (5372) من طريق عقيلٍ، بأتّم منه، وليس فيه قصّة التخفيف!

وأعاده البخاريّ في النكاح أيضاً (5124) من طريق يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عِراكِ بِنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ، بنحوه، وليس فيه قصة التخفيف!

وأخرجه مسلمٌ في الرضاع (1449) من طرقٍ عن الزهريّ وعن هشام بن عروة، عن عروة، وليس فيه قصة التخفيف!

أقول: لو ورد الحديثُ في ألفِ كتابٍ صحيحٍ وغير صحيح، يثبتُ قصّة التخفيف عن عروة بن الزبير، وعن ألفِ واحدٍ من التابعين؛ لما جاز أن نثبت بها أمراً غيبيّاً أخرويّاً مسكوتاً عنه!

فكيف إذا كان ثمّة آياتٌ عديدةٌ تثبت عدمَ التخفيف؟!

لكنْ لمّا كان أكثر علماءِ الأمّة - على مدى تاريخها - لا يحسنون النقدَ الحديثيّ؛ فإنهم يفرّعون على المرفوع والموقوف والمقطوع، من جهة!

بل ويفرّعون على رؤيا مناميّة، لو كانت مجهولةَ الرائي!

قال ابن المُنيّر الإسكندريّ، كما في فتح الباري (15: 288):

«هُنَا قَضِيَّتَانِ:

إِحْدَاهُمَا مُحَالٌ: وَهِيَ اعْتِبَارُ طَاعَةِ الْكَافِرِ مَعَ كُفْرِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الطَّاعَةِ أَنْ تَقَعَ بِقَصْدٍ صَحِيحٍ، وَهَذَا مَفْقُودٌ مِنَ الْكَافِرِ !؟

الثَّانِيَةُ: إِثَابَةُ الْكَافِرِ عَلَى بَعْضِ الْأَعْمَالِ تَفَضُّلًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَهَذَا لَا يُحِيلُهُ الْعَقْلُ!

فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ؛ لَمْ يَكُنْ عِتْقُ أَبِي لَهَبٍ لِثُوَيْبَةَ قُرْبَةً مُعْتَبَرَةً!

وَيَجُوزُ أَنْ يَتَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِمَا شَاءَ، كَمَا تَفَضَّلَ عَلَى أَبِي طَالِبٍ!

وَالْمُتَّبَعُ فِي ذَلِكَ؛ التَّوْقِيفُ نَفْياً وَإِثْباتاً».

قال عداب: التوقيف هو ما ورد في القرآن الكريم!

أمّا ما وَردَ من التخفيفِ عن أبي طالبٍ عليه السلام؛ فهو أحاديثُ ناصبيّةٌ خبيثةٌ؛ لو صحّت جدلاً؛ لما جاز بها إثباتَ عقيدةٍ لأنها أخبار آحادٍ مظنونة، في معارضة القطعيّ!

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) [البقرة].

وفي منشوراتٍ تاليةٍ، سأخرّج جميع الأحاديثِ الواردةِ في حقّ سيدنا أبي طالبٍ عليه السلام، وسيتوضّح لك - أخي القارئ - أنّ واضعيها منافقون نواصبُ سفلة!

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.  

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق