مَسائلُ حَديثيّةٌ (36):
التَخْفيفُ عَن أبي طالب (5)!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا،
وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
خرّجت في المنشور (31) حديثَ أبي لهبٍ، وفي المنشور
(32) حديث العباس بن عبدالمطّلب، رضي الله عنهما، وفي المنشور (33) حديثَ أبي
سعيدٍ الخدريّ في الصحيحين، وفي المنشور (34) حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما في
صحيح مسلم، وفي المنشور (35) حديثَ أبي سعيدٍ الخدريّ خارج الصحيحين، والذي ليس
فيه تسميةُ أبي طالبٍ ولا غيره،
وسأخرّج في هذا المنشور (36) حديثَ الصحابيّ النعمان بن بشير الأنصاريّ، من شواهدِ حديثِ أبي
سعيدٍ الخدريّ، الذي لا يُسمّي أبا طالبٍ ولا غيرَه.
بإسنادي إلى الإمام البخاريّ في الرقاق (6562) قال
رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ «السبيعيِّ» عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ
بَشِيرٍ قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛
رَجُلٌ عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ،
كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ وَالْقُمْقُمُ).
وأخرجه مسلم في الإيمان (213) والترمذيّ في صفة
جهنم (2604) وقال: «حديثٌ حسنٌ صحيح».
قال عداب: قد كان شعبة يضطرب في هذا الحديث، فرواه
عنه جماعةٌ بلفظ (جمرة) ورواه عنه جماعة بلفظ (جمرتان) ورواه بعضهم بلفظ (نعلان)!
ذَكَرْنا بعضَ مَن رواه عنه بلفظ (جمرتان).
وأخرجه بلفظ (جمرة) البخاريُّ في الرقاق (6561)
والطيالسيّ في مسنده (835) وابن منده في الإيمان (964) والحاكم في المستدرك (8732)
وقال: «صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ» وهذا من أوهام
الحاكم، فقد أخرجه البخاريّ ومسلمٌ كما ترى!
ورُوي حديثُ النعمان بن بشيرٍ على نحوٍ ثالثٍ
أيضاً!
فقد أخرج مسلم في الإيمان (213) من حديث أَبي
أُسَامَةَ حمّادِ بن أسامةَ عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنْ النُّعْمَانِ
بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً مَنْ لَهُ نَعْلَانِ وَشِرَاكَانِ مِنْ
نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ، كَمَا يَغْلِ الْمِرْجَلُ، مَا يَرَى أَنَّ
أَحَدًا أَشَدُّ مِنْهُ عَذَابًا وَإِنَّهُ لَأَهْوَنُهُمْ عَذَابًا).
وأخرجه أحمد في مسنده (18390) وابن أبي شيبة في
مصنفه (7: 50).
وأخرجه البزار في مسنده المعلّل (3233) قال:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ
بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال في (3234): وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ
بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِالْوَارِثِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ:
أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال في (3235): وَأَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ
مُوسَى، وَأَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو
أُسَامَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ
بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ
أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً؛ رَجُلٌ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ نَعْلَانِ،
يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ) ثم قال: «وَهَذَا الْحَدِيثُ، لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ
عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، إِلَّا أَبُو أُسَامَةَ.
وَحَدِيثُ عَبْدِالصَّمَدِ عِنْدَنَا؛ وَهْمٌ، قَدْ
وَهِمَ فِيهِ عَبْدُالصَّمَدِ، إِذْ جَعَلَهُ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكِ بن
حربٍ، عَنِ النُّعْمَانِ.
وَالصَّوَابُ: مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ
(غُندَر) عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ.
وَلَا نَعْلَمُ رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ
النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ».
انتبه أخي الفاضل: لم يروِ أبو إسحاق السبيعيُّ عن
النعمان بن بشيرٍ، إلّا هذا الحديثَ الواحد، فليس هو من تلامذته الخواصِّ، الذين
يُقبَلُ من أحدهم ما تفرّد به، دون سائر أصحابه!
وعليه، فيمكنك أن تقول: هذا الحديثُ صحيحٌ بشاهِده
المتقدّم، إذ ليس فيه اتّهامُ معيّن بأنّه من أهل النار!
ومَن أرادَ تضعيفَ الحديثِ؛ فلا تثريبَ عليه أبداً،
لسببين:
الأوّل: تَفرّدُ أبي إسحاقَ السبيعيّ عن النعمان بن
بشير به، وليس هو من خواصّ تلامذته، بل لم يرو عنه سوى هذا الحديث الواحد!
وقد بيّن الحازميّ في شروط الأئمة الخمسة (ص: 43)
فما بعدها؛ أنّ الرواةَ عن المحدّث الذي يُجمع حديثُه؛ طبقاتٌ، و«أنّ الطبقة
الأولى؛ هم الرواة الذين جمعوا بين الحِفظِ والإتقانِ، وطولِ الملازمةِ، حتى إنّ
بعضهم يلازم شيخه في الحضر والسفر».
فأين تكون طبقةُ أبي إسحاق السبيعيّ بين تلامذة
النعمان بن بشير؟
والثاني: أنّ النعمانَ بن بشيرٍ، قاتلَ إمامَ الحقِّ عليَّ بن أبي طالبٍ عليه
السلام، مع معاويةَ المنافق في صفّين،
وبقي مساكناً له وخاضعاً لسلطانه، حتى آخر حياته!
وأبو إسحاق السبيعيّ: من أخصّ أحباب الإمامِ عليّ
وأنصاره، فلا يَبْعُد أن يكون أبو إسحاقَ المتفرّدُ بالحديثِ قد حذفَ اسمَ (أبو
طالب) كما يحذِف الجميعُ مِن مُتون الأحاديث والرواياتِ، ما يخالفُ مذاهبهم، أو يَنْقُص
مِن أقدار مُعظَّميهم!
وقد كان شائعاً جدّاً، بأمرٍ من سلطات بني أميّة؛ لعنُ
الإمامِ عليّ على المنابر، وإماتةُ علمه وفضائلِه، وتضخيمُ فضائل الخلفاء الثلاثةِ
قبله، رضي الله عنهم!
وممّا لا ريب فيه أنّ حديث (أهون أهل النار عذاباً
يوم القيامة؛ أبو طالب) كان شائعاً جدّاً في عصر بني أميّة، كما تقدّم، وسيأتي!
والله تعالى أعلم.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله،
وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق