بَعيداً عن السياسةِ (7):
وِلادَةُ الإمامِ عَليٍّ عَليهِ السلامُ في جوفِ
الكعبة!؟
بسم اللهِ الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
يُشاعُ بين عامّة المسلمين، وبعضِ خاصّتهم؛ أنّ
الإمامَ عليّاً عليه السلام، وُلد في جوف الكعبة، ويعدّون ذلك إحدى خصائصه!
وأقوى ما يعتمدون عليه في إثبات ذلك؛ ما أخرجه الإمام
مسلمٌ في صحيحه (1532) قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ:
سَمِعْتُ عَبْدَاللهِ بْنَ الْحَارِثِ يُحَدِّثُ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ.
قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ: «وُلِدَ حَكِيمُ
بْنُ حِزَامٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَعَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً».
وما أخرجه الحاكم النيسابوريّ في المستدرك (7: (6155)
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ: ثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ: ثَنَا مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ
الزُبيريّ... فَذَكَرَ نَسَبَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَزَادَ فِيهِ، «وَأُمُّهُ
فَاخِتَةُ بِنْتُ زُهَيْرِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَكَانَتْ وَلَدَتْ
حَكِيماً فِي الْكَعْبَةِ وَهِيَ حَامِلٌ، فَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ، وَهِيَ فِي
جَوْفِ الْكَعْبَةِ، فَوَلَدَتْ فِيها، فَحُمِلَتْ فِي نِطَعٍ، وَغُسِلَ مَا كَانَ
تَحْتَهَا مِنَ الثِّيَابِ عِنْدَ حَوْضِ زَمْزَمَ، وَلَمْ يُولَدْ قَبْلَهُ،
وَلَا بَعْدَهُ فِي الْكَعْبَةِ أَحَدٌ».
قَالَ الْحَاكِمُ: «وَهِمَ مُصْعَبٌ فِي الْحَرْفِ
الْأَخِيرِ، فَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارِ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ،
وَلَدَتْ أَمِيرَ المؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ
فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ».
قال الفقير عداب: هذه روايات تاريخيّة غيرُ مُسندةٍ،
لا تثبت أنّ حكيم بن حزام ولد في جوف الكعبةِ، ولا أنّ عليّاً عليه السلام، ولد في
جوفها.
وقول الحاكم: « تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارِ» لا يعني
به أبداً مفهوم التواتر عند المحدّثين، ولا عند الأصوليين، وإنما يقصد أنّ الأخبار
تواردت بهذا المعنى.
فقد قال في المستدرك (2: 657): « تَوَاتَرَتِ
الْأَخْبَارُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ
مَخْتُونًا مَسْرُورًا».
وقال فيه أيضاً (3: 116): «تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ
بِأَنَّ أَبَا طَالِبٍ كُنْيَتُهُ اسْمُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ».
وقال فيه أيضاً (4: 57): «تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ
بِأَنَّ اسْمَ أمّ هانئ فَاخِتَةُ».
ويعلم المبتدئ في علوم الحديث أنْ ليس في جميع ما
ذُكر روايةٌ متّصلةٌ صحيحةٌ أصلاً، فضلاً عن التواتر الإصطلاحيّ!
وذكر أبو الفرج بن الجوزي في كتابه «مثير الغرام
الساكن إلى أشرف الأماكن» (2: 9) قال: «قد روى أبو حمزة الثمالي عن علي بن الحسين؛
أن فاطمة بنت أسد ضَرَبَهَا الطَّلْقُ وَهِيَ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَيَّامَ
الْحَجِّ، فَفُتِحَتْ لَهَا الْكَعْبَةُ، فَوَلَدَتْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طالب رضي
الله عنه، إِلا أَنَّ إِسْنَادَ هَذَا الْحَدِيثِ لا يَثْبُتُ.
وقال الإِمام النووي في تهذيب الأسماء واللغات (1:
166)
« قالوا: ولد حكيم فى جوف الكعبة، ولا يُعرف أحد
ولد فيها غيره.
وأما ما رُويَ أنّ عليّ بن أبي طالبٍ، رضي الله عنه
ولد فيها، فضعيف عند العلماء».
والله تعالى أعلم
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى اللهُ على
سيّدنا محمّد بن عبداللهِ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كل حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق