الاثنين، 25 أبريل 2022

 التَصَوُّفُ العَليمُ (16):

كَراماتُ عدابِ الحَمشِ

بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

عددٌ من الإخوةِ الكرام، طلبوا مني أن أحدّثهم عمّا أكرمني الله به، ممّا يكون له أثرٌ في تقويةِ الإيمانِ، ونشاطِ الأبدان، إلى مزيدٍ من الطاعات والعِرفان!

أقول وبالله التوفيق:

أنا لن أحدّثكم عن الكراماتِ التي أكرمني الله تعالى بها، وهي كثيرةٌ جدّاً، من لدن كنتُ صغيراً، وإلى يومنا هذا، والحمد لله ربّ العالمين.

إنّما سأحدّثكم عن السببِ الحقيقيّ، الذي يمنعني من ذِكْر، أو كتابةِ كلِّ أو بعضِ الكراماتِ التي أكرمني الله تعالى بها.

بعد أن أذكّر كلَّ واحدٍ منكم بأنّ جميعَ المؤمنين مُكْرَمون من الله تبارك وتعالى.

وممّا أكرمني الله تعالى به، وهو متحقّق لدى كثيرين منكم: الزوجاتُ والأولاد والأحفاد والأسباط، والجمالُ، والمالُ، والطهارةُ، وشرف النسب، والعلم، وحفظ القرآن العظيم وتلاوته، وعلوم السنّة، والخطابة، والشعر، والتأليف، والفروسيّة!!؟

أليست هذه الأمورُ كلّها كراماتٍ من الله تبارك وتعالى، أم ترونها إهاناتٍ؟

أمّا السببُ الحقيقيّ الذي يمنعني، وربما سيظلّ يمنعني حتى الممات؛ هو القصّة الآتية!

عَقبَ طَردي من السعودية في (27) رمضان، من شهور سنة (1411 هـ) واستقراري في عمّان الأردنّ؛ سكنتُ في حيٍّ يدعى «الجبلَ الأخضر» وكان حقيقةً أخضرَ، فيه فتح الله تعالى عليّ الفتحَ الأكبر!

زارني جدّي السيّد عزّ الدين بن النعيم «أبو حمرة» (ت: 672 هـ) رضي الله عنه، وقال لي: «أنا وليّك في الدنيا والآخرة» أو قال: «أنا وكيلُك في الدنيا والآخرة».

يا ولدي: نحن سنطلعك على عوالم كثيرة، وسيُجري الله تعالى على يديك خيراً كثيراً!

لكنّ لنا عليك شرطاً، يجب أن تلتزم به، ولا تخالفَه أبداً، لكنّه لم يقلْ لي: ومَن يخالف نعاقبه!

كنتُ طالبَ علمٍ جادٍّ، وكنت متميّزاً في كثيرٍ من العلوم والفنون، وكنت كثيرَ صلاةِ النافلة، كثيرَ الصوم، كثيرَ تلاوة القرآن الكريم، لكنني لم أكنْ كثيرَ الأذكارِ والالتزام بأوراد الطريق، وأكثر الأذكار التي كنت أقوم بها؛ هي الاستغفار، والصلاة والسلام على الرسول.

لذلك لم أصدّقْ كثيراً ما رأيتُ، وعددتُه من أحلام اليقظة، أو من حديث النفس!

فحدّثت عدداً من الإخوة بما شاهدتُ، وقلت لهم: أظنّ ذلك من حديث النفس!

زارني جدي «أبو حمرة» رضي الله عنه مرّةً أخرى وقال لي: ما أنت فيه حقيقةُ الحقائق، وليس وهماً، ولا حديثَ نفس، عليك أن تلتزم، ومَنْ لا يلتزم؛ يعاقبْ!

مضت الأيام، وأنا في غاية السعادة والتوفيق، مع الأنبياء وآل البيت والصالحين، ليلَ نهار!

إلى أنْ زارني حضرةُ الشيخ «حاتم كاظم» الرفاعيّ العراقيّ حفظه الله تعالى، في عمّان، ومعه عددٌ من مريديه.

تعرّفتُ إليه، وأحببته، ورحنا نتبادل أطرافَ الحديثِ، ونحن نشرب الشاي.

فيمَ راحَ أحد تلامذته يمدح الشيخ ويطريه، وكان مما قال: «شيخنا كذا، وشيخنا كذا، وشيخنا ينادي على أحدهم أنْ تعالَ، فما هي إلّا مسافةُ الطريق، حتى يحضر المنادَى بين يدي الشيخ!»

أجبته بلهجتنا العاميّة قائلاً: «شو ها الشغلة العظيمة، أبو بلال، تعال فوراً»!

ما هي إلّا دقائق، حتى دخل الأخ الفاضل أبو بلال يضحك ويقول: «شيخي نحن ما خالصين منك بالنهار، كمان بالليل، أيقظتني من نومي والله، ماذا تريد»؟

قلت له: شرّفنا الشيخ حاتم الراوي، وهو يريد أن يتعرّف إليك!

تعرّف إليه، ثم انصرفَ، أو بقي معنا إلى أذان الفجر، لا أدري!

عقبَ انصراف الشيخ من زيارتنا؛ زارني جدّي «أبو حمرة» رضي الله عنه وقال لي: ما الذي دعاك إلى هذا؟ وكلمني كلاماً كثيراً، نسيته، لكنّ مفهومه أنّ إظهارَ الكرامة لا يكونُ إلا لسبب مشروع، وما مِن سبب لما فعلتَ!

كان هذا في أواخر عام (1990) ثم انتقلت إلى العراق في أوائل عام (1992) واستمرّت الأحوال الطيّبة والكشوفات وغيرها، حتى أواخر العام (1995) زارني جدي «أبو حمرة» آخر زيارةٍ، وهدّدني بالعقوبة الشديدة!

وكانت العقوبةُ الشديدةُ فضيحةَ الدكتوراه، التي ضجّ بها العراق وغير العراق، حتى كفّرني بعض العراقيين على المنابر!

وسيّدي وجدي «أبو حمرة» لم أعُدْ أراه، ولم يعد يزرني، ولم يعد يسددني ويرشدني.

أحسّ بوجوده قريباً مني إحساساً روحيّاً، من دون رؤية قلبيّة ولا رائحةٍ زاكية!

فإلى الإخوة الذين طلبوا مني الحديثَ عن الكرامات، أقول: هل مرّ عليكم سالكٌ في طريق التصوّف أغبى مني؟

لما تقدّم أقول صادقاً، والله: أنا غيرُ مأذون لي بأن أتحدّث بشيءٍ ممّا أجراه الله على يديّ، أو أكرمني به، لكنني أخالفُ وأعصي المرّةَ تلوَ الأخرى.

بيدَ أنّني أسأل الله تعالى أن يعينني، فأمسك لساني، وأحفظ غَيبتي، فلا أدع بعض الناس يكذبونني، فيعاقبون أيضاً؛ لأنّ الله تعالى يعلم أنني صادق!

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق