الجمعة، 22 أبريل 2022

 التَصَوُّفُ العَليمُ (15):

فَضْلُ الصَلاةِ عَلى الرَسولِ

صلّى الله عليه وآله وسلّم

بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

الأصلُ في الصلاةِ على الرسولِ، صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ قول الله تبارك وتعالى:

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ.

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) [الأحزاب].

وسواءٌ حملنا الأمر في قوله تعالى (صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) على الوجوبِ، أم حملناه على الإرشادِ والنَدب؛ فالصلاةُ على الرسول  صلّى الله عليه وآله وسلّم، ممّا يُحبّه الله تعالى، ويُثيبُ عليه.

وقد جاء في فضلِ الصلاةِ على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ أحاديثُ عديدةٌ، أقتصر على أبرزها، إذ إنني عن استيعابها - في ظروفي الحاضرةِ - ضعيف.

قال الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم:

(إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ؛ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ.

فَإِنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً.

ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ.

فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ؛ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ) أخرجه جمعٌ غفير من المصنّفين، منهم مسلم في كتاب الصلاة (384) والترمذيّ في كتاب المناقب (3614) وقال: «هذا حديثٌ حسنٌ صحيح».

وأخرج في موضع آخر حديثَ أبي هريرة (481) مختصراً، وقال عقبه: «وَفِي الْبَاب عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعَمَّارِ بنِ ياسرٍ، وَأَبِي طَلْحَةَ «» وَأَنَسِ بنِ مالكٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وحديثُ أبي هريرة حسنٌ صحيح» رضي الله عنهم.

وَرُوِي عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: صَلَاةُ الرَّبِّ الرَّحْمَةُ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الِاسْتِغْفَارُ».

قال الفقير عداب: أحاديثُ عبدالرحمن بن عوفٍ، وعامر بن ربيعةَ، وعمّار بن ياسر، وأبي طلحة الأنصاريّ؛ كلّها أحاديث ضعيفة.

ما عدا حديثَ أنس بن مالك؛ فصحيح، وحديثَ أبيّ بن كعبٍ؛ فحسن في بابه.

أمّا حديث أنس بن مالكٍ؛ فلفظه (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحَطَّ عَنْهُ عَشْرَ خَطِيئَاتٍ) أخرجه أحمد في مسنده، والنسائيّ في كتاب السهو من المجتبى (1279) ورُوي من طرقٍ عديدةٍ عن أنسِ بن مالك.

وأمّا حديث أبيّ بن كعبٍ؛ فعنه قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ، قَامَ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ: اذْكُرُوا اللهَ،  اذْكُرُوا اللهَ، جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ.

قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟

فَقَالَ: مَا شِئْتَ!

قُلْتُ؟ الرُّبُعَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ؛ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ.

قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ؛ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ.

قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ؛ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ.

قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

أخرجه جَمعٌ من المصنفين، منهم أحمد في مسنده، والترمذيُّ في صفة القيامةِ من جامعه (2457) وقالَ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ» كذا في المطبوع، وفي تحفة الأشراف (1: 20): «حسن» فحسب.

 قال الفقير عداب: ضَعفُ حديثِ أبيّ بن كعبٍ؛ يسير، إذ قد صحّ إسناده، من حديث عُقَيل بن خالدٍ، عن ابن شهاب عن محمد بن يحيى بن حَبّان مرسلًا.

أخرجه يَعقوبُ بن سفيانَ الفَسويّ في تاريخه (1: 389).

وفي إسناد الحديث المتّصل عبدُالله بن محمد بن عقيل الهاشميّ، اختلف النقّاد فيه، وليس ضعفه كبيراً، فيسعنا الحكم بأنّه حسن لغيره.

وحديثُ أبيٍّ هذا؛ هو عمدةُ المكثرين من الصلاة والسلام على الرسول صلّى اللهُ عليه وآله وسلم.  

أمّا عن صِيَغ الصلاة على الرسول صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم، التي علينا التزامها؛ فما ورد في الكتاب الكريم (صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).

فالذي يقول: صلّى الله عليه؛ لم يلتزم بنصّ الكتاب الكريم.

والذي يقول عليه السلام؛ لم يلتزم بنصّ الكتاب الكريم أيضاً.

والذي يقول: صلّى الله عليه وسلّم؛ فقد التزمَ بنصّ القرآن العظيم، ولا يكون صلّى الصلاة البتراءَ؛ إذ لا يصحّ عن الرسول صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم شيءٌ مزعومٌ في الصلاة البتراء، إنما هي عند الكليني في الكافي، والكتاب كلّه واهٍ، لا يساوي شيئاً.

وأمّا ورد في السنّة النبويّة الصحيحة؛ فهذه أصحّ الصيغِ:

- أخرج مالك في كتاب النداء من الموطأ (397) ومن طريقِه أحمد في مسنده، والبخاريّ في صحيحه (3369) ومسلم في صحيحه (407) من حديثِ أبي حُميدٍ الساعديّ الصحابيّ قال: قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُولُوا:

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ.

وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ).

- وأخرج مالك في كتاب النداء من موطئه (398) وأحمد في مسنده، والبخاري في صحيحه (3370) ومسلم في صحيحه (405) من حديث عبدالرحمن بنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ «الصحابيّ» فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً؟

خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا: قَدْ عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ).

- أمّا حديثُ «وتحنّن على آل محمّد» فهو من المسلسلات المعروفة بحديث المسلسل بـ«عَدّهُنَّ في يدي؛ فأخرجه الإمام البيهقيّ في شعب الإيمان (1485) وابن عساكر في معجم شيوخه (2: 817).

قال البيهقي: أَخْبَرَنَا أَبو عَبْدِاللهِ الْحَافِظُ، وَعَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ قَالَ: عَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَارِمٍ الْحَافِظُ بِالْكُوفَةِ قَالَ: عَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْعِجْلِيُّ، وقَالَ لِي: عَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ حَرْبُ بْنُ الْحَسَنِ الطَّحَّانُ، وَقَالَ لِي: عَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ يَحْيَى بْنُ الْمُسَاوِرِ الْحَنَّاطُ وَقَالَ لِي: عَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ.

وَعَدَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - يعني البيهقيَّ - فِي أَيْدِي مَنْ سَمِعَ مِنْهُ ( ح).

قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَعَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ: أَخْبَرَنَا أَبُو المْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكُوفَةِ، وَعَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ كاسٍ بِالرَّمْلَةِ، وَعَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ: حَدَّثَنَا جَدِّي لِأَبِي سُلَيْمَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْيدٍ الْمُحَارِبِيُّ، وَعَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ الْمِنْقَرِيُّ وَعَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ وَعَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ وَعَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ.

قَالَ لِي: وعَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَقَالَ لِي: عَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ أَبِي عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَقَالَ لِي: عَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ أَبي الْحُسَيْنِ بْنُ عَلِيٍّ، وَقَالَ لِي: عَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ لِي: عَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَقَالَ جِبْرِيلُ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعِزَّةِ:

اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللهُمَّ وَتَرَحَّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا تَرَحَّمْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللهُمَّ وَتَحَنَّنْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا تَحَنَّنْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ؛ كَمَا سَلَّمْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ).

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله: هَكَذَا بْلَغَنَا هَذَا الْحَدِيثُ، وَهُوَ إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ.

وَأَمَّا الْمُبَارَكَةُ؛ فَإِنَّهَا فَضْلُ اللهِ تَعَالَى جَدُّهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ منا هَذَا التَّبْرِيكُ، وَهُوَ أَنْ نقُولَ: اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَأَصْلُ الْبَرَكَةِ الدَّوَامُ، وَتوضَعُ مَوْضِعَ النَّمَاءِ وَالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ تَزَايُدَ الشَّيْءِ؛ مُوجِبٌ دَوَامَهُ.

وَقَدْ توضَعُ أَيْضاً مَوْضِعَ التَّيَمُّنِ، فَيُقَالُ لِلْمَيْمُونٍ: مُبَارَكَ، بِمَعْنَى أَنَّهُ مَحْبُوبٌ وَمَرْغُوبٌ فِيهِ، وَذَلِكَ لَا يُخَالِفُ مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ إِذَا أُرِيدَ بِهَا الدَّوَامُ؛ فَإِنَّمَا يَسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِيمَا يُرَادُ، وَيُرْغَبُ فِي بَقَائِهِ.

فَإِذَا قُلْنَا: اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ؛ فَالْمَعْنَى اللهُمَّ أَدِمْ ذِكْرَ مُحَمَّدٍ وَدَعْوَتَهُ وَشَرِيعَتَهُ، وَكَثِّرْ أَتْبَاعَهُ وَأَشْيَاعَهُ، وَعَرِّفْ أُمَّتَهُ مِنْ يُمْنِهِ وَسَعَادَتِهِ؛ أَنْ تُشَفِّعَهُ فِيهِمْ، وَتُدْخِلَهُمْ جَنَّاتِكَ وَتُحِلَّهَمُ دَارَ رِضْوَانِكَ.

فَيَجْمَعُ التَّبْرِيكُ عَلَيْهِ؛ الدَّوَامَ وَالزِّيَادَةَ وَالسَّعَادَةَ، وَاللهُ أَعْلَمُ».

قال الفقير عداب: وهذا الحديث المسلسلُ أخرجه أيضاً أبو خالدٍ الواسطيّ في مسند الإمامِ زيدِ بن عليّ عليه السلام (ص: 361) والواسطيّ متّهم بالكذب ووَضع الحديث!

- أمّا صيغ الصلاة على رسول الله صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم، التي يتفنّن بها مَن يعلَم ومن لا يعلَم؛ فأنا لا أقولُ: إنها من البِدَعِ المحرّمة، إنما أقول: ينبغي أن نلتزمِ في صيغ الصلاةِ على الرسول صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم بما جاء في الكتاب والسنّة، ولا نبتعد عنهما؛ لأنّ الواردَ فيهما؛ مضمون الأجر والثواب والأثر الروحيّ والقلبيّ؛ لأنها من اختيار الشارع الحكيم.

أمّا الصِيَغِ المخترعة؛ فغيرُ مضمونةِ الأجر والثواب والأثر، من جهة.

ويخشى على مخترعها ومتابعيه؛ من التَقديمِ بين يَدَيِ الله ورسوله، ومن تفضيلِ الصِيغِ التي اخترعوها، على ما ورد في الكتاب والسنّة.

وقد أكثرَ أبو طالبٍ المكيّ من الأدعية المقرونة بصيغٍ عديدةٍ من صيغ الصلاة على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، لكنّه قيّد ذلك كلّه بقوله في القوت (ص: 121):

«كيفما صلّى عليه، بعد أن يأتي بلفظ ذكرِ الصلاة عليه التي رُويتْ التشهّد؛ فهي صلاة».

أمّا مَن اخترع صيغةً يذكر فيها: الصلاة والسلامُ عليك يا أوّلَ خلقِ الله، وخاتمَ رسلِ الله» فهو كاذبٌ آثم في شطر الكلام الأوّل، وحديث النور؛ كذب موضوع!

فليس الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أوّل خلق الله تعالى، إنّما أعلمنا الله أنّ أوّل مخلوق من البشر؛ هو آدم عليه السلام.

وقرأت صيغاً فيها تشبيه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بالكبريت الأحمر، والمسك الأذفر، والياقوت، وهكذا...!!

فهذه صيغٌ - مع افتراض صحة معناها - لا نعلم إن كان فيها أجرٌ أصلاً، ولا نرى فيها بلاغةً ولا مديحاً حقيقيّاً للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وقد ابتَكر شيخنا السيّد محمد بن عبدالكريم الكسنزان، رحمه الله تعالى، صيغةً.

حدّثني أنّ المشايخَ - يريد الأولياء - حفّظوه إيّاها، وهي:

(اللهم صلّ على سيدنا محمّدٍ الوصف والوحي والرسالة والحكمة، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً).

وكلّفني بأن أشرح معناها للناس،  في خطبةِ جمعةٍ، لكنّ الله تعالى فتح عليّ، فخطبت بها أربعَ خطبٍ جمعة!

بيد أنّ مئاتِ الخطب والدروس التي ألقيتها في التكية الكسنزانية؛ ليس لديّ منها شيءٌ، وزعم بعضُ من سألتُهم عنها بأنها تلفت كلُّها، وللأسف!

والشيخ محمد الكسنزان؛ على منهج أبي طالبٍ المكيّ، رحمهما الله تعالى؛ يجوّز أيَّ صيغةٍ من صيغِ الثناء على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، بعدما يأتي المريد بالصيغة الواردة في السنّة.

أمّا أنا فأختار الصيغَ الواردةَ في الكتاب والسنّة باختصارٍ، على النحو الآتي:

(اللهم صلّ على محمّد وآله وسلّم وبارك) أو (اللهم صلّ على محمّد وآله وأزواجه وذريّته وسلّم وبارك) وبذلك أكون جمعت بين ما جاء في القرآن، وأصحّ ما في السنّة.

وأصلّي بها على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأنا مطمئنّ إلى متابعةِ السنّة، ومطمئنٌ إلى الأجر والثواب المنصوص عليه في الأحاديث الصحيحة، ومطمئنٌّ إلى صحّة أثرها على العقل والروح والقلب.

أمّا شرحُ صِيَغ الصلاةِ على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وبيانُ فوائدها الأخرويّة والدنيويّة؛ فسيكونُ في منشورٍ تالٍ، إن قضى الله تعالى ذلك وشاء.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق