الاثنين، 11 أبريل 2022

       بَعيداً عن السياسةِ (32):

أنتَ تُحبُّ صدّام حسين!؟

بسم اللهِ الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

كثيرٌ من العراقيين - خاصّةً الشيعةَ منهم - يعتقدون أنني أحبّ الرئيس صدّام حسين، بل إنّ أحدَ المشايخ اتّهمني بأنني بعثيّ!

أقول وبالله التوفيق:

إنّ كلَّ إنسانٍ يتكوّن من ذاتٍ وصفاتٍ وأفعال!

أمّا ذاتُه؛ فلا يدَ له في خلقها وتكوينها وتعديلِها.

وأمّا صفاتُه الفطريةُ والكسبيّة؛ فيمكن تبديلها وتغييرها بالدُرْبَةِ والمِرانِ والثقافة.

وكُلُّ واحدٍ منّا، تتطوّر صفاتُه، وربما تتبدّل، بعضُها يتغيّر إلى الأحسنِ، وبعضها يتغيّر إلى الأسوأ!

إنّما الذي يَخصّ الآخرين من ذاتي وصفاتي؛ هو أفعالي، وكيفيّة تعاملي معهم!

كلّ واحدٍ منّا يُحبّ أباه وجدّه وإخوانَه وأبناءَ عمومتِه وأصدقاءَه!

ومع هذا، فهو لا يرضى عن بعضِ أفعالِهم، أو عن كثيرٍ منها، وقد حدّثتكم عن بعضِ معاناتي مع سيّدي الوالدِ الصالح، رحمه الله تعالى، وأعلى درجته ومقامه.

وأنا الفقيرُ حتى عام (1990) لم أكنْ أفرّق بين الرئيس صدّام حسين، والرئيس حافظ الأسدِ، وكلاهما كان عندي كافراً، عدوّاً للإسلام والمسلمين!

لكنّني عندما قدمتُ إلى العِراقِ، وتعرّفت إلى الرئيس صدّام حسين؛ تغيّر فكري تجاهَه تماماً، فقد أُعجبتُ بشخصيّته الحازمة الهادئة اللطيفة، وأعجبت بأدبه في الحوار، وأعجبت بكثير من صفاته، من الشجاعة والحزم والكرم ورعايةِ الفقراء، وعطفه على النساء والضعفاء.

ولم أرَ فيه شيئاً ممّا يدّعيه العراقيون، ويزعمونه، من ظلمٍ وجورٍ ودكتاتوريّة وكِبرٍ وخشونةٍ، طيلةَ وجودي في العراق (1992 - 2002).

وقد كان الرجلُ يستشيرني ويستفتيني، كما كان يستشير غيري من أهل العلم الشرعيّ، ويستشيرُ كبارَ أهل التخصّصات من كلّ علمٍ وفنٍّ.

أمّا أفعالُه التي ينسبها إليه العراقيّون:   

- فإن كان قتلَ إنساناً واحداً ظلماً؛ فهو عندي من أصحاب الجحيم!

- وإن كان غصبَ إنساناً حقّه المشروع؛ فهو في نار الجحيم!

- وإن استأثر بمال الأمّة، فتمتّع به هو وقرابتُه وأعوانه؛ فهو خائنٌ للأمانة، وهو في نار الجحيم!

أفعال صدّام حسين، هي التي تعنينا، أمّا شخصيّته وصفاته؛ فمنها ما هو جِبِليّ، لا يد له به، ومنها ما هو كسبيّ شخصيّ، يحاسبه الله عليه!

ولستُ من الغوغاء الذين يصدّقون كلّ قولٍ، أو من العامّةِ الذين يقودهم الإعلام حيث يشاء!

وإنّ الحكّام العملاء الذين حكموا العراق بعده؛ ليسوا أحسنَ حالاً منه بيقين!

ويكفيهم عاراً وذلّاً وخزياً؛ أنهم عملاء!

كان أكبرُ خلافٍ بيني وبين الرئيس صدّام حسين؛ اعتقادُه بجوازِ محاسبةِ الناسِ وَفقَ القانون العراقيّ.

واعتقادُه أنّه حاكمٌ شرعيٌّ، وأنّ من حقّه قتلَ مَن يُخالفُه، ويحاوُل  الخروج عليه!

وقد حاورتُه مرّةً بأنّ الهمَّ بالفِعل ليس فعلاً، ولا يجوز قتلُ من فكّر بشيءٍ، ثمّ لم يفعله، أو تراجعَ عنه.

وقلت له مرّةً: يا أخي كنْ مثلَ ابن عمّك الحسين بن طلالٍ، يحاولُ أحدهم قتلَه، فتسجنه قوّات الأمنِ، وتحكم عليه المحكمة العسكريّة بالإعدام، فيقوم الملك الحسين بالعفو عنه، وتكريمه، وتوظيفُه أحياناً، والحسين ليس أقوى منك ولا أقدر!

وقلت له مرّةً: أنتم أخذتم السلطةَ بانقلابٍ، فغدوتم في نظر أنفسكم شرعيين بهذا الانقلاب!

أفرأيتَ لو أنكم أخفقتم، ولم ينجح انقلابكم؛ هل غدوتم بهذا مُرتدّين، تحلّ دماؤكم، ويجوز قتلكم؟

أقول: حدّثني شيخي محمد علي المراد الحمويّ، رحمه الله تعالى قال: شهادتي بالله العظيم أنّ الرئيس حافظَ الأسد مسلمٌ سنيّ!

قلت له: سنيٌّ أيضاً؟

قال: إي والله إنه مسلم سنيّ، ومعارضوه هم الظالمون له!

وحدّثنا شيخنا الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، رحمه الله تعالى، في مكّة المكرمة قال: شهادتي على السيّد الرئيس حافظ الأسد؛ أنه مسلم مؤمن محسن، وأنه يحافظ على الصوم والصلاةِ، وما شهدنا إلّا بما علمنا!

وأنتم - يشيرُ إليّ - لا تفقهون في الدين شيئاً، ولا تفقهون في السياسة شيئاً، ولا تعرفون التاريخَ السياسيَّ الإسلاميَّ أصلاً!

هكذا هو الملك، وهذه هي طبيعته، لم يكن الملكُ في يومٍ من الأيّامِ، أصعبَ ممّا هو في عصرنا، فأعداء الأمّة كثيرون، وهم محيطون بنا من كلّ جانب، فلا يسع الحاكمَ حُسنُ الظنّ برعيّته، إذ من اليقين أنّ فيهم جواسيس وخونة وعملاء!

فكيف تريد أن يثق الحاكم بك، وأنت تكفّره وتثور عليه، ولا تترك له فرصةً للإصلاح أصلاً!

ختاماً:

هذا هو موقفي من الرئيس صدّام حسين، وتلك تجربتي معه!

وأنا لا أكفّره، ولا أكفّر حافظَ الأسد، ولا بشّار الأسد، ولا آل سعودٍ، ولا حكّام الخليج، ولا غيرهم.

حتّى أجالسهم، وأستمع إليهم، وأعرف حُجَجَهم، واعتذاراتِهم، فعلى مدى تاريخنا الإسلاميّ، كان الحكّام يقتلون، ويظلمون، ويُفقرون شعوبهم، ولم يكفّرهم العلماءُ المعاصرون لهم، إنما كانوا يرمونهم بالظلم، ويرون الظلمَ فسقاً، وليس بكفر!

ولا يَفهمنّ أحدٌ أنني أسوّغ الظلمَ، أو أحرّم الخروجَ على الحاكم الظالم!

ففرق كبيرٌ بين الخروج على الحاكم، وبين تكفيره!

يجب الخروج على الحاكم الظالم - في فقهي - متى ظلم وتمادى، ورفض إنصاف المظلومِ، وعزفَ عن التوبةِ النصوح!

انتبه أخي القارئ: أقول: يجب الخروج على الحاكم الظالم، وليس يجوز فحسب!

لكن متى؟

لا يجوز الخروج على الحاكم الظالم، مستعيناً عليه بظالمٍ آخرَ مثله، أو شرٍّ منه!

لا يجوز أن تخرجَ على الحاكم، تنفيذاً لأهدافٍ عِدائيّة، تخدم أعداءَ الأمة وأعداء بلدك!

وإنّ أولئك الذين يخرجون على حاكم بلدهم، مستعينين بالأمريكان، أو الأوربيين، أو أذنابهم من الحكام الوظيفيين؛ أولئك ثوّار سفلةٌ مجرمون عملاء!

فحاكم ظالم غير عميلٍ؛ خيرٌ من ثائرٍ ظالمٍ عميل!

سواء كان عميلاً لدول الخليج، أم كان عميلاً لأوربا، أم لأمريكا، فالعميل هو العميل، على كلّ حال.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى اللهُ على سيّدنا محمّد بن عبداللهِ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كل حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق