السبت، 2 أبريل 2022

 مَجالسُ شَهرِ رَمَضان المُبارَك (3):

صَلاةُ التَراويحِ!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).

مثلما هي عادتنا - معشرَ المسلمين - في جميع المواسم المتكرّرة، نختلف في حكم النازلة دائماً، ونتصايح، ويخطّئ بعضنا بعضاً، وكثيرون هم العوامُّ الذين يُنصّبون من أنفسهم مُفتين ومُنظّرين!

وقد طلب مني بعضهم أن أعطيَه الرأيَ الصحيح بحكم صلاة التراويح، وعدد ركعاتها، ومكان أدائها الأفضل؟!

أقول وبالله التوفيق:

قال الله تبارك وتعالى في صدر سورة المزّمل:

(يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4).

وقال في ختامها:

(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ (20).

أخرج البخاريّ في (4837) ومسلم في كتاب القيامة (2820) من حديث أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ.

فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا)؟

«فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ؛ صَلَّى جَالِساً، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ؛ قَامَ فَقَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ».

أنت أيها الأخ المسلم، مهما اجتهدتَ في العبادةِ؛ فأنت مثاب مأجور، وليس في زيادة العبادةِ ابتداعٌ ولا انحراف!

وإذا كان أصلُ العملِ مباحاً، ثمّ ألزمتَ نفسك به على وجه التقرّب إلى الله تعالى؛ أثابك الله تعالى، وأعطاك أجرك، حتى وإن لم يطلب ذلك منك!

قال الله تعالى:

(وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27) [الحديد].

تقدير الكلام: وأمدح ((وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ).

هم ما بتدعوها (إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ).

لكن ما الذي حصل منهم؟

حصل منهم خرقٌ لهذه القربى االتي ابتدعوها (فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا).

فما كان جزاؤهم، إذ فعلوا ذلك؟

هل قال لهم الله تعالى: (كلّ بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار)؟

لا لم يقل لهم ذلك؛ لأنّ أصل الزواج مباحٌ، وليس بفريضة، والمباحُ لا يمدح فاعله ولا يُذمّ تاركه!

الله تعالى الحكم العدل؛ لم يغمطهم الجانبَ الشرعيّ والالتزام الصحيح الذي فعلوه أبداً (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ).

فالبدعة التي هي ضلالة، تودي بصاحبها إلى النار؛ هي البدعة المصادمة لنصوص الشريعة، مصادمةً لا يمكن معها التوفيق!   

أخي القارئ الكريم: أنا لا أظنّك ممن يقوم الليل كلّه إلّا قليلاً!

ولا أظنّك تقوم نصفَه، أو أنقصَ منه قليلاً، أو أنك تزيد عليه، وأنا مثلُك لا أفعل!

والرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: (خُذُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا.

وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّتْ.

وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا) أخرجه البخاري في الصوم (1970) ومسلم في الصيام (782).

فقيام الليل؛ واجبٌ في حقّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، في رأيِ الأكثرين، وهو من المندوباتِ في حقّ أمتّه المسكينة، التي ضيّع أكثرُها الفرضَ والراتبةَ والنافلة!

والأصل في صلاة قيامِ رمضانَ - صلاةِ التراويح - واجتماعِ الناس لأدائها في المسجد؛ ما أخرجه البخاريّ في كتاب الجمعة من صحيحه (924) ومسلم في صلاة المسافرين (761)     من حديثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ، فَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلَاتِهِ.

فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَصَلَّوْا مَعَهُ.

فَأَصْبَحَ النَّاسُ، فَتَحَدَّثُوا، فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ.

فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ؛ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ - فلم يخرج إليهم الرسول - حَتَّى خَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ.

فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ؛ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ:

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ، لَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ، فَتَعْجِزُوا عَنْهَا).

وقد حثَّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أمّته على قيامِ رمضانَ، ووعد عليه بمغفرةِ ما تقدّم من ذنوب العبدِ في حياته السابقة.

فقد أخرج البخاريّ في الإيمان (37) ومسلم في صلاة المسافرين (759) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ).

وأخرج ابن ماجه في إقامة الصلاة من سننه (1328) والنسائيّ في المجتبى (22108) من حديثِ النَّضْرِ بْنِ شَيْبَانَ الحُدّانيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: حَدِّثْنِي بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ أَبِيكَ، سَمِعَهُ أَبُوكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْسَ بَيْنَ أَبِيكَ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؟!

قَالَ: نَعَمْ حَدَّثَنِي أَبِي - يعني عبدَالرحمنِ بنَ عوفٍ رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَرَضَ صِيَامَ رَمَضَانَ عَلَيْكُمْ، وَسَنَنْتُ لَكُمْ قِيَامَهُ، فَمَنْ صَامَهُ وَقَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَاباً؛ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ).

إسناد الحديث ضعيف، فيه النضر بن شيبان، ضعيفٌ، لكنّ معناه مطابقٌ للكتابِ والسنّة معاً.

ما أريد التنبيه عليه؛ أنّ أصلَ صلاةِ القيام، في جميعِ أيّام العمر؛ سنّةٌ راتبةٌ، وليس مباحاً فحسب!

فصلّ أنت - أخي الصائم المؤمن - ما تقدر عليه من الليل: ربعه، ثلثَه، نصفه، عُشرَه!

أمّا عدد ركعاتها؛ فعلى قدْر ما ترغبُ أنتَ وتريدُ - أخي القارئ،         فما دامت صلاةُ التراويح غيرَ واجبةٍ، فليس في غيرِ الواجبِ إلزام!

قال الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم:

(صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ؛ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ، تُوتِرُ لَكَ مَا قَدْ صَلَّيْتَ) أخرجه البخاري في الصلاة (473) ومسلم في صلاة المسافرين (749).

وقد نقلت السيّدة عائشةُ ما كان يتنفّل به الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، يومَ يكونُ عندها، ما أخرج البخاريّ في الجمعة (1147) ومسلم في صلاة المسافرين (738) عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟

فَقَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ، وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً!

يُصَلِّي أَرْبَعاً، فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ!

ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ.

ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثاً.

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ.

فَقَالَ: (يَا عَائِشَةُ، إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ، وَلَا يَنَامُ قَلْبِي).

وهذا لا يخالف حديثَ عائشة (كَانَتْ صَلَاتُهُ صلّى الله عليه وسلّم فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِاللَّيْلِ، مِنْهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ) أخرجه البخاري في الجمعة (1140) ومسلم في صلاة المسافرين (737).

وقد أخرج الإمام أحمدُ في مسنده (1140) وابن ماجه في سننه (1161) من حديث عليّ بن أبي طالب؛ أنّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، كان يصلي في النهار ستَّ عشرةَ ركعةً، سوى الفريضة.

ولم يثبت أنّ الرسولَ صلّى الله عليه وآله وسلّم صلّى في رمضانَ أو في غيره عشرين ركعةً نافلة، إنّما ورَد ذلك عن عمر وعليّ، رضي الله عنهما.

وقد لخّص الإمامُ الترمذيّ المسألةَ في جامعه (806) فقال:

«اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ:

فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يُصَلِّيَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ رَكْعَةً مَعَ الْوِتْرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَهُمْ بِالْمَدِينَةِ.

وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ رَكْعَةً.

وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ.

وقَالَ الشَّافِعِيُّ: هَكَذَا أَدْرَكْتُ بِبَلَدِنَا بِمَكَّةَ يُصَلُّونَ عِشْرِينَ رَكْعَةً.

وقَالَ أَحْمَدُ ابن حنبلٍ: رُوِيَ فِي هَذَا أَلْوَانٌ، وَلَمْ يُقْضَ فِيهِ بِشَيْءٍ!

وقَالَ إِسْحَقُ بن راهويه: بَلْ نَخْتَارُ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ رَكْعَةً، عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ!

وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَقُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ.

وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ إِذَا كَانَ قَارِئًا».

خِتاماً: أنا الفقير عدابٌ أختارُ أن يصلّي المسلم التراويحَ مع الإمام في المسجد، ليستمع القرآن الكريمَ من غيره، ولينعم ببركة المسجد وبركة جماعةِ المسجد.

وليتحقّق له قول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم:

(إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ؛ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) أخرجه أحمد وأبو داود والنسائيّ والترمذي في الصوم (806) وقال: حديثٌ حسن صحيح.

وعندما يرجع إلى بيتِه؛ يصلّي ما يقوى عليه بتروٍّ وأناةٍ وترتيلٍ.

فيكون قد جمع بين الحسنيين، صلاتِه في المسجدِ، وصلاتِه في بيته.

ولأنّ الشغَبَ حِيالَ عدد ركعاتِ التراويح؛ أكثره من عوامّ الإخوةِ السلفيين والوهّابيين؛ أقدّم لهم كلام شيخهم وإمامهم ابنِ تيميّة، رحمه الله تعالى.

فقد قال في الفتاوى الكبرى (2: 119): «إنَّ نَفْسَ قِيَامِ رَمَضَانَ لَمْ يُوَقِّتْ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيهِ عَدَدًا مُعَيَّنًا، بَلْ كَانَ هُوَ لَا يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، لَكِنْ كَانَ يُطِيلُ الرَّكَعَاتِ.

فَلَمَّا جَمَعَهُمْ عُمَرُ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ عِشْرِينَ رَكْعَةً، ثُمَّ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ، وَكَانَ يُخِفُّ الْقِرَاءَةَ بِقَدْرِ مَا زَادَ مِنْ الرَّكَعَاتِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَخَفُّ عَلَى الْمَأْمُومِينَ مِنْ تَطْوِيلِ الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ.

ثُمَّ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ يَقُومُونَ بِأَرْبَعِينَ رَكْعَةً، وَيُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ.

وَآخَرُونَ قَامُوا بِسِتٍّ وَثَلَاثِينَ، وَأَوْتَرُوا بِثَلَاثٍ، وَهَذَا كُلُّهُ سَائِغٌ! فَكَيْفَمَا قَامَ فِي رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ؛ فَقَدْ أَحْسَنَ.

وَالْأَفْضَلُ يُخْتَلَفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُصَلِّينَ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ احْتِمَالٌ لِطُولِ الْقِيَامِ، فَالْقِيَامُ بِعَشْرِ رَكَعَاتٍ وَثَلَاثٍ بَعْدَهَا -كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ؛ هُوَ الْأَفْضَلُ.

وَإِنْ كَانُوا لَا يَحْتَمِلُونَهُ؛ فَالْقِيَامُ بِعِشْرِينَ هُوَ الْأَفْضَلُ، وَهُوَ الَّذِي يَعْمَلُ بِهِ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ وَسَطٌ بَيْنَ الْعَشْرِ وَبَيْنَ الْأَرْبَعِينَ، وَإِنْ قَامَ بِأَرْبَعِينَ وَغَيْرِهَا؛ جَازَ ذَلِكَ، وَلَا يُكْرَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.

وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.

وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ فِيهِ عَدَدٌ مُوَقَّتٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يُزَادُ فِيهِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ؛ فَقَدْ أَخْطَأَ».

والله تعالى أعلم

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق