السبت، 2 أبريل 2022

مَجالسُ شَهرِ رَمَضان المُبارَك (4):

ثُبوتُ دُخولِ رمضانَ، وثبوتِ تَمامِه!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).

أيها الإخوةُ الصائمون المؤمنون:

كلّ صائم حقيقةً؛ فهو مؤمن؛ لأنّ الصيامَ لا نفاق فيه!

وكلُّ مؤمنٍ صائمٍ؛ حبيبٌ إلى قلبي، عزيزٌ عليَّ، أتقرّب إلى الله تعالى بحبّه وموالاته، وأرجو دعواته.

لو أنّنا جميعاً، عملنا بقول الله تعالى:

(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ؛ أَذَاعُوا بِهِ.

وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ، وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ؛ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ.

وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ؛ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) [النساء].

أنا الفقير إلى الله تعالى - كما قلتُ مرّاتٍ كثيرةً - تنقصني علومٌ كثيرةٌ، بعضها معرفتي بها ثقافة، وبعضها معرفتي بها سطحيّة، وبعضها كنت أرغب بتعلّمها للاطّلاع على حقيقتها، كالسحر والتنجيم، والأبراج، والمندل، لكنّ مشايخي الروحيين، الذين أثق بدينهم وتقواهم ونظرهم، حرّموا عليّ تعلّم هذه العلوم، والنظرَ في كتبها، وقد التزمت يقيناً بذلك، فأنا أجهل الناس بها!

ما أريدُه من هذا الكلام؛ أنْ لو أنّ الواحدَ منّا نظر إلى نفسه، وإمكاناته، وتساءلَ: هل أنا من أولي الأمر القادرين على الاستنباط؟

فإذا وجدَ نفسَه ليس منهم؛ عرف قدر نفسه، ولَزمَ حدّه، فوقف عنده، إذنْ لقلَّ الخلافُ، ولتوصّل أهل العلم إلى ما يَسَع الجميعَ، مع الحبّ وولايةِ المؤمنين.

يقول الله تعالى:

(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ (36) [التوبة].

وقال جلّ وعزّ:

(فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) [الأنعام].

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ (5) [يونس].

قال الإمام الرازي، رحمه الله تعالى في تفسيره البديع مفاتيح الغيب (13: 78) ما نصّه:

«أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً) فَفِيهِ مَبَاحِثُ:

الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدَّرَ حَرَكَةَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ بِحِسَابٍ مُعَيَّنٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي سُورَةِ يُونُسَ فِي قَوْلُهُ:

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً، وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) [يُونُسَ: 5].

وَقَالَ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) [الرحمن: 5]. وَتَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّهُ تَعَالَى قَدَّرَ حَرَكَةَ الشَّمْسِ مَخْصُوصَةً، بِمِقْدَارٍ مِنَ السُّرْعَةِ وَالْبُطْءِ بِحَيْثُ تَتِمُّ الدَّوْرَةُ فِي سَنَةٍ، وَقَدَّرَ حَرَكَةَ الْقَمَرِ بِحَيْثُ يُتِمُّ الدَّوْرَةَ فِي شَهْرٍ.

وَبِهَذِهِ الْمَقَادِيرِ؛ تَنْتَظِمُ مَصَالِحُ الْعَالَمِ فِي الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ، وَبِسَبَبِهَا يَحْصُلُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ نُضْجِ الثِّمَارِ، وَحُصُولِ الْغَلَّاتِ.

وَلَوْ قَدَّرْنَا كَوْنَهَا أَسْرَعَ أَوْ أَبْطَأَ مِمَّا وَقَعَ؛ لَاخْتَلَّتْ هَذِهِ الْمَصَالِحُ. فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً).

الْمَبْحَثُ الثَّانِي: فِي الْحُسْبَانِ، قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ»: الْحُسْبَانُ بِالضَّمِّ مَصْدَرُ حَسَبَ، كَمَا أَنَّ الْحِسْبَانَ بِالْكَسْرِ مَصْدَرُ حَسِبَ، وَنَظِيرُهُ الْكُفْرَانُ وَالْغُفْرَانُ وَالشُّكْرَانُ.

إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: مَعْنَى جَعَلَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا جَعَلَهُمَا عَلَى حِسَابٍ؛ لِأَنَّ حِسَابَ الْأَوْقَاتِ لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِدَوْرِهِمَا وَسَيْرِهِمَا».

فدخول الشهرِ وخروجِه؛ ليس أثراً من آثار رؤيتنا وعدمها!

إنّما هو أمر يختصّ بحركة الشمس والقمر، في هذا الفضاء الكوني المَهيب!

ودخولُ الشهر وخروجه؛ هو واحد في علم خالق الوجود، تبارك وتعالى.

ومن المعلومِ أنّ إرشادَ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم المسلمين إلى ربطِ دخول الشهر برؤية العين الباصرة؛ أنها هي الوسيلة المتاحة لديهم آنئذٍ، فهو قال: (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ؛ فَأَكْمِلوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ) أخرجه البخاري في الصوم (1909) ومسلم في الصيام (1081).

وليس في قوله هذا؛ قَصْرٌ وحصر، إنما فيه أنّ ثمّة وسيلتين لمعرفة دخول الشهر:

الوسيلة الأولى: أن نتمّ شعبان ثلاثين، فندخل إلى أوّل رمضان بيقين، لو كان يسعنا هذا شرعاً!

الوسيلة الثانية: أنْ نجتهد في مراقبة هلال شهر رمضان؛ لأنّ الشهور العربيّة تكون (30) يوماً، وتكون (29) يوماً.

ولمّا كان الأحوطُ اعتمادَ الرؤيةِ، لجهالة الناس يومئذٍ بمنازل القمر والحساب الفلكي؛ علّق الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم الأمر عليها.

وممّا لا يخفى أنّ المنظار المكبّر والمقرّب «التليسكوب» ليس مضادّاً لرؤية العين المباشرة، إنما هو يقرّب ويوضح للعين ما كان بعيداً عنها.

والحساباتُ الفلكيّةُ؛ اختصاصٌ، ليس مضادّاً لرؤية العين، إنّما هو ينقلُ عملها من الظنّ، إلى ما هو قُربَ اليقين، إذا كان لدى الفلكيين تقوى، وكانوا مختصّين بارعين.

وما دامت مسألةُ رؤية العين ظنيّة، وما دام الحساب الفلكي اليوم ظنيّاً؛ لشكّنا بما يقدّمه إلينا خبراء الفلك.

وما دام المسلمون أكثرَ من خمسين دولةً، جميعها دولٌ علمانيّة، ليس من همومها أنْ يَعبدَ النّاسُ اللهَ تعالى على صوابٍ أو خطأٍ.

وما دامت مخالفة سياسةِ الدولة في كلّ قطرٍ، قد تقود المخالفَ إلى العقوبةِ، وقد تقسم المجتمع الواحد إلى قسمين، أو أكثر!

لذا أرى أن يلتزمَ أهل كلّ بلدٍ بتوقيت بلدهم، حفاظاً على وحدتهم!

وإذا رغب أحدٌ منهم أن يصومَ مع بلدٍ آخر قرّر الصيامَ قبلَ بلده؛ فلا حرج من ذلك أبداً، لكنني أفضّل أن يكون ذلك سرّاً.

والأولى من ذلك كلّه، وخروجاً من هذا الخلافِ جملةً؛ أنْ يصومَ المسلمُ سَرَرَ شهر شعبان (28، 29، 39) كلّها، وليجعل ذلك عادةً له!

وإذا استثقل هذا، وكثيرٌ من الناس يستثقلون وللأسف؛ فليأخذ بفتوى الإمام عليّ عليه السلام: «أَصُومُ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ؛ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ» أخرجه الشافعيّ في الأمّ (2: 103).

ومَن جعل الإمامَ عليّاً مفتيه؛ فقد رشد واهتدى!

والله تعالى أعلم

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال».

      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق