الجمعة، 15 أبريل 2022

 التَصَوُّفُ العَليمُ (14):

السَبيلُ إلى رُؤيةِ الرَسولِ في المنامِ واليقظَةِ!؟

صلّى الله عليه وآله وسلّم

بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

تحدّثتُ في المنشور السابق (13) عن تفسير العلماء لقول الرسول صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم (مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ؛ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ، وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي).

مثلما تحدّثت عن تجربتي الشخصيّة في رؤية الحبيب المحبوب صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم.

وفي هذا المنشور (14) سأتحدّث عن «السَبيل إلى رُؤيةِ الرَسولِ في المنامِ واليقظَةِ»!؟

صلّى الله عليه وآله وسلّم.

هناك أورادٌ خاصّةٌ، يذكرها بعضُ شيوخ التصوّف، يصِفونَها لمن يرغب برؤية الحبيب المصطفى السَبيلُ صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وأنا لم أجرّب واحدةً منها، فلا أعرف ما إذا كانت ناجعةً مفيدةً حقّاً، أم لا!

بيد أنّ كثيراً مما يصفونه شرعيّ، كقراءةِ سور مخصوصة من القرآن العظيم، وتلاوة أدعية معيّنة، وإكثار الصلاة والسلام عليه وآله، حتى إنّ بعضهم يوصل عدد الصلوات على الرسول إلى عشرةِ آلافِ صلاةٍ في اليوم.

في البداية أقول: ليس كثيراً - والله - أن تصلّي على رسول الله عشرةَ آلاف مرّةٍ في اليوم، إنْ كنت تقوى على ذلك، ففضله علينا أعظم الفضل، بعد الله عزّ وجلّ.

بيد أنّني أنا الفقير، لا أذكر أنني صليت عليه - أفتديه بروحي - عشرةَ آلاف مرّةٍ في يومٍ واحدٍ قطّ، طيلةَ حياتي الطويلة!

وأكثرُ ما أتذكّر قيامي به؛ هو ألفُ مرّةٍ في يومٍ، وقليلاً ما أتممت هذه العدّة!

وأنا أؤمن إيماناً راسخاً بمقولة: «أخلص دينَك؛ يكفِك العمل القليل»!

وأنا أؤمن أيضاً بمسألة العبدِ الطالبِ، والعبد المطلوب!

وهي تجسّد قول الله تبارك وتعالى (ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).

وقد ذكرت في المنشور السابقِ؛ أنني رأيتُ الرسولَ صلّى الله عليه وآله وسلّم في بداية صِبايَ، ربما في المرحلة الابتدائية!

وربما لأجل هذا؛ لم أجرّب شيئاً من تلك الوصفاتِ، التي سألتُ كثيرين من المواظبين عليها، فأجابوني بأنهم لم يروا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأنهم سيظلّون مواظبين عليها، حتى يتحقق لهم هذا الأمل، رضي الله عنهم، وبارك بهم!

هؤلاء أناس أفاضل صادقون، وهم مأجورون على أورادهم وأذكارهم، حتى لو لم يشاهدوا الرسول في هذه الدنيا.

لكنْ من وراء تجربتي الخاصّة؛ وجدتُ ورد «الرابطة الروحيّة» أفضلَ الأوراد لرؤية الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وورد الرابطة الروحية الصوفية؛ لا يفيدُ في تحقيق المرادِ، حتى تحقّق في نفسك أموراً كثيرةً:

الأمر الأوّل: اليقينُ بالله تعالى.

الأمر الثاني: اليقين بالقرآن العظيم.

الأمر الثالث: اليقين بالرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

الأمر الرابع: حبّ الرسولِ وآل البيت عليهم الصلاة والسلام.

الأمر الخامس: حبّ الصحابةِ الأخيار السابقين، الذين أثنى عليهم الله تعالى في كتابِه.

وليس من هؤلاءِ الكرامِ؛ الطلقاءُ والبغاة والمحاربون لأهل الحقّ قطعاً.

فليس حبّ هؤلاء من الدين، بل هو من الجهل وتقليد الآباء!

ولو كان هذا مطلوباً في الإيمان والدين ورؤية الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ ما كنتُ لأرى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ما لا أحصي من المرّات!

فأنا أُبغض هؤلاء بغضاً لا مزيدَ عليه!

الأمر السادس: التوبةُ النصوح عن جميع الموبقات العملية، وفي طليعتها السحر والربا.

الأمر السابع: طهارةُ العرض، فأنا أعرف عدداً ممّن اتهموا بارتكاب جريمة الزنا أو اللواط، ثمّ تابوا، وصلُحت أحوالهم، وقد سألت عدداً منهم، عمّا إذا كان رأى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم يقظةً أو مناماً؛ فلم يخبرني واحدٌ منهم بأنه رآه، روحي له الفداء.    

الأمر الثامن: المحافظةُ على القيام فرائض الطهارة والصلاة والصوم والزكاة والحجّ لمن قدر عليه.

الأمر التاسع: المحافظة على تلاوة القرآن الكريم، من دون أدنى انقطاع، والمحافظة ولو على صفحة واحدةٍ في كلّ يوم.

الأمر العاشرُ: أن يكون له وردٌ من الاستغفار والتهليل والتسبيح، مهما كان قليل العدد (10) مرّات لكلّ صيغةٍ مثلاً.

الأمر الحادي عشرَ: أن يكون له وردٌ من الصلاة على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، لا يقلّ عن (100) مرّة يوميّاً، بصيغة شرعية جامعة (اللهم صلّ على محمّد وآله وسلّم وبارك) فمن أغفل الآل في صلاته؛ فقد خالف الرسولَ متعمّداً، فكيف سيطمح إلى مشاهدته؟

فمتى تحقّق للمريد ما سبق كلّه، ثمّ واظب على  عباداته وأوراده أربعين يوماً، من دون انقطاعٍ أبداً؛ يمكنه القيام بورد الرابطة الروحية الصوفيّة، ونسأل الله تعالى له تحقيق مراده.

وورد «الرابطة الروحية» هو وِردٌ يوميٌّ عند السادة النقشبنديّة، كنّا نقوم به عقب صلاة العشاء، في آخر مجلس الختم، وهو ليس خاصّاً برؤية الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، إنما يمكنك أن ترابطَ به مع أيّ نبيٍّ من الأنبياء، أو عبدٍ من عبادِ الله الصالحين، حيّاً أو متوفى.

وإليكَ مراحلَ القيامِ بورد الرابطة - أخي القارئ الكريم - على حسب اختياري.

إذ أنا الفقير مأذونٌ بالإرشاد والتسليك، ومأذون باختيار الأوراد للسالكين، إضافةً إلى الورد اليوميّ العامّ!

- تتوضأ وضوءاً سابغاً، حتى لو كنت مُتوضئاً.

- ثم تتشهد ثلاثاً، ثم تقول: برئتُ من أيّ دين يخالف دينَ الإسلام.

- ثم تستغفر بهذه الصيغة: أستغفر الله وأتوب إليه  (١١) مرة.

- ثم تستغفر بصيغة «سيد الاستغفار» مرة واحدة.

- ثم تقرأ الفاتحة والمعوذتين مع التجويد (٣) مرات.

- ثم تقرأ الصمد (١١) مرة مع التجويد.

- ثم تتوجه إلى القِبلة، وتجلس جلسة التشهّد «التحيات لله».

- ثم تقول: لا إله إلا الله، مالك الملك والملكوت، محمد رسول الله، الهادي إلى الرحموت والرهبوت، صلّى الله عليه وآله وسلّم.

اللهم اربط قلبي بقلب عبدك فلان.

 ولنُمَثِّلْ بالرابطةِ مع الرسولِ.

اللهم اربط قلبي بقلبِ عبدك ورسولك محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم، واربط روحي بروحه، وانفعني بذلك الرباط الإيماني الوثيق، وارزقني مشاهدته في الدنيا، وشفاعته في الدنيا والآخرة.

ثم تغمض عينيك، وتطئطئ رأسك، مُسنداً ساعديك على ركبتين.

 ثم تكرّر سرّاً:  الله الله الله حسبي عدتي وقصدي.

ثم تتصور أنك بين يدي الرسول، تصلي عليه، وتدعو له، وتحاوره بما تريد.

ثم اطلب من الله تعالى به صلّى الله عليه وآله وسلّم ما تريد، مُدّةً لا تقل عن خمس دقائق، ولا حَدَّ لأكثرها، على حسب الحضور الروحي والأنس والراحة.

ورؤيةُ الرسولِ يَقظةً بقلبك؛ لن تكون من المرّةِ الأولى، حسب معرفتي وتجربتي!

إنما عليك أن تكرّر هذا، وتديمه، مع الثقة بأنك تتعبّد الله تعالى، ومع يقينك بإجابة دعائك وقبول رجائك.

وأوّل أَماراتِ القَبولِ؛ أنك عقبَ إغماضِ عينيك؛ يبيضَّ أمام قلبك الظلام، ثم ينكشف لك النورُ شيئاً فشيئاً.

ثمّ تصبحُ متى أغمضتَ عينيك؛ ترى النورَ مباشرةً!

ثمّ تتصوّر حضور روحانيّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

ومتى فاحت عليك روائحُ الجنّة؛ فاعلم أنك في حضرة الحقّ، وحظيرة القدُس!

فأظهر البِشْرَ والسرورَ، وأكثر من حمد الله تعالى، والصلاة على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم، وتيقّن أنّ الله تعالى راضٍ عنك، وأنّ الرسولَ صلّى الله عليه وآله وسلّم راضٍ عنك، فاستبشر خيراً.

ولا تستصغر إلى ما وراء ذلك أبداً؛ لأنّ هذه المنزلة ليست قليلة!

ومتى شاء الله تبارك وتعالى؛ أراكَ الرسولَ صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وقد لا يكون لك قسمةٌ من رؤيته في هذه الدنيا، فحافظ على تلك المنزلة التي وصلتَ إليها، ولا تحدّث بها أحداً من خلق الله تعالى، ويكفيك أنك تستمتع بها، وأنها عاجل بشراك للآخرة، وتطلّع قلبيّاً إلى مشاهدة الرسول!

 ثم متى أردت أن تنهي الرابطة مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أو مع غيره من الأولياء والصالحين أحياء أو أمواتا:

تقرأ الصلوات الإبراهيمية، ثم تقول:

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ.

رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ.

رَبّ اغْفِر لي ولوالديّ، رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا.

جزى الله عنّا نبينا محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم ما هو أهله» ثلاث مرات.

ثم تقول: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق