بَعيداً عن السياسةِ (6):
وِلايةُ الإمامِ عَليٍّ عَليهِ السلامُ!؟
بسم اللهِ الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
لا يخفى على متابعيّ الأفاضلِ منشوراتي عن الشيعة
عامّة، وعن الشيعةِ الإماميّة خاصّةً.
ومن عقائدِ الشيعة الإماميّةِ؛ أنّ الإمامة
السياسيّة رُكنٌ من أركان الإيمان، وبعضهم يقول: هي أهمّ هذه الأركان؛ لأنّ بقيّةَ
الأركان لا تتحقّق في أرض الواقع، إلّا بوجود الإمامةِ السياسيّة.
ويستدلّ الشيعةُ الإماميّة على مذهبهم بآياتٍ
عامّةٍ، يجعلونها خاصّةً بالإمام عليّ عليه السلام.
من مثل قوله تعالى:
(إِنّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ
الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)
[المائدة].
فذهبوا يقيّدون عمومَ الآيةِ
الشريفةِ في المؤمنين، برواياتٍ واهيةٍ أسانيدَ، ومنكرةٍ متوناً، منها:
«كَانَ عَليّ بن أبي طَالب قَائِما
يُصَلِّي فَمر سَائل وَهُوَ رَاكِع فَأعْطَاهُ خَاتمه فَنزلت هَذِه الْآيَة (إِنَّمَا
وَلِيكُم الله وَرَسُوله) الْآيَة».
والحقّ عندي أنّ ولايةَ الإمام
عليّ ثابتةٌ بالحديث الصحيحِ المتواتر: (مَن كنت مولاه؛ فعليّ مولاه).
فهذا الحديثُ يثبتُ للإمام عليّ
عليه السلام الولايةَ في عنق كلّ مسلم.
وفي بعض روايات الحديثِ الصحيحة؛
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم للمسلمين: (ألست أولى بالمسلمين من
أنفسهم)؟
قالوا بلى يا رسولَ الله!
قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: (مَن
كنت مولاه؛ فعليّ مولاه).
وكلّ ما تعنيه الولايةُ للرسولِ صلّى الله عليه
وآله وسلّم؛ تعنيه للإمام عليّ عليه السلام، سوى مزيّةِ النبوّة، التي تستثنى
بأدلّة كثيرةٍ، منها قول الله تعالى:
(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا
أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ
النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا
(40) [الأحزاب].
وقول الرسول صلّى الله عليه
وآله وسلّم لِعَلِيٍّ عليه السلام:
(أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى،
إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي) أخرجه البخاري ومسلم.
فللإمام عليٍّ الولايةُ الروحيّة والعلميّة
والسياسيّة، بعد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.
بيد أنّ أصحابَ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم
الصادقين المتّقين؛ لم يتمكّنوا من إخضاعِ جميعِ المسلمين لولايةِ الإمامِ عليّ
عليه السلام، لأسبابٍ كثيرة، منها:
- ضَعفُ بني هاشمٍ وقلّةُ عددهم، وهذا أهمّ سببٍ في
نظري؛ لأنّ المجتمع العربيّ في ذلك الزمان، كان مجتمعاً قبليّاً، ينوب فيه سيّد
القبيلةِ عن القبيلةِ جميعها، وقيمةُ القبيلة بكثرة عدد فرسانها.
- اختلافُ الأوس والخزرج:
فقد راح الخزرج يدعون المسلمين إلى بيعةِ سعد بن
عبادة، وهو مريضٌ، وكان معهم الأوس كارهين بيعتَه؛ لما كان بين القبيلةِ من
النفاسةِ على الزعامة من حروب!
فلمّا رأوا أبا بكرٍ وعمر؛ انحازوا إلى الطرفِ
المخالفِ للخزرج!
- قوّة قريشٍ الضاربةُ:
فقريشٌ كانت لها السيادةُ الروحيّة على العرب قبل
الإسلام، وازدادت سيادتها الروحية والسياسية بعد الإسلام.
وقريشٌ ترفض رفضاً قاطعاً أن يكون لبني هاشمٍ
عامّةً سيادةٌ على العرب وعليها!
سواءٌ لما فعله بنو هاشمٍ من قتل سادةِ قريشٍ، ومن
جميع عشائرها، أو من النفاسةِ على السيادة والزعامةِ على قريشٍ بني بني هاشمٍ
وبقية بطون قريشٍ، وخاصّة بني حرب بن أميّة.
وكان أبو بكر وعمر وأبو عبيدة؛ قرشيي الهوى بدون
شكٍّ، وهم يعلمون هوى قريشٍ في الخلافة، فأبعدوها عن بني هاشمٍ بتوافقٍ سلميٍّ
اضطراريّ سرّي، حتى لا تتمزّق الأمّة، وتعود إلى الاحتراب!
هذا فهمي لمسألة الخلافة بعد الرسول صلّى الله عليه
وآله وسلّم، فهي ليست مؤامرةً من أبي بكرٍ وعمر وأبي عبيدةَ، وما منزلة هؤلاء
الثلاثة وبطونهم مما يسمح لهم بذلك لدى قريش!
يُضافُ إلى هذا؛ أنّ عامّة الصحابةِ لا شأنَ لهم
بهذه المسألة من قريبٍ ولا بعيد!
فسعد بن عبادة غادر السقيفةَ مع قومه الخزرج، وأبو
بكر وعمر وأبو عبيدة مثّلوا المهاجرين وقريشاً، ووافق الأوسُ على أن يكون أبو بكر
هو الخليفة؛ لغلبة قريشٍ، وانتهت المسألةُ بهذه السذاجةِ البدائيّة البدويّة، ولم
يعترض عليها سوى بني هاشمٍ وأفرادٍ من أنصارهم، لا يكوّنون ثقلاً مرجّحاً.
وما زالُ مبدأ القوّة الظاهرةِ أو الخفيّةِ؛ هو
العاملَ الحاسمَ الأكبرَ في مسألةِ الإمامة عند المسلمين.
أمّا الإمامةُ للحسن والحسين، والأئمة التسعة من
ولد الحسين؛ فلم يرد فيها ولو حديثٌ واحدٌ فردٌ مطلق صحيح أو حسن، وجميع الروايات
في هذا الاتّجاه؛ مكذوبةٌ باطلة!
وحديث (الأئمة في قريشٍ باطل) وحديث الإثني عشر صحيح
الإسناد، لكنّه لا يدلّ من قريبٍ ولا بعيدٍ على أئمة الشيعة الإثني عشر!
وما ورد عن بعض السادةِ الرفاعيّة وغيرهم، من صحّة
الاعتقادِ بالأئمة الاثني عشر، اعتماداً على الكشف والإلهامِ؛ فكلام لا يلزم من
الأمة أحداً، إذ ليس الكشف معصوماً، وقد يكون حديثَ نفسٍ، أو موافقةَ هوى باطن!
وإمامة المسلمين؛ شورى بين مكوّنات الأمّة كلّها،
وليست خاصّةً بقريشٍ ولا ببني هاشم!
بيد أنّ بني هاشمٍ عامّةً، وبني عليّ خاصةًّ؛ أولى
بها من جميع المسلمين، إلى قيام الساعة؛ لأنّ دولةِ العرب أنشأها الرسول الهاشميّ
صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأمضى السيوف في إنشائها كانت سيوف بني هاشمٍ، وخاصة
سيفَ الإمام عليّ عليه السلام.
ولأنّ بني عليّ من فاطمة عليهم السلام؛ هم أبناء الرسول
صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولا ريبَ في أنهم ورثوا من صفاته صلّى الله عليه وآله
وسلّم ومورّثاتِه، ومن صفات الإمام عليّ عليه السلام ومورّثاته؛ ما لا يشاركهم فيه
بشرٌ على وجه الأرض!
فهم بهذا أولى من جميع المسلمين بقيادتهم.
ومعنى أنّهم أولى:
أي: لو وُجد شخصان استحقّا الإمامةَ الاختياريّة
الحرّة بالتساوي؛ فيقدّم العلويُّ على غيره لامتيازاته الصفاتية على غيره من
المسلمين.
ويجب أن لا يَعجب أحدٌ من المسلمين من هذا الكلام،
فهذه ممالك أوربّا المستقرّة، تحكمها عائلاتٌ نبيلةٌ عندهم، لا يجدون في أنفسهم
غضاضةً في ذلك.
وهذه الطبقة السياسية في إيران الإماميّة، والعراق الإماميّة؛ يسوّون
بين الدكتور السيّد إبراهيم رئيسيّ وبين هاشم رفسنجاني، فهذا رئيس إيران، وذاك
أيضاً!
والمسألة نظريةٌ على كل حال، لم تتحقّق على مستوى
الأمّة قطّ ، ولن تتحقّق في المستقبل، بعد أنْ جمحت نعرةُ القوميّات العربية
والتركية والفارسيّة والهنديّة والكردية والأمازيغيّة، وغيرها!
وجميعُ أحاديث المهدي المستقبليّة؛ واهية وضعيفةٌ،
وهي عندي منحولةٌ عن اليهودية والمسيحيّة، والعقيدةُ تحتاجُ إلى أدلّة مشهورةٍ
ثابتةٍ، لا إلى رواياتٍ هزيلةٍ، هي أقرب إلى أحلام اليقظة، لدى قومٍ مهزومين
مظلومين!
والله تعالى أعلم.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى اللهُ على
سيّدنا محمّد بن عبداللهِ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كل حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق