السبت، 2 أبريل 2022

            مسائل فكريّة (23):

ما تفسيرُ حُبّكَ للإباضيّةِ النواصب؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

في حوارٍ مع بعض الإخوةِ، لم يستوعبوا كيف أُبغض بني أميةَ، وأحبُّ الإباضيّةَ وهؤلاء شرٌّ في النصبِ من أولئك؟

أقول وبالله التوفيق:

أنا الفقيرُ إلى الله تعالى؛ أُبغضُ نواصبَ عصرنا، تماماً كما أبغضُ اليهودَ والنصارى وعبدةَ الأوثانِ؛ لأنّهم - بعد العصرِ الأوّل - مُنافقون نفاقاً عقديّاً في اجتهادي!

إذْ لم يعد خافياً على أحدٍ من المسلمين؛ أنّ الإمامَ عليّاً هو أعلم الأمة، وأتقى الأمّة، وأفضل الأمةِ، وأشجع الأمة، وأقوى رجالها، وأعظمهم عدلاً وشورى!

وظهر لكلِّ ذي عينين؛ أنّ مخالفيه كانوا على خطأٍ، أو غَلطٍ، أو على فسقٍ ونفاق!

الذين كانوا على خطأٍ؛ هم أصحاب السقيفة كلّهم، من المهاجرين والأنصار!

والذين كانوا على غلط؛ هم طلحة والزبير وابن الزبير وعائشة وجيشهم.

والذي كانوا طغاةً بغاةً ظالمين محاربين قطّاع طرقٍ؛ هم معاوية وحزبه الفاجر!

فتَحتَ أيّ تصنيفٍ صنّفنا الإباضيّة المتقدّمين؛ فهم لم يكونوا مثلَ فريق معاوية بيقين، بل كانوا أصحاب عبادات واجتهادٍ في الدين!

هَبْ أنّ الجيلَ الأوّل - بعد وفاة الرسول، صلّى الله عليه وآله وسلّم  - انحرفَ وفسق ونافق وارتدّ، كما يقول بعض الإماميّة، فما ذنب ذرّياتهم الذين جاؤوا بعد العصرِ الأوّل؟

وما ذنب ذريّاتهم اليوم، بعد أربعةَ عشر قرناً؟

أنا الفقير لا أبغض بني أميّة أبداً، ولا أبغض بني العبّاس أبداً، ولا أبغض الأيوبيين مطلقاً، ولا أبغض العثمانيين أبداً.

وأنا لا أبغض أهل السنّة بمذاهبهم، ولا أبغض الشيعةَ بمذاهبهم، ولا أبغض الإباضيّة أيضاً!

أنا أُبغضُ وأبرأُ إلى الله تعالى من كلّ ناصبيّ عالمٍ، سنيّاً كانَ أم شيعيّاً، أم إباضيّاً.

وأُبغض وأبرأ إلى الله تعالى من كلّ رافضيٍّ عالم، سواءٌ كان سنيّاً، أم شيعيّاً، أم إباضيّاً.

أمّا عا مّة أهل السنّة، وعامّة الشيعة، وعامّة الإباضيّة؛ فأنا أُشفق عليهم، وأعذرهم؛ لأنّ علماءهم أفهموهم أنّ ما هم عليه من نصبٍ أو رفضٍ؛ هو دين الله تعالى، وهو تكليفهم الشرعيّ، الذي لا يدخلون الجنّة إذا لم يلتزموا به!

هؤلاء هم الذين يجب أن نبغضهم، متى ظهر لنا منهم النصب أو الرفض!

وقد عشت بين الإباضيّة فصلاً دراسيّاً تامّاً، قرابةَ خمسة أشهر، كنت ألتقي زملائي الأساتذة، وطلّابي الذين يعدّون بالمئات الكثيرة؛ فلم أسمع من واحدٍ منهم انتقاصاً، أو حتى نقداً للإمام عليٍّ أو للحسن والحسين، عليهم الصلاة والسلام أبداً أبداً!

وكلّ الذي رأيتُه منهم الحفاظَ على الجمعة والجماعةِ، وطلب العلم، وعفّة اللسان، والأدبَ والأخلاق والسلوكَ الحميد، وفيهم صوفيّة سلفيّة راقيةٌ، ليس فيها هَبلٌ ولا تخريفٌ ولا ابتداع، ولا انحراف!

ولا والله، ثمّ لا والله، ثمّ لا والله؛ ما طلبَ مني طالبٌ واحدٌ أنْ أراعيَه في درجته!

ولا والله، ثمّ لا والله، ثمّ لا والله؛ ما اغتاب طالبٌ من طلّابي الكثيرين أستاذاً أو زميلاً له، أو أحد مدراء المعهد الشرعيّ أمامي.

وعندما انتدبتني الإدارةُ لاختبار جميع الطلّابِ، في حفظ القرآن الكريم وتلاوتّه؛ رسبَ في الامتحان عندي قُرابةُ مائة طالبٍ، وربما أكثر!

لم يراجعني منهم - والله! - سوى طالبٍ واحدٍ، قال: سامحك الله يا دكتور، أخّرتَ تخرّجي فصلاً دراسيّاً كاملاً!

قلتُ: لم فعلتُ ذلك؟

قال: رسبتُ عندك في التلاوة والتجويد، لكنّك لم تظلمني!

بلى والله راجعني طالبٌ آخر، لكنّه هذه المرّةَ ليس إباضيّاً، إنّما هو سنّيٌ عراقيّ!

جاء إلى بيتي ذات ليلةٍ، عقب صلاة العشاءِ، ومعه صديقٌ له، وهو يحملُ طبقاً من الأرزّ، وعلى وجهه قطعٌ من اللحم أو الدجاج، نسيت!

رحّبت به، ثمّ تعرّفتُ إليه، فإذا هو ابن صديقٍ حبيبٍ لي!

سعدتُ بزيارته إيّايَ، وأثنيت على والده الفاضل، وسألته:

أنت طالبٌ عندنا في المعهد الشرعيّ؟ قال: نعم!

- في أيّ سنة أنت؟!

- في الرابعة الأخيرة!

- ما رأيتُك في محاضراتي قطّ!

- ليس عليّ دوام، إنّما أحمل أربع موادّ حفظ القرآن وتجويده!

- أنا بخدمتك، فوالدُك عزيز عليّ، وصاحب فضل، أنا حاضرٌ لأعلّمك التلاوةَ والتجويدَ والوقفَ والابتداء، وأحفّظك الأجزاء الأربعة، فنحن في بداية الفصل، وتستطيع أن تحفظَ أربعةَ أجزاء في أربعة أشهرٍ، فأنا الفقير حفظت القرآن العظيم، وأسمعتُه شيخي في أقلّ من أربعةِ أشهرٍ، وأنت هاشميٌّ مثلي!

ثم قلتُ له ما معناه: ما هذه الجرأةُ التي عندك، حتى تحضر إليّ طعاماً؟

قال: أنت رجلٌ كريم، والكريم يقبل الهديّة!

قلت له: هل سمعتَ في العرب أحداً، يحضر طعاماً إلى بيتِ كريمٍ، ويقول له: هذا الطعام هدية لأتعشاه معك؟

وقلت له: ما دمت طالباً عندنا في المعهد؛ فأنت بين خيارين لا ثالث لهما:

إمّا أن تأخذ قيمةَ الطعامِ التي دفعتها، ثمّ نتعشى طعامَك معاً، وأعدّه هدية!

وإمّا أن تأخذ طعامك معكَ، عندما ترحل، وهذا آخر كلامٍ لديَّ!

لست أتذكّر كيف حُلّت المسألة بيننا، لكنّ الطالبَ خرجَ غيرَ راضٍ، ثمّ لم أره إلّا قُبيلَ امتحاناتِ الطلاب!

جاء إليّ في بيتي، ومعه هاتف خلويّ، فاتّصل بوالده مباشرةً، فكلّمني والدُه، وطلب مني مساعدَته وتمشيةَ حاله، حتى لا يتعطّلَ تخرّجه أكثرَ ممّا تعطّل!

قلت له: هناك أمران يا دكتور:

الأوّل: أنا لا أدرّس مادّةَ القرآن الكريم، فكيف سأساعده، أتريدني أن أشفع له بالباطل عند أستاذِ مادّة القرآن الكريم؟

والثاني: لا تنس يا دكتور، عندما استدعيتني، وقلت لي: إنّ ابن أختك راسبٌ، تنقصه درجتان، أو ثلاث درجات، في مادّة كان عدابٌ يُدرسها!

فقلت لك: والله لا أزيدُه ربعَ درجة، فإذا أردتَ أن تزيده أنت؛ فافعل، فأنت العَميدُ المخوّل، أمّا أنا؛ فلا أفعل!

لعلّ واحداً من أولادك يَكبُر غداً، ويَدرسُ عندي، فتقول لي: هذا ولدي رسب في مادّة عندك؛ فزده وأنجحه، مثلما أنجحت ابنَ أختك!

قال: يا دكتور، لا تكن سبباً في ضياع مستقبل الولد، نحن نريد أن نسجّل له في الماجستير!

قلت له: وتَقبل يا دكتور أن يسجّل ولدك في الماجستير، وشهادته البكالويوس مزوّرة مغشوشة، أو كلاماً كهذا!

سَخُنَ الحوارُ بيننا، وتيقّن أن لا فائدةَ من الحوار، فختم كلامه بقوله: يا دكتور الإدارة انتدبتك لتكونَ رئيس لجنة امتحان الطلّاب لمادة القرآن الكريم، وربما أنت لم تعلم بعد، فأرجو أن لا تُجبرَ ولدي على الامتحان لديك، وأن لا تُخبرَ اللجنة بذلك!

قلت له: هذا لك وعدٌ وعهد!

إنّ بعضَ طلّابي على تواصلٍ معي، وأظنّ جميعَ طلّابي يحبّونني مثلما أحبهم!

وبعضهم رُزق بأولادٍ، فسمَّوا عليّاً وحسناً وحسيناً وحمزة وفاطمة!

فأبغضهم لماذا أيها المخابيل المتعصّبون، أصحابَ الغلّ والحقد والهوى ؟!

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق