مسائل حديثيّة
خُطورَةُ نَقدِ المَتْنِ
على الحديثِ النبويّ!؟
بسم
الله الرحمن الرحيم
(الْحَمْدُ
للهِ، وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى)
أمّا
بعد:
ليست مسألة «نقد متن
الرواية الحديثيّة» بدعةً محدثةً، وليست غريبةً على علم الحديثِ، كما يتوهّم
كثيرون، في أيّامنا النحساتِ هذه.
وقد قام عددٌ من العلماءِ
والمحدّثين بتوجيه نقدهم إلى متون عددٍ من الرواياتِ الحديثيّة!
ولعلَّ أقدمَ كتابٍ حديثيٍّ
«مُفردٍ» وصلنا في هذا الاتّجاه «الإجابةُ لإيرادِ ما استدركته عائشةُ على الصحابة»
لبدر الدين الزركشيّ المحدّث الأصوليّ (ت: 794 هـ).
وترجع مسألة (نقد
المتون) في أصولِها إلى مدرسةِ الرأي: المعتزلةِ والحنفيّة والمالكيّة والشيعةِ
الإماميّة.
ولعلَّ سبب قلّةِ
احتفاظِ كتب المحدّثين بجملةٍ وافرةٍ من «نقدِ المتون» أنّ نقدَ المتن فرعٌ عن
نقدِ الإسنادِ، ولهذا شاعت بينهم جملةُ (ثَبِّت العرشَ، ثمّ انْقُش).
إذْ اختلالُ «المتن»
معنىً أو صياغةً أو عربيّةً؛ أثرٌ من آثار «ضبط الراوي» ونكارةُ المتنِ قد ترجع
إلى الضبطِ، وقد ترجع إلى عدالةِ الراوي!
فإذا لم يصحّ الإسنادُ
إلى مخرجِ الحديثِ الأعلى «الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم» أو إلى مَن دونه؛
فليس ثمّةَ ضرورةٌ للتفتيشِ عن نكارةٍ المتن.
والمعاصرون الذين
كتبوا في «نقد المتن» نقلوا بعضَ النصوص التي ردّها بعضُ نقّاد الحديثِ، بسبب
غرابةِ متونها أو نكارتها.
وقبل خمسٍ وعشرين سنةً
من اليوم؛ نشرتُ كتابي «محاضرات في تخريج الحديثِ ونقده» جعلت نقدَ المتنِ فيه
المرحلةَ الأخيرةَ من مراحل نقد الحديثِ، وأسميتُها «التوازن التشريعيّ» وهي تعني «التعارض
والترجيح» بين المتون في المسألة الواحدة.
ما أعنيه أنّ «نقدَ
المتنِ» خطوةٌ عُليا في مراحلِ نقد الحديثِ، وليست هي المرحلة الوحيدةَ في عمليّةِ
النقد.
ومقولةُ: «الإسنادُ من
الدينِ، ولولا الإسنادُ؛ لقال مَن شاء ما شاء» صحيحةٌ تماماً أيضاً.
إذْ قيامك بعمليّة جمع
طرق الحديث، وتعيين مداره، ودراسةِ أعمدةِ الإسنادِ؛ تظهر لك صورةُ الحديث واضحة،
وتضع يدكَ على علّةِ الحديثِ، إنْ كان معلولاً.
والاقتصارُ على نقد
متن الحديث؛ قد يوقع بالكذب على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، إذْ جملةٌ
وافرةٌ من الأحاديثِ الضعيفةِ؛ معانيها صحيحة، بيد أنّ هذا المعنى الصحيح لا يجوز
أن ننسبه إلى الرسولِ، إذْ نسبةُ حديث ما إليه صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ يجعله
من الدين، ومَن لا يعرف علمَ الحديث؛ يذهب فيفرّع على هذا الحديثِ، وربما جعل ما
ليس بواجبٍ في الأصل واجباً، وهذا موجودٌ بكثرةٍ في كتب الفقهاءِ غير المحدّثين!
والاقتصار على نقدِ
المتن؛ يجعل للمزاجِ الشخصيّ مدخلاً إلى رفضِ الحديث!
هناك حديثٌ يقول: إنّ
الصحابة كانوا يتسابقون إلى نُخامةِ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فيدلون
بها وجوههم، ويكادون يقتتلون ليأخذوا ماء وضوئه ليشربوه ويتمسحوا به...إلخ!
كنتُ أتضايق نفسيّاً
من متن هذا الحديثِ، وأستبعد استبعاداً مزاجيّاً نفسيّاً أن يكون حصلَ هذا بالفعل!
بيد أنني بعد أن
تعلّمت «نقد الحديث» رددتُ هذا الحديثَ المنكر «وفق قواعد نقد الحديث» وليس وَفقَ
مزاجي!
ختاماً: إنّ «عرضَ
متنِ الحديث على القرآن الكريم» جملةٌ عريضةٌ ضخمةٌ، وهي عند التحقيق، يمكن أن
تكونَ في عددٍ من أحاديثِ الأحكام وحسب!
فكثيرٌ من أحاديثِ
الفضائل والمناقب والتاريخ والتفسير والآداب؛ لا يمكن عرضها على القرآن الكريم.
وهي فرع عن مسألة «نقد
المتن» التي يلجأ إليها مَن لا يحسنون «فقه الجرح والتعديل» و«علم العلل».
وأنا الفقير لا أدّعي
الإحاطةَ بعلوم الحديثِ، ولا أزعم أنني أمتلك الحقيقةَ المطلقة!
بيد أنّ تفرّغي لعلوم
الحديث منذ عام (1977م) وقد كتبت ألوف الصفحاتِ في هذا العلم، وأشرفت على عشراتٍ
كثيرةٍ من رسائل الماجستير والدكتوراه، وقوّمت أكثر من عشرين رسالةً (تقويم الخبير)
ورقّيتُ عدداً من أساتذة الحديث؛ له معانٍ علميّة!
فعندما أنتقدُ أحداً
من الناسِ في هذا العلم؛ فإنما أنتقده من مجموعِ هذه الثروة العلميّة، وليس لأنني
أحبّ انتقاد الآخرين وانتقاصهم.
بيد أنّ الذي أوجّهه
عدّةَ مرّاتٍ، إلى ضرورة إصلاح الخلل في منهجه، ثمّ لا يفعل؛ فما لي من حيلةٍ سوى
بيانِ الحقِّ في مسلكه الخاطئ.
والله تعالى أعلم.
والحمد لله على كلّ
حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق