مَسائِلُ حَديثيّةٌ:
هل في كتاب «السنن» لأبي
داودَ أحاديثُ موقوفة !؟
بسم
الله الرحمن الرحيم
(الْحَمْدُ
للهِ، وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى)
أمّا
بعد: كتب إليّ يقول: سمعتُ أحدَ المحدّثين المعاصرين يقول:
«من
خصائص سنن أبي داودَ؛ أنّه لم يخرّج في سننه أحاديثَ موقوفة على الصحابة، إنما كان
كتابه كلُّه أحاديثَ مَرفوعةً إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
فهل
هذا الكلام صحيح، وهل هذه مزيّةٌ توجِبُ ترجيح «السنن» لأبي داود على غيره من
المحدّثين المصنّفين» رحمهم الله تعالى.
أقول
وبالله التوفيق:
عندما
رَفضت لجنةُ المناقشةِ أطروحتي للدكتوراه (الوحدان من رواة الصحيحين) تألّم أحدُ
زملائي، وقال لي: ذهبتُ إلى رئيس لجنة المناقشةِ وسألتُه: شيخنا الفاضل: سأسألك
سؤالاً أرجو أن لا تغضبَ مني؟ قال: اسأل، ولن أغضب منك!
قال:
هل قرأتَ كتاب «فتح الباري» لابن حجر؟ قال: لا لم أقرأه!
قال:
هل قرأتَ صحيح الإمام البخاريّ؟ قال: قرأتُ بعضَه ولم أقرأه كلَّه!
قال
له زميلنا: أنا سمعت الشيخ عداب الحمش يقول: «أنا قرأت صحيح البخاري كذا مرّةً»
قال زميلنا: غضب ولم يردّ بشيء!
زميلُنا
يريد أن يقول لرئيس اللجنة: كيف ترفضُ أطروحة باحثٍ، وأنت لم تقرأ الكتابِ الذي
تدور أطروحته حوله؟
وهؤلاء
المتحدّثون - يا أخي الكريم - أكثرهم مَهووسون بالمنقبيّات، وكأنهم يرون ذلك من
الدين الذي يثابون عليه، لا أدري والله!
ناقشتُ
أحدَ طلّابي الأحبّةِ المهذّبين حقّاً في رسالته للماجستير، وكانت تخريج جملةٍ من
أحاديث «السنن» لأبي داود.
وحسب
خطّةِ الرسالةِ؛ كان عليه أن يُترجم ترجمةً وجيزةً للمصنّف أبي داود!
وكان
ممّا نقل هذا الطالب عن المترجمين في تفخيم أبي داود: «وقد ألين لأبي داود
الحديثُ، كما ألين لداود عليه السلام الحديدُ»!
قلت
للطالب: اشرح لي هذه الجملةَ؟ هذا كلام فارغٌ ليس له أيّ معنى البتة!
عدد
أحاديث «السنن» لأبي داود (5274) حديثاً، حسب ترقيم محيي الدين عبدالحميد، انفرد
أبو داود عن بقية التسعة بتخريج (682) حديثاً، ليس فيها حديثٌ صحيح واحد!
فما
الذي ألين له، مما لم يُلَن؟ (الكلام بالمعنى من الذاكرة).
والحقُّ
الذي يجب أن يعرفَه كلُّ طالبِ علمٍ؛ أنّ كتب الحديثِ المشهورة (ما، حم، مي، خ، م،
ق، د، ت، ن) وغيرها، لأصحابها مناهج في اختيارِ الروايات، ولكلّ واحدٍ منهم أهدافٌ
من تأليف كتابه، ولكلِّ كتابٍ مزاياه، وعليه مؤاخذات!
بَذلوا
قصارى جهودهم، وقدّموا أحسن ما لديهم، جزاهم الله تعالى عنّا خير الجزاء.
وبخصوص
السؤال المطروح «هل في كتاب «السنن» لأبي داودَ أحاديثُ موقوفة» !؟
رأيتُ أن أشير إلى
الروايات الموقوفة لدى كلّ كتابٍ من الكتب التسعةِ، حتى يَتحقّق كلّ قارئ أنّ في
الصحيحين - فضلاً عن غيرهما - أحاديثَ موقوفة.
وأزيد: وأحاديث معلّقة،
وأحاديث مقطوعة، وأحاديث مرسلة، وأحاديث منقطعة!
وإليك ما في كلّ كتابٍ من
الكتب التسعة من الأحاديث الموقوفة، ويسميها المحدّثون «الآثار» وسأسميها أحاديثَ
تماشياً مع السؤال:
الموطّأ للإمام مالك بن
أنس الأصبحي رحمه الله تعالى (ت: 179 هـ):
عددُ الأحاديثِ الموقوفة
فيه (599) حديثاً.
المسند الكبير للإمام أحمد
بن محمد بن حنبل، رحمه الله تعالى (ت: 241 هـ):
عددُ الأحاديثِ الموقوفة
فيه (313) حديثاً.
كتاب السنن للإمام عبدالله
بن عبدالرحمن الدارمي، رحمه الله تعالى (ت: 255 هـ).
عددُ الأحاديثِ الموقوفة
فيه (571) حديثاً.
الجامع
الصحيح المسند المختصر للإمام محمد بن إسماعيل البخاريّ رحمه الله
تعالى (ت: 256 هـ) عددُ الأحاديثِ
الموقوفة فيه (461) حديثاً.
المسند الصحيح المختصر،
للإمام مسلم بن الحجّاج القُشيريّ، رحمه الله تعالى (ت: 261 هـ) عددُ الأحاديثِ
الموقوفة فيه (87) حديثاً.
كتاب السنن للإمام محمّد
بن يزيد القزوينيّ المشهور بابن ماجهْ، رحمه الله تعالى (ت: 273 هـ) عددُ
الأحاديثِ الموقوفة فيه (82) حديثاً.
كتاب السنن للإمام أبي
داود سليمانَ بن الأشعثِ السجستانيّ، رحمه الله تعالى (ت: 275 هـ) عددُ الأحاديثِ
الموقوفة فيه (163) حديثاً.
كتاب الجامع الكبير
المختصر، للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذيّ، رحمه الله تعالى (ت: 277 هـ) عددُ
الأحاديثِ الموقوفة فيه (84) حديثاً.
كتاب السنن المجتبى للإمام
أحمد بن شعيب النسائيّ، رحمه الله تعالى (ت: 303 هـ).
عددُ الأحاديثِ الموقوفة
فيه (214) حديثاً.
فيكون عددُ الأحاديثِ
الموقوفةِ في الكتب التسعة مجتمعة (2574) حديثاً، هي مفيدةٌ في التعرّفِ إلى تاريخ
الصحابةِ رضي الله عنهم لكنها لا تدخل في التشريع في نظري.
وزيادةً في الفائدة أقول:
عددُ الأحاديثِ المقطوعة على
التابعين في الكتب التسعة (1242) حديثاً.
وعددُ الأحاديثِ المرسلة
في الكتب التسعة (756) حديثاً.
وعددُ الأحاديثِ المنقطعة
في الكتب التسعة (1521) حديثاً.
وعددُ الأحاديثِ المعلّقة
في الكتب التسعة (5540) حديثاً، منها عند البخاريّ وحده (3570) روايةً معلّقة!
وهذه
الأحاديثُ كلّها لا تدخل في التشريع!
أمّا
ساحةُ عللِ الحديثِ؛ فهي فيما انفرد به كلّ واحدٍ من هؤلاء الأئمّة.
ومن
النادرِ أن يخلوَ حديثٌ انفرد به أحدهم، مِن علّةٍ أو أكثر!
فما
انفرد به الإمام مالك عن بقية التسعة (883) حديثاً.
وما
انفرد به الإمام أحمد عن بقية التسعة (4789) حديثاً مكرّراً.
وما
انفرد به الإمام الدارميّ عن بقية التسعة (1404) حديثاً.
وما
انفرد به الإمام البخاريّ عن بقية التسعة (206) أحاديثَ غير مكرّرة.
وما
انفرد به الإمام مسلمٌ عن بقية التسعة (77) حديثاً غير مكررة.
وما
انفرد به الإمام ابن ماجه عن بقية التسعة (897) حديثاً.
وما
انفرد به الإمام أبو داود عن بقية التسعة (682) حديثاً.
وما
انفرد به الإمام الترمذيّ عن بقية التسعة (577) حديثاً.
وما
انفرد به الإمام النسائيّ عن بقية التسعة (525) حديثاً
فيكون
بين أيدينا عشرةُ آلافِ حديثٍ مَلأى إلى مشاشها بالعلل!
ولها
فوائدُ عديدةٌ من دون شكٍّ، أبرزها أنّها ساحة واسعةٌ جدّاً لتعلّم نقدِ الحديثِ،
الذي لا يحسنه إلّا أفرادٌ في كلّ جيلٍ من أجيالِ المسلمين.
ختاماً:
ذكرتُ في منشوراتٍ سابقةٍ تعريفاً عامّاً بكلّ كتابٍ من هذه الكتبِ، تحت عنوان
«علومُ الحديث للمبتدئين» يَسعُ كلَّ صديقٍ أن يرجع إليها، فهي مبذولةٌ على
الإنترنيت.
والحمد
لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق