مِنْ عِبَر التاريخِ:
مَنْ هو الخَصيبيُّ ؟!
بسم اللهِ الرحمنِ الرحيمِ
(الْحَمْدُ اللهِ،
وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى).
أمّا بَعْدُ:
استمعتُ إلى بيانِ أحدِ شيوخِ الطائفة النُصيريّةِ «العلويّة» في سوريّا،
يطالبُ بإقليمٍ فدراليٍّ لطائفتِه الدمويّةِ الظالمةِ، وقد ختم مقاله بقوله: (نحن
مسلمون، ديننا هو الإسلام، علويّون، إمامنا عليّ بن أبي طالبٍ عليه السلامُ،
جعفريّون، فقيهنا الإمام جعفر الصادق، خصيبيّون، شيخنا الحسين بن حمدان الخصيبيّ)
انتهى.
أقول وبالله التوفيق:
قبل الشروعِ في ترجمة الحسين بن حمدان الخصيبيّ؛ أحبّ أنْ أنبّه إلى وجود
قائدٍ من قوّاد الدولةِ العبّاسية، اسمه الحسينُ بن حمدانَ بن حمدونَ التغلبيّ،
كان معاصراً للخصيبيّ، أُسِر في إحدى المعاركِ، سنة (303 هـ) وأمر الخليفةُ
المقتدر العبّاسيّ بقتله ، فقُتلَ في سجنه سنة (306 هـ) كما في تاريخ الإسلام
للذهبيّ (7: 103).
أمّا الحسينُ بن حَمْدان الخَصيبيُّ (260 - 358 هـ) فقد ترجمه الحافظ ابن
حجر في لسان الميزان (3: 158) فقال: «الحسين بن حمدان بن الخصيب الخصيبيُّ، أحدُ
المصنفين في فقه الإمامية.
ذَكَره الطوسِي، وَابن النجاشي، وَغيرهما، وله من التصانيفِ «أسماءُ
النَبيّ» و«أسماء الأئمة والإخوان» و«المائدة» روى عنه أبو العبّاس بنُ
عُقدةَ، وأثنى عليه.
وقيل: إنّه كان يَؤمُّ بسيفِ الدَولةِ، وله أشعارٌ في مَدحِ أهل البيتِ.
وذكر ابنُ النَجاشيِّ أنّه خَلّطَ، وصنّفَ في مَذهبِ «النصيرية» واحتَجَّ
لهم.
قال النجاشيُّ: «وكان يقول بالتناسخ والحلول» انتهى كلام ابن حجر.
قال الفقير عداب: اعتمدَ ابن حجر على بعضِ كتبِ الشيعةِ الإماميّةِ في
ترجمته، كما ترى، وعدّه من المصنّفين في مذهبهم.
وهذا يعني أنّ العمدةَ في ترجمته؛ على كتب الشيعةِ الإماميّةِ، وعلينا
الذهاب إلى هناك!
قال ابن الغضائريّ في رجاله رقم (40): «الحسين بن حمدان
الخَصيبيُّ: كَذّابٌ، فاسِدُ المذْهَب، صاحبُ مقالةٍ مَلْعُونةٍ، لا يُلْتَفَتُ
إليه».
قال أبو العبّاس النجاشيُّ (ت: 450 هـ) في كتابه «الرجال» (ص: 67): «كان
فاسدَ المذهب، له كتب... وكتاب الرسالةِ تخليط»!
وترجمه شيخ الطائفةِ أبو جعفر الطوسيّ (ت: 460) في رجاله (ص: 380) وفي
فهرسته (ص: 105) ساكتاً عليه!
وقال ابن المطهّر الحلّي في «خلاصة الأقوال» (ص: 218): «كانَ فاسدَ المذهبِ،
كذّاباً، صاحبَ مقالةٍ مَلعونةٍ، لا يُلتفتُ إليه» وهذا كلام ابن الغضائريّ.
وقال محمد باقر المجلسيّ (ت: 111 هـ) في الوجيزة (ص: 194): «ضعيف»!
وقال السيّد التفرشيُّ في «نقد الرجال» (2: 87): «كذّابٌ، فاسدُ المذهبِ،
صاحبُ مقالةٍ ملعونةٍ، لا يُلتفتُ إليه» وهذا كلام ابن الغضائريّ.
وقال أبو عليّ الحائريّ (ت: 1216 هـ) في «منتهى المقال» (3: 33): «كانَ
فاسدَ المذهبِ، كذّاباً، صاحبَ مقالةٍ، مَلعونٌ، لا يُلتفتُ إليه» وهذا كلام ابن
الغضائريّ، يبدو أنّهم تابعوه أجمعون.
وقال السيّد الخوئيّ في معجمه (14: 173): «ضعيف».
قال الفقير عداب: ومع هذا الكلامِ الشديدِ في الخصيبيِّ؛ فإنّ القائمين على
الموسوعة العلمية الشيعية؛ جعلوا أشهرَ كتب الخَصيبيّ «الهداية الكبرى في تواريخ
الأئمة الأربعةَ عَشَرَ» ضمن مؤلّفاتها.
وقد جاء في طليعةِ هذا الكتاب (ص: 29) وهو يعرض مضمون كتابه عن الأئمة
الأربعةَ عشرَ ما نصه: « وأسمائهم وكناهم، الخاصّ منها والعام، وأسماء أمّهاتهم
ومواليدهم، وأولادهم، وبراهينهم، ودلائلهم، ووفاةِ كلٍّ منهم، وشاهدهم وأبوابهم.
والدلالةُ من
كتابِ الله عزّ وجَلّ، والأخبار المأثورة المروية بالاسانيد الصحيحة».
قال الخصيبيُّ في كتابه هذا (ص: 92): « وكان اسمه علياً، وفي
القرآن مُبيَّناً.
قوله في قصة إبراهيمَ
(عليه السلام) (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ
صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ).
وقوله تعالى إجابة
لإبراهيم (عليه السلام): (وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ
رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ
عَلِيّاً).
وقوله: (وَإِنَّهُ
فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ).
وله في القرآن
ثلثُ مائة اسمٍ،
ورَوَيْتُ بالأسانيد
الصحيحة «هكذا هو النصّ» ووَجدتُ في قراءةِ عبدِالله
بن مسعود (رضي الله عنه): (إنّ عَليّاً جَمعَه وقرأَه، فإذا قرأه؛ فاتّبع قرآنه،
ثم إنّ عليّا بيانُه).
وقوله تعالى: (إِنَّمَا
أَنْتَ مُنْذِرٌ، وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) المنذرُ رسول
الله (صلى الله عليه وآله) والهادي علي (عليه السلام).
وقوله تعالى: (أَفَمَنْ
كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ، وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ
مِنْهُ).
والشاهدُ منه
عليٌّ (عليه السلام).
قال الفقير
عداب: هذا الكلام كلّه ليس له إسنادٌ واحدٌ صحيح
ومن طراز هذا
الكلام «الهَبَلِ» كتابٌ
كامل، يحمل عنوانَ «أسماء وألقاب أمير المؤمنين
علي بن أبي طالبٍ، عليه السلام» يقع في (347) صفحةً، بخطّ صغير، بنط (13).
جعل المؤلف
للإمام عليّ أكثر من (280) اسماً ولقباً.
وقال في
مقدمته (ص: 6): «إنّ معرفةَ عليٍّ - صلوات الله عليه - معرفةً شاملةً كاملةً مما
يمتنع على الناس، وهم إنّما يلحظون ما ينكشف لهم من أغوار شخصيّته، من خلال العمل
والسلوك، أو من خلال تصريحات القرآن، وتصريحات النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
في المناسبات.
وإلّا فإنّ
الإحاطةَ بكُنه أميرِ المؤمنين عليه السلام؛ لا تتأتّى، لأنّ أوعيتنا في المعرفة
والإدراك؛ أصغر بكثير من وعائه العُلويّ».
هذا الغلوّ
القبيح؛ هو الذي أريد للمسلمين - كلّ المسلمين - أن يتخلّصوا منه!
وقال النعمان الباطنيّ في بيان فضلِ التربة التي وُوري فيها الإمام عليٌّ
عليه السلام (ص: 95): «وأمّا البقعةُ التي فيها قبر أمير المؤمنين (صلوات
الله عليه) فإنّ نوحا (صلوات الله عليه) لما طافت السفينة، وهبط جبريل (عليه
السلام) على نوح، فقال له: إنّ الله يأمرك أن تنزل ما بين السفينة والركن اليماني
فإذا استقرّتْ قدماك على الأرض؛ فابحث بيدك هناك، فإنه يخرج تابوتُ آدم، فاحمله
معك في السفينة، فإذا غاص فابحث بيدك الماء، فادفنه بظهر النجفِ، بين الذكوات
البيض والكوفة، فإنّها بقعةٌ اخترتها له ولك يا نوحُ ولعلي بن ابي طالب (صلوات
الله عليه) وصي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
ففعل نوحٌ ذلك،
ووصّى ابنه ساماً أن يدفنه في البقعة مع التابوت الذي لآدم، فإذا زرتم مشهد أمير
المؤمنين؛ فزوروا آدمَ ونوحاً وعليَّ بن ابي طالب (عليهم السلام).
وقال في (ص: 240) منه: «عن المفضل بن عُمر الجُعفيِّ قال: سمعت أبا
جعفر (عليه السلام) يقول: إنّ الامام منّا يسمع الكلام في بَطن أمّه، فإذا وقع إلى
الارضِ؛ رُفع له عمودٌ مِن نورٍ، يرى به أعمالَ العباد».
وفي (ص: 229) حكى الخصيبيّ حواراً طويلاً جدّاً بين الإمام
أبي جعفرٍ الباقرِ، وبين تلميذه جابرٍ الجعفيّ، قال له الباقر فيه: «يا جابر: أتدري
ما المعرفة؟ قلت: لا أدري!
قال:
إثباتُ التوحيد أوّلاً، ثم معرفة المعاني ثانياً، ثم معرفة الأبواب ثالثاً، ثم
معرفة الأيتام رابعاً، ثم معرفة النقباء خامساً، ثم معرفة النجباء سادساً، ثم
معرفة المختصين سابعاً، ثم معرفة المخلصين ثامناً، ثم معرفة الممتحنين تاسعاً».
ولست
أدري أيَّ أسانيدَ صحيحةً، تلك التي تنقلُ هذا الهراءَ عن إمام كبيرٍ من أئمة
المسلمين.
وقد
تصفّحت هذا الكتابَ البالغ (437) صفحةً، فاستغربتُ كيف قامت مؤسسة البلاغ للطباعة
والنشر بطباعة مثل هذا الكتاب، وأفظع من هذا؛ أنّ النسخةِ التي تحت يديّ، هي
الطبعة الرابعةُ لهذا الكتاب، الصادرة عام (1991م).
ولست
أدري والله! عن أناسٍ في قلوبهم عقول يفقهون بها، كيف يقبلون مثل هذا الكلام،
ويتديّنون الله تعالى به.
(تَاللهِ
لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ، فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ
أَعْمَالَهُمْ، فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
و(الْحَمْدُ
للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ،
لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ).
أعانَ
الله تعالى قلبي الضعيفَ على احتمال أمّةٍ قتلها الغلوّ في الحبّ والبغضِ!
وهي
مصرّةٌ على تقديس بشرٍ يأكلون ويشربون، ويمرضون ويموتون، ولكلّ واحدٍ منهم نقائصه
التي لا تكاد تحصى في بعض الأحيان.
والحمد
لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق