الخميس، 15 مايو 2025

  مَسائِلُ مِن التَفسيرِ وعُلومِ القرآن:

منهج التفسير التعليميّ للقرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله]الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ[[العلق: 4- 5].

وأفضل الصلاةِ والسلام على من خاطبه ربه تعالى بقوله: ]وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[[النحل: 44].

أمّا بعد: فإنّ مما لا يخفى على طلبة العلم؛ أنّ القرآن العظيم، هو منهاج هذه الأمة في دنياها، ونبراسها الهادي إلى الفوز والسعادة في أُخراها.

وإنّ فهمَ كتابِ الله عزّ وجلّ؛ هو الركيزة الأولى في تحصيل العلم الشرعيّ، وإنّ سائر العلوم الأخرى؛ تتآزر وتتعاون؛ بغيةَ الوصولِ إلى الفهم الصحيحِ المرادِ للهِ تعالى من كلماته الحكيمة.

وقد شاع في تاريخ التفسير الإسلامي؛ ما اصطُلح عليه عنوان «منهج التفسير التحليلي» ومنهج «التفسير بالمأثور» و«منهج التفسير الفقهيّ» وقليلٍ من «منهج التفسير الإشاريّ».

وفي العصر الحديثِ؛ استجدّ للعلماء «منهج التفسير العلمي» و«منهج التفسير الكوني» و«منهج التفسير الموضوعيّ» و«منهج التفسير الشامل» للقرآن الكريم.

وكلّ واحدٍ من هذه المناهج؛ هو في حقيقته رؤيةٌ للمصنِّفِ، في المراد من «التفسير الموضوعي» و«التفسير الشامل» مثلاً؛ لأنّ الدراسات التطبيقية لهذه المناهجِ النظرية؛ لم تمتدّ رُقْعَتُها، ولم تكثر الدراسات فيها بعد، حسب اطّلاعي.

والموضوع الذي أطرحه في هذا المنشور؛ لا يتعارض مع أيّ منهجٍ مما سبق، ولا يَستغني عنه، كما أنه ليس بديلاً عن واحدٍ من تلك المناهج.

التصوّر العام للموضوع:

في المكتبة الإسلامية اليوم أكثر من ستّين تفسيراً، لأعدادهم من مفسّري علماء المسلمين.

ولكلّ واحدٍ من هذه التفاسير؛ منهج خاصّ به، سار عليه صاحبه في فهم كتاب الله تعالى، وتفسير كلماتِه.

فمنهج تفسير الطبريّ، ليس هو منهج تفسير عبدالرزاقِ، أو منهج تفسير سعيدِ بن منصورٍ، أو منهج تفسير النسائيّ، أو مَنهجَ تفسير ابن أبي حاتم، أومنهجَ تفسيرِ القرآن العظيم لابن كثير، أو منهج تفسير الدرّ المنثور مثلاً، في جانب التفسير بالمأثور.

ومنهجُ تَفسير الفخرِ الرازي، ليس هو منهجَ تفسير ابن الجوزي، أو منهج تفسير النسفي، أو منهج تفسير الخازن، في جانب التفسير التحليليّ.

وهذا يعني أنّ مَن يُريدُ أن يفهم كتاب الله عزّ وجلّ؛ فإنّه يُنصحُ بقراءة واحدٍ من هذه التفاسير، أو غيرها، من قديم أو معاصر.

وهو إنْ قرأ تفسيرَ ابن كثيرٍ كاملاً مثلاً؛ ربما يكون قد فهم طريقةَ ابن كثير في التفسير، ووجهةَ نظرِه في مراد الله تعالى من آياته.

لكنه لو قرأ تفسيرَ ابنِ كثير، وتَفسير البيضاوي، وتَفسير النسفي - مجتمعةً - فإنّه سيفهم أكثرَ، بيد أنّه لن يصبح مفسّراً، ولا يجوز له أنْ يتجرّأ على أن يفهم كتاب الله تعالى بنفسه، أو أن يجتهد في التلقّي عن الله عزّ وجلّ بإمكاناته.

وفي هذا المنشور أريدُ الإشارةَ إلى معرفة العلوم الضرورية لفهم كتاب الله تعالى، وترتيبها وفق المنهج العلمي التصاعديّ، ومحاولة تنزيل الآيات القرآنية عليها.

حتى إذا فسّرنا سورةً واحدةً من سور القرآن العظيم؛ وَفقَ هذا المنهج؛ سهُل على كلّ متقنٍ له؛ أنْ يَفهم كتابَ الله عزّ وجلّ، وأن يكون له تَفسيرٌ خاصّ به!

وبهذا يَكثر المجتهدون في فهم كتاب الله عزّ وجلّ، وتتنوّع التفاسير، وينتشر منهجُ التفسير التعليميّ، حتى يتحقق مرادُ الله تعالى بأنْ يَفهم كثيرٌ من خلقه ما يريده منهم.

والعلوم الموطّئة لفهم كتاب الله عزّ وجلّ، والمساعدة على تفسيره؛ تكاد تنحصر في العلوم الآتية:

(1) تاريخ القرآن العظيم، وتحته العلوم المساعدة الآتية:

(أ) أسباب النزول، إن وُجد.

(ب) المكيّ والمدنيّ.

(ج) الناسخ والمنسوخ، إن وُجد.

(د) التفسير بالمأثور، إن وُجد، ويشمل فضائلَ القرآن العظيم، وفضائلَ بعضِ السور، وفضائل بعضِ الآيات، والقليلَ الواردَ من التفسير الثابت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم خاصّاً أو عامّاً، والثابت عن صحابته رضي الله عنهم، مع الأخذ باعتبارِ جميعِ ما ثَبت عنهم؛ أنّه لونّ من ألوان التفسير المكافئ لذلك العصر، وليس هو فهماً لازماً للأمة، لا يجوز فَهمٌ غيرُه.

(2) التفسير العامّ للقرآن العظيم:

(أ) معاني المستغرب من الألفاظ.

(ب) الوقف والابتداء، وأثرهما في التفسير.

(ج) تنوّع القراءات القرآنية، وأثرها في التفسير.

(د) إعراب القرآن الكريم، وأثره في التفسير.

(هـ) حروف المعاني، وأثرها في التفسير.

(و) المعنى العامُّ القريب من الآية، أو المقطعُ القرآني المراد تفسيره.

وإلى ههنا لا يَنبغي أن يجهل أحدٌ ممن يريد فهم كلام الله تعالى شيئاً مما تقدّم.

(2) التفسير الخاصّ للقرآن العظيم:

               (أ) فقه اللغة: ويَشتمل علوماً عديدة تطبق عند التفسير، منها: علم التصريف والوضع والنحت، والاشتقاق، والصوتيات.

(ب) علوم البلاغة: علم البيان، وعلم المعاني، وعلم البديع «المحسّنات اللفظية».

(ج) الدرس الأدبيّ النقديّ للنصّ القرآنيّ (التفسير البيانيّ).

(د) علوم الاجتماع: وقد ذكر ابن خُلدون في مقدمته كثيراً من علوم الاجتماع التي يتعين على المفسّر معرفتها، في إطار ما يسمى «معرفة المفسر بعصره».

(هـ) العلوم الكونية المعاصرة ]سنريهم آياتنا في الآفاق[.

(و) العلوم الإنسانية المعاصرة ] وفي أنفسهم[.

(ز) التفسير الموضوعيّ للقرآن العظيم.

(3) التفسير الشامل للقرآن العظيم:

(أ) خلاصة التفسير العام.

(ب) خلاصة التفسير الفقهي.

(ج) خلاصة التفسير بالمأثور.

(د) خلاصة التفسير البياني.

(هـ) خلاصة التفسير الكوني.

(و) خلاصة التفسير الاجتماعي الإنسانيّ.

(ز) تطبيق منهج التفسير الشامل هذا على إحدى سور القرآن العظيم.

وقدْ حاولتُ تطبيقَ هذا المنهجَ الأشملَ لتفسيرِ القرآن الكريمِ، عندما أُسنِد إليّ تدريس مادّةِ التفسير في كليّةِ التربية بالطائف - فرع جامعة أمّ القرى (1987 - 1991م) وفي جامعة صدام للعلوم الإسلاميّةِ ببغداد (1992 - 1996م).

وقد استثقل هذا المنهج جمع من الطلّابِ، وشكوني إلى رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور «محمّد مجيد السعيد» المتخصّص في الأدب العربيّ، رحمه الله تعالى.

ومن ضمنِ الشكوى؛ أنّ عداب الحمش بطيءٌ جدّاً في تدريس المادّة، وقد مضت أربعة أسابيع، ولم يدرّسهم سوى (10) صفحات.

استدعاني رئيس الجامعة، وحكى لي خلاصةُ الشكوى، فبدأتُ من حيث انتهى، وأخرجت له المذكّرة التي درّستها في الأسابيع الأربعة، ووضعتها بين يديه، وقلت له: «صدق من قال: أنتم معشرَ العراقيين قوم بُهت، لا تستحيون من الافتراء، إلّا مَن رحم الله تعالى، وأظنهم منهم».

كانت المذكّرة (37) صفحةً، فيها تأصيل هذا المنهج، ومن الطبيعيِّ أن يكون عددُ الآياتِ المفسَّرةِ على هذا المنهج يسيراً.

قال: هل تسمح لي بتصوير هذه المذكّرة؟

قلت له: هي بأيدي جميع طلّاب السنة الرابعة، لا ما نعَ لديّ!

بعد عدّةِ أيّامٍ استدعاني، واستقبلني حتى باب مكتبه، وقال: كلامُ الطلّاب الذين شَكَوكَ؛ صحيح يا شيخ عداب، وليسوا بمفترين، والله!

يجب علينا وجوباً تربويّاً - كما تقول أنت - أنْ نسحب تدريس مادّةِ التفسير منك!

وانتظرَ ردّةَ فعلي بتروٍّ!

قلت له: أستكثرُ على مثلك مُتخصّصاً باللغة والأدبِ؛ أن تقول هذا الكلام، إذْ إنني أرى الأدباءَ أقدرَ على فهم مُرادِ الله تعالى من المشايخِ غير الأدباء، وأنا أديب وخطيب وشاعر، على الرغم من أنفِ من يَأبى!

أسند رئيسُ الجامعةِ ظهرَه إلى كرسيّه، وراح يضحك بصوتٍ مسموع، وقال: صحيح صحيح، هو هذا الذي يوجب علينا سحبَ تدريس مادّةِ التفسير منك!

هل تصدّقني إذا قلت لك بأنني أقرأ في مذكّرتك هذه كلَّ يومٍ، وأستمتع غايةَ المتعة، وقد صورّتها، وأهديتها إلى عددٍ من الأدباء المختصّين!

من أين لطلّابنا - حتى في مرحلةِ الدكتوراه - أن يستوعبوا هذا الكلام ويفهموه؟

قلت له: اسحب المادّةَ - إنْ شئت - فأنا أتعبُ في تحضير محاضرتها، عشرةَ أضعافِ ما أحتاجُه في غيرها من الموادّ الأخرى التي أدرّسها!

قال: لا لن نسحبَ المادّةَ، فأنا شخصيّاً لا أعرف أحداً في جامعتنا أقدر على تدريسها منك، بيد أنّنا نريد تفسير مختصراً، يفهم منه طلابنا  كلامَ الله تعالى، أحسنَ قليلاً ممّا يفهمه العوامّ!

قال  الفقيرُ عداب: أنا لست نرجسيّاً - كما اتّهمني بعضهم - وأعترف بأنّ أستاذي الدكتور إبراهيم عبدالرحمن خليفة المصريّ؛ أعلم مني بجوانب التفسير التي ذكرتها سابقاً، بل على يديه تعلمتُ التفسير، وأنّ أستاذي الدكتور عبدالعظيم المُطعني المصري؛ أعلمُ مني بالجوانب اللغويّة والأدبيّة التي تتعلق بالتفسسير، وعلى يديه تعلّمت «نظريّة النظم» القرآنيّ، وهو الذي وجّهني إلى الدراسات الأدبيّة للقرآن الكريم، وأرشدني إلى عددٍ من الكتبِ التي أفادتني كثيراً في فهمي كتابَ الله تعالى، على نحوٍ أشملُ وأسمى من التفسير التحليليّ، أو التفسير بالمأثور.

وأنا لن أستعرضَ أمامكم بقدراتي التفسيريّة؛ لأنّ الفيس بوك؛ ليس موضعاً للدراسات المتخصّصة - كما يقولون - إنّما سأعرضُ لكم تفسيرَ قصارِ السُورِ، وَفقَ منهج يُفيدُ منه غيرُ المتخصّصين بالتفسير أجمعون، إنْ شاء الله تعالى.

والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق