الخميس، 8 مايو 2025

 مسائل حديثيّة

فِقْدانُ بَوصلَةِ الكَذِبِ في الإسرائيليات!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(الْحَمْدُ للهِ، وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى)

أمّا بعد:

تحت هذا العنوان نشر الأستاذ الدكتور السيّد عمّار الحريريّ الحُسينيُّ مقالاً مطوّلاً نسبيّاً انتقد فيه حديثين من أحاديثِ أبي هريرة المرفوعةِ إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وسأنقلُ أبرز عباراته بحروفها، وأناقشها، بغيةَ توضيح المنهجِ الخاطئ الذي يسير عليه في نقدِ الرواياتِ الحديثيّة.

قال حفظه الله تعالى وألهمه رُشْدَه:

(1) لا أخفيكم أنني في دراساتي الحديثية أولي نقد المتن اهتماماً يفوق السند، وذلك انطلاقاً من خبرتي المتواضعة في تتبع ظاهرة الوضع في الحديث وتركيب الأسانيد. فقد أصبحتُ أتأمل في الأحاديث التي تستشكل، لا بعين التبرير والتأويل والمسلمات» انتهت هذه الفقرةُ عندي.

أقول وبالله التوفيق:

من المعلوم لدى المبتدئين في علمِ الحديثِ؛ أنّ الحديثَ الذي ينتهي إلى الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، أو إلى مَن دونه من صحابيٍّ وتابعيٍّ؛ هو إسنادٌ ومتن.

والإسناد ينقسم إلى قسمين:

القسم الأوّل: الرواةُ العُمَدُ في الإسنادِ، وهم الرواة الذين يبدؤون من مدار الحديث (أوّل موضع تفرّد من جهة المصنّف) إلى الصحابةِ رضي الله عنهم.

والقسم الثاني: الرواة النَقَلَةُ، وهم الرواة ما دون المدار، والمحدّثون يتشدّدون في تقويم شخصيات الرواةِ العُمَدِ أضعاف ما يتشددون في تقويم شخصيات الرواة النقلة؛ لأنّ تتابع هؤلاء النقلة على رواية متن حديث واحدٍ عن مَداره، مع الوفاق؛ تقوّي روايةُ أحدِهم روايةَ الآخر.

ويتمّ التشديد؛ إذا ما خالفَ بعضُ الرواةِ بعضَهم الآخر في سياقة الإسنادِ، أو في متن الحديث.

فإذا كان مدارُ الحديثِ على شيخِ البخاريّ (في حديث الباب) إسحاق بن نصر السعديّ، فنشدّد في تقويم شخصيّة السعديّ؛ لأنّه موضع التفرّد الأوّل في الإسناد.

ويكون احتمال وضعُ الحديثِ، أو تركيبُ الأسانيد ممكناً نظريّاً.

أمّا إذا كان مَدار الحديثِ على الصحابيِّ؛ فهل يمكن أن نتّهم الصحابيَّ بوضع الحديثِ؟

بمعنى أوضح:

حديث الباب الآتي؛ مداره على أبي هريرة، رواه عنه:

الحسن البصريّ، عند الإمام البخاري (3404) وقد أخرج له البخاريّ (40) رواية مكررة، وأخرج له مسلم (26) وقال الحافظ ابن حجر: ثقة.

وخِلاسُ بن عَمرٍو الهجريّ، عند البخاريّ (3404) وقد أخرج له البخاري (3) روايات مكرّرة، وأخرج له مسلم حديثاً واحداً (439) وقال الحافظ ابن حجر: ثقة.

وعبدالله بن شفيق، عند مسلم (339م) في فضائل موسى عليه السلام، عقب حديث (2371) وقد أخرج له مسلم (22) رواية، وقال الحافظ ابن حجر: ثقة.

ومحمّد بن سيرين، عند الإمام البخاريّ (3404) وقد أخرج له البخاري (98) رواية مكرّرة، وأخرج له مسلم (88) رواية، وقال الحافظ ابن حجر: ثقة ثبت.

وهمّام بن منبّه، عند الإمام البخاريّ (278) وقد أخرج له البخاري (69) رواية مكررة، وأخرج له مسلم (83) رواية، وقال الحافظ ابن حجر: ثقة.

وههنا نعيد تساؤلَ الدكتور عمّار البروفيسور بعلم الحديث، الذي يقول فيه:

 (انطلاقاً من خبرتي المتواضعة في تتبع ظاهرة الوضع في الحديث وتركيب الأسانيد) ونسأله بدورنا:

أنت بين خيارين لا ثالثَ لهما، عند أهل الحديثِ، ولا عند الأصوليين، ولا عند غيرهم من العقلاء: هل اجتمع هؤلاء الرواةُ الأربعةُ الثقاتٌ على وضعِ هذا الحديثِ، أو اجتمعوا على تركيب أسانيده؟

وإذا كان أمثالُ هؤلاء الرواةِ، يمكن أنْ يُتّهموا بوضع الحديثِ، أو تركيب الأسانيد؛ فمن هم الرواة البرآءُ عندك من هذه التهمة؟

إذا كان من المستبعدُ عقلاً وديناً وتاريخاً؛ أن يجتمع هؤلاء على وَضع حديث؛ فيبقى مدارُ الحديث «أبو هريرة» هوالذي وضعَ هذا الحديثَ، أو ركّبَ أسانيده؟!

وإذا كان هذا الاحتمالُ غيرَ ممكنٍ أيضاً، فما الخروجُ من هذا المأزق، يا دكتور عمّار؟

قال الإمام ابن حبّان في خطبة صحيحه (ص: 111): «إني أمثل للاعتبار مثالاً يُستدرك به ما وراءه.

وكأنا جئنا إلى حمّاد بن سلمة، فرأيناه روى خبراً عن أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، لم نجد ذلك الخبر عند غيره من أصحاب أيوب.

فالذي يَلزمنا فيه؛ التوقّفُ عن جرحه، والاعتبارُ بما روى غيره مِن أقرانِه.

فيجب أن نبدأ، فننظر هذا الخبر: هل رواه أصحاب حمّاد عنه، أو رجلٌ واحد منهم وحدَه.

فإن وُجِد أصحابُه قد رَووه؛ عُلِمَ أنّ هذا قد حدّث به حماد.

وإن وُجِد ذلك من رِواية ضعيفٍ عنه؛ ألزق ذلكَ «الحديثُ» بذلك الراوي دونه!

فمتى صحّ أنه روى عن أيوبَ ما لم يُتابَعْ عليه؛ يجب أن يُتوقف فيه، ولا يُلزق به الوهن!

بل يُنظر: هل روى أحدٌ هذا الخبرَ من الثقاتِ عن ابنِ سيرين غيرَ أيّوب؟

فإن وُجد ذلك؛ عُلِم أن الخبر له أصلٌ، يَرجع إليه.

وإن لم يوجَدْ ما وَصفنا؛ نُظر حينئذٍ: هل رَوى أحدٌ هذا الخبرَ عن أبي هريرةِ، غيرَ ابن سيرين من الثقاتِ؟ فإن وُجِد ذلك؛ عُلِمَ أنّ الخبر له أصل.

وإنْ لم يُوجدْ ما قلنا؛ نُظِر: هل رَوى أحد هَذَا الْخَبَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، غيرَ أبي هريرة؟

فإن وُجد ذلك؛ صحّ أن الخبرَ له أصل.

ومَتى عُدم ذلك - والخبر نفسه يخالف الأصول الثلاثة «الكتابَ والسنّةَ والإجماعَ»- عُلِم أنّ الخبر موضوعٌ، لا شك فيه، وأنّ ناقلَه الذي تَفرّد به؛ هو الذي وَضَعَه!

هذا حكم الاعتبار بين النقلة في الرواياتِ» انتهى كلام ابن حبّان.

وههنا قد تفرّد أبو هريرة بهذا الخبر، عن الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فهل هو الذي وَضَع هذا الحديثَ؟ 

تابع الدكتور عمّار يقول:

(2) بل بعين الفحص والتمحيص، لأتبين كيف تاهت بوصلة الوُضّاع في صناعة الرواية، بخلاف المنهج السائد الذي يميل إلى التلفيق والتأويل من أجل نسبتها للنبي عليه الصلاة والسلام بأي وجه كان، وخصوصا كونها في الصحيحين» انتهى.

قال عداب: أظهر لنا أنت ياصاحب الفحص والتمحيص، كيف حصلَ الوضعُ في هذه الرواية؟

ولست أدري مَن تقصدُ بأصحاب المنهج السائدِ، الذي يميل إلى التلفيق والتأويل؟

أتقصدُ المتقدّمين، أم تقصد المتأخرين، أم تقصد المعاصرين؟

إنّ الفقير عداباً بدأ بنقد الصحيحين عام (1983) فكم كان لك من العمر آنئذٍ، وفي أي مرحلة دراسيّة كنتَ أيّها السيّد الكريم؟

هذا التعميمُ المُبهَمُ دليل خَوفك من مواجهةِ الذين تتهمهم، أوضح مقصودك بشجاعة!

فهذا المنهج ليس موجوداً في عقلك أنت، ولا أعلم أحداً من المحدّثين القدامى والمعاصرين يلفّق ويؤوّلُ، بغيةَ أن ينسبَ هذا الحديثَ أو ذاك، إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم!

ثم تابع الدكتور عمّار يقول:

(3) وحين أستحضر صحيفة همام بن منبه ذات الطابع التوراتي، وأتأمل كيف تَسربت بعضُ رواياتِها إلى الصحيحين، بل كيف قام الشيخان بانتقاء أحاديث منها؟

مع اختلافهما في ما اختاراه يزداد عجبي من اعتماد مثل تلك الروايات، التي تحمل في متنها علاماتِ الوَضعِ والدَخن، وأُبْعِدُ أن تكون منسوبة إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وخصوصا مع بطلان متونها) انتهت الفقرة.

قال عداب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأعوذ بالله من شرّ شيطانك يا عمّار!

يقول الدكتور عمّار: صحيفة همّام بن منبّه؛ ذات طابع توراتيّ، ورواياتها تحملُ علاماتِ الوضع والدَخَنِ!

أخرج البخاريّ في صحيحه، من صحيفةِ همّام (69) روايةً، سأعرضُ متون الرواياتِ الخمس الأولى متتابعةً، من دون انتقاء!

قال الإمام البخاريّ رحمه الله تعالى:

(42) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلَامَهُ، فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا؛ تُكْتَبُ لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِهَا).

راجعتُ التوراةَ والإنجيل، فلم أجد شبيهاً بهذه الرواية، بل وجدت شاهدها في القرآن الكريم (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ).

(113) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ أَخْبَرَنِي وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ عَنْ أَخِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ) أين الطابع التوراتي، أيها المؤتمنُ على سنّة جدّك الرسول؟

(135) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ، حَتَّى يَتَوَضَّأَ).

(237) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ الْمُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا إِذْ طُعِنَتْ تَفَجَّرُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالْعَرْفُ عَرْفُ الْمِسْكِ) ليس في التوراة مثل هذا حتماً؟

(416) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَبْصُقْ أَمَامَهُ، فَإِنَّمَا يُنَاجِي اللَّهَ، مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ، وَلَا عَنْ يَمِينِهِ؛ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا، وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ فَيَدْفِنُهَا) أين في التوراة مثل هذا الأدب؟

لست أدري - أخي السيّد عمّار - هل هذه المتون تَستبعد صدورها عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهل وجدتَ أصولَها في التوراه أو في الإنجيل؟

ثمّ قال الدكتور عمّار:

 (4) خذ على سبيل المثال: حديث موسى والحجر، الذي رواه الإمامان البخاري ومسلم، بسندهما يمرّ عبر عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة:

حيث يروي البخاري بسنده قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ #أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ #النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَكَانَ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إِلَّا أَنَّهُ آدَرُ، فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ، فَفَرَّ الحَجَرُ بِثَوْبِهِ، فَخَرَجَ مُوسَى فِي إِثْرِهِ، يَقُولُ: ثَوْبِي يَا حَجَرُ، حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى مُوسَى، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ، وَأَخَذَ ثَوْبَهُ، فَطَفِقَ بِالحَجَرِ ضَرْبًا "

وفي خاتمة الحديث، يقول #أبو هريرة: "وَاللَّهِ إِنَّهُ لَنَدَبٌ بِالحَجَرِ، سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ، ضَرْبًا بِالحَجَرِ".

ما يثير الانتباه هنا ليس السند رغم أن رواته من مسلمي أهل الكتاب بل مضمون المتن، الذي ينتهي بأبي هريرة يصف لنا حال الحجر وعدد الندوب التي تركتها ضربات موسى، وكأنه كان شاهداً حاضراً للموقف مع موسى عليه السلام، أو أنه يتحدث عن وحي أو علم غيبي!

فهل يعقل أن يعرف أبو هريرة عدد الضربات على حجر في قصة وقعت لبني إسرائيل قبل آلاف السنين؟ ومن أوحى إليه بهذا؟ فضلا عن تصور أن ضرب موسى للحجر قد نحت فيه ندبا..!

إذن، لماذا لم يستشكل البخاري كلام أبي هريرة في وصفه الحجر بنفسه... ليستنبط أن المتن فيه إشكال وتلاعب بين كلام النبي وكلام أبي هريرة، ومن هو القائل الحقيقي للنص وأنت بحضرة همام بن منبه صاحب الكتب القديمة؟) انتهت الفقرة.

قال الفقير عداب: هذا الحديث مشهور عن أبي هريرةَ، رواه عنه في الصحيحين فحسب؛ أربعة ثقاتٍ:

همّام بن منبّه من أهل الكتاب.

الحسن البصريّ وُلد في المدينة المنورة، وألقمته ثديها الطاهر أمّنا أمّ سلمة زوج الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم، وليس من مسلمة أهل الكتاب.

ومحمّد بن سيرين وُلد في المدينة أيضاً، وليس في شيوخه كعب الحبر، ولا وهب بن منبه، ولا وهيب، ولا أبو موسى الأشعريّ، ولا عبدالله بن سلام.

وخلاس بن عمرو الهجريّ؛ عربيّ، وليس في شيوخه أحدٌ من أهل الكتاب.

ولنفترضْ أنّهم جميعاً من أهل الكتاب، فهل لديك برهانٌ من الله تعالى بأنّ هؤلاء الأربعةَ قد اجتمعوا، ووضعوا هذا الحديث؟

وهل على مَتن هذا الحديثِ علائم توراتيّة، أو هو من الكتبِ القديمة؟

تتبّعت ما يدعى بالكتاب المقدس،  في كلمات (نهر، سبح، اغتسل، غسل، ثوب، عراة) ومشتقاتها الصرفية؛ فما وجدت أنّ بني إسرائيل كانوا يغتسلون في النهر عراة، وليس فيه أنّ موسى كان يغتسل في النهر أصلاً.

فكيف تزعم أنّ صحيفة همّام توراتيّة الاتّجاهِ والهوى؟

يبدو لي أنّك لا تجرؤ على اتّهامِ أبي هريرةَ بوضع هذا الحديثِ عمداً، أو وَهماً، أو جهلاً، فتروغ إلى دعوى أنّ الحديث موضوع، أو مركّب الأسانيد، من دون معرفةِ من فعلَ ذلك!

أنا لا أتّهم أبا هريرةَ بوضعِ الحديث، ولو كنت أتّهمه بذلك؛ ما تردّدت لحظةً في اتّهامه، فقد اتّهمه غير واحدٍ من الصحابة بما يُشبه الكذب!

بيد أنّ أبا هريرةَ رجلٌ أمّيّ، لا يقرأ ولا يكتب، وهو أكثرُ الصحابة رضي الله عنهم حديثاً عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم!

فلو كان بمثل هذا الذكاءِ وتلك العبقريّة حقّاً؛ فلماذا لم يتعلّم القراءةَ والكتابةَ في سنةٍ مثلاً؟

وإذا كانت حافظته مُترعةً بألوفِ الأحاديثِ، وهذا يستلزم زيادةَ علم؛ فلماذا لم يعدَّه أحدٌ من العلماءِ المتقدّمين، من فقهاء الصحابةِ، بل كان السادةُ الحنفيّة لا يعتدّون برواياتِه إلّا في الترغيب والترهيب؟

إذا كان متن الحديثِ منكراً - وهو كذلك - فعلينا أن نبحثَ عن مخرجٍ مقبولٍ لردّ الحديثِ!

كأنْ نقول: كان أبو هريرة كثيرَ الصحبةِ لمسلمة أهل الكتاب - كعبٍ وغير كعبٍ - وغير واحدٍ من العلماء كانوا يتّهمون كعباً، ويتحرّجون من الروايةِ عن مسلمة أهل الكتاب!

فربما حدّث كعبٌ أبا هريرة بهذا الحديثِ، كقصّةٍ تروى في غير التوراةِ، من كتب اليهود، ومع تقادمِ الزمانِ؛ نسي أبو هريرةَ، فرفع الحديثَ إلى الرسول!

وربما سمع أبو هريرة هذه القصّةَ من مجهولٍ، ومع تقادم الزمان ظنّ أنه حفظها عن الرسول، صلّى الله عليه وآله وسلّم.

ختاماً: لا أريد أن أسترسل في بيانِ أخطائك المنهجيّة؛ لأنّه ليس هدفاً لي معك!

إنّما أردتُ أن أبرز لك بأنّك تسير وفقَ هوىً آثمٍ، لن تؤجر عليه حتماً؛ لأنّك غير مؤهّلٍ للاجتهاد في (نقد الرواية الحديثيّة).

وسيظهر لك أيضاً؛ أنّ لشهادتي هذه بمستواك الحديثيّ قيمةً عليا، إنْ كنت ممّن يعتقد بحكمة (الرجوع إلى الحقّ؛ خيرٌ من التمادي في الباطل).

وأنا أنصحُ إخواني القرّاءُ الكرام من روّاد صفحتي، وروّاد صفحة أخي الدكتور عمّار الحريري؛ بأنْ لا يطالعوا صفحتَه بتاتاً، فهو ليس بناقدٍ حديثيٍّ من جهةٍ، وهو صاحبُ هوىً يدفعه إلى قولِ غير الحقِِّ، وإلى التشكيك بالرواياتِ الحديثيّة قاطبةً!

وأنا منذ عرفتُ صفحتَه إلى هذا اليوم؛ لا أتذكّر أنّه عرض عليها حديثاً واحداً صحّحه!

وقد طالبته عدّةَ مرّاتٍ بأن يعرض لنا خمسةَ أحاديثَ، يراها هو صحيحةً، فلم يفعل حتى هذا اليوم.

وأسألُ الله تعالى أن يعينني على متابعتِه أسبوعاً من الزمانِ؛ ليستيقن هو أوّلاً؛ أنّه يسير في نقدِ الروايات الحديثِيّةِ على غير هدى!

واللهُ تعالى أعلم.

والحمد للهِ على كلّ حال.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق