الخميس، 14 سبتمبر 2023

         مَسائل حديثية (56):

موسوعة الإمام عليّ عليه السلام !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

طُلِب مني أن أضعَ خِطّةً لجمع علومَ الإمام عليٍّ عليه السلام في موسوعة مرتّبة على حسب الأبواب العلميّة، تشمل كتبَ أهل السنّة والشيعة!

فوضعتُ لهم خطّةً قدّمت لها بمقدّمة قلت فيها: إنّ العملَ في كتب الشيعةِ الروائيّة - كلَّ الشيعةِ - مَضيَعةٌ للوقتِ، وصرفٌ لجهودٍ مضنيةٍ، من دون كبير فائدة!

قدّمت الخطّةَ إلى مَن طلبها مني؛ فتواصل معي وقال: نحن نعرفك منصفاً موضوعيّاً، فما هذا الجوابُ الإقصائيّ الواسع؟

قلت له: إنّ علوم الحديث قسمان: نظريٌّ وتطبيقيّ!

فإذا كنت لا أعترف بكثيرٍ من الجانب النظريّ لدى الشيعةِ؛ فمن الطبيعيِّ أنّ الجانب التطبيقيَّ الذي بني عليه، لا أعترف به!

قال: هل اطّلعتَ على «موسوعة الإمام عليّ عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ»؟

قلت: نعم، اطّلعت عليها ضمن كتب المكتبة الشاملة الشيعيّة، مرفوعةً على الإنترنيت!

قال: ما رأيُك فيها؟

قلت: مجموع طيّب، جزى الله مصنّفه خيراً!

قال: هو جمعها من كتب أهل السنة والشيعة، وتقول: مجموع طيّب، وقبل ثوانٍ تقول: العمل في كتب الشيعة مضيعةٌ للوقت، اشرح لي هذه المعادلةَ غيرَ المفهومة لديَّ!

قلت: أهل الحديث يقولون: «إذا جمعتَ؛ فقمِّشْ، وإذا رويتَ؛ ففتّش»!

ومؤلّف هذه الموسوعة، قد جمع جمعاً طيّباً في ستّة عشر مجلّداً، جمعها من نصوص القرآن الكريم، ومن كتب الرواية، ومن كتب التاريخ، ووثّق نصوصها توثيقاً جيّداً في ظاهر الأمر، ورتّبها ترتيباً موضوعيّاً مناسباً.

بيد أنّه لم يَقُمْ بنقدِ رواياتِ هذا المجموع الكبير، إنّما ساقَه كلَّه مساقَ الثابتِ المحتجّ به، وهذا شأن معظمِ المصنّفات الشيعيّة.

وفي هذا تضليلٌ كبيرٌ للموافقِ وللمخالف على حدٍّ سواء!

قال: ألا يمكن الإفادة منها في موسوعتك التي أرسلتَ إلينا خطّتها؟

قلت له: هناك طريقان للعمل:

إن كنت تريد أن يكون محورُ عملنا تصويبَ هذه الموسوعةِ الشيعيّة؛ فسوف نفيدُ منها فوائد كثيرةً جدّاً؛ لأننا سنتركها على حالتها الراهنةِ، ونقوم بنقد مضمون رواياتها، وفق منهجي الخاصِّ بالنقد.

وإنْ كنت تريد أن تجمع الصحيح من الروايات الواردةِ في علوم الإمام عليّ فحسب، فليس بنا حاجةٌ إلى هذه الموسوعة، ولن نكلّف أنفسنا الرجوعَ إليها البتّة!

قال: كيف؟

قلت له: إنّ موطّا مالك ومسند أحمد وسنن الدارميّ وابن ماجه وأبي داود والترمذي والنسائيّ قد حقّقت وخرّجت، وحكم المحققون على أحاديثها.

وكذلك صحيح ابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والحاكم، وغيرها!

فالذي سأقوم به أنا:

أوّلاً: تعيين مناطَ العمل.

ثانياً: البداءَةَ بالصحاح.

ثالثاً: استبعاد الروايات المضعّفة.

رابعاً: نقدُ الروايات المصححة!

خامساً:

قال: على مَهلك شيخَنا!

أنت ترفض التقليد، فكيف تعتمد تضعيف المحقّقين المعاصرين؟

قلت: جميع المعاصرين يعتمدون منهجَ البحثِ باستقصاء عن نقدِ المتقدّمين للروايات، فإنْ لم يجدوا؛ لجأوا إلى صنيعِ الشيخ الألبانيّ، فقلّدوه في غالب عملهم!

والشيخ الألباني لا يضعّف حديثاً فيه رَمَق، وتصحيحه أكثرُ تساهلاً من تصحيح الترمذيّ في نظري!

وقد تتبعت أكثر من (100) حديث متتاليةً، ضعّفها الشيخ الألباني؛ فوجدت جميعها أشدّ ضعفاً ووهاءً مما وصفها به تقريباً!

وتتبعتُ أكثر من (100) حديث حسنها الألباني؛ فوجدتها ضعيفةً كلَّها، وضعفها متفاوت!

فأنا عندما أقصي ما ضعّفه الشيخُ الألبانيُّ وأتباعُه؛ لا أكون مقلّداً لهم، إنما أكون متخفّفاً من أعباء نقد رواياتٍ كثيرةٍ، تختصّ بالإمام عليّ عليه السلام، لست في حاجةٍ إلّا إلى قراءةِ ما كتبوه مُستنَداً لتضعيفهم!

قال صاحبي: وَفقَ منهجك النقديِّ المتشدّد - كما هو معروفٌ عنك - لن يصفو إلّا أحاديثُ يسيرةٌ، لن تعطي صورةً حقيقيّةً عن علوم الإمام عليٍّ عليه السلام؟

قلت: أنا لا أعدُّ التشيّع جَرْحاً، بل أعدّه واجباً شرعيّاً، ولذلك أنا لا أجرح الراوي بمجرّد نسبته إلى التشيّع!

وعليه فأكثر الرواةُ عن الإمام عليٍّ عندي ثقات، والحارث بن عبدالله الهمدانيّ؛ أوثقُ عندي من الشعبيّ الذي كذّبه في رأيه «اجتهاده» فقال مَن بعده كذباً وزوراً: كذّبه الشعبيّ، وهذا لا يكون إلّا بعد إقامةِ الحجّة على توثيقهم بالتأكيد!

قال: يعني ستخالف منهجَ أهل السنّة في التصحيح والتضعيف؟

قلت: أنا لا ألتفتُ إلى منهج الشيعةِ في التصحيح والتضعيفِ بتاتاً!

وأختار من منهج أهل السنّة؛ ما أراه ينسجم مع العَدل الذي أمر الله به!

فنقّاد الحديثِ من أهل السنّة ليسوا قوالبَ متطابقةً، ما يقوله هذا؛ يقوله الباقون!

ومسألة «روايةِ المبتدع ما يوافق بدعتَه» تطبيقها العمليّ عند أهل السنّة؛ أن لا يروي الشيعيّ للإمام عليٍّ فضيلةً أعظمَ مما جاء في فضل أبي بكرٍ وعمر!

أمّا إذا روى الناصبيّ فضائلَ شتّى لأبي بكرٍ وعمر؛ فلا يتوقّف أحدٌ ليطبّق عليه تلك القاعدة الجيّدة!

بينما تطبيقُها عندي؛ أن يروي الشيعيّ في فضل الإمام عليٍّ أو غيره من أهل البيت حديثاً فيه غلوّ، كأن يقول: إنهم كانوا أنواراً حول العرش، قبل أن يخلق الله البشر!

أو يقولوا: إنهم خلقوا من نور الله، أو من مطلق النور، أو إنهم يعلمون الغيب، أو إنّ لهم ولايةً تكوينيّة، ونحو ذلك من الغلوّ الغبيّ السخيف!

قال: ثمّ ماذا؟

قلت:

خامساً: ترتيب الروايات الصحيحة في جُزءٍ خاصٍّ، ثم ترتيب الروايات الحسنة في جزءٍ خاصٍّ.

ثم ترتيبها كلّها على حسب الموضوعات العلمية «العقائد، الفتن وأشراط الساعة، التفسير، الطهارة، الصلاة» وهكذا إلى الأخير.

ثم إعداد فهرست لأطراف الأحاديث، وفهرست آخر مرتّباً على أسماء الرواة عن الإمام عليٍّ.

قال: ألا ترى أنّك تأخّرت كثيراً في مشاريعِك العلميّة؟

قلت له: ربما أكون تأخّرتُ لأسبابٍ كثيرة، غير أنني طرحت مشروعي العلميّ الكبير عام (1997) يعني قبل ربع قرنٍ من اليوم، لكنني لم أجد أعوانا على إنجازه!

وإنْ وَجدتُ من يساهم في تمويله؛ أجده يريدني أنا على مزاجِه وهواه، فيم يجب أن يترك لي الحريّة التامّةَ في العمل، إذ هو رجل تاجر أو صانع، ونجاحُه في أمور الدنيا والمال؛ لا يخوّله بأن يفرض رؤيته عليّ وعلى غيري!

وحسبنا الله ونعم الوكيل

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على نبيّنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق