مَسائِلُ مِن الفِقْهِ والأُصولِ (14):
الأذانُ جَزْمٌ !؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
المؤذّنون من السادةِ الحنفيّة في بلدنا، وفي
تركيا؛ يقولون في الأذان والإقامة (اللهُ أكبَرَ اللهُ أكبرْ - اللهُ أكبَرَ اللهُ
أكبرْ ) وقد سألت عدداً من المؤذّنين في مدينة حماة، لماذا تنصبون راءَ «أكبرَ»
وحقّها الضمّ؛ لأنها خبرٌ؛ قال لي أحدهم، وكان مثّقفاً: جاء عن الرسول صلّى الله
عليه وآله وسلّم أنْه قال: (الأذانُ جزمٌ، والإقامةُ جزم) يعني (اللهُ أكبَرْ -
اللهُ أكبرْ) فإذا وصلنا التكبيرتين؛ حرّكنا بالفتح لأنه أخفُّ الحركات!
ولم أكن يومها أعرف في علم الحديث شيئاً، كلُّ مَن
قال لنا: قال رسول الله؛ خضعنا!
وعندما كَبُرتُ، وغدوتُ أطالع بعضَ مُطوّلات المذهب
الحنفيّ، من أمثال المبسوط للسرخسيّ؛ وجدتُه يقول: «وَيَحْذِفُ التَّكْبِيرَ حَذْفاً،
وَلَا يُطَوِّلُهُ» لِحَدِيثِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مَوْقُوفاً وَمَرْفُوعاً:
«الْأَذَانُ جَزْمٌ، وَالْإِقَامَةُ جَزْمٌ، وَالتَّكْبِيرُ جَزْمٌ» وَلِأَنَّ
الْمَدَّ فِي أَوَّلِهِ لَحْنٌ مِنْ حَيْثُ الدِّينُ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَلِبُ
اسْتِفْهَاماً، وَفِي آخِرِهِ لَحْنٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ؛ فَإِنَّ «أَفْعَلَ»
لَا يَحْتَمِلُ الْمُبَالَغَةَ» فرجعتُ إلى هذا المؤذّن، وكلمته، وقرأتُ عليه ما
قاله الإمام السرخسيّ، لكنّه لم يقتنع بكلامي، وظلّ يقول: (اللهُ أكبَرَ اللهُ
أكبرْ ) إلى أن توفي، رحمه الله تعالى.
وعندما أقمتُ في تركيّا؛ وجدتُ جميعَ مَن استمعتُ
إليه من مؤذّنيهم؛ يقولون: (اللهُ أكبَرَ اللهُ أكبرْ ).
والحقّ أنّ هذا باطلٌ في اللغةِ، وباطلٌ في الفقه:
أمّا في اللغة؛ فإنّ «أكبرُ» خبر لفظ الجلالة «اللهُ»
والخبر مرفوع، فمن أراد أن يقتصر على تكبيرةٍ واحدةٍ؛ وَقف بالجزم، لأنّه لا يوقَف
في العربية على متحرّك!
وأمّا
في الفقه؛ فقد قال برهان الدين بنُ مازهْ الحنفيُّ في المحيط البرهانيّ (1: 368):
«إذا كان المدُّ في أَكْبَرْ
«فقال: (أكبار) فإنّ الصلاةَ تَفسدُ، سواء كان في أوّله أو أوسطه أو آخره.
وإذا تَعمّد ذلك في وَسطه (أكبار) يَكْفُر؛ لأنّ (أكبار)
اسم الشيطان، وإنْ لم يَتعمّد؛ لا يَكفُر، ويَستغفرُ ويَتوب.
وينبغي أن يقول: (اللهُ) برفع الهاء، ولا يقول (اللهْ)
بجزم الهاء.
وفي قوله (أكبرْ) هو بالخيار، إن شاء ذكره بالرفع (أكبرُ)
وإن شاء ذكره بالجزم (أكبرْ).
وإنْ كرّر التَكبير مراراً؛ ذكر اللهَ بالرفع (اللهُ)
في كل مَرّةٍ وذكر أكبر بالرفع (أكبرُ) وفي المرّةِ الأخيرةِ، هو بالخيار، إنْ شاء
ذكرْ بالرفع (أكبرُ) وإنْ شاء ذكره بالجزم (أكبرْ)».
فلا يوجد إذنْ شيٌ اسمه نَصب (أكبرَ) في المذهب
الحنفيِّ، وعلى السادةِ الحنفيّة أن يتنبّهوا إلى هذا؛ فهو خطأٌ فاشٍ لدى
مؤذّنيهم.
وأمّا ما زعموه حديثاً (الْأَذَانُ جَزْمٌ،
وَالْإِقَامَةُ جَزْمٌ، وَالتَّكْبِيرُ جَزْمٌ) فليس هو بحديثٍ أصلاً، لا بهذا
اللفظِ، ولا بغيره.
وأحسن ما رُوي في ذلك خبرٌ مقطوع مُعلّقٌ، مرويٌّ
بصيغة التمريض!
قال الترمذيّ في جامعه - كتاب الأذان، بَابُ مَا
جَاءَ أَنَّ حَذْفَ السَّلاَمِ سُنَّةٌ (1: 386): «وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ
النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «التَّكْبِيرُ جَزْمٌ،
وَالسَّلاَمُ جَزْمٌ».
وقال السخاوي في المقاصد الحسنة (345): «حَدِيث
(التَّكْبِيرُ جَزْمٌ) لا أَصْلَ لَهُ فِي الْمَرْفُوعِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ
قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، حكاه الترمذي في جامعه عنه عقب حديث (حذف
السلام سنَّة) فقال ما نصه: ورُوي عن إبراهيم النَخعي أنه قال: «التكبير جزم،
والتسليم جزم».
واللهُ
تَعالى أَعلمُ
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق