الجمعة، 1 أكتوبر 2021

 مسائل فكريّة (17):

هل تاب الزمخشريُّ من الاعتزال ؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

كتب أحدهم يقول: «قرأت تعليقةً لأحد الإخوة على الفيس، يقول فيها: إنّ الزمخشريّ تاب من الاعتزال، ورجع إلى مذهب أهل السنة، فما رأيكم أنتم في هذه المسألة»؟!

أقول وبالله التوفيق:

ترجم الذهبيُّ الزمخشريَّ في النبلاء (20: 151) فقال: «العَلاَّمَةُ كَبِيْرُ المُعْتَزِلَةِ، أَبُو القَاسِمِ مَحْمُوْدُ بنُ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ الزَّمَخْشَرِيُّ.

كَانَ مَوْلِدُهُ بزَمَخْشَرَ - قَرْيَةٍ مِنْ عَمَلِ خُوَارِزْم - فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، ومَاتَ لَيْلَةَ عرفَةَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

وَكَانَ دَاعِيَةً إِلَى الاعتزَالِ، اللهُ يُسَامِحُهُ».

قال عداب: مفاد كلام الذهبيّ أنه لم يترك الاعتزال، كما تركه أبو الحسن الأشعريّ وغيره.

قال السمعاني في الأنساب (6: 315):

«كان يُضرب به المثلُ، في علم الأدب والنحو، لقي الأفاضل والكبار، وصف تصانيف في التفسير، وشرح الأحاديث، وفي اللغة، سمع الحديث من المتأخرين، وديوان شعره سائر، ورد مَرْوَ في زماني، ولم يتّفق لي رؤيتُه والاقتباسُ منه».

وقال ابن خلكان في وفياته (5: 168):

«كان إمام عصره من غير ما دفع، تشد إليه الرحال في فنونه. صنّف التصانيف البديعة، منها:

«الكشاف في تفسير القرآن العزيز» لم يصنف قبله مثلَه.

و«المحاجاة بالمسائل النحوية».

و«المفرد والمركّب في العربية»

و«الفائق في تفسير الحديث»

و«أساس البلاغة» في اللغة.

و«ربيع الأبرار وفصوص الأحبار»

و«متشابه أسامي الرواة».

و«النصائح الكبار» و«النصائح الصغار».

و«ضالّة الناشد والرائض في علم الفرائض».

و«المُفصّل في النحو» وقد اعتنى بشرحه خلقٌ كثير.

و«رؤوس المسائل  في الفقه».

و«المستقصى في أمثال العرب»

و«شقائق النعمان في حقائق النعمان»

و«شافي العِيّ من كلام الشافعيّ»

و«المنهاج في الأصول»

و«الأمالي في كلّ فَنٍّ» وغير ذلك.

وكان شروعه في تأليف «المفصّل»  في غرة شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وخمسمائة، وفرغ منه في غرة المحرم سنة خمس عشرة وخمسمائة».

قال عداب: إلى أيٍّ من مذاهب أهل السنة يرجع، فالرجل كان حنفيّاً في الفروع.

ومذهب أبي منصور الماتريديّ؛ أقرب إلى مذهب الاعتزال في التأويلِ وعدم الإثبات، منه إلى مذهب الأشعريّ، وهو من مذهب الحنابلة وأهل الحديث أبعدَ ما يكون!

الزمخشريُّ إمام، والإمام المجتهد؛ لا يُلزمه شيٌ سوى اجتهاده!

وهذا التصنيف الطائفيّ؛ كلّه سخيفٌ، قبيحٌ، مزّق الأمة، وجعل خصوماتها فيما بينها!

ومجرّد كلمة «أشعري» و«ماتريدي» و«حنبلي» و«سلفي» و«معتزلي» هو دعوة إلى الجمود والتقليد!

والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية؛ لا يجوّزون التقليد في العقائد، ثم هم يدعونك إلى أنْ تدير عجلةَ عقلك، وتسير بها حتى تزجّها في رحالهم!

إنّ مذهب المعتزلة؛ يلتقي مع مذاهب أهل السنة في مسائل كثيرة، وهو خير من مذاهب أهل السنة في بعض مسائل الخلاف!

ومذهب الماتريدية أدقّ من الاعتزال في بعض المسائل!

والزمخشريّ لم يكن غريباً عن مذاهب الإسلاميين كلّها.

وقد قلت في منشور سابق:

كن سنيّاً

كن شيعيّاً

كن سلفيّاً

كن صوفيّاً

كن ما شئتَ، ضمن دائرة الإسلام.

لكن كن ذا عقل وعلم وإنصاف!

وكن مسلما في الدرجة الأولى!

وليكن همك الأول فهم الإسلام!

وليكن همك التالي نصرةَ الإسلام بالعلم والحلم والحكمة والموعظة الحسنة!

وإياك ثم إياك ثم إياك؛ أن تعادي من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

وهو يُقرّ بأركان الإيمان وشعائر الإسلام.

مهما اختلفت معه في الفهم والمقاصد والأهداف!

والمعتزلةُ من أهل الإسلام، والذين كفّروا المعتزلة من المتقدّمين؛ جميعهم غريبون عن علم مقارنة الفرق والمذاهب، ولا يعرفون سوى فنّ الرواية!

كان الإمام أحمد ابن حنبلٍ يكفّر مَن قال: «القرآن كلام الله مخلوق».

فروى أَبو هاشم زيادُ بن أيّوب قال: كنت عند علي بن الجعد فسألوه عَنِ القرآن؟

فقال: «القرآن كلام اللهِ» ومن قَالَ: مخلوق؛ لم أعنفه»!

قَالَ أَبُو هاشم: فذكرت ذلك لأحمد ابن حنبل!
فقال: ما بلغني عنه أشدُّ من هذا» كما في طبقات الحنابلة (1: 157).

ونتيجة هذا الموقف، فقد روى سعيد بْن عَمْرو البردعي قَالَ: «سمعت أبا زرعة يقول: كان أَحْمَد ابن حنبل لا يرى الكتابَ «روايةَ الحديث» عَنْ عَلِيّ بْن الجعد، ولا عن سعيد بْن سليمان، ورأيتهما فِي كتابه مَضروباً عليهما» كما في طبقات الحنابلة (1: 203) أيضاً، وفعلاً ليس في مسند أحمد عن عليّ بن الجعد أيّ حديث!

قال الفقير عداب: كلام عليّ بن الجعد، وحسين الكرابيسيّ وغيرهما: «القرآن كلام الله» هو الحقّ، والباقي كلّه إلزامات بما لا يلزم!

فمن فهم أنّه غير مخلوق، ومن فهم أنه مخلوق؛ سيّان في كفتي الميزان.

ومقولة «القرآن كلام الله مخلوق» أقرب إلى فهم العربية والعقل والمنطق، من مقولة: «إنه كلام قديم».

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق